10th of Kislev, 5785 | י׳ בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التكوين » سِفْر التكوين الدرس أربعة وأربعون – تكمِلة الإصحاح تسعة وأربعين
سِفْر التكوين الدرس أربعة وأربعون – تكمِلة الإصحاح تسعة وأربعين

سِفْر التكوين الدرس أربعة وأربعون – تكمِلة الإصحاح تسعة وأربعين

Download Transcript


سِفْر التكوين

الدرس أربعة وأربعون – تكمِلة الإصحاح تسعة وأربعين

بينما نَستمِرّ في دراستنا لسِفْر التكوين تِسعة وأربعين…… الذي هو في الأساس سِلسلة من البَرَكات النَبَوِيَة التي تُحدِّد مُسبقاً شخصية وَصِفات أسباط إسرائيل الإثني عشر…… لقد انتهَينا في المرَّة السابقة مع الإبن الرابع ليعقوب، يهوذا، ورأينا أنّ يهوذا حَصَل على ما يبدو على بَرَكة البِكر. مع ذلك، فإنّ ما حَصَل عليه يهوذا في الواقع لم يكُن سوى جزء من بَرَكة البِكر: الحَقّ في الحُكم.

لقد رأينا أنّ بَرَكة البِكر تتكَّون من عُنْصُرَيْن أساسيَين: الحقّ في الحُكم والحقّ في وِراثة جزء مُضاعَف من ثروة القبيلة. لذا، فإنّ مُتلقّي بَرَكة البِكر عادةً ما يُصبح أغنى أفراد القبيلة وفي نفْس اللحظة يُصبح فيها هو السُلطة الحاكمة للقبيلة. لكن، ليس هذا ما حَدَث مع بَرَكة يعقوب هذه. بدلاً من ذلك، وفي حَدَث فريد من نوعِه في الكتاب المقدس، قام يعقوب بتقسيم بَرَكة البِكر، فأعطى حق الحكم ليهوذا والنصيب المُضاعف ليوسف، عن طريق ابنيه إفرايم ومنسى، وهذا ما حَصَل في حدَث فريد من نوعه في الكتاب المقدس.

فقط لكي نكون واضحين بشأن ما أعنيه عن حصول يوسف على النصيب المُضاعف عن طريق وَلَدَيه: في هذه اللحظة من التاريخ، وُضِعت سُلطة وجوهر قبيلة يوسف في يَد ولَدَيه، إفرايم ومنسى، ولأن يعقوب في البَرَكة المُتقاطعة قد تَبنّى أفرايم ومنسى وجعلهما ابنيه، فقد حَصَل كل من أفرايم ومنسّى على نصيب من ثروة إسرائيل، تماماً مِثل إخوتهم الجُدد، راوبين وشمعون ولاوي وسائر الأسباط الإثني عشر؛ وبما أنّ إفرايم ومنسى، من هذه النقطة فصاعداً، سيُمثّلان سبط يوسف، وبما أنّ كل واحد منهما حَصَل على حصّة كاملة من ثروة إسرائيل، فإنّ سبط يوسف كان له نصيبان من ثروة إسرائيل…….نصيب مُضاعَف. عندما نَصِل إلى يوسف في هذه السلسلة من البَرَكات، سنَجِد تعبيراً آخر يُستخدَم لوَصْف الجزء المُضاعف من بَرَكة البِكر وهو "الخصب" و"الزيادة".

اقرأ سِفْر التكوين الإصحاح تسعة وأربعين من الآية الثالثة عشرة إلى الخامسة عشرة من جديد

ما نراه هنا هو أنه يُقال أنّ مَصير زبولون هو أن يكون في مَشاريع تجارية: سيكون بائعاً وتاجراً، بل أكثر من ذلك، سيكون لأسلافِه عِلاقة كبيرة بالشَحن البَحري والِصناعات البَحرية الأخرى. وبعد مئات السنين في المُستقبل، نَجِد أنّ تَخصيص أراضي زبولون سيَجعلها جسراً برّياً بين بَحر الجليل والبحر الأبيض المتوسط. الآن، لم يَمتلِكوا أبداً أرضاً على طول الطريق إلى شاطئ البحَر، ولكن كانت لهم مَصالح ملاحية وتِجارية على كلا البَحرَين، بل أكثر من ذلك، كان يَمرّ عبر أراضيهم مباشرة أحد أعظم الطرق التجارية في عصرِهم أو أي عَصر آخر: فيا ماريس، طريق البَحر. كان يبدأ في دِمَشق ويَّشقّ طريقه إلى مصر، وكان بَرَكة اقتصادية هائلة لقبيلة زبولون.

كما أنّ بَرَكة زبولون قصيرة وجميلة، كذلك تاريخ القَبيلة في التوراة. لم يُذكَر عنها إلاّ القليل. لم يُذكَر أي شخص ذي أهمية على أنه من قبيلة زبولون، ومع ذلك، في "نشيد دفورا وباراك"، ذُكِر زبولون على أنه واحد من عدّة قبائل التزَمت العديد من الرِجال للقتال ضد مَلِك حاصور في وادي يزرعيل، الذي كان في أراضي زبولون. وعلى الرغم من أنّ ما وَرَد في الكتاب المقدس عن زبولون قليل جداً، إلا أنّ ما قيل عنه يمكُن وَصْفُه بالإيجابي والإطرائي.

إنّ ما نعرِفه عن يساكر أقلّ من ما نعرِفه عن أخيه زبولون. الواقع أنّ ما نعرِفه عن يساكر قليل للغاية، حتى أنّ علَماء بني إسرائيل القدماء بذلوا قصارى جهدهم لاختلاق أشياء جيدة ليقولوها عن ذَريَّته، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو أنّ أسلاف زبولون كانوا يعمَلون في التجارة، ولكنّهم كانوا يَعمَلون لدَعم قبيلة يساكر الذين كانوا من علَماء التوراة العظماء. من السَّهل للغاية دَحض هذا الأمْر على أنه مجرد خرافة تَخدُم مصالِحهم الذاتية، لأن التقليد الذي نشأ بعد بابل، عندما تم إنشاء الكَمّ الهائل من الكتابات والأحكام والتعليقات الحاخامية، كان يقول إنّ دراسة التوراة كانت أعلى مِهنة لأي يهودي، وعلى عَكس ذلك، كان العَمَل التجاري والانغماس في التعامُل مع الأمور المادية مِثل التجارة والمال، هو أدنى مِهنة. لذا، فإنّ فِكرة أنّ قبيلة التجار ستَكون من المؤيِّدين لقبيلة عُلَماء التوراة المُتعلِّمين كانت فِكرة مثالية تماماً وتَتناسب تماماً مع الأجَنْدة الإجتماعية في العَصر اليهودي بَعد بابل عندما تم إنشاء هذه الأساطير والتقاليد المُتعلِّقة بيساكر وزبولون.

قد يكون هذا وقتاً مناسباً لنَذكُر أنه على الرّغم من وجود ثروة هائلة من المَعلومات والإكتشافات المثيرة في انتظار كل من يَجِد الوقْت والقدرة على التَحمُّل لدراسة التلمود، إلا أنه ينبغي على المرء أن يَستخدمَها فقط لغرَض محتواها التاريخي والمُساعدة على فَهم البُنيَة الاجتماعية في تلك العصور القديمة وما كانت عليه عمليات التفكير والأجندات وكيف تَطوَّرت، وحتّى كيف حدَثَت بعض الإحتفالات وما تُمثِّله وكيف كانت تؤدّى؛ وأحياناً يمكن أن يُساعدَنا التلمود في وَضْع بعض الأمور من الكتاب المقدس في ترتيب زمني مُناسِب. لكن ما يوجد هناك ليس موحى به من الله. إنه لا يَتساوى بأي حال من الأحوال مع الكتاب المقدَّس، مع ذلك، فهو ليس مجموعة من الأكاذيب أو المُغالطات أيضاً. بشكل عام، كان الكتّاب والمُفسِّرون هم أفضل وخَيْر علماء وحكماء ومؤرخين يهود في عصرهم. لكن، ما كُتِب لا يُمكن الاعتماد عليه إلا على أنه حِكمة ومعرفة دنيوية، وليس من الروح. لسوء الحظ، وَضَع الشعب اليهودي لآلاف السنين التلمود والتقاليد على قَدَم المساواة مع الكتاب المقدس أو حتى فوقَه وقد كَبَت يسوع حقاً النخبة الأكاديمية في عَصره وَوَبَّخهم لفظياً لفِعلِهم ذلك؛ حتى أنّه أخبرهم أنّ معرفتَهم المزعومة بالأمور الإلهية كانت في الحقيقة من أبيهم الحقيقي، الشيطان. كان يُشير إلى الهيئة الضخمة والمُتنامية للتقليد الذي كان يُهيمن على الحياة اليهودية.

أمرٌ آخر عن يساكر وسنَمضي قدماً مع بَرَكة الإبن التالي. أن يُطلَق على يساكر لقَب "حمار" يبدو لنا مٌهيناً جداً؛ قد يتسبَّب في طردِك من الفَصل أو حتى ضربِك قليلاً لقولك ذلك لشخص ما ولكن، لم يكُن الأمر كذلك في أذن الناس في أيام يعقوب؛ لم تكُن هذه ملاحظة مُهينة؛ فقد كانت الحمير مخلوقات ذات قيمة عالية كانت مزيجاً من سيارات الأجرة وصناعة النَقل بالشاحنات في تلك الحَقبة. في الرياضة اليوم، قد نُطلِق على اللاعب اسم "ديزل"، اختصاراً لكَلِمة شاحنة ديزل. بالطبع، يعني ذلك أنّ اللاعب الرياضي قوي وأحادي التفكير ومُباشَر ولا يَعرف الهراء؛ وهو نقيض الكياسة. يرتدي الرياضيّون الذين يُشار إليهم بإسم "ديزل" هذا اللقب بفَخْر. كان من المُمكن أن يكون الأمْر نفسه مع لَقَب "حمار قوي" الذي يُشار به إلى يساكر.

أعِد قراءة سِفْر التكوين الإصحاح تسعة وأربعين من الآية السادسة عشرة إلى الثامنة عشرة

لقد انتهَينا الآن من المجموعة الأولى المكوَّنة من ستّة من أبناء يعقوب، وجميعُهم من زوجته ليا. بعد ذلك نرى البَرَكات التي أُعطِيت لأولاد مَحظيات يعقوب الأربعة، ولكن هؤلاء الأربعة وُلِدوا في الواقع بعد أن أنجبَت ليا يهوذا، ولكن قَبل أن َتِلد يساكر ثم زبولون. غالباً ما يُشار إلى تلك المَحظيات في الكتاب المقدس بإسم الخادمتَين زيلباه وبيلا، خادمتين لزوجتّي يعقوب، ليا وراحيل.

بينما يُمكننا أن نتأكَّد أنّ أبناء يعقوب الإثني عشر قد وَضَعوا ترتيباً تراتبياً فيما بينهم، يمكننا أن نتأكّد أيضاً أنّ الأبناء الأربعة الذين وُلِدوا للخادِمات كانوا غالباً ما يُدفَعون إلى أسفل السُّلم التراتُبي. باستثناء محاباة يعقوب لزوجته راحيل وَوَلدَيها يوسف وبنيامين، لا يوجد ما يُشير إلى أنّ يعقوب نفسه كان يُفكِّر في هؤلاء الأبناء الأربعة الذين أنجبتْهم زيلباه وبيلا أقلّ من الأبناء الثمانية الآخرين. لكن، كانت تقاليد ذلك العَصر تَقضي بأنّ أبناء المَحظيات لا يتمتَّعون بمكانة مساوية لأبناء الزوجات الشرعيّين للرَجُل.

إدراكاً من يعقوب أنّ أبناءه الإثني عشر كانوا إنسانيين جداً، ربما كان مُهتماً بألا يُفسِّر هؤلاء الأبناء الأربعة، بأي شكل من الأشكال، على أنهم مواطِنون من الدَرجة الثانية. هذا على الأرجح يُفسِّر العبارة الغريبة في الآية السادسة عشرة حيث يقول يعقوب: "دان سيحكُم على شعبه كواحد من أسباط إسرائيل". لماذا يقول يعقوب "كأحد أسباط إسرائيل"؟ مع أنَّه من الواضح لنا أنَّ جميع الأبناء الإثني عشر كانوا شرعيِّين من بني إسرائيل، لأنَّ دان كان واحداً من هؤلاء الأبناء الأربعة من مَحظياته وليس من زَوجتَيه، أراد يعقوب أن يوضِّح أنهم كانوا الإثنا عشر جميعاً جزءاً من بني إسرائيل….. كلّ بِقَدر ما كان الآخر.

إسم دان يعني "المحكوم". ومع أنّ بيلا، جارية راحيل، كانت الأم البيولوجية لدان، إلا أنّ راحيل، بِصِفَتِها سيّدَتَها، كان لها الحَقّ في تَسمية الطفل وصاحت راحيل قائلة: "لقد حَكَم الله عليَّ"، عندما لم تَستطِع أن تُنجِب طفلاً ليعقوب، ولكن خادمتُها أنجَبت. لقد كان عاراً كبيراً على المرأة التي لمْ تَستطِع أن تُنجِب لزوجها أطفالاً. لذا، فقد عَلِقَ بهذا الطفل إسم "المحكوم".

ربما كان أشهر أحفاد دان هو شمشون الفائق القوة الطبيعية، وكان شمشون أحَد القُضاة الإثني عشر (بالعبرية، شوفيت) المَذكورين في الكتاب المقدس، الذين أقامَهم الله على مدى مئتين وخمسين سنة تُسمّى زَمن القضاة. هذا هو الإطار الزمني الذي يُغطّيه سِفْر القضاة في كتُبِنا المقدَّسة. ظَهَر القضاة في العديد من الأسباط الإثني عشر، وليس فقط دان.

لقد خَصِّص لدان أرضاً لا يُحسَد عليها جَعَله يتقاسَم حدوداً مع الفلسطينيين الشرسين، الذين يبدو أنه لا يمكن قَهرُهم. مجرد ملاحظة سريعة: فلسطين هي ببساطة الكَلِمة اليونانية التي تعني فلسطيني. لذا، عندما نتحدَّث عن فلسطينيي الضفة الغربية أو عن إنشاء دولة فلسطينية، فإنّ ما نقوله في الواقع هو فلسطينيو الضِفة الغربية، وإنشاء دولة فلسطينية، وقد يُقلقُك أن تَعرف أنه، من الناحية النَبوية، يُخبرُنا الكتاب المقدس أنّ هذا الشيء بالضبط من المُفترَض أن يحدُث في الأيام الأخيرة.

لقد أخْرَج الله شمشون كمُخلِّص لقبيلة دان من اضطهاد الفلسطينيين. على الرغم من أنّ جميع قضاة الكتاب المقدس، الشوفيت، كانوا يُدعون بنَفس لقَب "القاضي"، إلا أنهم في الواقع كانوا يؤدّون وَظائف مُختلفة. بعضهم كانوا أنبياء وبعضهم كانوا قادة عسكريّين والبعض الآخر كانوا حُكّاماً والبعض الآخر كانوا مُنقذين مِثل شمشون.

من المثير للإهتمام أن نُلاحظ أن هناك ذِكراً لـ "أفعى" في وَصْف صِفات دان المُستقبلية، وبينما كان كلّ أسباط بني إسرائيل يعانون من عبادة الأصنام والاستسلام للشيطان، ربما لم يكُن أحدٌ منهم يُعاني من هذه المشكلة مِثل سبط دان. حتّى القاضي العظيم شمشون عانى كثيراً في مقاومَة تأثيرات الفلسطينيين الوثنية، كما نرى في الكتاب المقدس كيف أنّه كان يُعاشر البغايا ويُحبّ السَّهر مع هؤلاء الوثنيين، وكان له علاقة غرامية مع دليلة حتى أنه تزوَّج فتاة فلسطينية.

أُنهِك الكثيرون في قبيلة دان من مُحاربة الفلسطيين لدرجة أنهم في النهاية تَخلّوا عن السيطرة على ميراثهم من الأرض وانتقَلوا إلى الشمال، بالقُرب من حدود لبنان الحالية. احتلّوا مدينة تُدعى "لايش" وأعادوا تَسميتَها وسَمّوها "دان" وانتقَل العديد من أفراد القبيلة إلى المِنطقة. بالمناسبة: إنّ أطلال هذه المدينة مَرئية اليوم، وقد زارها الكثيرون من هذا الصَفّ؛ وعلى الفور أقام قادة دان صورة مَنحوتة، َصنماً، وعَيّنوا لها كهنة، وأصبَحت المدينة مَركزاً للعبادة الوثنية وظلَّت كذلك لعدّة مئات من السنين التالية.

تضاءلت قبيلة دان بمرور الوقت من حيث الحَجم والأهمية. في الواقع، لم يَتم ذِكرُهم فقط في قائمة الأنساب القَبَلية في سِفْر أخبار الأيام الأول اثنان، بل تم حذفُهُم في قائمة القبائل التي ستُشكِّل الـمئة وأربعة وأربعين ألف شاهداً إسرائيلياً مَختوماً الذين تَحدّثُ عنهم سِفْر الرؤيا سبعة.

الآن، هل يعني استبعادُهم في التكوين القَبَلي لرؤيا سبعة أنّ دان قد انقرَض إلى الأبد؟ على ما يبدو لا؛ لأنه في المَلكوت الألفي، مُلك المسيح الذي مدته ألف سنة سنة كما هو مَوصوف في حزقيال ثمانية وأربعين، سيحصُل دان على ميراث. علينا أن نتذكَّر أن توقيت الـمئة وأربعة وأربعين ألف مَختوماً من بني إسرائيل يحدُث خلال ما يُسمّيه المسيحيون فترة الضّيقة (ما يُسمّيه اليهود زمن متاعب يعقوب) ويأتي الملكوت الألفي بعد ذلك. إذاً، دان موجود خلال الضّيقة، ولكن من المُحتمل أن يكون قد عاد إلى حِيَله القديمة ولا يوجد داني واحد يَستحقّ أن يكون جزءاً من الـمئة وأربعة وأربعين ألف مختوماً. أعتقد أنّ علينا أن نَنتظِر ونرى.

الآن، دعوني أريكم شيئاً أعتقد أنه يُجيب على بعض الأسئلة حول دان. لقد أخبرتُكم أنّ كَلِمة دان تعني "القاضي" أو بشكل أدقّ "المَحكوم " (على الأقل كما نُفكِّر في لغتنا الإنجليزية الحديثة). الآن، كما شرحتُ مراراً، العبرية هي ما يُسمى بلغة جَذْر الكَلِمة. نأخُذ كَلِمة (لها معنى مُحدّد)، نُضيف أو نَطرح أو نُغيّر حَرفاً أو اثنين (عادةً ما يتم تغيير أصوات حروف العِلّة)، وبسرعة، يصبح لدينا كَلِمة جديدة…… لكن هذه الكَلِمة الجديدة مُرتبطة في المعنى بالكَلِمة الأصلية. على سبيل المثال، في سِفْر التكوين خمسة عشر الآية أربعة عشرة ، يقول الله: "ثُمَّ الأُمَّةُ الَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا أَنَا أَدِينُهَا………". الكَلِمة العبرية المُستخدَمة للدلالة على القاضي في هذه الآية هي دين……. لاحظ العلاقة مع كَلِمة دان. بين حرف الدال والنون (الدال والنون)، لم يَتغيَّر سوى حَرف العلَّة، لذا فالكَلِمتان مرتبطَتان. النقطة المهمّة هي أنّ دين ودان كلاهما يَحملان فكرة الحُكم، أي الإنتقام، العقاب، العقوبة.

الآن، هذا على عكس استخدام آخر مُختلف تماماً (في اللغة الإنجليزية) لكَلِمة "قاضٍ"، كما نَجِدها في تلك الكتب المقدسة التي تُسمّى في الكتاب المقدس "القضاة….." بالعبرية، شوفيت. شوفيت تعني الشخص الذي يكون قاضياً؛ عادةً ما يكون الشخص الذي يُصدِر أحكاماً قانونية أو قائداً أو صانع قرار. القياس الجيد هو نظامنا القانوني الأمريكي الحديث حيث لدينا قاضٍ يَترأّس محكمة قانونية. لذا، لدينا هنا كَلِمتان هما "دان" و"شوفيت"، وكلاهما تُترجمان في النهاية باستخدام الكَلِمة الإنجليزية "قاضي" ولكن، لديهما مَعنَيان غير مرتَبطَين تماماً في العِبرية.

المَقصود هو أنّ إسم دان لم يكن يُشير إلى شخص يترأّس مَحكمة أو يُصدِر أحكاماً قانونية أو يقود، بل يُشير بالأحرى إلى شخص يَتلقّى حُكماً إلهياً ضدّ شخص ما؛ وبالطبع، كان هذا هو مَعنى الكَلِمة التي استخدَمتْها راحيل لتسمية هذا الطفل……دان…… الذي وَلَدتْه جاريتها بيلا…… لأن راحيل شعرت أنّ سبب جفاف رَحَمها هو أنها "حُكِمت" ……عوقبت….. من الله. لذا، وكما جَرَت العادة، سَمّت ابنها على إسم حدَثَ أو ظَرْف ما أحاط بولادة هذا الطفل.

هنا لدينا هذا الإبن المُسمّى "المَحكوم"، دان، وقد حدثَت له كل أنواع المَصائب….. حتى أنه حُذِف من قائمة الأسباط في رؤيا سبعة….. وهكذا كان مصير دان يعكُس تماماً إسمه.

في الآية الثامنة والعشرين من الإصحاح تسعة وأربعين يقول يعقوب فجأة "أنتظرُ خلاصك يا أدوناي". أو بالأحرى "أنتظرُ خلاصَك يا يَهوَه". لا ندري إن كان المقصود من هذا القول هو رَبطُه بمبارَكة دان أو أنّ يعقوب في لحظة نشوة وهو يَعلَم أنّ أجَلَه لم يبقَ عليه سوى لحظات، صرَخ ذلك للرَب كتسبيح. يعتقِد البعض أنّ ما وَرَد في الآيتين السابقتين عن الأفعى التي تعضّ كعبها، هو تذكير بالمشهد الوارد في تكوين ثلاثة الآية الخامسة عشرة، عن أن المرأة ستَلِد نسلاً يَسحَق رأس الحية (إبليس) والحية ستُدمي كعَب ذلك النَسل…… هذه إشارة مسيانية واضحة. إذا كان هذا هو الحال، فإنّ صراخ يعقوب "أنتظرُ المُخلِّص" هو الأكثر دلالة. "المُخلِّص" له معنى أكبر ولكن، في الحقيقة ليس من الواضح بما فيه الكفاية بالنسبة لي أن أقول على وجه اليقين أنّ هذا هو ما يحدُث هنا، ولا أريد أن أعبِّر بالمجاز ليبدو الأمر كذلك. لذا، علينا فقط أن نتساءل.

إعادة قراءة الآية التاسعة عشرة من الإصحاح تسعة وأربعين

كانت قبيلة جاد، وهي قبيلة أخرى من أبناء مَحظية يعقوب الثانية، وكانت مُباركتُه قصيرة جداً…… فقط بطول حوالي اثنتي عشرة كَلِمة. في الأساس، تقول بشكل أساسي أنّ جاد سيكون مُضطهَداً باستمرار ويَتعرَّض للهجوم، ولكن في النهاية، جاد هو الذي سيَغلُب.

إذا نظَرنا إلى الأرض التي أُعطيت لجاد في النهاية، نرى أنّ جاد سيكون أحد الأسباط الذين قرَّروا، مثل راوبين، عدم الدخول إلى أرض الميعاد. بدلاً من ذلك، استقرَّ نَسْل جاد على الجانب الشرقي من نهر الأردن. كانت حدودهُ مكشوفة جداً للعديد من الأعداء منذ زمن طويل، بما في ذلك الموأبيين والعمونيين (من نسْل لوط)، ومِثل دان، وَجَدت قبيلة جاد نفسها في حَرب مستمرّة. من ناحية أخرى، أدت هذه الحَرب المُستمرّة إلى أن أصبح جاد يُعتبَر من أشرس المحاربين.

من المثير للإهتمام، أنّ جاد لا يُنسَب في الكتاب المقدس إلى أي شخص بارز مُعيّن يَنتمي إلى تلك القبيلة. يُقال إنّ إيليا، حسب التقاليد، كان من الجادييِّن ولكن هذه أسطورة بَحتة ولم يتم التَحقُّق منها أبداً.. ربما كان أشهرُهم هو يائير، الذي كان شوفيت، قاضياً وقائداً على جاد لفترة من الزَمن.

في التوراة، سنُصادِف أحياناً إسم "جِلعاد" الجغرافي. تُستخدم جلعاد وجاد بشكل عام بالتبادل لوَصْف المكان الذي استقرَّت فيه قبيلة جاد.

أعد قراءة سِفْر التكوين الإصحاح تسعة وأربعين الآية عشرين

آشر هو الثالث من أبناء مَحظية يعقوب الأربعة، ومرة أخرى لا يَسعُنا إلا أن نُلاحظ الطبيعة القصيرة والمُقتضبة جداً للمُبارَكة التي أُعطيت له. آشور تعني "سعيد"، وبالتأكيد فإنّ البَرَكة التي أعطاها يعقوب لآشور ونْسلِه كانت بَرَكة الرفاهية، إن لم تكُن حظاً سعيداً.

كان نصيب آشور من الأرض من أخصب الأراضي المقدَّسة. كانت تَمتدّ ما بين أرض صور إلى جَبَل الكرمِل، وقد اشتهَرت ذُرَتهم وزيت زيتونهم بجودتِها وكميّتِها ويبدو أنّ أشور تجنَّب الصراعات العسكرية واختار حياة الزراعة الهادئة جداً. بالتالي، لم نقرأ عن قائد عسكري عظيم أو قائد أو حتى قاضٍ من أشور.

اقرأ سِفْر التكوين الإصحاح تسعة وأربعين الآية الواحدة والعشرين

نفتالي هو آخر الأبناء الأربعة من زوجات يعقوب الخادمات، وكما جَرَت العادة، يُعطى نفتالي بَرَكة مُختصرة جداً.

قيل لنفتالي أنّ نَسْلَه سيكون كالظبية المُفلّتة. والغزالة هي أنثى الغزال، الظِبية، ونَجِد العديد من المَقاطع في الكتاب المقدس التي تُشير إلى "الظبية". ….. دائماً بطريقة إيجابية.

يُقال لنا في هذه الآية الوحيدة أنه من المقدَّر لنفتالي أن يكون ذا جمال، وسيم…. سريع وسريع الإستجابة.

عندما ننظُر إلى قبيلة نفتالي، بعد دخولهم إلى أرض الميعاد، نَجِد أبرز ذِكْر لهذه القبيلة في سِفْر القضاة خمسة، في نشيد دبورا وباراك، حيث يُخصّ باراك وقبيلته نفتالي بالذِكر لما قام به من أعمال شجاعة خاصة في صراع عسكري كبير بين بني إسرائيل وبعض القبائل الكنعانية.

لكن الأهمّ بالنسبة لي هو التكريم غير المَسبوق الذي حَظيت به قبيلة نفتالي؛ لأنه في منطقة نفتالي، التي هي الآن جزء من الجليل، جَنّد يسوع معظم تلاميذه ثم بدأ خِدمَتَه؛ ومن المثير للإهتمام، أنّ النبي إشعياء، في الإصحاح تسعة الآية واحد، تَنبأ بأنّ أرض نفتالي الضئيلة سيُنظر إليها على أنها ستَتلقى نوراً عظيماً؛ وبالطبع، إشعياء تسعة هو أحد أعظم النبوءات المُتعلِّقة بمجيء المسيح في الكتاب المقدس كلِّه. لذا، فإنّ نفتالي كانت مُبارَكة بشكل كبير، حتى وإن لم يكُن هناك شيء آخر ذو أهمية يمكن أن يُقال عن هذه القبيلة.

حسناً، انتهينا من عشرة وبقي اثنان. التالي……. يوسف

أعد قراءة سِفْر التكوين الإصحاح تسعة وأربعين الآية ستة وعشرين إلى تسعة وعشرين

لا يُمكِن للمرء إلا أنْ يَتخيَّل تَرقُّب يعقوب في انتظار الحصول على البَرَكة الرسمية لإبنه المُفضَّل. كما يمكِن للمرء أن يتخيَّل أيضاً أنّ إخوته الأحد عشر يَستعدّون لما كانوا يعلَمون أنه قادم: مديح فوق مديح….بَرَكة فوق بَرَكة؛ فالنصيب المُضاعَف الذي سيَذهب ليوسف يبدو لهم ضُعف نصيبهم، على الأقل!

لكن، دعونا نَتذكَّر عاملاً مهماً جداً في بَرَكة يوسف هذه: فبينما كانت ستَحدُث بإسم يوسف، فإنها ستَحدُث في ظلّ سُلطة قبيلة أفرايم، وبدرجة أقل، منسى. لجميع الأغراض العَملية، بمجرد أن يصِل إبنا يوسف إلى مرحلة النضج ويَتزوّجا ويُنجبا أولادهما، لن يكون هناك سبط إسمه يوسف: فقط أفرايم ومنسى. سيكون يوسف مجرَّد ذكرى؛ وكما يمكننا أن نَتذكَّر من سِفْر التكوين ثمانية وأربعين، كان أفرايم هو الذي ستؤول إليه كل حقوق يوسف وشَرَفِه لأنّ يعقوب أعطى أيضاً أفرايم بَرَكة البِكر، على الرغم من أنّ منسى كان سيَنجح أيضاً من تَلقاء نفسِه. الآن، دعني أكرِّر ذلك مرة أخرى: تَذكَّر، عندما أعطى يعقوب يوسف بَرَكة البِكر، فَعَل ذلك من خلال تَسمية أفرايم ومنسى ليحلّوا محلّ يوسف، وعلاوةً على ذلك، أعلَن أنه يَجب اعتبار أن أفرايم هو البِكر. لم يَحظَ يوسف على الشرف الذي يَحظى به الأب عادةً عند إعلان بَرَكة البِكر على أبنائه لأنه في لحظة تلك البَرَكة المُتقاطِعة، أصبح يعقوب والد هذين الصَبيَّين… بدلاً من يوسف.

لعلّ الموضوع الأبرز في هذه البَرَكة على يوسف، التي سيُعمَل بها في المقام الأول تحت راية أفرايم، هي الخَصب. هذا الخَصب لا يُخبِرنا فقط عن حياة يوسف الشخصية، بل يُخبِرنا عن مصير نَسْله. لكن هذا الخَصب جاء بثمن باهظ، فقد تَحمَّل يوسف الكثير في حياته. لم يكُن خصبُه نتيجة ذكائه أو حُسْن حَظِّه أو أنّ الأمور قد سُلِّمت إليه ببساطة، كان خصبه نتيجة لإخلاصه، وإخلاصه كان نتيجة لثِقته المُطلَقة والثابتة في الله. أتساءل كم منّا كان بإمكانه أن يَتحمَّل كل تلك السنوات في السجن بِتُهَم باطلة، ناهيك عن أن تَرفُضه عائلته كما حَدَث ليوسف، ثم يُسامح الجميع. ليس المسامحة فحسب، بل ومُباركَة أولئك الذين فَعلوا به مِثل هذه الإساءات القاسية التي لا تَرحَم.

أبْعَد من ذلك، أن يكون لديه مثل هذا الإيمان الراسخ الذي جَعَله يرفُض كل مرارة، لأنه كان يعلَم بلا شك أنّ هذا كلَّه كان جزءاً من خطّة الله الإلهية لحياتِه….. حتى وإن كان الأمر كما حَدَث غيرُ مَنطقي على الإطلاق، وكان مؤلماً للغاية.

ربما بالنسبة لأولئك الذين يَعيشون حياتَهم بطريقة أخلاقية وفاضلة ومُرضية روحياً، مُتشبثين بالإيمان مهما كانت الظروف، فإنّ كَلِمات يعقوب هذه تكشِف لنا قَلب الله تجاهَهم…… تجاهَنا: بَرَكة فوق بَرَكة أكبر.

من الناحية التاريخية، كانت خصوبة أفرايم ومنسى واضحة للغاية. فقد حَصَل منسى على أكبر حصَّة من الأراضي، حيث امتدَّت على الضفّتين الشرقية والغربية لنهر الأردن.

في الإصحاح الأول من سِفْر العدد، نرى أنّ قبيلتي أفرايم ومنسّى معاً (أي سبط يوسف كلِّه) كانتا الأكبر بعدد خمسة وسبعين ألف وتسعمئة رَجُلاً. ليس من الُمستغرَب أنّ القبيلة التي حَصَلت على النصف الآخر من بَرَكة البِكر المُنقسِمة، يهوذا، كانت ثاني أكبر قبيلة بعدَد أربعة وسبعين ألف وستمئة رَجُلاً. مع ذلك، بحلول وقت إحصاء سِفْر العدد ستّة وعشرين، أي بعد حوالي أربعين سنة أو نحو ذلك، لم يَزِد عدد سكان يهوذا إلا بشكل هامشي إلى ستّة وسبعين ألف وخمسمئة نسمة، بينما قَفَز عدد سكان أفرايم ومنسى مُجتمعين إلى خمسة وثمانين ومئتي نسمة. لقد وُعِد يوسف بالخَصب وهذا ما حَصَل عليه.

كما بدأنا نفهَم الآن، في العَقد الأخير فقط، أنّ إخصاب أفرايم قد نما إلى أبعاد مُذهلة. تذكَّروا أنّ أفرايم هو الذي سَيطر في النهاية على كل أسباط بني إسرائيل واستوعَبهم باستثناء يهوذا وبنيامين.

علاوةً على ذلك، عندما تَغلَّب الآشوريون على تلك القبيلة الضخمة المُسمّاة إفرايم التي كانت مُكوّنة من عشرة أسباط، وتَشتّتوا في جميع أنحاء العالَم المَعروف…. العالَم الأممي المَعروف….. معظم أسباط أفرايم انضمَّت جيناتهم إلى جينات الأمميين؛ وكما اكتشفنا مؤخراً، فإنّ أسباط أفرايم الذين احتَفظوا بهويتهم عبَر القرون….. ولكنهم يَعيشون في مناطق مَعزولة من العالم…..عددهم بالملايين أيضاً. مَن مِنّا في هذا العالم يَحمِل جينات القبائل التي تُشكِّل أسباط أفرايم في داخله، لا نعرِف. لكن، يمكن للمرء أن يُخمِّن أنه بمئات الملايين. لقد تحقَّق الخَصب.

هذا في حدّ ذاته هو تحقيق آخر لسِفْر التكوين ثمانية وأربعين الآية التاسعة عشرة: "……. "إنّ نسلَه (إفرايم) سوف يُصبح ملء الأمم الوثنية". لقد حَدَث هذا حَرفياً. الشيء الوحيد الذي لا يزال غير واضِح تماماً، رغم أنه أصبح أكثر وضوحاً، هو الطريقة الدقيقة التي ستَظهَر بها مسألة البَرَكة المُنقسِمة التي ستَذهب إلى إفرايم بشكلٍ كامل. هل ستكون هذه مسألة مادية بَحتة … نِسبية … أنّ هؤلاء الأمم الذين يَمتلِكون بيولوجياً، ولكن دون علمِهم، جينات إفرايم في أجسادهم سيكونون في انتظار نِعمة كبيرة؟ أم أنها ستكون مسألة روحية بَحتة، أنّ بَرَكة الله على العالَم الأممي كانت مَبنيّة على أولئك الذين استفادوا من الإندماج بإفرايم-إسرائيل؟ أي أننا نحن المؤمنين الأممين نَتشابه، روحياً مع بني إسرائيل، كما يُعلِّمنا بولس في رومية حادي عشر أم هل يمكن أن نكون مزيجاً من كل من المادي والروحي؟

ما نحتاج أن نَستخلِصَه من ذلك هو أنّ جميع المؤمنين بيسوع مُقدَّر لهم أن يَتماثلوا مع بني إسرائيل، يَقع أفرايم في منتصف الطريق نحو جَعْل هذه الهوية حقيقية، وليست مجرد هوية فَلسفية أو مِثالية رائعة. أفرايم هو بمثابة جِسر رائع يَربِط عضوياً وروحياً عالَم اليهود بعالم الأمميين.

في الأسبوع القادم، سنُلقي نظرة على آخر سِبط من أسباط البَرَكة في سِفْر التكوين تِسعة وأربعين، وهو بنيامين، ثم ندخُل بشكل مناسب في الإصحاح الأخير من سِفْر التكوين، الإصحاح خمسين. في الواقع، سنُنهي الأسبوع القادم دراسَتنا لسِفْر التكوين.