10th of Kislev, 5785 | י׳ בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التكوين » سِفْر التكوين الدرس الثاني عشر – الإصحاحان الثاني عشر والثالث عشر
سِفْر التكوين الدرس الثاني عشر – الإصحاحان الثاني عشر والثالث عشر

سِفْر التكوين الدرس الثاني عشر – الإصحاحان الثاني عشر والثالث عشر

Download Transcript


سِفْر التكوين

الدرس الثاني عشر – الإصحاحان الثاني عشر والثالث عشر

قراءة تكوين الإصحاح الثاني عشر من الآية أربعة – حتى النهاية

وَصَلنا الآن إلى مرحلة نفهَم فيها أنّ العهد الذي خَلَقه الله هو قانون جديد أو مُعدِّل للطبيعة. لا توجد كَلِمة أخرى يمكن أن نَستخدمَها لتُعبِّر عن قوة العهد المُبهمة. فالوعد، والعَقد، والعقيدة، والوصيّة، ما هي إلا أجهزة ضعيفة ودونية مِحورها الإنسان، مُعيبة وقابلة للانهيار مثل البَشر الذين صَنعوها. أمّا عهد الله فمَصدره روح الله ذاته؛ لذلك، لا شيء مُؤكد بقَدْر الغَرَض من تَنفيذه.

إبراهيم هو أولّ سلالة الرِجال الذين يُطلَق عليهم "الآباء". أحيانًا يُطلَق على نوح أحيانًا لقَب "الأب"، ولكن كما أنّ الآباء والملوك والأنبياء في الكتاب المقدس لم يَكونوا الوحيدين الذين حَكموا أو تَنبأوا، فإنّ نوح لا يَقَع في التَصنيف الكتابي التقني للآباء. كان إبراهيم وإسحاق ويعقوب……. الأب والابن والحفيد….. هم الرِجال الثلاثة الذين يُشار إليهم في كل العصور على أنّهم الآباء.

إذا كنا سنَقرأ الكتاب المقدس فقط، فلن نَكون مُتأكّدين بالضبط من المَكان الذي تلقّى فيه إبراهيم أوامره مُباشرة من الله العَلي. يبدو من روايات سِفْر التكوين في الإصحاحين الحادي عشر والثاني عشر أنه أثناء استقراره المُؤقت في حران في بلاد ما بين النهرين، تَلقّى إبراهيم، الذي يُدعى حاليًا أفرام، دَعْوتَه. ولكن، يُخبرنا سِفْر الأعمال سبعة أنه قبل أن يَصِل إلى حران، على الأرجح في رحلة العائلة من أور الكلدانية… ظَهَر الله لأفرام. يقول بعض الحكماء اليَهود، العكس وأنّ استدعاء أفرام تَمّ في أور. وأرى أنّ هذا مُستبعَد جدًا؛ لأنه طالما أنّ تيراخ، والد إبراهيم، كان لا يزال حيًا، فهو الذي كان سيقرّر بشأن نَقْل العائلة، ولَم يكُن ذلك بأمْر من ابنه. على الأقل نحن نعلم أنه إما أثناء أو قَبل أن يعيش تيراخ وناهور وإبراهيم في حران، أنّ الله قد اقترَب بجرأة من أفرام ليُعطيه صَفقة لا يستطيع رَفضها.

ما هو واضح هو أنّ عائلة إبراهيم كانت وَثنية مثل بقية العالم في ذلك الوقت. ومن غير المعقول أن يكون إبراهيم قَبْل أن يَدعوه الله قد انفَصل عن عبادة آلهة متعددة، وإلا لَكان على خِلاف مع أسْرته كلّها في كلّ خطوة؛ وأنا واثق من أننا كنا سنَجِد في التوراة كَلِمات مُشابِهة لتلك التي نُطِق بها لنوح…….أنه كان مختلفًا عن سائر البشر. وبعبارة أخرى، حُكِمَ على نوح بأنه أكثر الصالحين صلاحًا من بين جميع البَشر على الأرض؛ ولا نَحصُل على مثل هذا الاطمئنان فيما يتعلَّق بأفرام.

وعلاوةً على ذلك، فإنّ أمْر الله لأفرام بأن يَترك بَلَدَه ويَترُك أباه وعائلته، هو أمْر ضمني يدلّ أنّ الانفصال كان مطلوبًا. ما كان إبراهيم ليَستطيع تنفيذ الأوامر إن بَقي بين قَوم… بما في ذلك أُسرته…. المُكرَّسين تمامًا لديانتهم المُنحرفة.

هذا النمط المُستمِر من تقسيم الله واختياره وفَصلِه يتواصَل، إذًا، من خلال خَلْق الإنسان الأول لأمة جديدة من الناس؛ سيَتمّ فرْز شعب الله. لا أستطيع أن أتصوّر أنّ إبراهيم أخذ هذه التعليمات وتَرَك وراءه كل ما يعرِفه مقابل بعض الوعود فقط…… حتى لو كانت هذه الكَلِمات من إله حديث العهد……….. ومن دون الكثير من الشك والخَوف. كما أنه من غير المعقول أيضًا أنه ببساطة قَبِل كلّ ما قاله الله، ونَفّذه كلّه، في طهارة مُطلَقة. يمكن للمرء أن يكون مُنقسمًا ومُنتَخَبًا كما كان إبراهيم، ولكن هذا لا يعني أنّ كل الأفكار الراسخة في حياته السابقة التي استمرّت خمسة وسبعين سنة…. وكل الطُرُق التقليدية وغير المَشكوك فيها في سلوك وعبادة الآلهة التي تَعلَّمها…تلاشت ببساطة. لو كان الأمر بهذه السهولة والواقعية، لما كانت هناك حاجة إلى الانفصال القَسري لإبراهيم ومن مَعَه من القدماء.

مِن عادة الإنسان أن يكرَه التخلّي عن الأشياء المألوفة…. حتى لو كانت تلك الأشياء المألوفة تُثقِلنا، أو حتى تُدمِّرنا. إنّ أمان الحاضر المألوف، مهما كان فظيعًا أو فارغًا، أفضل في أذهاننا من الانزعاج من مُواجَهة مُستقبل مُغايِر ومجهول. وإذا ما تُركنا لأجهزتنا الخاصة، فإننا غالبًا ما نُحاول المضي قدمًا نحو التجديد، بينما نبقى مُتشبثين مثل صَدَف البحر بصَخرة، بكل ما يجب تركه وراءنا. إنّ النمط الذي يُرينا إياه الله لا يَتعلَّق ببساطة بالانقسام؛ ولا بالانتخاب فقط؛ ولا حتى بالانقسام ثم الانتخاب. يجب أن يَحدُث الجزء الثالث والأخير الذي لا غِنى عنه في هذه العملية الديناميكية لإعادة تشكيل الكلّ حتى تَتَحقّق مَقاصده بالتوَافق مع الجُزأين الأولين؛ وهذا الجزء الثالث هو الفَصْل.

الفَصْل بطريقة أو بأخرى هو شَرط أساسي لخدمة الله.

هل يَشمَل هذا الانفصال حتى العائلة؟ بالتأكيد نعم، ومن المُثير للاهتمام أنّ هذا هو بالضبط المِثال المُعطى هنا. أنا بالتأكيد لا أتحدَّث عن الطلاق، ولكن يمكن أن يحدُث بهذه الطريقة. ليس كمشيئة الله في حدّ ذاته، ولكن الطلاق كنتيجة لقرار سيء من جانب شخصٍ ما؛ ويَستخدِم الله الانفصال الناتج لتحقيق الخَير بطُرُق لم نَكن نتصورها أبدًا. قد يكون موت أحد الزوجين أو أحد الوالدين هو السبب في الانفصال. ويمكن أن يكون، كما هو الحال مع إبراهيم، من أجْل الغَرَض الذي رَسَمه الله لك، لا يمكنك البقاء مُرتبطًا بالقديم…. بِقَدْر ما قد يكون هذا الانفصال مؤلمًا.

ولكن، قد يكون الانفصال أيضًا من الأصدقاء الذين ببساطة لا يُشاركونَك القِيمَ التي تَعرِف أنك يجب أن تَتْبعها؛ أو من الآخرين الذين يجدونك غريبًا بسبب الإخلاص الذي لديك في اتباع الرَب وخِدمته. ربّما يجب أن يكون الانفصال من الكنيسة أو المَعبَد اليهودي الذي فُقِد مع مرور الوقت حبِّه الأول، والآن يُطارد العالَم بشكل أعمى…. ليس شيئًا غير عادي، بالمناسبة، يَجب توقُّع أي شيء بالنظر إلى ما قيل لنا في سِفْر الرؤيا.

إنّ مفهوم الانفصال هذا هو بالطبع مفهوم مَركزي في تعاليم المسيح، على الرغم من أنه لا يُعترَف به عادةً على هذا النحو……. يبدو أنّ هذه ليست سوى عِبارات تُسبِّب لنا الكثير من المتاعب. وإليكم الكلاسيكية منها:

(الكتاب المقدس الأمريكي النموذجي الجديد) إنجيل لوقا الإصحاح الرابع عشر الآية ستة وعشرين "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ بَلْ وَحَيَاتَهُ أَيْضًا، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا".

هذا كُلُّه عن الانفصال، وليس الكراهية بالمَعنى الذي نُفكِّر فيه عادةً. يَتعلّق الأمر بالاستعداد لأن تكون على خِلاف مع أقرب الناس إليك……. كما كان إبراهيم مع عائلته….. بمجرد أن يَدعوك الله. أن تُدرِك أنه لم يَعُد بإمكانك أن تبقى مُرتبطًا بالماضي، وخاصة الماضي الشرير؛ وأنّ دعوة الله تَفوق أي هدف آخر لوجودك. دعونا نَستمِع إلى المزيد ممّا يقوله يسوع عن هذا الموضوع:

(الكتاب المقدس الأمريكي النموذجي الجديد) إنجيل متّى الإصحاح أربعة وثلاثين الآية عشرة "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ، مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. خمسة وثلاثون، لأَنِّي جِئْتُ لأَضَعَ رَجُلاً ضد أَبِيهِ، وَابْنَةً ضد أُمِّهَا، وَكَنَّةً ضد حَمَاتِهَا، ستة وثلاثين، وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ".

في لُغَة الكتاب المقدس، أصبح كثيرٌ من أهل بيت إبراهيم أعداؤه، لأن الرَب دعاه للتَخلّي عن كلّ ما كان عزيزًا عليه، وأن يُصبح رَجُل الله لمُهمّة خاصة. جاء المسيح ليُفرِّق ويَفْصُل كما لم يأتِ أحد قبله. إنّ السَيف الذي تَحدَّث عنه يشوع ليس رمزًا للقَتْل، بِقدْر ما هو رَمز للتقسيم.

وهو يُدرِك أنه بالنسبة للبعض، فإنّ الظروف ستَكون مفجعة. لذلك يُواصِل قائلاً:

(الكتاب المقدس الأمريكي النموذجي الجديد) إنجيل متّى الإصحاح تسعة وعشرين الآية التاسعة عشرة "وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوْ أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ مَزَارِعَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي، يَأْخُذُ أَضْعَافَ ذَلِكَ وَيَرِثُ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ.

الانفصال…والذي غالبًا ما يُعبَّر عنه في الكتاب المقدس بِكَلِمات مثل "مُختار" أو "مُقَدَّس" أو "مُمَيَّز" …. يجب أن يَحدُث بشَكْل أو بآخر إذا كان المرء مؤمنًا. هذا لأّن التغيير الأساسي في طبيعة الإنسان، نتيجة للخلاص، هو أن يصبح مُقدَّسًا. والقداسة تعني بِحُكم تعريفها أن يكون مُختارًا.

إذًا، من خلال قبول الانفصال الذي أصَرّ الله عليه، في الآية أربعة، صادق إبراهيم على العَهد الذي قَطَعه الله معه. وبعبارة أخرى، بمجرّد ذهابه وتَركِه حران وعائلته وأمّته والتوجُّه إلى كنعان، يكون إبراهيم قد أتمّ الجزء الخاص به من الصَفقة…… كل ما تبقّى من شروط العَهد… الشروط التي ستَستغرِق قرونًا لتتطوّر وتتحقق…..كانت من نصيب الله. لقد كان من المُستحيل تمامًا أن يَفشَل إبراهيم ويَنقُض العَهد، لأنّ الأمْر لم يكن مَتروكًا لإبراهيم. ربما يكون هذا أفضل تعريف لماهية العَهد الدائم: كل شيء على الله. إنه من جانب واحد. هناك قاعدة كتابية سريعة حول العهود وهي كما يلي: إذا كان على الإنسان أو الطبيعة أن تَستمِرّ في التَمسُّك بجزء من العهد لكي يبقى ساري المفعول فهو عَهْد مشروط، أي أنه يمكن أن يُنقَض، وبالتالي سيكون هناك عواقب.

تُخبرنا الآيتان أربعة وخمسة أنّ إبراهيم وساراي (زوجته) ولوط (ابن أخيه، الذي كان ابن هاران أخو إبراهيم المتوفى)، مع مجموعة من أبناء العمومة والخَدَم، اتّجهوا جنوبًا نحو أرض كنعان. تذكروا أنّ كنعان كان ابن حام؛ وكان كنعان الحفيد الذي حَلَّت عليه لعنة جَدّه نوح الغاضب. إذًا، اتّجَه إبراهيم إلى المنطقة التي هاجر إليها كنعان وقبيلته قبل سنوات عديدة. هذه الأحداث تَمَّت في الفترة الزمنية التي تراوحت من حوالى العالم ألف وتسعمئة وخمسين إلى العام ألفين قبل الميلاد. حَسَب السِجلّ التوراتي، ربما يكون قد مضى ثلاثمئة وخمسين سنة على الطوفان العظيم، وسَكَن الأرض عشرات الملايين من البشر.

قيل لنا أنّ الأرض التي أراها الله لإبراهيم كانت مأهولة من الكنعانيين…… هؤلاء المُنحدِرين من نَسْل حام وابنه كنعان….. وأنّ الله قاد إبراهيم وعشيرته مَسافة طويلة عبر الأرض قبل أنْ يصِلوا إلى بقعة محددة: شكيم. بالمناسبة: تُعرَف شكيم اليوم باسم نابلس، وهي إحدى المُدُن الخاضعة للسيطرة الفلسطينية في منِطقة النزاع في الضِفّة الغربية. وهناك، ظَهَر الله بالفعل لإبراهيم في شَكْل مرئي غير مُحدَّد. كان ظهور الله لإنسان، من مَنظور الكتاب المقدس، أمرًا نادرًا بالفعل. ولكن، كان ذلك لتوضيح نقطة واضحة جدًا يجب أن نَأخذها على مَحمَل الجَدّ حتى يومنا هذا: هناك، أخَبَر الله إبراهيم أنّ هذه هي الأرض التي كان سيُعطيها له ولجميع نَسْلِه. وبشكل مناسب، بنى إبراهيم مذبحًا وقدم التضحية ليَهوَه.

على ما يبدو، إما باختيار الله أو بتفضيل تَرَكه لإبراهيم، تَحرَّكت العشيرة إلى الجنوب. وسافرت حوالى خمسة وعشرين ميلاً، على الأرجح ثلاثة أو أربعة أيام على الأكثر، وتَوقَّفت لبعض الوقت بين ما أصبح يُسمَّى في النهاية بيت إيل وهاي. كانت بيت إيل وهاي على بعد ميلين فقط. وهناك بنى إبراهيم مَذبحًا آخر وضَحّى للرَب. وبعد فترة غير مُحدَّدة أخَذَ عائلته ورَحَل إلى الجنوب، إلى المناطق الصحراوية. بالمناسبة، "نيقيف" كَلِمة عبرية تعني "الجنوب".

يجِب أن نَفهَم أنه لا شك في أن أسفار إبراهيم لم يَكُن لها علاقة بكونه شخصًا يُحبّ التجوال، فالتَنقُّل كان دائمًا خطرًا وصعبًا. بل إنّ تنقُّلات الأب الأول كانت لها علاقة أكثر بالبَحْث الذي لا يَنتهي لصاحب قِطعان عن مَصادر جديدة للماء والمَرعى.

لا نعرِف الفترة الزمنية التي انْقَضَت منذ دخول إبراهيم أرض كنعان إلى ذهابه إلى الطَرَف الجنوبي، ولكن خلال تلك الفترة يبدو أنّ الظروف ساءت وحَدَثت مجَاعة شاملة هَدَّدت بقاء عائلته. وفي قرار سُرعان ما سَيندَم عليه، ذهَب إبراهيم إلى مصر بحثًا عن إغاثة من المَجاعة فصادَف فرعون الذي أُعجِب بزوجة إبراهيم، ساراي. لا يوجد أيّ ذِكْر لتوجيه الرَب لإبراهيم بالرحيل والذهاب إلى مصر؛ لقد كان حَرَص إبراهيم على النجاة هو الذي دفَعَه إلى مصر……وهو النمط الذي سيُكرِّره حفيدُه يعقوب بعد مائتي عام. ومع ذلك، لم يكن إبراهيم قد اخترع فكرة الذهاب إلى مصر، فهي كانت معروفة منذ سنوات عديدة في ذلك الوقت بأنها مَخزَن الحبوب في المِنطقة، وبالتالي مَلجأ طبيعيًا خاصةً بالنسبة للبَدو التائهين في الصحراء في ذلك العَصْر. لقد كانت مصر بالنسبة لأولئك الذين كانوا يعيشون في الطَرَف الجنوبي من كتلة اليابسة في الشرق الأوسط، ما كانت عليه بلاد ما بين النهرين بالنسبة لأولئك الذين كانوا يعيشون في الشمال؛ مِنطقة خصوبة رائعة ويُمكن الاعتماد عليها.

والآن، هناك أمْرْ واحد يجب أن نُركِّز عليه من هذه المَقاطع السابقة، وهو مدى سهولة وسَلاسة سِفْر الناس في عام ألفَين قبل الميلاد. كانت هناك العديد من الطُرُق المُعبَّدة بشكل جيّد، وكان من السَهل اتّباعُها، وكانت هناك آبار مياه مُعلَّمة، وعلى الرغم من أنّ ذلك لم يكُن حدثًا يوميًا، إلا أنّ ظهور الغُرباء في أماكن غريبة لم يكُن حَدثًا غير مألوف. كان الناس في تلك الحَقبَة على دراية جيدة بالشعوب الأخرى والأمم البعيدة، وكانت الأخبار تَنْتقِل عن طريق الطُرُق التجارية التي كانت تتداخل مع الشرق الأوسط، وكانت تَصِل إلى الهند والصين في أيام إبراهيم.

والآن، بعد أن اتّخَذ إبراهيم قراره بأخْذ عشيرته إلى مَصر حتى تَمُرّ الأوقات العصيبة في كنعان، أعَدَّ حيلة لما كان يَخشى حدوثه؛ وقال لساراي أن تقول إنّها أخته وليست زوجته. والحَقّ أنها كانت في الواقع زوجته وأخته في آن واحد…… أخته غير الشقيقة، ابنة زوجة أخرى من زوجات أبيه.

لم تكن تَعرِف ساراي عن مصر، وقد رَصَدها رِجال فرعون على الفور، وقيل له إنّها كانت ذات جمال استثنائي. لذا، في أفلام هوليوود عن إبراهيم، نرى امرأة شابة جميلة تُساق لتكون جزءًا من حَريم فرعون. وبالنَظر إلى أنه من المُحتمَل أن يكون قد مضى حوالى عشْر سنوات على مغادرة إبراهيم بلاد ما بين النهرين، كان عمره حوالى خمسة وثمانين عامًا حين دَخَل مصر. لكن ساراي كانت تَصغُرُه بعشر سنوات فقط؛ مما يجعل عُمرَها حوالى خمسة وسبعين عامًا.

لقد استَفاد إبراهيم كثيرًا من هذه الخُدعة؛ فقد حَصَل على عَدَد كبير من الحيوانات والخَدَم. كل هذا كان هَديّة مألوفة…..ثَمَن العروس…..التي دفعها فرعون لإبراهيم من أجل يد "أخته".

على أي حال، اكتشف فرعون بطريقة ما أنّ ساراي هي في الواقع زَوجة إبراهيم، وربما بِسبَبَ نوع من الممارسات الوثنية، خاف فرعون من أن يُسبِّب أخْذ زوجة رَجُل آخر نوعًا من الكوارث الخارقة للطبيعة. وهو مُحقّ في قَلقِه هذا؛ فقد ضَرَب الله فرعون فجأةً وأهل بيته بالأوبئة…..ليس مصر كلها، بل أهل بيت فرعون فقط…. لذا، نرى فرعون يُعيد ساراي إلى إبراهيم، ويَأمُر إبراهيم وعائلته بالخروج من مصر…… بكل ممتلكاتهم وأهلِهم سالمين. شيء واحد لا ينبغي أن نَغفَل عنه: بدءًا من هنا، نشأت علاقة ستَجعَل سلالة وَعْد الله على اتصال وصِراع مع مصر لقرونٍ قادمة. من المُثير للاهتمام أيضًا أنّ فرعون مصر هذا بالتحديد كان حكيمًا بما فيه الكفاية ليَعرِف أنّه لا يُمكِنه أن يَعبَث كثيرًا مع إبراهيم؛ لأنه بَعْد عدّة مئات من السنين، أظْهَر فرعون آخر موْقفًا أقل من الحِكمة تِجاه شعب الله، ولم يَعُدْ هو ولا مصر كما كانا منذ تلك اللحظة فصاعدًا.

قراءة سِفْر التكوين الثالث عشر كلِّه

إذًا، تَرَك إبراهيم وعشيرته مصر، وعاد إلى كنعان، ويُقال لنا في الآية اثنان "وَكَانَ أَفرَامُ غَنِيًّا جِدًّا"…..أي أنّه في الواقع استَفاد كثيرًا من رِحلته إلى مصر. يمكنني فقط أن أتخيَّل فرعون وهو يَحمِل لإبراهيم كل الذَهب والفضة والمجوهرات الثمينة والماشية وكل ما يُريده…… فقط أرجوك اخرُج من هنا وخُذْ إلهك معك!

يقول الكثير مِنكم الآن، مهلاً، يبدو هذا مُشابهًا جدًا لموسى وهو يقود بني إسرائيل للخروج من مصر. نعم. هذا نوع آخر من تلك الأنواع التَوراتية؛ فهذا الحَدَث يؤسس للنَمط الذي سيأتي بعد عدّة قرون: مجيء يعقوب إلى مصر، والخروج اللاحق من مصر لشعب يعقوب، الذي يُطلَق عليه الآن اسم بني إسرائيل.

وكما كان سيَفعَل أي صاحب قِطعان ومواشٍ، عاد إبراهيم بعائلته ومواشيه إلى المناطق التي اكتَشف أنها صالحة للماء والمراعي، وعاد إلى منطقة بيت إيل وهاي.

لكن الثروَة الجديدة التي حصَل عليها إبراهيم من مُغامرته في مصر سرعان ما طَرَحت بعض المشاكل غير المُتوقَّعة: كان لدى لوط وابن أخيه وإبراهيم، الكثير من الماشية ولم تَعُد هناك مراعي كافية ولا مياه تكفي لإعاشتها، لذلك اندلعت المَعارك بين الرعاة.

اتَّخذَ إبراهيم قرارًا: يجب أن يَفترقا. وفي عَمَل كريم وإلهي، يَطلُب إبراهيم من لوط أن يختار الأرض التي يريدها لنفسِه، ويأخذ إبراهيم ما تبقّى. وهكذا، يأخذ لوط ثروَتَه ويذهب إلى الأراضي الغَنيّة في وادي الأردن، ويَستقِرّ بالقرب من سدوم وعمورة. يتواجد إبراهيم في حقول كنعان، ولوط في مُدُن الوادي، ويَحدُث انقسام وانفصال آخر. يَنفصِل إبراهيم أكثر عن الإثم الكامِن في نفْس لوط. لقد كانت سدوم مكانًا شريرًا مشهورًا وكان لوط يَعرِف ذلك جيدًا؛ لذا اختارها وانجذَب إليها. وليس لدي أدنى شك في أنّ إبراهيم الأكبر سنًا والأكثر حِكمة كان يعرِف بالضبط ما سيَختاره لوط.

بعد أن انفصَل إبراهيم عن لوط، يتحدَّث الرَب إلى إبراهيم كما لو كان يُعزِّز تقوى وحِكمة هذا القرار. يُضيف الله الآن بعض التفاصيل إلى شروط العهد الذي قَطعَه بالفِعل مع إبراهيم، بإخباره في الآية الخامسة عشرة أنّ كلّ الأرض التي يراها في كل اتجاه ستكون له ولذرِيَّته؛ وستكون أرضهم إلى الأبد، وأولام هو المُصطلح العِبري الشائع الذي يعني إلى الأبد…. دائم، لا ينتهي أبدًا؛ هذا ليس كلامي، بل كلام الله.

إذًا، صَدَر قانون جديد للكون فيما يَتعلَّق بالأراضي وفيما يَتعلَّق بعَدَد أحفاده على شَكْل عهد دائم….. وليس عهدًا مشروطًا……. لم يَقُل الله: "إن فَعلتَ هذا، سأفعل ذلك". لن يكون هناك أي قَدْر من الخطيئة أو التمرُّد الذي يمكن أن يرتكِبَه إبراهيم أو نَسلُه ليَجعَل الله يُلغي هذا العهد، ويذكِّرنا الأنبياء مرارًا وتكرارًا بذلك في الكتاب المقدس. ومع ذلك، على مدى مئات السنين الماضية، قالت الكثير من الكنائس أنّ هذا العهد لم يَعُد موجودًا، وأنّ الله قد تخلَّص من وَعِده لإبراهيم وسَلَّمه بشكل أساسي إلى المسيحيين الأمميين، على شكْل إسرائيل الجديد. هذا هراء. بالتأكيد حَذَّر الرَب من أنّ الشعب سيُزال من تلك الأرض…… لفترة من الزمن……بسبب اشتهائهم لآلهة أخرى. ولكن، لم يكن الرَب سيَنتزعها منهم بشكل دائم أبدًا، وهذا واضح تمامًا في الكتاب المقدس.

مِن بين جميع الكتب المقدسة التي قرأُتها فيما يَتعلَّق بعودة إسرائيل…كل شَعب إسرائيل… إلى أرضهم، الكتاب الذي يَصدمُني بشدة هو سِفْر حزقيال ستّة وثلاثون وسبعة وثلاثون. وسنَتناول ذلك في الدَرس التالي.