سِفْر التكوين
الدرس الثالث عشر – الإصحاح الثالث عشر
في حين أنّ دَرْس التوراة يَدور حول دراسة الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس…التوراة….، إلا أنه ربما قد يُفيدنا أكثر أن نَفهم مدى صِلَتها بنا في يومنا وعصرِنا هذا، ونُطبِّقها على حياتنا. يُقال من قِبَل العديد من الوعاظ والمُعلِّمين أننا اليوم في وقت مميّز جدًا في التاريخ؛ إننا شهود عَيان على نبوءات الكتاب المقدس القديمة التي تَتحقَّق. وهُم على حقّ. ولكن، لوَضْع ذلك في نِطاقه الصحيح، من الجيّد أن نُدرِك عدم شهادة كل الأجيال على أحداثًا نَبوية؛ لذا، قد يَعتقد المرء أنه عندما تتحقَّق نبوءة الله، فإنّ شَعب الله سيَتحمَّس لها. ومع ذلك، فقد استَقبَلت الكنيسة…. ومعظم سكان الأرض اليَهود…..، في معظم الأحيان، اثنين من أهم الأحداث في التاريخ النَبوي….، وهما وِلادة إسرائيل من جديد كأمة يهودية، واستِعادة الشعب اليهودي للسَيطرة على اورشليم. أعتقد أنّ السَبب الرئيسي في ذلك هو أننا لا نُدرِك أنّ تحقيق النبوءة لا يحدُث كل يوم.
في الواقع، مع سقوط أورشليم في العام سبعين بعد الميلاد، دَخَلَت الأحداث التي تَنبّأ بها الكتاب المقدس في سَبات لفترة طويلة من الزَمن. لمدّة تزيد عن ثماني عشرة قرنًا لمْ يَتمّ أي حَدَث نبوي مَذكور في الكتاب المقدس. أوه، كان هناك الكثير من الأحداث في العالم استِعدادًا لذلك اليوم الذي سيَبدأ فيه الله بِجَعل الساعة النبوية تَدقّ مرّة أخرى، ليَبدأ العَدّ تنازليًا إلى نهاية كل الأشياء كما نعرفها؛ ولكن لمدة ألف وتسعمئة سنة تقريبًا لم يكُن لدى شعب الله أي شيء يُمكِّنه من قياس مكانِه في تاريخ الكتاب المقدس. ولكن هذا ليس هو الحال بالنسبة لنا، نحن الذين نَعيش اليوم…ولكن إذا نظَرْنا حوْلنا، سنَعتَقد أنه لم يحدُث شيء خارج عن المألوف.
بَعد دمار أورشليم في عام سبعين ميلادي، كان الحَدَث التالي المُتنبأ به هو عَودة أولئك الذين تَشتَّتوا وتمّ نفيُهْم…مما كان يُسمى بالتَشتُّت الروماني، أو المَنفى الروماني. لقد حَزَم اليهود، مؤمنين وغير مؤمنين، حقائبهم وانتظروا بفارغ الصَبر تلك العودة في العقود القليلة الأولى التي تَلَت تدمير الرومان لأورشليم، عندما حُرِموا من العيش في تلك المدينة؛ ولكن ذلك لم يَحدُث. اعتقدت الكنيسة الأممية واليهود المِسيانيين في القَرن الثاني الميلادي أنّ المسيح سيَعود بالتأكيد في أي لحظة؛ وبالمِثل اعتقد اليهود التقليديون أنّ العودة إلى وطنهم وإعادة بناء هَيكلهم كانت وَشيكة …. لكنها لمْ تَحدُث. أولئك الذين كانوا يَعبُدون إله إسرائيل وعاشوا في القرن الثالث الميلادي كانوا يَشعرون بالقلَق والاضطراب الشديد بشأن سَبب تأخُّر الله في دعوة شعبِه للعودة إلى أرضهم المقدسة……ولكن لم تَهدَأ مَخاوفهم. في القَرن الرابع، كانت كنيسة يسوع المسيح لا تزال تَنتظر عودة المسيح في القَرن الرابع، وباتَ اليهود في كل أمّة يُهاجرون إليها يَتساءلون عما إذا كان الوقت قد اقترَب ليعودوا إلى ديارهم…… كما فَعَل أولئك الذين عاشوا في القرن الخامس والسادس والسابع والثامن، حتى القرن السابع عشر تقريبًا، عندما اتَّخذَت المسيحية مُنعطفًا مصيريًا وتَوصَّلت إلى استنتاج مَفادُه أنه لا بد أننا أخطأنا في قراءة تلك النبوءات حول عودة شعب إسرائيل إلى وَطنهم.
خَلُصَت الكنيسة إلى أنّ إسرائيل في الواقع لن تعود؛ على الأقل، لن تكون هناك إسرائيل يهودية. وأنّ إسرائيل التي تَحدَّث عنها الكتاب المقدس…..، سواء الشعب أو الأرض….. كانت رَمزية فقط. رَمزية الكنيسة الأممية. المُعتقدات السائدة الجديدة التي نشأت والتي تُهيمن اليوم على العالم المسيحي، بدأت في القَرن السابع عشر؛ وتركَّزت هذه المعتقدات على القناعة الجديدة بأنّ إسرائيل قد حَلّت مَحلّ الكنيسة. وأنّ الرَب قد رَفَض إسرائيل رفضًا تامًا ودائمًا، لأن شعبها رَفَض ابنه. وأنّ جميع الوعود بالأرض والخلاص التي حَصَل عليها العبرانيون من خلال إبراهيم وموسى قد أُخِذت منهم وسُلِّمت إلى الكنيسة الأممية. وأنّ الكنيسة ستَحصُل الآن على كل البَركات التي وُعِد بها إبراهيم؛ تلك الوعود التي قرأنا عنها في الآيات القليلة الأولى من الإصحاح الثاني عشر؛ أمّا إسرائيل من ناحية أخرى، فسَيُنزِل عليه كل اللعنات التي ستأتي من عِصيان شريعة موسى.
دعونا نَتقدّم بسرعة إلى القرن العشرين. أوه، هيوستن، لدينا مشكلة. لأنه في عام ألف وتسعمئة وثماني وأربعين، عاد شَعب إسرائيل أخيرًا إلى نفْس البقعة التي تمّ نَفيُه منها؛ وُلدِت الأمة اليهودية من جديد كما قالت النبوءة. وفي عام ألف وتسعمئة وسبعة وستّين، عادت القُدس إلى سَيطرة الشعب اليهودي، تمامًا كما قالت النبوءة…. وكما أمَرَ يسوع….. وماذا كان رَدّ فِعل الكنيسة على هذه الأحداث المذهلة؟ بشكل عام، لا شيء. نفْس المواقف اللاهوتية البديلة التي وُلِدت من عدم إيمان قادة الكنيسة في القرن السابع عشر، وهي مواقف مُتَداخِلة تمامًا ومُتأصّلة في عقيدة الكنيسة الحديثة……. هي حتى يومنا وهذا ما لا يزال يتمّ تَدريسه في الغالبية العُظمى من الكنائس في جميع أنحاء العالم. كما لو أنّ عودة إسرائيل للمُطالبة بالوعود التي قُطِعت لإبراهيم، لم تَحدُث أبدًا.
كما تَعلمون، لقد تَعلَّم المسيحيون منذ الطفولة التعبير عن خَيبة أمَلهم وهزّْ رؤوسهم بسبب أولئك اليهود الرهيبين في أيام يسوع الذين كان لهم الامتياز بأن يَشهَدوا مجيء المسيح الذي طال انتظاره، ولكنهم أغلَقوا عيونهم وأداروا ظَهرَهم بسبب تقاليدهم اليهودية. لقد أعْمَتهم تقاليدهم اليهودية لدَرجة أنهم قتَلوا ابن الله لادعائهم أنه هو حقًا.
حسنًا، لقد شهِدنا نحن أبناء الكنيسة اليوم الذي طال انتظاره حين عاد شَعب إسرائيل من مَنفاه واستَعاد ميراثه من الأرض وَوُلِد من جديد كأمة؛ لقد شاهدنا على شاشة التلفزيون عندما هَزَم الجيش الإسرائيلي تحالفًا من خمسة جيوش عربيّة قوية في غضون ستة أيام فقط، وفي عام ألف وتسعمئة وسبعة وستّين استعادوا القُدس كمدينة مقدّسة خاصة بهم لأول مرة منذ عام سبعين ميلادي. لقد حَدثَت النبوءة؛ لقد عاد اليهود، وفي معظم الأحيان، بسبب تقاليدنا المسيحية، كانت الكنيسة عَمياء تمامًا. ومن المُثير للاهتمام، أنه قد مَرّ أقل بقليل من ألف وتسعمئة سنة من الوقت الذي قَطَع الله وُعوده لإبراهيم حتى وصول يشوع المسيح؛ وكان أقل بقليل من ألف وتسعمئة سنة من الوقت الذي طَرَد الله فيه شعبه من الأرض، لكنه وَعَدهم بأنه سيُعيدهم، حتى اليوم الذي عادوا فيه للمُطالبة بهذا الوَعد مرة واحدة وإلى الأبد. ربما يجب أن نُلاحظ ذلك.
هناك العديد من الإشارات المُتناثرة في الكتاب المقدس عن هذه الأحداث، ولكن بالنسبة لي، ليس لأي منها تأثير كالّتي قالها نَبي الله، حزقيال. كان حزقيال أحد هؤلاء اليهود الذين أخذهم نبوخذ نصّر من بيتهم في أورشليم، ونَفاهم إلى بابل، عندما غَزَت الإمبراطورية البابلية يهوذا "جودا" عام خمسمئة وسبعة وتسعون قبل الميلاد.
لذا، دعونا نَنعطف قليلاً……وفي نفْس الوقت نربِط النقاط بين الوعود التي قُطعِت لإبراهيم في سِفْر التكوين الثاني عشر والثالث عشر، وأقوال حزقيال النبوية في حزقيال ستة وثلاثين وسبعة وثلاثين ومن ثمّ نربِط كل ذلك بأحداث عصرِنا…… من خلال قراءة القصة النبوية للعَودة النهائية للشعب اليهودي إلى وطَنه. عودة تُمثِّل استئناف العَدّ التنازلي لهرمجدون بعد توقف دام ثمانية عشرة قرنًا من الإنجازات النبوية.
قراءة حزقيال ستة وثلاثين وسبعة وثلاثين
أتمّنى أن يَصْنع جورج لوكاس أو ستيفن سبيلبرغ فيلمًا عمّا وَرَد في هذين الإصحاحين فقط!
النِقطة الأولى التي أريد أن أوضِّحها هي أنّ الحَدَث الذي يتحدَّث عنه حزقيال لا يتعلَّق بعودة اليهود من بابل. إنّ دراسة هذين الإصحاحين من سِفْر حزقيال تَستغرق أسبوعين بحدّ ذاتها؛ لذا، دعوني أشير إلى بِضعة أفكار مهمّة لفَهم هذه الآيات.
أولاً وقبل كل شيء، معنى عبارة "بيت إسرائيل كُلّه"، والتي تُترَجم أحيانًا بـ "كل بَيت إسرائيل"، أو حتّى "كل إسرائيل" فقط. لقد كُتِبت كلمات حزقيال على مدى خمسة وعشرين سنة تقريبًا، بدءًا من الوقت الذي تلا احتلال بابل ليهوذا عام خمسمئة وسبعة وتسعين قبل الميلاد. الجزء الذي نَنظُر إليه، كُتِب في السنوات اللاحقة. يجب أن تَعرِفوا أنّ العبرانيين كانوا أمّة مُنقسِمة قبل ذلك بحوالى مئة وثلاثين سنة تقريبًا؛ مجموعة من عَشر قبائل تَعيش في المنطقة الشمالية من الأراضي المقدّسة، ومجموعة من قبيلتين تَعيش في الجنوب. في الواقع، كانت المِنطقة الشمالية مَملكة قائمة بذاتها، مُنفصِلة عن المنطقة الجنوبية، وكانت كل منطقة مَحكومة من مُلوكها. دعوني أكون واضحًا جدًا: مَملكة إسرائيل المُوحَّدة، التي حَكَمها داوود ثم سليمان، أصبحت مُقسَّمة عن طريق الحَرب الأهلية. كانت المنطقة الشمالية تَحمِل عدّة أسماء: المملكة الشمالية، مملكة إسرائيل، بل إنّ بعض الوثائق تُشير إليها باسم مملكة يوسف. ولكن، في معظم الأحيان، كما كان مُعتادًا في تلك الحقبة، سُمِيت باسم القبيلة التي كانت مُهيمِنة في تلك المنطقة: قبيلة إفرايم. من حوالى تسعمئة قبل الميلاد إلى زمن حزقيال (حوالى خمسمئة وسبعة وتسعون قبل الميلاد)، كانت تلك المنطقة الشمالية تُسمَّى مملكة إفرايم….. وهو اسم لا يَعرفه معظم الناس.
أمّا المملكة الجنوبية فهي المملكة التي نعرفها أكثر: كانت تُسمّى يهوذا. والآن، في لغة الكتاب المقدس، كانت المملكة الشمالية تُسمَّى أيضًا "بيت إسرائيل"، أو بشكل أكثر دقة "بيت إفرايم" وكانت المملكة الجنوبية تُسمَّى بيت يهوذا. هذان "البيتان …. بيت إفرايم وبيت يهوذا"، شَكّلا معًا ما يُسمّيه الكتاب المقدس بيت إسرائيل كلّه. والآن، جميع الكتب المقدسة تقريبًا تَستخدم بيت إسرائيل بدلاً من بيت إفرايم، وهو أمْر مُربِك. في الواقع، كان مصطلح "بيت إسرائيل" يُستخدَم لبضع سنوات بعد الحَرب الأهلية مباشرة للدلالة على مملكة الشمال، ولكن سرعان ما تَوقَّف استخدام هذه العبارة.
النقطة المهمّة هي أنّ بيتًا واحدًا فقط من بيتي إسرائيل عاد اليوم إلى وَطنه: يَهوذا. يتكوَّن يهوذا مما نُسمّيه اليوم باليهود. أما بيت إسرائيل الآخر، ذلك الذي يتألف من عَشر من قبائل إسرائيل الإثني عشرة، فلمْ يُشارك بَعد في العودة إلى إسرائيل.
يَتحّدث جزء من حزقيال سبعة وثلاثين عن العصا…. واحدة لإفرايم والأخرى ليهوذا وعن جَمْعِهما معًا، ويُشير إلى ذلك الوقت الذي سيَعود فيه كِلا بيتا إسرائيل إلى الأراضي المقدسة، ويَجتمعان من جديد. ولكن، حتّى اليوم، بيت واحد فقط…. بيت يهوذا… قد عاد.
السؤال الشائع هو: ألا يَتحدّث حزقيال عن عودة العبرانيين من النفي البابلي؟ لا، لأن النَفي كان فقط ذلك الخاص بيهوذا، أمّا بيت إسرائيل الآخر…إفرايم…. فقد احتلَّته آشور، وتمّ تهجير الشعب وتَشتّتوا في مئة وعشرين أمّة شَكّلَت الإمبراطورية الآشورية؛ حَدَث ذلك قَبل قَرن ونصف القرن تقريبًا من زمن حزقيال، ولم يَعُد لهم وجود كشعب مُحدَّد الهوية. وبعبارة أخرى، فإنّ الأحداث التي تَحدّث عنها حزقيال ستّة وثلاثين وسبعة وثلاثين لم تَكن تَتعلَّق بالعودة من بابل، بل كانت لمْ تَحدُث بَعد.
ومع ذلك (وقريبًا في صَف مسائي من ثلاثة أجزاء سنَتعمَّق في هذا الموضوع)، فإنّ عودة إفرايم بدأت تحدُث. منذ حوالى ثلاثة أشهُر، في مارس ألفين وخمسة، وافقت الحكومة الإسرائيلية رَسميًا على عودة الناس الذين يقولون إنهم ليسوا يهودًا…لكنهم من إسرائيل، إلى الأراضي المقدسة. أي أنّ هؤلاء الأشخاص الذين يَسعون للهجرة إلى إسرائيل هم بعضٌ من تلك القبائل العَشرة المَفقودة منذ زمن طويل من إسرائيل…… البيت الثاني من إسرائيل، إفرايم. مرة أخرى: اليهود همُ فقط من قبيلة…. أو مَملكة يَهوذا….التي تُمثِّل أساسًا قبيلتي بِنيامين ويهوذا. أما إفرايم فيُمثِّل القبائل العشرة الأخرى (التي يُفترَض أنها مفقودة وغير مَعروفة منذ فترة طويلة)، وهم ليسوا يهود…ولكنهم بالتأكيد من بني إسرائيل.
لذا، فإنّ الأحداث التي قرأنا عنها للتو في حزقيال ستّة وثلاثين وسبعة وثلاثين هي قيد التنفيذ. أمرٌ مُخيف، أليس كذلك؟
نحن اليوم في خِضمّ جدال حادّ إلى حدٍ ما حول تلك الأرض التي عاد إليها اليهود، والتي بدأ شعب إفرايم الآن في المجيء إليها؛ وهذا الِجدال سيؤدّي يومًا ما إلى إلقاء العالَم في حَرب نهائية، وهو ما ستَأخذنا إليه الفصول التالية من سِفْر حزقيال…رغم أننا لن نتطرَّق إليها في الوقت الحاضر. قد يَرغَب البعض في الجدال حول الحدود الدقيقة للأرض التي أعطاها الله لإبراهيم إلى الأبد؛ ولكن اسمعوني: على أقل تقدير كانت تَشمَل كل شِبر من الأرض التي يَدعّي الفلسطينيون الآن أنّها أرضهم. كما ترَون، فإنّ المنطقة التي وَقَف فيها إبراهيم في اللحظة التي وَعَده الله فيها بذلك الوَعد، تَقَع في قَلْب ما يُسمّى اليوم بالضفّة الغربيّة…… أو…… الأراضي المحتلّة.
لا يمكنني أن أبدأ بإخباركم عن شعور الفزَع الذي يَنتابني تجاه أمريكا في كل مرّة أسمع فيها رئيسنا أو وزير خارجيتنا (وهم أشخاص مُحترمون وذوو نوايا حسنة في رأيي) يَتحدّثون عن فَصْل الضفة الغربية عن سُلطة إسرائيل، من خلال ضَغط سياسي هائل، وإعطاء تلك الأرض للفلسطينيين كدولة ذات سيادة خاصة بهم؛ وذلك بأمَل السلام. حتى أنّ لدينا ائتلاف كبير من الكنائس يُطالب بالشيء نفسه من مُنطَلق عقيدة التَسامح، والإنصاف، والرَحمة للعرَب، والفلسطينيين. هذه هي بالضبط الأرض التي أعطاها الله لإبراهيم وخَصَّصها لنسلِه إلى الأبد. وقد حذَّر الله من أنّ الذين يَتعدّون على نسلِه (أولئك الذين يلعنَون إبراهيم)، سيأتي ضدهم ويُدينهم (ستَحلّ عليهم اللعنة).
كل الدلالات، من الناحية الكتابية، تُشير إلى أنّ هناك بالفعل من سيَفرُض على إسرائيل قرار التنازل عن جزء من تلك الأرض التي هي في قلْب العهد الإبراهيمي. وفي الوقت الراهن، يبدو للأسف أنّ حكومة الولايات المتحدة هي التي ستَفرُض ذلك من أجل تحقيق خارطة طريق الرئيس بوش للسلام. والسلام الذي يَتوق إليه العالم في عصرِنا هذا سيحدُث….. لفترة قصيرة جدًا. لكن المُشكلة هي أنّ السلام مع العالم يعني الحَرب مع الله. كما ترَون، لم تَنتهِ أبدًا سُنَّة الله في التقسيم والاختيار والفَصْل؛ نحن نعيش في واحدة من لحظات الله الخاصة بالتقسيم والاختيار. وجزء من عملية التقسيم والفَصْل هذه التي يَستخدِمها الله تَستنِد إلى إجابة كل واحد منا على سؤال واحد: ما رأيكم بشأن إسرائيل؟ وشِئنا أم أبَينا، علينا أن نختار جانبًا أو آخر. يمكننا أن نَختار أن نطيع الله ونحترِم عهوده ونحظى بالسلام معه، أو يمكننا أن نَقِف مع العالم والكنيسة المُرتدَّة. الوقوف مع إسرائيل هو الوقوف مع الله. عدم الوقوف مع إسرائيل هو الوقوف مع العالم ضدّ الله.
دعونا نُنهي الإصحاح الثالث عشر، ونعيد قراءة الآيات الرابعة عشرة إلى الثامنة عشرة.
قراءة سِفْر التكوين الثالث عشر الآيات الرابعة عشرة إلى الثامنة عشرة
بعد أن أثبتُّ لكم أنّ كَلِمات هذه الآيات لا تزال سارية المفعول، وستَظلّ سارية المفعول حتى نهاية كل شيء، أرجو أن تُدركوا أهميتها. الأرض التي أظهرها الله لإبراهيم هي أرض إسرائيل إلى الأبد. الآن، أين كان أفرام بالضبط عندما كان عليه أن يَنظُر حولها….. في كل اتجاهات البوصلة…..وكل ما يَراه كان من المُفترض أن يكون لنسلِه؟ يَضعُه سِفْر التكوين في رامة حزور، التي تبعُد حوالى خمسة أميال شمال شرق بيت إيل. وهي أعلى بقعة في وسط إسرائيل، حيث يبلُغ ارتفاعها حوالى ثلاثة آلف وثلاثمئة قدَم. من هذه البُقعة، حتى اليوم، يمكن للمَرء أن يرى البحر الأبيض المتوسط غربًا، وشرقًا حتى مملكة الأردن.
تقول الآية السابعة عشرة أنه كان على إبراهيم أن يَسير في طول الأرض وعرضِها، لأنّ الله أعطاه إياها. ماذا يعني ذلك بالضبط؟ هل كان عليه أن يَتوقَّف حرفيًا عما كان يَفعله، ويزور كل منطقة من الأرض؟ أم أنّ هذا كان مُجرَّد تعبير رَمزي لشيء ما، أو تعبير عِبري أم ماذا؟ يقول الترجوم يوناثان (وهو تفسير عبري قديم) أنّ ما كان يحدُث هو أنّ إبراهيم كان يقوم بِعَمَل تشازاكا. كانت "تشازاكا"عادة قانونية مُنتشرة في ذلك العَصر، وقبل ذلك بكثير، وكانت مُستخدَمة في مختلف قبائل وشعوب الشرق الأوسط. كانت معروفةً لدى المصريين وكذلك الحثيين، ومُثبتةً في وثائقهم القديمة. وكان المفهوم هو أنه عندما يتم الحصول على قِطعة أرض، كان على المَالك الجديد أن يَمشي في مُحيط العِقار بأكمله، وهو ما كان يرمُز إلى تحديد مِنطقته، إذا صحّ التعبير. ولا يَكتمل نقْل الملكية إلا بعد أن يقوم المالك الجديد بذلك. حتى أنّ بعض الثقافات كانت تَطُلب من المَلِك أو الحاكم أن يمشي في محيط مملكته من وقتٍ لآخر لإعادة ترسيخ سيادته على تلك الأرض.
والآن، لماذا جَعَل الله إبراهيم يَفعل ذلك؟ من أجل إبراهيم، ومن أجلِ الكثيرين الذين سألوا على الأرجح: "لماذا تفعلون تشازاكا"؟ ليس لديّ شكّ في أنّ إبراهيم فَقَد أصدقاء نتيجةً لهذا الإجراء. لأنه في حدود المنطقة التي حَدَّدها، كان هناك العديد من الممالك والمُدُن القائمة أصلاً، وأظنّ أنها لم تكُن مسرورة بإعلان هذا الأجنبي الرمزي عن مُلكيّته لأرضِها.
ولكن، هناك سَبب آخر أيضًا: سنَرى في جميع أنحاء التوراة، وبقيّة العَهد القديم والكتاب المقدس بأكملِه بشكل عام، أنه حيثما توجد أنظِمة حكومية من صُنْع الإنسان، يَميل الله إلى السّماح للأشخاص المَعنيّين باستخدام قوانين وفرائض وعادات نظامهم في كل ما يَخصّ العلاقة بين الله والبشر. كان من الممكن أن يكون إبراهيم على دِراية وراحة تامّة جَرّاء قَول الرَب له أن يذهب ويَسير في الأرض، لأنها الطريقة التي كانت تتمّ بها الأمور آنذاك. في الواقع، ربما كان من المحتمل أن يكون الأمر مُقلِقًا للغاية، ويترُك الكثير من الشَك في إبراهيم، لو لم يأمُره الله بذلك. التَشبيه هو كما يلي: لو ذهَبنا لشراء سيارة، وملأنا جميع الأوراق، وَوَضَعنا شيكًا على الطاولة، وقال التاجر: لا حاجة لي أو لَك للتوقيع على أي شيء…فقط خُذْ السيارة واذهَب ولتَكُن كَلِمتُنا هي الوَعد. لن نكون مرتاحين جدًا لفِعْل ذلك…… لسبب واحد وهو أنه ليس شيئًا عاديًا. عادةً، يوقِّع جميع الأطراف على الأوراق لجعْلِها قانونية. فالتّوقيع على الأوراق يُنهي عملية نَقْل مُلكية السيارة من التاجر إليك. نفْس الشيء هنا مع إبراهيم؛ فحسَب العُرْف القانوني في تلك الحَقبة، يُنهي المشي في محيط الأرض عملية نَقْل الملكية بشكل قانوني وبالتالي يَجعَل الطّرفين يؤكدان على إتمام الصَفقة بشكل كامل.
يَنتهي الفَصْل بانتقال إبراهيم إلى حَبرون وبناء مَذبَح هناك. كان من المُعتاد بِناء مَذبَح لإعلان سُلطة إله أو آخر على تلك الأرض.