10th of Kislev, 5785 | י׳ בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التكوين » سِفْر التكوين الدَرس خمسة وأربعون – الإصحاحان تسعة وأربعون وخمسون (نهاية الكتاب)
سِفْر التكوين الدَرس خمسة وأربعون – الإصحاحان تسعة وأربعون وخمسون (نهاية الكتاب)

سِفْر التكوين الدَرس خمسة وأربعون – الإصحاحان تسعة وأربعون وخمسون (نهاية الكتاب)

Download Transcript


سِفْر التكوين

الدَرس خمسة وأربعون – الإصحاحان تسعة وأربعون وخمسون (نهاية الكتاب)

في الأسبوع الماضي كنّا على وَشك الانتهاء من سِفْر التكوين تسعة وأربعين. سنُكمل هذا الأسبوع سِفْر التكوين تسعة وأربعين وخمسين، ونَختتم دِراستَنا لسِفْر التكوين.

كان يوسف الإبن الحادي عشر ليعقوب. في المرَّة الماضية نظرْنا بعِناية في البَرَكة النَبوية التي أُعطِيت له، والتي ستَنتقل إلى ولدَيه أفرايم ومنسّى. ذلك لأنّ أفرايم ومنسّى…….ولكن في المَقام الأول أفرايم…..سيكونان مُمثلَين لقبيلة يوسف، أي أنه في غضون بضع سنوات من وفاة يوسف، ستَتضاءل أي إشارة إلى قبيلة يوسف، إلى أن تَحُلّ قبيلتا أفرايم ومنسى مَحلَّها تماماً. في كتابات الكتاب المقدّس المُستقبلية، حيث يُذكَر يوسف، ستَقترِن الكَلِمات بتعليق مفادُه أنّ عصا السُلطة ليوسف هي في يَد أفرايم.

إعادة قراءة تكوين تسعة وأربعين من الآية سبعة وعشرين إلى – النهاية

أخيراً، نَأتي إلى بِنيامين وآية واحدة كاملة مُخصّصَة لبَرَكته. إذا كنّا حقأً بحاجة إلى أي دليل آخر على أنّ الروح القدس هو الذي يوجِّه هذه البَرَكات، فإنّ بَرَكة بنيامين هي كل ما نطلبه، لأن الإبن المفضل الثاني والأصغر ليعقوب قد أُعطي بركة لم تكن سوى بركة إطراء على الرغم من أنه قد تَبيّن لنا في الكتاب المقدس أنّ يعقوب كان يَحمي بنيامين ويَتزلف إليه بعناية. وُصِفَ بنيامين بأنه مُفترِس… ذِئب… شرِس وعديم الرحمة وقد ثَبُت أنّ هذا صحيح.

كان لبنيامين مُستقبلاً انفصامياً إلى حدّ ما. على الرغم من أنّه كان على اتصال بمُلوك بني إسرائيل، حتى أنه لعِب دوراً معهم، إلا أنه كان أيضاً شرِساً ومُتصلباً. إنّ الكثير من نتائج نسْل بنيامين كان له علاقة بتوزيعهم الإقليمي القَبَلي واضطرارِهم إلى الاختيار بين خيارَين صعبَين: فقد وُضِعوا في وَضْع لا يُحسَدون عليه كدولة عازلة بين أفرايم ويهوذا. بالإضافة الى ذلك، فإنّ القُسم الضيق نوعاً ما من الأرض التي كانوا يَحتلوّنها حيث كانت الطرُق التجارية الرئيسية بين الشمال والجنوب والشرق والغرب كانت تَمرّ عبر أراضي بنيامين. أحياناً ما نَحصل على هذه الصوَر الذهنية الخاطئة عن هذه الجيوش القديمة التي تَضمّ عدة آلاف من الرِجال الذين كانوا يُهروّلون فوق قِمم التلال كالفئران، ويَشقّون طرُقاً جديدة أثناء سَيْرهم. هذا غير صحيح. فكما يمكن لأي عسكري أن يُخبرَك، فإنّ الحروب كانت تدور حول الطرُق السريعة الرئيسية للأمّة وفوقَها ومن خلالها، وذلك لأن الجيوش كان عليهم أن يَسلكوا الطرق الراسخة. وقد وُضِعت الطرُق حيث كانت لأن المياه كانت مُتوفِّرة وكانت التضاريس أكثر ملاءَمة، وحتى في أيام إبراهيم كانت العرَبات والمركَبات تُستخدَم، وبالتالي كان من الضروري أن يكون هناك مسار مُسطَّح وواسِع إلى حدّ ما لاستيعاب عجلات الآليات ومَحاور عجلات الآليات الضعيفة إلى حدّ ما في تلك المركبات الخشبية القديمة.

من المُحتمل أيضاً أنّ تلك الطُرق التجارية التي كانت تَمرّ عبر بنيامين قد أنتجَت مَصدر دَخْل قيِّم لهذا الأخير، وذلك في شَكل هجوم بنيامين على تلك القوافل التجارية ونَهْبِها. لنتذكَّر أنّ نَهْب قبيلة ما لقبيلة أخرى وأخْذ ما تحتاجه لزيادة ثروتها وخدمة احتياجاتها الخاصة هو جوهر النظام القَبَلي ولا يزال الأمر كذلك حتى يومنا هذا.

كما قد يفاجِئك أنّ أقدَس مدينة في كل الأرض كانت في أراضيهم؛ نعم، كانت أورشليم في الأصْل في أراضي بنيامين وليس يهوذا، كما يَفترض الكثيرون. العديد من المُدُن الإسرائيلية الهامّة الأخرى كانت أيضاً داخل حدود بنيامين: ميزباه وراما وجبعون وبيت إيل وحتى أريحا.

من الثابِت الآن أنّ أسباط بني إسرائيل الإثني عشر المُختلفة هذه كانت تَخوض مَعارك فيما بينها: ولكن ربما لمْ تكُن هناك قبيلة كانت تُعتبر شرسة ومَغرورة مِثل قبيلة بنيامين. أحد الأمثلة المُمتازة لخصائص بنيامين نَجِدها في سِفْر القضاة، في وقت سيئ للغاية بالنسبة لإسرائيل عندما يَقول الكتاب المقدس عن حالة الأرض المقدسة: "… كل إنسان فَعَل ما هو صحيح في نَظرِه". كان بنيامين في وَسَط سلسلة فوضى عارمة من الحروب بين أسباط إسرائيل. في مدينة الجبعة، وَقَعت حادثة تُشبه بشكل مُخيف عندما كان لوط في سدوم وأراد أهل المدينة أن يمارسوا الجِنس المِثلي مع الملاكَين اللذَين جاءا ليجلِبا دينونة الله على سدوم. كان جوهر المسألة أنّ رَجُلاً من سِبط أفرايم كان يُقيم مؤقتاً في الجبعة عندما استضاف مُسافراً كضَيف في بيتِه. طَلَب الرجال المُنتمون لبنيامين في جبعة أن يُعطى لهم المُسافر حتى يتمكنوا من الفتْك به. فقدّم الرَجُل المُسنّ من إفرايم ابنته ومَحظيته، فأخذوا مَحظيته وكادوا يقتلونها. بعد أن أعادوها شِبه مَيتة، اعتبَر الرَجُل أنّ مَحظيته قد تَدنّست لدرجة أنها لا قيمة لها بالنسبة له. لذلك سَمَح لها أن تموت على عتبة بابه وقَطَع جثتها إلى اثني عشرة قِطعة، وأرسَل هذه القِطع مع رسالة إلى كل سِبط من أسباط إسرائيل. فغضِبت قبائل إسرائيل الأخرى غضباً شديداً لدرجة أنهم اجتمعوا معاً وأرسلوا جيشاً ضد بنيامين لمعاقبتِه؛ والآن، على سبيل المثال، يمكننا أن نرى هنا الحالة الرهيبة غير المُقدَّسة لأسباط إسرائيل في زمن القضاة، والتي كانت ترى أنّ تشويه هذا الرَجُل لمَحظيته ليس فقط عمَلاً مُبرَراً من قِبَلِه، بل ترى أيضاً أنّ اللوم كلَّه يَقَع على بنيامين الذي دَمّرَها كمسألة روتينية.

عندما بدأت المَعركة، دَمّر بنيامين جيش التَحالف في اليومَين الأولَين، ومن المثير للإهتمام، أنّ أحد أسباب نَجاح بنيامين كان مزيجاً من الشراسة وأنه كان لديه مجموعة من رُماة الحِجارة الدقيقين القاتلين الذين قَتَلوا أربعين ألف شخص في المَعركة التي تلَت ذلك، وبالمناسبة، كان جميع هؤلاء الجنود بالتحديد من العِسراويين، وهي سِمة كانت شائعة بين أفراد قبيلة بنيامين.

في النهاية، رَبِح جيش التحالف وأباد قبيلة بنيامين….. إلى حدّ الانقراض تقريباً. لم تَستَرِد أبداً قبيلة بنيامين عافيتَها بالكامل.

كان شاول أحد أشهر رِجال بنيامين في زَمن العهد القديم؛ غالباً ما يُطلَق عليه إسم مَلِك إسرائيل الأول. لا أريد أن أدخُل في التفاصيل، ولكن هناك خِلاف بين العُلماء اليهود والمسيحيين على حدٍّ سواء حول ما إذا كان يجب أن يُنظَر إليه حقاً على أنه أوّل ملوك إسرائيل أو ما إذا كان ببساطة هو القاضي الأخير، وإن كان قاضياً مَركزياً حاول أن يَحكُم أكثر من قَبيلته. لم يكُن مَقبولاً حقاً من جميع بني إسرائيل كمَلِك، وكان عهدُه اضطراباً مًطلقاً لا ينتهي أبداً. لكن الأهم من ذلك، أنّ الله مَسَح شاول كمَلِك من النوع الذي أراده الشَعب (النوع الذي حَذَّر منه)، لذلك كان الفَشَل نتيجةَ حُكمِه.

مع ذلك، قُرْب نهاية زمن التوراة، نَجِد عضوَين من سبط بنيامين يَرتفعان فوق تلك الشخصية القَبَلية البنيامية المُدمِّرة: أستير، التي تَحمِل إسم سِفْر أستير وابن عمِّها مردخاي. وقد أُقيم عيد البوريم اليهودي تَخليداً لذكرى الأعمال الشجاعة التي قام بها هذان الإثنان في إنقاذ اليهود من الشعب الوثني في ذلك الزَمان، الذي كان يقودُه رَجُل إسمه هامان.

غَير بنيامين نفسه، أشك في أنّ هناك بنيامياً أكثر شُهرة وتأثيراً في كل التاريخ القَبَلي من القديس بولس؛ نعم، كان بولس الرسول من سِبط بنيامين. مع ذلك، يجب أن نتذَّكر أيضاً أنّ قولَه إنّه من تلك القبيلة كان مجرَّد تذكير عائلي؛ لأنه كان يدعو نفسه أيضاً يهودياً، وهو ما كان سيَفعلُه أي إسرائيلي حيّ يَعيش في أيام بولس. فقبيلة بنيامين، ككيان مُستقلّ ومُنفصِل، كانت قد اختفَت واندمجَت في أيام بولس في قبيلة يهوذا، ولذلك كان هؤلاء البنياميين السابقين يُسمّون يهوداً.

هكذا نكون قد أكمَلنا الآن بَرَكات جميع أبناء يعقوب الإثني عشر: أسباط إسرائيل الإثني عشر، وعلينا أن نَضَع إشارة مَرجعية في سِفْر التكوين ثمانية وأربعين وتسعة وأربعين في أسفارِنا المقدَّسة كمَرجع، لأننا سواء كنا ندرُس العهد القديم أو الجديد، فإنّ هذه البَرَكات تَشرَح الكثير مما كان سيَحدُث في القرون التالية لهذا الحَدَث، حتى زمن لا يزال مُستقبلاً بالنسبة لنا.

ينتهي الفَصل تسعة وأربعون بوصيّة يعقوب لأبنائه بأن يأخذوا جُثمانَه ويدفنوه في المَغارة الواقعة في كنعان، تلك التي اشتراها إبراهيم، والتي يرقُد فيها آباء يعقوب وأجداده وزوجته ليا. ثم يموت يعقوب.

هذه الفَقرة في سِفْر التكوين تسعة وأربعين هي في الحقيقة المرة الأولى التي يُنظَر فيها إلى إسرائيل كأمة قائمة بذاتها، وليس مجرَّد رَجُل (يعقوب) مع عائلته المتنامية المكوَّنة من اثني عشر ولداً. في الواقع، هذا هو أوَّل استخدام لما سيُصبح عبارة توراتية مُستهلكَة في الكتاب المقدس، "أسباط إسرائيل الإثني عشر".

دعونا لا نُفوِّت الفرصة لنُلاحظ مرة أخرى عقليّة القدماء في العَمَل، عندما يقول يعقوب: "َأوْشَكَ أَنْ أَجْتَمِعَ إِلَى أَهْلِي…..أدفنوني مَعَ آبَائِي". عندما يمكننا أن نبدأ في فَهْم أنه يجب أنّ نقرأ بين السطور تسعة وتسعين بالمئة من كلّ ما يحدُث في الكتاب المقدس، عندها يمكننا أن نبدأ في جَعْلِ جميع شخصيات الكتاب المقدس أشخاصاً حقيقيين، يعيشون حياة حقيقية، في ظِلّ ظروف حقيقية ويومية، كما كانوا. من المُهمّ أن نفهَم أنّ المصطلحات المُستخدَمة وما كانت تَعنيه العبارات والتعابير التي استَخدموها، كانت تَستنِد بالكامل إلى العَصر الذي كُتِبت فيه. فهي ليست عالمية ولا خالدة. كان لهذا العَصر معتقداتُه وتقاليده الخاصة حول الموت وما بعدَه. لم تكُن إسرائيل مُختلفة. آمَن يعقوب بما آمنَت به جميع المجتمعات الشرق أوسطية الأخرى……. عبادة الأسلاف ولم يكُن هذا يتعارض، بأي حال من الأحوال، مع الثِقة في يهوه أو تعاليمه. لم تكُن تلك الآلهة الأخرى، لدى الشعوب الأخرى والأمم الأخرى، تبدو مُتعارضة مع شرائع يهوه وأوامره. في الواقع، لمْ يَرِد في الكتاب المقدس حتى هذه اللحظة أي ذِكْر لروح خالدة تَعيش في السماء أو أي شيء من هذا القبيل خارج نطاق البيان العام الأكثر غموضاً. الآن، في مصر، وفي عدد قليل من ثقافات الشرق الأوسط الأخرى، تم تَطوير أنظمَة مُعتقدات مُتقنَة وطقوس مُعقَّدة تتعلَّق بالموتى. لا نَجِد هذا بين بني إسرائيل، ولكننا لا نَجِده أيضاً بين معظم الثقافات القديمة. مع ذلك، نَجِد في إسرائيل عبادة الأسلاف واحترام الموتى وفَهْماً بأنّ هناك شيئاً ما وراء القبَر، حتى لو لم يكُن واضحاً تماماً.

أراد يعقوب أن يُدفَن مع آبائه، لأنه إذا لم يكُن كذلك فلن يَكون قادراً على أن يكون مَعهم بعد موتِه. بعد كل شيء، كان يعقوب هنا في مصر، وكان أجداده في أعالي كنعان. كيف يُمكِن لروحه بعد موتِه أن تَتواصل مع ذوات أقاربه بعد موتهم إذا كانوا مَدفونين على بعد مئات الأميال؟ كان هذا هو التفكير.

لاحِظوا الكَلِمات الأخيرة التي يَنتهي بها سِفْر التكوين تسعة وأربعين: "… ولَفَظ أنفاسه الأخيرة وجُمِع إلى شعبه". أياً كان من كَتَب هذا السَطر…… وعادةً ما يُنسَب إلى موسى بعد عدَّة مئات من السنين….. كان يؤمِن أيضاً بعبادة الأسلاف لأنه يُذكَر بشكل واقعي أنّ يعقوب قد جُمِع إلى شعبِه بالفِعل.

لننتقِل إلى الإصحاح خمسين من سِفْر التكوين ونختتِم دراستَنا لسِفْر التكوين.

اقرأ سِفْر التكوين خمسين بأكملِه

يا له من مشهد يُدمي القلب هنا، حيثُ يَنهار يوسف عند موت أبيه ويبكي ويُقبِّل هذا الهيكل الفارغ الذي كان يعقوب ويأمُر يوسف بتَحنيط جَسد أبيه. لن يكون ذلك الآن ولا في أي وقتٍ مَضى عادة إسرائيلية مُعتادة وطبيعية، إلا أنها كانت تَحدُث من وقتٍ لآخر.

كما نعلَم جميعاً، كان المَصريون قد أتْقنوا فنّ تحنيط الموتى. كان سبب التَحنيط مُرتبِطاً بمُعتقدات المصريين حول الحياة بعد الموت. كان الحِفْظ الجسدي أساسياً في نجاة الروح الخالدة من الموت، وفقاً لعبادة المصريين الراسخة منذ زمن طويل لإله العالَم السفلي أوزيريس.

مع ذلك، لم يكُن هذا هو السبب أو الظَرف الذي أدى إلى تحنيط يعقوب. السبب هو أنّ جَسد يعقوب كان يجب أن يؤخذ في رحلة كبيرة وحارَّة إلى كنعان ليُدفَن مع أجداده، وإنْ لم يُحنِّطوه…..حسناً…..لا أعتقد أنني بحاجة إلى أن أرسُم لكم صورة حيّة. الآن، جزء من السبب الذي يَجعلني أعرِف أنّ تَحنيط يعقوب لم يكُن له علاقة بعقيدة الموت المصرية هو أنّ الكتاب المقدَّس يترُك لنا رسالة خفيّة: وهي أنّ يوسف استَدعى الأطباء ليقوموا بالتَحنيط. لم يكُن الأطبّاء عادةً هم من يقومون بالتحنيط في مصر؛ في العادة، كان كهَنة أوزيريس هم من يَقومون بهذه المهمة المعقدة والسرية، وذلك لأن التحنيط كان مُمارَسة دينية وليست طبّية، ولذلك كان يقوم بها دائماً كهنة مُحترفون في مجال الجَنائز.

ثم، في الآيات القليلة التالية، لدينا سِلسلة من الأرقام حول عدَد الأيام التي تَمَّت فيها عمليّة التحنيط وفترة الحداد، وللوَهْلة الأولى تبدو هذه الأرقام مُربِكة بعض الشيء وتبدو مُتعارِضة تقريباً مع بعضها البعض. لدينا فترتان مذكورتان: أربعين يوماً وسبعين يوماً. أربعون يوماً للتحنيط، وسبعون يوماً للحداد.

في الواقع، ما لدينا هنا هو فترة التحنيط النموذجية أربعين يوماً للتحنيط، تَليها فترة الحداد المُعتادَة التي حدَّدها العبرانيون بـ ثلاثين يوماً……. مما يُعطينا ما مجموعه سبعون يوماً.

هكذا، امتثَل الإخوة لرَغبة أبيهم وامتَثلت العشيرة بأكملها بقيادة يوسف، باستثناء الأطفال الصِغار، مَصحوبين بمَرْكبات مَلَكية وحَرَس مُسلَّح أيضاً، ساروا في موكِب جنائزي يليق بِمَلِك على مسافة مئتي ميل تقريباً من جوشن إلى مَغارة مخبلة في كنعان.

يبدو أنّ مصر كلَّها قد أُمِرت، على ما يبدو، بالدخول في فترة حداد على يعقوب….. وهو شَرَف عظيم جداً، في الواقع، لا يُمنَح عادةً إلا للملوك فقط.

الآن، مِثلما أُعطينا رسالة خفيَّة بأنّ تحنيط يعقوب لم يكُن له علاقة بالمُمارسات الدينية المصرية، فقد أُعطينا أيضاً تلميحاً بأنّ الأمور ليست هادئة ومُسالِمة في مصر في الوقت الحالي. لأنه في الآية خمسة، بينما يَذهب يوسف إلى فرعون ليَطُلب الإذن بالسِفْر إلى كنعان لدَفْن أبيه (كان ذلك سيكون مجرد شيء طبيعي ومُحترَم بالنسبة ليوسف)، يقول يوسف: "…….. دعني أصعَد وأدفِن أبي، ثم أعود". من الواضح أنّ فرعون كان قلقاً بعض الشيء من قيادة يوسف لهذا المَوكب الذي يَضُمّ جميع أفراد أُسْرتِه البالغين الأساسيين إلى ما كان ظاهرياً وطنهم؛ كان فرعون قلِقاً من أنّ يوسف قد لا يعود.

لذا، بينما يمكننا أن نرى بالتأكيد أنه كان موكباً جنائزياً يليق بمَلِك، إلا أنه كان أيضاً موكباً جنائزياً مليئاً بكبار المسؤولين الحكوميين المصريين وحضوراً عسكرياً كافياً لحماية الجميع في رِحلتهم وأيضاً لضَمان عودَة يوسف. اسمحوا لي أن أذكِّركم بأمرَين في هذه النقطة: أولاً، لم يكُن فرعون مصر الحالي مصرياً بل كان سامياً، وثانياً، كانت المَجاعة التي استمرَّت سبْع سنوات قد انتهَت. لذا، من وجهة النَظَر هذه، لم تكُن هناك حاجة ليوسف كمُشرِف على إمدادات الطعام للأمة، بل كان يوسف الساعد الأيمن لفرعون وحليفاً قيِّماً من نفْس السلالة الوراثية لفرعون.

الآن، من المُثير للإهتمام أنّ هذا الفَصل لا يُنهي مَلحمة حياة يعقوب فحسب، بل حياة يوسف أيضاً. لذا، كان من الضروري ترتيب الأمور مع إخوة يوسف.

بَعد مراسم الدفن في كنعان، قيل لنا أنّ الجميع عادوا إلى مصر، ولكن، في طريق العودة، أدرَك الإخوة أنه في حالة أنّ أخاهُم القوي يوسف ما زال يَحمِل ضغينة ضدَّهم بسبب إساءاتهم له في الماضي، لم يَعُد أبوهم يشكِّل لهم سياجاً يَحميهم من أي انتقام. من الواضح أنّهم لمْ يفهموا بعد حالة قلْب يوسف.

عندما واجَهوا يوسف بمخاوِفهم، أكد لهم بلُطْف ورَحمة أنه لم يكُن يَنوي فِعل أي شيء سوى الإهتمام بهم، وأنهم في الواقع ليسوا سوى أدوات في يَد الله كما كان هو. إنني أدعو الله أن يَجعلني مِثل يوسف، حتى أستطيع أن أفهَم تماماً أنّ الإساءات التي ارتكَبها الآخرون في حقّي لا يمكن أن تحدُث إلا إذا سَمَح الله بها. كم مرَّة نظرَت إلى الوراء إلى تجارِب وخطايا حياتي، وأدركْتُ أنّ المكان المُبارك الذي قادني الله إليه ما كان يمكِن أن يحدُث بأي طريقة أخرى غير الطريقة التي حَدَث بها. والآن، إذا كان بإمكاني أن أشعُر بهذه الطريقة بالنسبة للأمور التي لم تُحَلّ….. الأمور التي لا تزال تؤلمني، الأشياء التي لا زلتُ لا أستطيع أن أفهمَها أنّ الله وحدَه يَعلَم لماذا كانت ضرورية.

يا لها من حياة مُباركة كانت أيام يوسف الباقية؛ لقد عاش ليرى أبناءه يَكبرون وينضَجون وليرى أحفاده يولَدون وينضَجون وليرى أحفاد أحفاده يولَدون. عندما يقول الكتاب المقدس أنّ طفلاً وُلِد على ركبتيّ شخص ما، كما هو الحال هنا، فهذا يعني ببساطة أنّ هؤلاء الأطفال كانوا يُعتبَرون أبناء ذلك الشخص: أحياناً بشكل رَمزي وأحياناً أخرى بشكل حَرفي. في هذه الحالة، كان ذلك يعني فقط أنّ يوسف كان لا يزال زعيم عشيرته وكان هؤلاء الأطفال يخضَعون لسُلطته العائلية.

بعد أربع وخمسين سنة من وفاة والده، توفّي يوسف عن عمْر يُناهز مئة وعَشر سنوات. سيكون من الجيّد أن نفهَم أنّه على الرغم من حقيقة أنّ يوسف كان يُعامَل معاملة حسنة ويَحظى بتقدير كبير في مصر، إلا أنه أوضح أنّ مصر كانت لا تزال مجرَّد أرض غريبة بالنسبة له. لذا، فقد وَعَد عائلته بأنه عندما يأتي ذلك اليوم الذي سيُغادِر فيه بنو إسرائيل مصر أخيراً إلى أرض الميعاد، سيأخذون عِظامه معهُم؛ ثم تمّ تحنيط يوسف بعد ذلك وِفقاً للعادات المصرية، وَوُضِع جسدُه في تابوت، في انتظار ذلك اليوم الذي سينضمّ فيه هو أيضاً إلى أجدادِه في الأرض التي وَعَد الله العبرانيين بها.

بالمناسبة: لاحَظ العديد من العلماء أنه من المُستبعَد جداً أن يكون إخوة يوسف هم الذين سَمعوه يقول: "أنا على وشك الموت………… ستحمِلون عظامي من هنا…". كان يوسف الأصغر الثاني من بين الإثني عشر ومات وهو شيخ كبير جداً. من غير المعقول أن يكون إخوته الأكبر سناً قد عاشوا جميعاً من بعدِه. بل نَجِد استخدام كَلِمة "أخ" بالعبرية التي تعني "أخ" والتي يُمكِن أن تعني أي أمْر من أخ حقيقي إلى ابن البَلَد، ولكن، في كثير من الأحيان، كان المصطلح مُوجَهاً إلى أحد أفراد الأُسرة الذكور المُقرّبين. من شِبه المؤكّد على الأقل أنّ بعض الذين كانوا حاضرين على أمْر يوسف بأخذ عظامه إلى كنعان كانوا أحفاداً وأبناء إخوة.

أمْر أخير: الأعداد المُستخدمَة في الكتاب المقدَّس لها أهمية كبيرة. غالباً ما لا تكون حَرفية، بل رَمزية. خاصةً عندما نرى أرقاماً مُستديرة…… كما هو الحال هنا مع وفاة يوسف عن عُمر مئة وعَشر سنوات ….. علينا أن نُدرِك أنه من المُحتمل أن يكون هذا رقماً رمزياً. مع ذلك، ليس لدي شك أيضاً في أنّ العديد من الأعداد المُستديرة كانت حَرفية ورَمزية في نفْس الوقت. لذا، هذا لا يعني أنّ يوسف لم يَمُت وهو كبير في السنّ، أنا متأكِّد من ذلك. إنّ ذِكْر أنه عاش ليرى أحفاد أحفاده يولَدون يَدلّ على ذلك. لكن، في مصر، كان الرقم التقليدي لعُمر الإنسان هو مئة وعَشر سنوات. بالنسبة للعِبرانيين، كان الرقم التقليدي مئة وعشرين سنة. بعبارة أخرى، إذا بَلَغ الشخص هذا العَدد من السنوات، أو أكثر، فقَد عاش حياة طويلة مُبارَكة من الآلهة. بالطبع، القليل من الناس عاشوا لهذا العُمر بالفِعل.

وهكذا تَنتهي دراستُنا لسِفْر البدايات…..سِفْر التكوين.