10th of Kislev, 5785 | י׳ בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التكوين » سِفر التَّكوين الدرس الرابع وثلاثون – الإصْحاحان سبعة وثلاثين وثمانية وثلاثين
سِفر التَّكوين الدرس الرابع وثلاثون – الإصْحاحان سبعة وثلاثين وثمانية وثلاثين

سِفر التَّكوين الدرس الرابع وثلاثون – الإصْحاحان سبعة وثلاثين وثمانية وثلاثين

Download Transcript


سِفر التَّكوين

الدرس الرابع وثلاثون – الإصْحاحان سبعة وثلاثين وثمانية وثلاثين

في الأسبوع الماضي بدأنا للتّو في دراسة سِفر التَّكوين سبعة وثلاثين. ولكن قبل أن نفعل ذلك، نظرْنا بشيء من التعمُّق في سِلْسِلة نسَبْ عيسو، الأخ التَّوْأم لِيَعْقوب، في الإصْحاح ستَّة وثلاثين وتعلَّمْنا أن نَسْل عيسو تزاوَج الى حدّ كبير مع نَسْل إسماعيل، وهذا يعني أن مُعْظَم شعوب الشَّرق الأوْسَط اليوم لديهم مزيج من دم إسماعيل وعيسو في عُروقهم. في حين أنه قد يكون من الصَّعب عَلَيْنا أن ننْظُر بِعيون علميّة وعقلانيّة ونقول إنه من الطَّبيعي تقريباً أن يكون أحْفاد إبنَيْ البَطارِكة المّحْرومين، إسماعيل وعيسو، في مُعارضة مُسْتَمِرَّة مع أحْفاد إبْنَيْ البَطارِكة المُخْتارين والمُبارَكين: إسحاق ويَعْقوب، إلا أن الحقيقة هي أن هذا هو ما حدَثَ. هؤلاء الأحْفاد المُعاصِرين من نَسْل إسماعيل وعيسو يحْمِلون كَراهيَّة لشَعْب يَعْقوب (إسرائيل) المُعاصِرين وهي كراهية تاريخيّة وروحيّة في الأصْل.

الترجمة القياسية الأمريكية الجديدة للكتاب المُقَدَّس تكوين إثنان وثلاثين على سبْعة وعشرين فقال عيسو لأبيه: "هَلْ لَكَ بَرَكَة وَاحِدَةٌ يَا أَبِي؟ بَارِكْنِي أَنَا أيضاً يَا أَبِي فرفَع عيسو صوْته وبكى." تِسعة وثلاثين: فَأَجَابَ إِسْحَاقُ أَبُوهُ وَقَالَ لَهُ: "هُوَذَا بِلاَ دَسَمِ الأَرْضِ يَكُونُ مَسْكَنُكَ، وَبِلاَ نَدَى السَّمَاءِ مِنْ فَوْق" أربعين: "وَبِسَيْفِكَ تَعِيشُ، وَلأَخِيكَ تُسْتَعْبَدُ، وَلكِنْ يَكُونُ حِينَمَا تَجْمَحُ أَنَّكَ تُكَسِّرُ نِيرَهُ عَنْ عُنُقِك".َ

لاحِظوا هذه الآية الأخيرة……" وَلكِنْ يَكُونُ حِينَمَا تَجْمَحُ أَنَّكَ تُكَسِر نِيرَه عَنْ عُنُقِك".

هذا هو ما يجري أمام أعْيُنِنا، يُعرض يوماً بعد يوم على شاشات تِلِفزيوناتِنا. عيسو، الفِلسطينيّون لا يَهْدأ لهم بال، لا يُريدون أن يكونوا تحت نير إسرائيل….وهكذا يَرون أنْفُسِهُم. وهم في طوْر كسْر هذا النّير من أعْناقهم والحصول على دَوْلتهم ذات السّيادة وسيَنْجحون في ذلك…. لِفَترة من الزمن. ولكن، كما قُلْتُ لكم في دُروس سابقة، كل ما نراه يَحْدُث في الشَّرق الأوْسَط اليوم هو نتيجة انِقِسام الله واخْتياره وفصْله بين إسحاق وإسماعيل، ثم بين عيسو ويَعْقوب، وهو أيضاً نتيجة هذه البرَكات النَبَوِيّة التي حَدَثَت منذ ثلاثة آلاف وخمسمِئة سنة وأكثر. لن يؤدّي أي قدْر من مُبادرات السَّلام ومجالِس الأُمَم المُتَّحِدة ومُعاهدات وقرارات الأُمَم المُتَّحِدة إلى نهاية سعيدة. انْظُر…..خطَّة الله ليست أنه سيُعطي بالبَشَر فُرصة لِحلّ المُشْكلة وإذا لم نَتَمَكَّن من حلِّها، فسوف يتدخَّل (على الرغم من أن هذا في الواقع هو لاهوت بعض الطّوائف المُشَوَّشة تماماً). لن يتم حلّ هذا الأمر إلا عندما يتدخَّل الله.

قبْل أيام قليلة، قال لي أحَدُهُم أنه إذا كان صحيحاً أن كل ما يَحْدُث في الشَّرق الأوْسَط يَجِب أن يَحْدُث، وأن الأمَل الوحيد للسَّلام ليس من صُنْع الإنسان بل يَكْمُن كُلّياً في عوْدة مسيحُنا، فلماذا يَجِب أن ننْحاز إلى جانب إسرائيل ضدّ الفِلسطينيين أو المُسْلِمين أو إيران أو أياً كان من الّذين يُحاولون تدْمير إسرائيل؟ لماذا يَجِب عَلَيْنا حتى أن نُولي اهْتِماماً كبيراً على الإطْلاق لما يجري، لو لم يَكُن بِسَبَب الفُضول، لأن كل ذلك مُقدّر له أن يَحْدُث على أي حال؟ حسناً، هذا الشّخْص لديه وِجهْةَ نَظَر جَيِّدة. لقد قال يسوع نفْسه إن النِّهاية لن تأتي، ولن يعود، حتى تحدُث كل الأشياء التي يَجِب أن تحدُث، وهي تحدُث بالفعل. إذن، ما هو دَوْرُنا في كل هذا كأتْباع يسوع؟ بِطَريقة ما، هذا وقت اخْتِبار لنا. الله يَخْتار جِهَة، لأنه يصْنَع الإنْقِسامات التي تُنْشىء الجِهات؛ ويَطْلُب من جميع بالبَشَر أن يخْتاروا جِهة أو أخرى. هل نحن مع يسوع أم ضدّه هو الخيار الأول والأهمّ كمؤمنين، نحن مَدْعُوّون إلى الثقة بالله وبِكَلِمَتِه.

لكن اخْتِيارنا لا ينتهي مع يسوع. الخِيار الرّوحي الأهَمّ التالي بالنِّسبة لنا هو مَوْقِفُنا من إسرائيل وشَعْبها اليهود. لقد أوْضَح يسوع أن الذين يُباركون إسرائيل (الأرْض والشَعْب) سيُبارَكون والذين يَلْعَنون إسرائيل سيُلْعنون. الله لا يتسامَح مع الحِياد. يقول المَسيح في سِفر الرّؤيا: " "هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي". إن كل ما عَلَيْنا فِعْله هو قِراءة الكِتاب المُقَدَّس لِمَعْرِفة الإخْتيار المُتَوَقَّع منا. مع ذلك، كما أمَرَ موسى إسرائيل "لا تكْرَهوا عيسو أقْرِبائكم"، فلا يَنْبَغي لنا أن نكْرَه أولئك الذين يقِفون ضدّ إسرائيل ولا يَنْبَغي لنا أن نكْرَه المُسْلِمين والشَعْب الفِلَسطيني حتى نقِفْ إلى جانب إسرائيل.

حسناً، بينما يقْتَرِب عصْر البَطارِكة من نِهايَتِه، يقدِّم لنا الإصْحاح سبعة وثلاثين يوسف، الإبن الحادي عشر ليَعْقوب؛ ويَسْتَكْمِل يوسف من حيث توقَّف البَطارِكة. سيكون يوسف هو مِحْوَر ما تبقَّى من سِفر التَّكوين.

لِنَقْرأ سِفر التَّكوين سبعة وثلاثين من البداية.

اقرأ سِفر التَّكوين سبعة وثلاثين بأكمَلِه

في الآية الثانية، يُقال لنا أن يوسف، البالغ من العًمْر سبعة عشرة عاماً، يعود بِتَقرير سيِّء عن بعض إخْوَته ويُعطيه لأبيه؛ وبِعِبارة أخرى، لقد وشى بهم. هل هناك أحَد هنا لدَيْه أخ أو أخْت أصْغَر مِنْه لم يسْتَطِع الانْتِظار حتى يَجِد شيْئاً ما ليَجْري ويُخْبِر به أمّه وأباه عنْك؟ حسناً، هذا هو الوَضْع هنا. لاحِظوا أمْراً آخَر: هذان الأخَوان بالتَّحْديد الَّلذان تم الوِشايَة بهما، لم يَكونا ابنَيْ زوْجتَيْ يَعْقوب الشَّرْعِتيْن ليا وراحيل، بل كانا ابْنَيْ محْظِيَّتيْ يَعْقوب، بيلّا وزيلبا. لم يَكُن ذلك ليُساعِد إلا في زيادة الضَّغْط والتَّوَتُّر في العِلاقات بين جميع أبناء يَعْقوب، الذين وُلِدوا من أربع نساء مُخْتَلفات. تَخيّل المشاكِل في هذه العائلة.

لكن، هناك أيضاً تغيير خَفي في وضْع العائلة يَظْهر في العِبْرانية: لأنه، وللمرّة الأولى، يُطلَق على بيلّا وزيلباه….. مَحْظِيَّتا يَعْقوب…… الآن إسْم "إشعشاع"…. وهو مُصْطَلَح لا يُطلَق عادة إلا على الزَّوجة الشَّرْعِيَّة. الآن، لا يُمْكِنُني أن أقول ذلك بِشَكْل مؤكَّد مئة في المئة، ولكن ما لم يَكُن هذا تحْريفاً أو شُذوذاً، يبدو أن يَعْقوب جعَلَ من بيلّا وزيلبا زَوْجَتَيْن شَرْعِيَّتَيْن. يقول الحاخام، موسى بن ميْمون، أنه في وقت قصَّة يوسف هذه، كانت كل من ليا وراحيل مُتَوَفِّيَتَيْن. إذا كان هذا صحيحاً….. ومن المُرَجَّح أنه كذلك….. نَفْهَم لماذا رفع يَعْقوب من مكانة بيلّا وزيلبا ونفهم أيضاً الاضْطِراب الرَّهيب الذي كان موْجوداً داخل عائلة يَعْقوب في ذلك الوقت.

الآن، لأن يَعْقوب كان يُفضِّل دائماً راحيل، فقد فضَّل أيضاً الولَدَيْن اللّذَيْن أنْجبتْهُما له: يوسف وبِنيامين؛ وخاصة يوسف. قيل لنا في الآية الثالثة أن يَعْقوب كان يحبّ يوسف أكثر، ويبدو أنه لم يتوانَ عن توْضيح هذه الحقيقة. كما أنه دلّ على تفْضيله ليوسف بإعْطائه ما ستقول عنه مُعْظَم الأناجيل أنه "مِعْطَف من ألوان كثيرة". في الواقع، لم يَكُن مِعْطَفاً على الإطلاق، بل كان سِتْرة، بالعِبريةk'tonet passim ولكن، هناك أنواع عديدة من السِّتَر، تتراوح بين العاديّة والخاصّة؛ بل أكثر من ذلك، كانت هناك سِتْرة تمتَدّ من الرَّقْبة إلى الكاحِل، وصولاً إلى المِعْصَمَيْن على الذِّراعيْن. كانت هذه سترة ملَكيّة، وصيغة العبرية المُسْتَخْدَمة هنا تقول إن هذا كان بالفِعل رداءً ملكياً. تخيَّلوا الآن. لم يَكُن ذلك أن يوسف حصَل على رِداء أجْمَل من إخوته، بل أن أباه قد كرّسَه عمليّاً كأمير، وجَعَلَه يتبخْتَر بين إخوته بهذا الرِّداء المُلوكي. إن الغيرة والحسَد الّلذيْن كان لا بد أن يسبِّبْهما هذا الأمْر كانا سيُكَلِّفان يوسف حياته. في الواقع، لقد تحوّل الحسَد إلى كراهية ليوسف إلى درجة أن إخوته لم يَسْتَطيعوا أن يُكلّموه بِعبارات وُدِّية أو حضاريّة كما جاء في الآية الرابعة. إن تصرُّفات يَعْقوب في تفْضيله شِبْه المّهْووس ليوسف جعل يوسف لا يتلاءم مع إخوته. التَّرْجمة الحرفيَّة هي "لَمْ يَسْتَطيعوا أَنْ يُخَاطِبُوهُ بالسَّلام عليكم". كما هو الحال في الشَّرق الأوْسَط اليوم، في ذلك الزَّمن، كانت التَّحِيَّة الشّائعة هي "السّلام عليكم". ما تقولُه هذه الآية، هو أن هؤلاء الإخوة لم يَسْتَطيعوا حتى أن يُحْملوا أنْفُسِهُم على أن يُلقوا على يوسف التَّحِيَّة المُعْتادة "السَّلام عليكم"، لأنهم كانوا يَكْرَهونه كثيراً. في هذا السّياق يَجِب أن ننْظُر إلى ما هو على وَشَك أن يَحْدُث.

بِطَريقة ما كان يوسف على الأقل بِمَعْزل عن كل هذا الغضَب والكراهيّة التي أحاطَت به، وفي سذاجة الشَّباب، لم يَكُن لدى يوسف الحِسّ السليم لِيغلق فمَه في مُناسبة رأى فيها حلْماً كان مَعْناه مثيراً بالنِّسبة له، ولكن بالتأكيد ليس لإخوته.

في هذا الحِلم، رأى حِزَماً، حِزَماً من الحبوب المحْصودة من نوع ما. كان هناك إثْنَتَيْ عشرة حزمة، وكان أحد عشر منها مُنْحَنياً على الثاني عشر. الآن، تخيَّلوا يوسف المُراهق هذا، واقفاً هناك في سِتْرته المَلَكيّة وكلّه اعْتِداد بالنَّفس، يروي هذه القصة لإخوته العشرة الأكْبر منه سِنّاً الذين كانوا يَعْرِفون جيّداً رمْزيّة هذا الحِلم: أنهم سيَخْضَعون جميعاً ليوسف يوماً ما كَسَيّد لهم!

هنا نرى كيف سيَتَواصل الله مع يوسف (في الأحلام والرؤى)، على عكس المُحادثات المُباشرة والمَسْموعة وحتى ثُنائيّة الإتِّجاه التي أجْراها مع البَطارِكة. لكن، عَلَيْنا أن نفْهم أيضاً أن هذا لم يَكُن خاصّاً بيوسف وحده. كانت الأحلام والرؤى هي الطُّرق المُعْتادة التي كان يَعْتَقِد الناس في ذلك العَصْر أن إلَهَهُم أو آلِهَتَهُم تتواصل معهم من خلالها، وكان الناس بِشَكْل عام يؤمِنون بهذه الرؤى النَبَوِيّة ولكن، كان من المَفْهوم أيضاً أن شخصيّة الحالم وطُموحاتَه تلْعَب أيضاً دوراً في الحِلم؛ لذلك، كان الحِلم نوعاً ما هَجيناً: كان نوعاً ما وَحْياً أو نُبوءة جِزْء منها إله وجِزْء آخر تَطَلُّعات الشّخْص الذي يَحْلم.

في الآية التاسعة، لدَيْه حلْم آخر، ومرّة أخرى لا يَسْتَطيع أن ينْتَظِر ليُخْبِر الجميع. الح|ِلْم الأول أخْبَرَه لإخْوته فقط، أما هذا الحِلم فيَحْكيه لأبيه يَعْقوب أيضاً. يقول الآن أن الشَّمس والقمر وأحَد عَشَر نجْماً سجَدوا له، ومرّة أخرى كانوا يَعْرِفون جيِّداً ما يعنيه ذلك، ولكن، كان الأمْر أكثر إهانة لأنه في ذلك العصْر، وفي الواقع وصولاً إلى الدِّيانات الوَثَنيَّة في أيّامِنا هذه، كانت الشّمس تُمَثِّل شَخْصيَّة الأب والقَمَر الأم والنُّجوم نَسْلها. إذاً، كان يوسف يقول الآن ليس فقط أن إخْوته لن يسْجِدوا له في خُضوع وخُنوع فحسْب بل أيضاً أمّه وأباه! ويُحاول يَعْقوب أن يَكْبَح جَماح اعْتِداد يوسف بِنَفْسِه قليلاً، بأن يسْخر منه ويقول: …………………………… هل نأتي أنا وأمّك ……. ونحن ننْحني لك على الأرْض؟ والآن لا بدّ أن عائلته كلهّا ظنَّت أن يوسف قد فقد صوابه ويعاني من جنون العَظَمة. في الواقع، سيَتَّضِح أن هذه الأحْلام كانت دقيقة؛ وعلاوة على ذلك، كان تفسير الأحْلام هِبَة روحِيَّة من الله ليوسف. بالمُناسبة، يُضْفي هذا المَقْطع مِصْداقيَّة على أن بيلّا وزيلبا كانتا زَوْجَتَيْن ليَعْقوب لأنه، على الرغم من أن راحيل كانت قد ماتت منذ زمن طويل قبل هذه الحادِثة، إلا أننا هنا نرى يَعْقوب يردُّ قائلاً: "إذاً تقول أن أنا وأمّك….يَجِب أن نَسْجُد لك". كانت راحيل أم يوسف، لكن بيلّا كانت جارِيَتَها. كان يُمْكِن أن يكون لبيلّا علاقة كبيرة بتَرْبِيَة يوسف، ولو كان يَعْقوب قد رفع مكانة بيلّا إلى زَوْجة شرعيّة، لكان من المألوف في ذلك العصر أن يُشار إليها بإسم "أم يوسف".

الواضِح أن قُطْعان عَشيرة بني إسرائيل كانت في ذلك الوقت ترْعى في الحُقول العِشْبِيَّة والوِدْيان المُحيطة بشكيم، بينما كان مقرّها في حبْرون؛ وكان إخوة يوسف في الخارج يرْعون الماشِيَة. أجِدْ أنه من المُثير للإهْتِمام أن يَعْقوب وأبناءَه لم يَشْعروا، على ما يبدو، بأي تأنيب ضمير في العوْدة إلى شكيم، مع الأخذ في الاعْتِبار أنه قبل ذلك بِبُضْع سنوات فقط، اغْتَصَب ابن ملك شكيم ابنة يَعْقوب دينة، وانْتِقاماً من ذلك قام أبناء يَعْقوب بِذَبْح كل الذُّكور المُقيمين في تلك المدينة وأخَذوا العديد من أرامِلهم وأطفالهم لأنْفُسِهُم! أمَرَ إسرائيل، يَعْقوب، يوسف بأن يذهَبْ إلى إخوَته ويَتَفَقَّد أحْوالهم. ربما كان السَّبب في إرْسال يَعْقوب ليوسف هو أنه كان قلِقاً على أبنائه في ضوْء تلك الحادثة المُرَوِّعة. فالرَّغبة في الانْتِقام يُمْكن أن تسْتمِر في الشَّرق الأوْسَط لأجيال عديدة.

انطلَق يوسف غير مُدِرك للمَوْقَف المَحْفوف بالمخاطر الذي كان فيه. كانت المسافة حوالي خمسين ميلاً، وعندما اقْترَبَ من شكيم، أخْبَرَه رجلُ أن القطيع كان هناك، ولكنّه انْتَقل إلى مكان يُدعْى دوثان. أمران: أولاً، على الرَّغْم من بعض الرِّوايات السِّينمائيّة التي تُشير إلى عكْس ذلك، فإن هذا الرَّجُل كان رَجُلاً فقط. الكَلِمَة العِبرية المُسْتَخْدَمة كانت ”إيش“ ……رَجُل. إذاً، لم يَكُن ملاكاً. ثانياً، المكان المُسَمّى دوثان يعني "بئْرّيْن". وكان يوسف على وشك أن يكون له لِقاء قريب مع إحدى هذَيْن البِئْرَيْن.

كانت مِنْطَقة البِئْرَيْن ذات تِلال وخَصْبة ويبدو أن الإخْوة رأوا يوسف قادِماً نحْوَهم من نِقْطة مُراقبة من أعلى إحْدى تلك التِّلال ورأوا يوسف قادِماً نحْوَهُم. لقد فاضَت أحْقادُهم الآن، وكان أبوهُم العزيز على بُعْد ثلاثة أيام على الأقلّ من السَّفر، وحتى قبل أن يًصِل يوسف إليهم، كانوا قد قرّروا قَتْلَه. تُظهر لنا الآيتان تسعة عشرة وعشرين بِوُضوح الى حدٍّ ما، ما الذي دَفَعَهُم في النِّهاية الى التَّهَوُّر: لقد كانت أحْلام يوسف تلك هي التي أساءت إليهم الى حدِّ القتْل. لنَكُن واضِحين: لا يَتَعَلَّق الأمْر فقط بالغيرة والإهانة. كان هؤلاء الإخْوة يعْتَقِدون، الى حدٍّ ما، أن أحْلام يوسف سيِّدَهم كانت حقيقية وإذا قَتَلوا يوسف، فقد تُحلّ المُشْكلة.

الآن، تدَخَّل راوبين، بِكْر يَعْقوب وابْن ليا واقْتَرَح عليهم ألاّ يقْتِلوا يوسف بأيْديهِم، بل أن يُلْقوه في حُفْرة……مع أن الفِكْرة التي طُرِحت هي أن يوسف سيَموت جوعاً في تلك الحُفْرة ولن يُعثَر عليه أبداً. والآن، يُخْبِرنا الكِتاب المُقَدَّس أن نِيَّة راوبين الحقيقيَّة لم تَكُن أن يَموت يوسف، بل أن يَعودوا لاحِقاً ويَسْتَعيدوه بعد أن يُغادِر الإخْوة المِنْطَقة. دعونا نتذكَّر هنا أن راوبين ابْن يَعْقوب البِكْر هو الذي حاول الإنْقِلاب على أبيه بِمُضاجَعَتِه لِبيلّا…..، وبذلك حَصَل على مَحْظِية أبيه كغَنيمة. على الرَّغم من فَشَل الانْقِلاب…. وعلى ما يبدو بعد وفاة كلّ من راحيل ولِيا، تجاهَل يَعْقوب حّقيقَة أن بيلّا كانت تُعْتَبَر "مُدَمَّرة" حسَب التَّقاليد، وتزَوَّجها على أي حال…..من الواضِح أن راوبين كان لا يزال يُعْتَبَر الأعلى بين الإخْوة. لذا، من المُثير للإهْتِمام نوعاً ما أن راوبين، الذي كان الأكْثَر خَسارة مع تفْضيل والِده الخاص ليوسف، هو الذي حاول التَّدَخُّل والقُدوم لإنِقاذ يوسف. بالإضافة إلى ذلك، وبِصِفَتِه الأخْ الأكبَر، كان راوبين سيَتَحَمَّل المَسْؤولية عن تصرُّفات المجْموعة……وكان في ورْطة كافِية كما كان، بِسَبَب قَضِيَّة بيلّا.

قد يكون من المُثير للإهْتِمام أن نُلاحظ، هنا، أن الحُفْرة كانت في الواقع بِئراً فارِغاً….. صَهْريجاً. تذكَّروا أن المكان الذي كانوا فيه كان يُسَمّى دوثان، وهما بِئْران، ويبدو أن أحَد هَذَيْن البِئْرَيْن كان جافاً، لأننا قد علِمْنا ذلك في الآية أربَعة وعشرين. الآبار والصَّهاريج الجافَّة كانت تُستخْدَم عادةً كزِنْزانات للسِّجن، بل وحتى كأماكِن للإخْتِباء في ذلك اليوْم. لذا، فإن فِكْرة راوبين لم تكُن جديدة.

قبل إصْحاحَيْن، حَصَلنا على لمْحَة جَيِّدة جداً عن هؤلاء الإخْوة الَّذِين كانوا أشخاصاً مُتَصَلٍّبين؛ الذين قتلوا جميع ذُكور شكيم بعد أن خُدع الرِّجال بالخِتان وأصْبَحوا ضُعَفاء بِسَبَب آثاره اللاّحِقة. ثم انْطَلقوا بعد ذلك في هِياج لِنَهْب المدينة العاجِزة، بل وسَرَقوا بعض نِسائها وأطْفالها كي يَسْتَخْدموهم لِزيادة عائلاتهم. لذا، ليس من المُسْتَغْرَب أن يقوم هؤلاء الرجال عَديمو الشَّفَقَة بأنْفُسِهُم بإلْقاء أخيهم المُراهِق في بِئْر فارِغ لِيَموت، ثم يَجْلُسون فوْراً لتَناوُل الغداء بينما كانت تَوَسُّلاته للرَّحمة مُعَلَّقة في الهواء!

لم يكادوا يبْدأون في تَناوُل الطَّعام، حتى شاهدوا قافِلة من التُّجّار العرَب الإسْماعيليين. في هذا الوقت، خَطَرَت ليَهُوَّذا، وهو ابْن آخر لِلِيا، فِكْرة: دعونا لا نَتْرُكه يموت في الحُفْرة، دعونا نَبيعَه للعَرَب، وبهذه الطَّريقة يكون كل ما يَحْدُث له من تلك الَّلحْظة خارِجاً عن إرادَتهم. يا له من مَنْطِق مُتَصَدِّع. إلى جانب ذلك، يُمْكِنَهُم في الواقع أن يرْبَحوا مالياًّ بالتَّخَلُّص من يوسف بهذه الطريقة، فلماذا لا يفعلون ذلك؟

بالمناسبة، إن فِكْرة أن تكون هذه مُصادفة عظيمة بأن يأتي هؤلاء التُّجّار إلى هنا في مكان مَجْهول ليست مُسْتَبْعَدَة على الإطْلاق، لأن واحدة من أقْدَم الطُّرق التِّجاريّة في الشَّرق الأوْسَط كانت تمتَدّ من مِنْطَقة جِلْعاد المُنْتِجَة للتَّوابِل، نُزولاً عبْر مِنْطَقة شَكيم (حيث كانوا موْجودين تماماً)، ثم وُصولاً إلى مصر.

لذا، باع الإخْوة يوسف للتُّجّار مقابل عشرين شيكِل من الفُضّة، وهو السِّعر السّائد للعَبْد الذَّكَر. عاد راوبين ووَجَد يوسف قد رَحَل، و"مَزَّقَ ثَوْبَهُ"، وهي علامة الحِداد؛ وهذا ليس لأنه يأسَفْ على ذِهاب يوسف، بل لأنه الأكْبَر، فهو سيُحاسَب من قِبَل أبيه يَعْقوب. الآن وَضَع الإخْوة الدمّ على الجُبّة المَلَكيَّة التي جرَّدوها من يوسف قبل أن يُلْقوه في البِئر وأخَذونها إلى أبيهِم مُتَسائلين: "أهَذِه جُبّة يوسف"؟ بالطّبْع تعرّف يَعْقوب على الفوْر على أن السِّتْرة هي سِتْرة يوسف. كان الدمّ الذي على السِّترة دليلاً كافياً ليَعْقوب على أن حيواناً برِّياً قتَلَ يوسف وأكَلَهُ، حتى أن الإخْوَة لم يَضْطَرّوا إلى البَوْح بِكِذْبَتهم، بل قدّموا لأبيهم التَّعْزية.

لكن، لم يسْتَطِع يَعْقوب أن يتَعزّى، وأعْطانا تلْميحاً بَسيطاً عن نَظْرة الناس في عَصْرِه إلى المَوْت. لقد قال بِبَلاغة، إنه بالتأكيد سَيَموت الآن، ثم يَنْزِل إلى شيول ليكون مع ابْنِه يوسف. في ذلك الوقت، كان شيول يعني في الأساس القَبْر أو مكان المَوْتى. لم يَكُن مَفْهوم الموْت والذِّهاب إلى السماء موْجوداً. كما رأينا في الإصْحاحات الأخيرة، يوجد مَفْهوم الموْت و"أن تَموت وتَجْتَمِع بِأُناسِك"، وهو بيان مُرْتَبِط بالمُمارسة شِبْه العالميّة لعِبادة الأسْلاف. ما يعنيه ذلك بالضَّبْط في ذهْن هؤلاء القُدَماء غير مؤكَّد؛ لكن من المُؤَكَّد أنه يَحْمل في طيَّاتِه فِكْرة نوع من الحياة بعد المَوْت، حتى لَوْ كانوا غير واضِحين فيما يَتَعَلَّق بما يَعنيه ذلك.

هناك أمرُ صغير في هذا الإصْحاح يُسَبِّب لنا بعض المتاعِب: فهو يَتَناوَب بين القَوْل بأن الإخْوة باعوا يوسف للإسْماعيليّين ثم للمِدْيانيّين. الآن، كان الإسْماعيليّون شَعْباً مُخْتَلفاً عن المِدْيانيّين. كان إسماعيل ابناً لإبراهيم، وكذلك كان المِدْيانيّون ولكن، كانت أم إسماعيل هاجَر، بينما كانت أم مِدْيان هي قتّورة. ربما أصْبَح مُصْطَلَح "الإسْماعيليّون" مُجَرَّد مُصْطَلَح عام لكل الشُّعوب السّاميّة التي كانت تعيش في مِنْطَقة الجزيرة العربيّة، أما "المِدْيانيون" فكان تعريفاً أكثر تحْديداً ودِقّة، لكنّنا لسْنا مُتأكِّدين.

على أي حال، في الآية الأخيرة نرى يوسف يصِل إلى مصر ويُباع إلى مَسْؤول حُكومي مَصري رَفيع المُسْتوى: بوتيفار. بوتيفار إسْم مَصري شائع الى حدٍّ ما، وهو موْجود على الآثار المَصْريّة من عدة سُلالات. يُكْتب "بيت-با-رع"، ويَعْني بِبَساطة "مخصّص إلى رع" أو "هدية إلى رع"؛ وكان رع هو إله الشّمس المصري. الآن، غالباً ما يدور جدَل حول المَنْصِب الذي كان يَشْغَله بوتيفار لدى فِرْعون، ولكن من المؤكَّد أنه كان له علاقة بالجَيْش. سواء كان قائداً لحَرَس القَصْر أو كان مسؤولاً عن جميع جيوش فرعون أو بِبَساطة كان كبير حُرّاس فرعون الشّخْصيين ليس واضحاً تماماً؛ لكن، ربما كان على الأرْجَح ثاني أقوى رَجُل في مصر……في ذلك الوقت، على أي حال.

دعْنا نَنْتَقِل إلى الإصْحاح ثمانية وثلاثين، الذي يَقْطَع قِصَّة يوسف نوْعاً ما لِلِحَظات.

اقرأ سِفر التَّكوين ثمانية وثلاثين

تَنْتَقِل القِصّة فجأة لِفَترة من الوقْت وتعود إلى كنعان، وتُرَكِّز الآن على الأخْ الذي اقْتَرَح بيْع يوسف ليُصْبِح عبْداً، يَهُوَّذا. بعْض ما نقْرَأه في هذا الأصْحاح عن زواج الأبْناء من أرامِل إخْوَتِهم وما إلى ذلك غريب بالنِّسبة لنا. في الوقت الرّاهن، عَلَيْنا فقط أن نَقَبَله كما نقْرأه، لأن هذا بِبَساطة كان عادة عاديّة في ذلك الوقت. بعض أهَمِّيّة هذا الأصْحاح بالنِّسْبة لنا هو المُساعدة في فَهْم عَقليّة وعادات ذلك العَصْر. لقد كان من المُهِمّ للغاية بالنِّسبة للناس آنذاك، وحتى في الثّقافات القَبَلية اليوم، أن تَسْتَمِر السُّلالات العائلية. سنَعود إلى ذلك بعد بُضْع دقائق.

أولاً، أوَدّ أن أُرَكِّز على يَهُوَّذا، لأنه من يَهُوَّذا سيأتي الشَعْب اليهودي والمسيح المُنْتَظَر، يسوع. هذا يعني أن يَهُوَّذا سيَحْمُل الآن الشُّعْلة كخطّ متواصِل من وعْد العهْد الذي بدأ مع جدّ يَهُوَّذا الأكْبَر، إبراهيم. كان يَهُوَّذا هو الإبْن الرابِع ليَعْقوب وكان ابْن ليا، إحدى زوْجَتَيّ يَعْقوب الشَّرْعِتَيْن؛ أبناء يَعْقوب الأرْبعة الأوائل وُلِدوا جميعاً من لِيا. في مُحاولة مَعْرِفة سبَبَ ذِكْر يَهُوَّذا بِشَكْل بارِز في الإصْحاح السَّابق، باعْتِبارِه الشّخْص الذي ارْتَكَب جريمة بَيْع يوسف، والآن في هذا الإصْحاح باعْتِبارِه الشّخْص الذي ظنَّ أنه كان يُضاجِع مومِساً، ولكن بدلاً من ذلك، كانت زوْجة ابْنَه الأرْملة، عَلَيْنا أن نُلاحظ حالة عائلة إسرائيل، عَشيرة يَعْقوب.

من المُمْكِن تماماً، بل ومن المُحْتَمل جدّاً، أن يَهُوَّذا كان ينْظُر إلى أخيه أو بالأحْرى إلى أخيه غير الشَّقيق، يوسف، كمُنافِس له (تذكَّروا أن يَهُوَّذا وَلَد لِيا، ويوسف وَلَد راحيل). لماذا مُناِفس؟ لأن يَهُوَّذا رُبّما كان يرى نَفْسَهُ الشّخْص الذي يَسْتَحِق الآن نِعْمة البِكْر وكل الثَّرْوة والسُّلْطة التي تُصاحِبُها. لماذا يَعْتَقِد ذلك؟ كما سنَرى فيما بعد، قرّر يَعْقوب أن راوبين (على الرغم من أنه ابْن يَعْقوب البِكْر) لن يحْصَل على بَرَكَة البِكْر، لأن راوبين كان قد نام مع مَحْظِية يَعْقوب، بيلّا. وشمْعون ولاوي، وهما التّاليان في السُّلالة، اعتُبِرا أيضاً غير مُسْتَحِقِّين لِوِراثة بَرَكَة البِكْر التي حُرِم منها راوبين، لأنَّهُما هما الّلذان قادا السَّطو على ذُكور شكيم وقَتَلاهم انتقاماً لاغْتِصاب أخْتَهُما دينة.

لذا، فمِنَ الطَّبيعي أن يبدو أن يَهُوَّذا، الرابع في السُّلالة، سيُصْبِح وارِث بَرَكَة البِكْر. لكن، بعد أن أُعْطِيَ يوسف لِباس المُلوكية وتم تفْضيلُه علانيَّة من قِبَل والده، يبدو أن ذلك يُشير إلى أن يَهُوَّذا كان يَميل إلى، أو ربَّما كان قد قرّر بالفعل، تجاوُز أوَّل عشْرة من أبنائه (ومن بيْنهم يَهُوَّذا) وإعْطاء كل الحُقوق والسُّلْطة على العَشيرة ليوسف؛ وهذا بالطّبْع لم يَكُن لِيَقْبَله يَهُوَّذا.

الآن، إليكم المُفاَرقة في كل ذلك: هذا الصِّراع على السُّلْطة (الذي كان يوسف المُراهِق غافِلاً عنه تماماً) لم يَكُن سوى بداية التَّنافُس بين يَهُوَّذا ويوسف… أو، من الأفضل بعد……بين نَسْلهما. لأن هذَيْن الأخَوَيْن يُمَثِّلان هذين الشَعْبين اللذين سيُصْبِحان في نهاية المطاف قبيلتَيْن مُسَيْطِرتين في إسرائيل: يَهُوَّذا وأفرايم. ربَّما يقول البعْض منكم، انتظِروا لحْظة: ظَنَنْت أننا كنا نتحدَّث عن يَهُوَّذا ويوسف، كيف قفّزَ أفرايم إلى هنا؟ كما سنرى بعد بِضْعة فصول، أفرايم، وهو ابْن مَصْري ليوسف (أي المولود من زوجة يوسف المَصْريّة)، سيَحِلّ فِعليّاً محلّ يوسف كقبيلَة من بني إسرائيل. في الواقع، سوف يَتَبَنَّى يَعْقوب أفرايم (وأخيه الأكبر منسّى) بعيداً عن يوسف، بِغَرَض أن يَحِلّا محلّ راوبين؛ وبعد قرون من ذلك، سَيُصْبح يَهُوَّذا وإفرايم مَمْلَكَتَيّ إسرائيل اللَّتين نشأتا بعد انْقِسام أمَّة إسرائيل كما كانت موْجودة في عهْد داود وسليمان وسيَجِد أحْفاد يَهُوَّذا وإفرايم أنْفُسِهُم يتحارَبون ضدّ بَعْضِهِم البعض، على فترات متقطِّعة، إلى أن احتلَّت آشور أخيراً مَمْلَكة إفرايم الشَّمالية وشتَّتَت أسْباط إسرائيل العشرة التي كانت تُشَكِّل إفرايم في أقصى أنْحاء آسيا.

إذاً، بِدْءاً من الوقت الذي كان فيه يوسف شاباً وحتى اليوم، كان نَسْل يَهُوَّذا ونَسْل يوسف، عن طريق أفرايم، على خِلاف مع بَعْضِهِم البَعْض. من المُثير للإهْتِمام أنه في نُبوءة حزْقيال سبعة وثلاثين، تم التَّنَبُّؤ بِزَمن سينتهي فيه بنو إسرائيل من الوجود كَأُمَّة، ولكنّه سيعود إلى أرْض بِداياته. بالإضافة الى ذلك، أن يَهُوَّذا وإفرايم سيَعودان إلى الأرْض وسيُحْكَمان تحت حِكم مَلِكٍ واحد….. من نَسْل المَلِك داود….. إلى الأبد. لقد عاد يَهُوَّذا إلى الشَّرق الأوْسَط في عام ألف وتِسْعُمئة وثمانية وأربعين وأعاد تشْكيل أُمَّة إسرائيل في نفس المكان الذي كانت عليه قبل تدْميرِها منذ حوالي ألفَيْ سنة، ولكن، ماذا عن إفرايم؟ حسناً، أسباط "أفرايم" هؤلاء كانوا يتَصَدَّرون الأخْبار في الآونة الأخيرة. لقد تحدَّثْنا تقليديّاً عن "أسْباط إسرائيل العشرة المفْقودة" عند الإشارة إلى أسْباط أفرايم. لم يَعُد أفرايم إلى إسرائيل، لكن يَهُوَّذا عاد. حسناً، منذ عدَّة سنوات حتى الآن، تدَّعي قبائل كبيرة من الناس المُنْتَشِرين في جميع أنحاء آسيا والهند أنهم هم بعض تلك القبائل المفْقودة. بعد ما يقْرُب من عشرين عاماً من التَّحْقيق، قرَّرَت القِيادة الدينيّة اليهوديّة في إسرائيل أنَّهُم بالفِعل أفرايم، وقد أقْنَعوا الحُكومة الإسْرائيلية بهذه الحقيقة. لذا، واعْتِباراً من آذار/مارس ألفَيْن وخمسة، تمَّت دعْوَة بعض قبائل أفرايم هذه للهُجْرة إلى إسرائيل. إن نُبوءَة حَزقيال سبعة وثلاثين جارِية.

ولكِن، لا تزال هُناك مُشْكِلة: فاليَهوديَّة التي يُمارِسها اليهود المُعاصِرون تَخْتَلِف (بِدَرجات مُتَفاوِتة) عن الطَّريقة التي تُمارِس بها هذه القبائل الأفْرايمِيَّة المُخْتَلفة مُعْتَقداتها في التوْراة. تماماً كما بدأ الأمْر مع الرَّجُل يَهُوَّذا والرَّجُل يوسف……. وكما حدَث منذ أن باع يَهُوَّذا يوسف إلى العُبوديّة وانْتَهى به الأمْر في مصر…. لا يزال يَهُوَّذا وقبائل يوسف (إفرايم) على خِلاف. لقد قال يَهُوَّذا، اليهود، لأفرايم أن عليْهم أن يَتَبَنّوا التّقاليد اليهوديّة وأن يَعْتَنِقوا اليهوديّة بِشَكْل أساسي لكي يَعودوا إلى إسرائيل، فوافَقَ أهْل أفرايم الذين كانوا يائسين للقُدوم إلى إسرائيل ولكن يُمْكِنُك أن تُراهِن على أن هذه ليْسَت نهاية القصَّة وأظنُّ أنه مع تزايُد حماسة عوْدة أفرايم، ستَزْداد مُقاوَمَتْهم لتَبَنّي طُرُق يَهُوَّذا بالكامِل.

لنَتَوَقَّف هنا الّليلة.