سِفْر التَّكوين
الدرس السابِع – الإصْحاحان السادس والسابع
لقد أمْضَيْنا كل وقتنا الأسبوع الماضي في مُناقشة الشرّ ومن أين أتى، وما هو الدَوْر الذي يلْعبه في حياتنا. لن أقوم بِمُراجعته لأننا بحاجة للمَضي قُدُماً؛ لذلك إما أن تحْصل على القُرص المُدمج أو تستمع إليه عبر الإنترنت على www.torahclass.com إذا كنت تَعْتَقِد أنك تريد أن تصِل إلى النِّقاط الرئيسية مرَّة أخرى.
بدلاً من ذلك، دعونا نقضي وقتاً قصيراً لننهي الإصْحاح السادس من سِفْر التَّكوين وتعليمات الرّب لِنوح حول السَّفينة.
أعد قراءة سِفْر التَّكوين ستّة على أربعة عشرة حتى النهاية
نرى مبْدأً إلهيّاً مثيراً للإهتمام مَنْصوصاً عليه في التّعليمات التَّفْصيليّة للسَّفينَة: لم يبقَ لِنوح شيء لِيَفعله سوى قُبول وسيلة الله لِلْخلاص له ولِعائلته باتْباع أمْرَه بالضَّبْط. هنا نرى أيضاً أنه حتى الخلاص هو (بطريقة ما) جُهْد تعاوُني بين البَشَر والله. دَوْر الله هو توْفيره ودَوْر البَشَر هو قبوله عن طريق الاخْتيار الأخلاقي لإرادَتنا. لكن بِقدَر ما أن الخلاص هو بالنِّعْمة، هناك التِزامات علينا تِجاه الله وبعضها ينْطوي على أعمال من جانِبِنا.
كان على نوح وعائلته أن يبدأوا بالإيمان بما أخبرَهم الله به: أولاً، أن البَشَريّة كانت شِرّيرة وأن الله سَيُهْلِكهم قريباً. ثانياً، أن هناك وسيلة للهُروب من الهلاك. ثالثاً، أن وسيلة النَّجاة تلك مُصًمَّمة من قِبَل الرّب، وهذه الوسيلة وحْدها هي المُتاحة. رابعاً، كان على نوح أن يتصرَّف لكي تتحقَّق نَجاته. لذلك تطلّب الأمر إيماناً عظيماً من جانب نوح أن يثِق بكَلِمة الله عندما لم تَكُن الظّروف الحاليّة تُشير إلى كيْفِيَّة حُدوث مِثل هذا الأمر، وقد تطلَّب الأمر جُهداً؛ لم يَكُن مُجَرَّد اعْتِراف سلبي أو إذعان فِكري.
في العبرية يُسمّى التابوت " تيفه"؛ وهو نفس المُصْطَلَح المُسْتخْدَم للسَّلّة التي سيوضَع فيها الطفل موسى بعد قرون. وتفاه هو مرْكَب يُشبه الصُّندوق، وهو ليس مثل القارب أو السَّفينة. إنه بِبَساطة جهاز يطفو بدون دفَّة وبدون طاقِم لتشْغيلِه والفِكرة هي أن التيفاه لا تسْتَرْشِد إلا بِيَد الله وعِنايته، وما البَشَر إلا ركّاب.
كان من المُقرَّر أن تكون السَّفينة من خَشَب الجوفر، وهو نوع من الخَشَب غير المعروف. كان من المُقرَّر أن تكون ضخْمة بكل المَقاييس: طولها أربعمئة وخمسين قدماً وعرضها خمسة وسبعين قدماً، وارتفاعها خمس طوابق تقريباً. حسب المُهنِدسون البحْريون أن إزاحَته كانت ستَبْلُغ حوالي ثلاثة وأربعين ألف طناً. كانت ستَحمُل حمولتها الثمينة من الأحياء على ثلاث طوابق، وكان لها كُوّة ومُنْحدَر دخول واحد على ما يبدو في جانِبها.
لاحِظوا في الآية الثامنة عشرة أنه يُمْكِن لأربعة رجال مع زوْجاتهم أن يَدْخلوا السَّفينة؛ هذا هو مجموع البَشَر الذين سيُخَلَّصون. مجموع عدد البَشَر الذين تم اخْتيارهم وتخْصيصهم لإعادة الحياة على الكوكب يبلغ ثمانية. ثمانية هو رقم ذو أهَمِّية كبيرة في الكِتاب المُقَدَّس؛ ثمانية (وهو رقم مناسب لقصتنا) هو رقم الفِداء وسيبْقى كذلك في كل الكِتاب المُقَدَّس.
لاحِظوا أنه سيتمّ إحْضار كل مجال الحياة المُتَحرِّكة على الأرض وفي الهواء على متن السَّفينة؛ كل شيء من السَّحالي إلى الطّيور. ستُخلَّص مصْفوفة الحياة بأكْمَلِها كمُحَفِّز لحياة جديدة. يتم تمثيل كل نوع أو عائلة، بِذَكَر واحد وأنثى واحدة. هذه هي وِحدة الأسرة الأساسيّة في الكِتاب المُقَدَّس. كل ما عدا ذلك محظور وهو تحْريف. إن المَفْهوم القائل بأن ذَكَرين أو أنْثتيْن يُمْكِن أن يرتَبِطا معاً في الزواج في وحدة عائلية، ومن ذلك يُمْكِن أن ينْتجا جيلاً جديداً، هو مَفْهوم حديث وليس فقط من صُنع الإنسان بل هو مَفْهوم مُتَمَرّد.
نرى أيضاً شيئاً آخر مهمّاً: الوِحدة الأُسَرية الأساسية المِثاليّة الإلهيّة مُحدّدة وهي أن تتكوّن من ذَكَر واحد وأنثى واحدة، وليس ذَكَراً واحداً وعدة إناث. لذلك حتى في قصّة سَفينَة نوح نحصل على مبدأ الله – ليس فقط أن الزواج هو ارتباط دائم بين ذَكَر وأنثى، إنما أيضاً أن يكون الزواج حصْرياً وأُحادياً.
دعونا الآن نَسْتَخْدِم واقعة أيضاً لتعريف مُصْطَلَح آخر: الطعام. أريد أن أتناول هذا الأمر لأن الطعام هو قضيّة خِلافيّة بين الكنيسة والشعب اليهودي، بل ويُسبّب خلافاً شديداً داخل الكنيسة نفسها. يشرَح سِفْر التَّكوين واحد على تسعة وعشرين وثلاثين ما هو الطعام في هذه المرْحلة من التاريخ.
تسعة وعشرون ثُمَّ قَالَ اللهُ:ُ "و قال الله اني قد اعْطَيْتكم كل بَقل يبزِّر بزراً على وجْه كل الأرض و كل شجر فيه ثمَر شجَر يبزر بزْراً لكم يكون طعاما.
ثلاثون و لكل حيوان الأرض و كل طيْر السَّماء و كل دبَّابة على الأرض فيها نفْس حيَّة أعْطيْت كل عشْب اخضَر طعاما و كان كذلك.
كان الطعام للبَشَر والحيوانات هو النَّباتات والنَّباتات فقط. والآن هل كان هذا يعني أن بعض الحيوانات لم تأكُل حيوانات أخرى وأن الإنسان لم يأكُل اللّحم في ذلك الوقت؟ لا؛ بل كان يعني أن الله عرّف الطعام بأنه نباتات، وبالتالي عندما كانت الحيوانات أو كان البَشَر يأكُلون الحيوانات (أو أشياء أخرى) كانوا يأكُلون أشياء لَيْسَت طعاماً. حتى السَّمك لم يَكُن طعاماً في ذلك الوقت.
دَعونا نَسْتَكْشِف ذلك. طُلب من نوح أن يَجْلب طعاماً لعائلته وللحيوانات في السَّفينة. ما هو الطعام؟ الطعام هو ما يصلَح كمَصْدَر تغْذية لأجْسادِنا. لكن السّؤال الأكبر هو: من الذي يُحدِّد ما هو مُناسب وما هو غير مُناسب؟ ما يجِب اسْتِهْلاكه كغذاء يتناقَض مع ما يُمْكِن (ولكن لا يجب) استِهْلاكه كغِذاء.
حدّد الله الطعام في الإصْحاح الأول من سِفْر التَّكوين. ولكن سرعان ما قرّر الإنسان أنه يُفَضِّل شيئاً آخر يُضاف إلى نِظامه الغذائي؛ ولكن بالنِّسْبة لطريقة الله في التَّفكير، بدأ الإنسان (وعلى ما يبدو بعض الحيوانات) بأكْل أشياء مَمْنوعة لأنها لَيْسَت طعاماً.
لاحظ: هل يُمْكِنك أكْل التّراب؟ بالطبع يُمْكِنك وأي شخص لدَيْه طفل أو حفيد ربما شاهدَه في رُعب وهو يلْتَهِم التّراب قبل أن يتمكَّن من مَنْعه. هل تعرِف لماذا أكلوا التّراب؟ لأنه بِطريقةٍ ما كانت رائحَتُه وطعْمه لذيذ بالنِّسْبة لهم. فلماذا تريد أن تَمْنَعهم؟ لأن التّراب ليس طعاماً؛ التّراب لزراعة الطعام. الطعام، حسب تعريف الله، ليس مُجَرَّد أي شيء يُمْكِنك أن تُدْخِله في فمِك وتبْتلِعه أو أي شيء قد يكون طَعمُه جَيِّداً بشكل معقول.
هذا هو بيْت القصيد من تحديد الله بعِناية ما يجوز لشعْبِه أن يأكُله وما لا يجوز أن يأكُله في شريعة موسى. لقد حدّد الله بعناية ما هو الطعام وما لا يجوز أكلَه. إن أكْل الطعام الذي ليس حَلالاً (إذا جاز التعبير) هو أكْل أشياء لَيْسَت طعاماً. الآن بالطبع خَلَقَت التقاليد العبرية الكثير من القواعد والأنْظمة حول هذا الموضوع والكثير منها ذو طبيعة مَشْكوك فيها للغاية. لقد تمّ وضع قواعِد يبدو أنها تتجاوَز إلى حدّ كبير القَصْد البَسيط لما هو الأكْل السَّليم كما هو مَوْصوف في التَّوْراة. لكن خُلاصة القوْل هي: عندما يستَخْدِم الكِتاب المُقَدَّس مُصْطَلَح الطعام، فإنه يعني بالتعريف الأشياء التي خصّصها الله للبَشَر ليأكُلوها. سواء في العهد القديم أو الجديد، عندما يتحدّث العبراني عن الطعام، فإنه يعني فقط الطعام "الكوشير" لأن كل ما عدا ذلك ليس طعاماً. لن ترى أبداً في الكِتاب المُقَدَّس كَلِمة "كوشير" أو "مسموح" أو "طاهر" مُسْتخْدَمَة كمُحَوِّر لكَلِمة "طعام" لأنها ستكون مُسهَبَة. الطعام هو فقط الأشياء المأذون بها إلهياً والطّاهِرة (الطّاهِرة طَقْسِيّاً) والمقْصود بها أن تؤكَل.
ينتهي هذا الإصْحاح بالكَلِمات المُهمّة التي تقول أن نوح فعَل كل ما أمَرَه الله به.
اقرأ سِفْر التَّكوين الفصل السابع كلّه
يبدأ هذا الإصْحاح بدَعْوة… أو، بالنِّسْبة للمَعْمَدانيّين بيْننا، دعوة مذبَح: يقول الله: " تعال يا نوح، أنت وجميع أهل بيتك….. إلى السَّفينة". ربما يكون نوح قد بنى السَّفينة، لكن الله أعدّها بِكامِلها ولن تكون السَّفينة أو الملجأ هي الأخيرة التي سَيُعدّها الله. لقد كانت هذه دعوة حصْرية للغاية تم إصدارها؛ فقط أولئك الذين اختارَهم الله يُمْكِنهم الدُّخول. حتى أن هذه الدعوة تضمَّنت طلباً للحُضور……كان على نوح أن يسْتجيب له، كان عليه أن يتصرّف. كان الجلوس وعدم القيام بشيء هو الموت. ما هو الخط الفاصِل بين أولئك الذين تلقّوا الدَّعوة وأولئك الذين تم رفْضُهم….أولئك الذين تم اخْتِيارهم وأولئك الذين لم يتم اختيارُهم؟ كان على المَرْء أن يكون "تزاديك"……. باللغة العبريّة للصّالحين ويقول الله أن نوح كان الرجل الصّالح الوحيد الذي بقِيَ على الأرض.
إذا سحَبْنا هذا النَّمَط إلى الأمام بُضْعة آلاف من السِّنين، نجِدْ أن الله قد أعدّ سَفينَة أخيرة، يسوع، يسوع المسيح، كملجأ آمن للأبْرار….التزاديك….. لذلك اليوم الذي يصبّ فيه غضَبَه ويُنهي العالم كما نعرفه…… من جديد. لأنني، بِفرَح، أستطيع أن أقول لكم بكُلّ تأكيد أن الله لا يُهْلِك الصّالحين مع الأشرار.
الآن، كثيراً ما يُقال أن أكبر فرْق بين طُرُق الله في العهد القديم وطُرُق الله في العهد الجديد هو أن الإنسان كان عليه أن يعمَل لينال بَرَّه في العهد القديم، بينما إنسان العهد الجديد ينالَه كَهِبة. علاوة على ذلك، أن الأعمال الصالحة هي التي كانت تقود الإنسان إلى نوع غير محدّد من الخلاص في العهد القديم والنِّعْمة من خلال الإيمان هي التي توصِل الإنسان إلى نوع مُحدّد من الخلاص في العهد الجديد. حسناً، يُمْكِننا أن نقضي عدة أسابيع في الحديث عن هذا الأمر، ولكن دعوني أقْضي بضع لحظات فقط لتبْديد بعض الدِراسات الرَّهيبة حقاً واللاهوت المُعادي للسّاميّة واسْتِبْدالها بالحقيقة.
صحيح أنه سِواء قرأ المَرْء أعمال (تفاسير) أقدَم الحُكَماء العبرانيين أو المُتأخِّرين (الحاخامات)، نجِد بشكل عام ترْكيزاً كبيراً على تنفيذ أوامِر الله….ما يُسمّى عادةً بالأعْمال والنّاموس؛ ولكن، سبب هَوَس العبرانيين بالعمل…..حافِزَهُم…… هو أقل بكثير من مسألة كسْب شيء من ذلك، أكثر من الطّاعة بسبب الإمْتِنان الغامِر لِكوْنِهم من شعب الله المُختار. عندما نُصبِح مؤمنين في البداية وعندما ندرُس العُلماء المسيحيين الكبار، يتَّضح لنا أن النِّعْمة هي مفتاح علاقتنا مع الله. ولكن، عادة ما يُعلَّم أيضاً أن النِّعْمة هي تدبير من عصر العهد الجديد لم يَكُن متاحاً قبل ميلاد المسيح؛ وأن البرّ الممْنوح للعابِد، غير المُسْتَحِق وغير المُكْتسَب تماماً، هو مَفْهوم من العهد الجديد؛ ومن هنا يأتينا هذا اللإقْتراح الخاطئ الذي يُطرح علينا باستمرار في دور العبادة: أن علينا إما أن نختار النّاموس أو النِّعْمة، والفِكرة هي أنه يُمْكِننا أن نختار أن نُحاول اتّباع الناموس (الناموس القديم، الطريقة التي قيل أن العبرانيين فعلوا بها الأشياء) بِشَكْل جَيِّد بما فيه الكفاية "لنكْسَب" أو "نَسْتحِق" برّنا وبالتالي مكاننا في السَّماء (ولكن، بالطبع، سنفشل في النهاية)، أو يُمْكِننا أن نختار أن يكون لنا إيمان بالمسيح وبالنِّعْمة ونضمَن مكانَنا في السَّماء بنسبة مئة في المئة. دعْني أقول لك شيئاً: لم يضَع الله هذا الخِيار أمامَنا في الكِتاب المُقَدَّس أبداً، أبداً، أبداً. هذه الديناميكية بِبَساطة غير موجودة في أي مكان في الكِتاب المُقَدَّس. إنها عَقيدة من صُنْع الإنسان تقوم على التأكيد على أن اليهود مُصوَّرون في صورة سيِّئة، ويبقون بعيداً عن الكنيسة الأُمَميّة. الآن، فقط حتى لا تفْهموا الفكرة بشكل خاطىء، بالطّبع الطريق الوحيد للعلاقة مع الله هو النِّعْمة غير المُستحَقّة، وهي هِبَة مجّانية من الله تُعطى عن طريق يسوع.
لكن الحقيقة هي أن العبرانيين لم يَعْتقِدوا أن بإمكانهم "أن يَشقُّوا طريقهم إلى السَّماء" وقد أدْرَكوا تماماً أن البرّ كان يجب أن يكون هِبَة من الله…..أي بالنِّعْمة….لأن أفضل الناس لم يكونوا مُخْتَلفين عن الأسْوأ. إذا كُنْتُم من مُحِبّي التَّحدِّيات، أنْصَحْكم بقِراءة كتاب لـ إي بي سانْدرز، الذي يُعْتبر أحد كبار عُلماء المسيحية السّائدة في عَصْرنا؛ هذا الكتاب هو "بولس واليهوديّة الفلسطينيّة" لأنه يقوم بدِراسة رائدة حول ما كانت عليه اليهودية، وبالتالي بولس، كل ما كان يدَوْر حوْله. ما كان يَعْنيه بما قاله. إنه كتاب شاقّ في دِراسته؛ لأنه يجلُب اقتِباسات مُسْتفيضة من المِشناه والزوهار والتلمود ليَرْسم صورة لما يُسَمِّيه اليهودية الفلسطينيّة. وعلى الرغم من أن هذا ليس موْضوع كتابِه، إلا أنه يُبدِّد الكثير من الخُرافات والإتهامات الجاهِلة التي تُلقى باستمرار على ديانة العبرانيين التي تَتَّهِمهم عادةً بأنهم ديانة قائمة على النّاموس والعمل – طريقك إلى الخلاص.
بما أننا نَدْرس زمن الطَّوَفان العظيم، أودّ أن أقدِّم كَمِثال على ذلك اقْتِباساً من مشنا رابا (تفسير عبري قديم) حول سبب خلاص نوح وليس بقيَّة العالم. افهَم أن هذه بالتأكيد لَيْسَت وِجْهة النَّظر اليهودية الوحيدة في هذا الموضوع، لكنها الأكثر قبولاً إلى حدٍّ بعيد. يجب أن نفهَم أيضاً بأننا نقرأ من كتابات نفس الرِّجال العبرانيين الذين يقول العُلماء المسيحيون الأمَميّون إنهم لم يفهَموا النِّعْمة ولم تَكُن النِّعْمة موْجودة حتى بعد مجيء يسوع. لكن من المُثير للإهتمام أن أول اسْتِخْدام لكَلِمة نعمة في الكِتاب المُقَدَّس لا توجد في أناجيل العهد الجديد، بل في سِفْر التَّكوين ستَّة. اسْتمِعوا الآن إلى مُقْتطَف من كتاب مشنا رابا بريشيت…..، أي شرْح مشنا رابا لسِفْر التَّكوين واحد. "وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرّب" (تكوين ثمانية على ستّة). "يُنْقِذُ مَنْ هُوَ بَرِيءٌ (أي نقي)، نَعَمْ، أَنْتَ بِطَهَارَةِ يَدَيْكَ تُنْقَذُ" (أيوب ثلاثين على اثْنَيْن وعشرين). قال ر. حنينا: "كان لدى نوح أقلّ من ذَرَّة (أونكيا) من الاسْتِحْقاق." إذا كان الأمْر كذلك، فلماذا نجا؟ فقط "بِتَطْهِيرِ يَدَيْك". وهذا يتَّفق مع ما قالَه ر. بن كهانا: "فإنه تاب فخلّصَتْه ونوحاً. وأما نوح فخُلق فقط لأنه وجد نِعْمة، ولذلك قيل: ولكن وَجَد نوح نِعمة في عينَيْ الرّب."
بعبارة أخرى، عندما قال الحاخام إن نوحاً لم ينجُ إلا بنظافة يدَيْه، فإن "يديه" كانت تُشير إلى يدَيْ الله وليس إلى يدَيْ نوح نفسه. بالإضافة إلى ذلك، عندما يُقال أن نوحاً لم يَكُن لديه سوى مِثْقال ذرَّة من الاسْتِحْقاق، فهو بِبَساطة تعبير يعني أن نوحاً كان لديه اسْتِحْقاق قليل جداً في حياته. قليل لدرجة، وفقاً لهؤلاء الحاخامات، أن الله لم يتُب فقط لأنه خلَق كل البَشَر، باستثناء نوح، بل تاب لأنه خلَق كل البَشَر بما فيهم نوح. إذن، إنه لأمرٍ غامِض إلى حدٍّ ما، كما أعْتقِد الحاخامات، بالنِّسْبة لما جعَل الله يُنَجّي نوحاً دون غيرَه من الناس أو أشخاص آخرين. جوابُهم؟ النِّعْمة. النِّعْمة غير المُسْتَحقة.
هل كانوا مُخْطئين؟ هل كان الله يتوقَّع مِنْهم بالفعل أن يشقُّوا طريقهم إلى البرّ (بما أننا، بعد كل شيء، في الجزء الأول من أسفار العهد القديم)، في تلك الأيام القديمة قبل المسيح؟ حسناً، لم يَكُن قادة العبرانيين هؤلاء يعتقِدون ذلك. واستَمِع إلى هذه الإشارة إلى إبراهيم، الموْجودة في تكوين ستَّة على خمسة عشرة….. الكِتاب المُقَدَّس الأمريكي القياسي الجديد سِفْر التَّكوينَة ستة على خمسة عشرة "فَآمَنَ (ابراهيم) بِالرّب فَحَسِبَهُ (الله) لَهُ بِرًاً" .
لقد وثِق إبراهيم بالله، ولذلك يقول الله إنه سيَعْتبِر هذه الثِقة سبباً لإعطاء لقَبَ بارّ لإبراهيم. هذا بالضَّبْط ما يحدُث عندما نثِق بيسوع. الكَلِمة التي نَسْتَخْدِمها لذلك هي النِّعْمة. لم يَكْتسِب نوح برّه ونحن لا نَكْتسِب برُّنا؛ هو ونحن بِبَساطة حَصلنا على النِّعْمة. هذا الجزء من المُعادلة لم يَكُن أبداً مُخْتلِفاً منذ بداية العالم حتى اليوم.
لذا فقد حانَ الوقت لوَضْع حدّ للعَقيدة المسيحية الخاطِئة التي تُطالِبنا باخْتيار الناموس أو اخْتيار النِّعْمة. هذا الاخْتيار لم يَضعَهُ الرّب أمامَنا أبداً. لم يَكُن الناموس أبداً وثيقة خلاص. منذ البداية وطِوال أسفار العهد القديم، وُصولاً إلى سِفْر الرؤيا، كانت النِّعْمة دائماً هي الطريق الوحيد لعِلاقة صحيحة مع الرّب. آمن العبرانيون بذلك، تماماً كما نؤمن نحن بذلك. لقد تم إعداد هذه الديناميكية لغرض وحيد هو جعلنا نؤمن بأن الكِتاب المُقَدَّس بالنِّسْبة للمسيحي يبدأ من سِفْر متى. أن العهد القديم قد عفا عليه الزمن وأن التَّوْراة مُلغاة الآن وأن الله قد تخلّى عن اليهود لِصالِح الكنيسة الأُمَميّة. لا شيء من ذلك صحيح.
كم مرَّة رأينا جميعاً صُوَراً في الأناجيل وكُتُب الكنيسة وحتى الكُتُب المدرسيّة عن الحيوانات التي دَخلَت سَفينَة العهد القديم، اثْنَيْن اثْنَيْن، ولكن هذه لَيْسَت سوى نُصْف القصّة؛ لأننا عندما ننْظُر بِتَمعُّن في الآية الثانية، نرى أن بعض الحيوانات فقط هي التي ستأتي زَوْجاً واحداً، والبعض الآخر سيأتي سبْعة …….أي سبْعة أزواج، أربع عشرة حيواناً، أربع عشرة من كل حيوان طاهِر، ولكن اثْنَيْن فقط من كل حيوان نَجِس سيؤخَذان على متْن السَّفينة.
هنا نتعرَّف على مَفْهوم الحيوانات الطّاهِرة والنَجِسة….. بالعبرية، طاهور أي طاهر، وطامي، أي نَجِس. والآن، في كنيسَتْنا المسيحية الأُمَميّة الحديثة، وهي كنيسة تم تجْريدُها منذ زمن بعيد من كل الرّوابط اليهودية، إن مَفْهوم الطّاهِر والنَجِس هذا غريب عن أذْهاننا، وعادة ما نُخَصِّص له كل أنواع المعاني الخياليّة والخاطئة….. أو نتجاوز عَقْلياً هذه الكَلِمات. في الوقت المُناسب، في درس التَّوْراة، سنَدْرُس بعِناية مَفْهومَيْ الطَّهارة والنجاسة، وأعِدْكم بِفَهْم غنيّ جداً عن الله والكِتاب المُقَدَّس وكيف يعمل الكَوْن الرّوحي والجَّسَدي نتيجة لذلك.
أحد الأمثلة على جَهْلِنا المُحْزن بشأن الطّاهِر والنَجِس موجود في التّفسير الشّهير (والمُمْتاز، يُمْكِنني أن أضيف) لهنري موريس المُسمّى "سجِلّ التَّكوين"؛ حيث يَشْرح هناك أنه ربما كانت الحيوانات الطّاهِرة حيوانات قرّر الله أنها صالحة "للتَّدْجين والشّراكة مع الإنسان"، أما النَجِسة فلم تَكُن كذلك، ولا حتى بِصُعوبة. يُمْكِن لأي طُفل يهودي أن يُخْبرك بالضَّبْط ما هو الطّاهِر والنَجِس: الطّاهِر يعني الطّاهِر طَقْسِيّاً والنَجِس يعني غير الطّاهِر طَقْسِيّاً. في حالة الذبائح الحيوانيّة لله، لا يجوز اسْتِخدام سوى الحيوانات "الطّاهِرة". في حالة الطعام، لا يجوز أكل سوى الحيوانات الطّاهِرة. بِمَعنى الطعام، الكَلِمة الشائعة التي نَسْتَخْدِمها اليوم هي "كوشر"(الصّالحة للإستهلاك).
لكن، يأتي السؤال، هل كان يتمّ تحميل هذه الحيوانات…. أو على الأقل بَعْضها….. على السَّفينة لغرَض أن تكون جزءاً من الإمدادات الغِذائية أثناء احْتِجازها في السَّفينة….. طعاماً للإسْتهلاك البَشَري؟ حسناً، حتى الآن، كان الغذاء الوحيد المُناسِب للبَشَر هو الحياة النَّباتية. اسْمَحوا لي أن أتوَقَّف هنا لِلَحظة وأذَكِّركم بالمبدأ الذي ناقشناه قبل بُضْع دقائق؛ وهو أن مُصْطَلَح "طعام" يُشير فقط إلى الأشياء التي أذن الله بها باعْتبارها صالحة للأكل، وبعبارة أخرى، ولإعْطاء مثال مُتَطرّف، إذا كنا نناقش فوائد خيْط تنظيف الأسْنان، فلن يتصوَّر أحد أن خيْط تنظيف الأسنان مَصْدَراً مُمْكناً للطعام. على العكس، إذا كنا نتناقش حول الطعام، لن يتصوَّر أحد أن خيْط تنظيف الأسنان هو عُنْصُر مُحْتمَل في مُثلَّث الطعام. فبالنِّسْبة لأي منا، الطعام هو ما يُمْكِن أن نأكُله والمقصود لهذا الغرض. لذا، بالنِّسْبة للعبراني، اللّحم الذي ليس كوشير (صالح للإستهلاك) ليس طعاماً. اللحم النَجِس طَقْسِيّاً ليس طعاماً مُحَرَّماً….. إنه ليس طعاماً على الإطلاق. لذا، عندما يتحدَّث الكِتاب المُقَدَّس عن الطعام، فإنه لا يُشير بأي حال من الأحوال إلى الأشياء التي لم تَكُن ضُمْن النِّطاق الحالي للمُعتاد والمألوف. تذَكَّروا أن الكِتاب المُقَدَّس هو وثيقة عبرية، كتبَها عبرانيون، في بيئة ثقافيّة عبريّة. هذا هو الحال من سِفْر التَّكوين إلى سِفْر الرؤيا. في حالة سِفْر التَّكوين ونوح، قبل الطَّوَفان، كان الطعام هو النَّباتات الخضْراء فقط. لم تَكُن الحيوانات مُرَشَّحة لأن تكون طعاماً أكثر مما كانت عليه صَخْرة أو حَفْنة من التّراب. لم يَكُن نوح وأولاده يَشْتهون شريحة لحم لذيذة ومُمْتعة……لأن اللحم لم يَكُن طعاماً؛ كان الطَّعام نباتات صالِحة للأكل.
لم يَكُن الإنسان، في وقت الطَّوَفان ومن بعده في وقت آدم، قد أُعْطي مَفْهوم أكْل الكائنات الحَيَّة الأخرى كمَصْدَر للغذاء. ليس لديّ شكّ في أن أولئك الذين من سُلالة قايين الشِرّيرة، إذ كانوا أشراراً أكثر من أي وقت مضى، كانوا على الأرْجح يقتُلون الحيوانات بل ويأكُلون بَعضاً من لحْمها، ولكن كان ذلك أقرب إلى أكل لحوم البَشَر؛ ولكن، بما أن الله دعا نوحاً رَجُلاً باراً، فلا شك لديّ أيضاً أن نوحاً وعائلته ظلّوا نباتيين. إذاً، قبل الطَّوَفان، كان الطّاهِر والنَجِس بالنِّسْبة لِنوح يعني بِبَساطة الحيوانات التي أخْبَرَه الله أنها تَصلح للذَّبح أو تلك التي لم تَكُن كذلك…… لم يَكُن الطعام جِزءاً من المُعادلة.
الآن، أي الحيوانات كانت طاهِرة وأيها لم تَكُن كذلك؟ لا يُمْكِننا أن نكون متأكدين مئة في المئة. بعد عدّة قرون في المُسْتقبل، سيُعطي الله لموسى قائمة شامِلة بالحيوانات الطّاهِرة. نحن نَعْرِف فقط على وجه اليقين أن الخُراف والحِملان كانت طاهِرة في أيام نوح لأن هذا هو الحيوان الوحيد الذي ذُكَر أنه ذُبح، وذلك من قِبَل هابيل. مع ذلك، فمن المَنْطِقي أن نَسْتَنْتِج أن تصْنيفات الطّاهِر والنَجِس ظلَّت كما هي حتى عصر موسى؛ في جبل سيناء، أصبَحَت قائمة الحيوانات التي تَصلُح للذَّبح مُنْسجِمة مع تلك التي تَصْلُح للطعام.
إذن، الحيوانات ونوح وزَوْجته وأولادهما وزَوْجات أبْنائهما أصبحوا الآن بأمان في السَّفينة. ثم، هناك وقفة مُهيبة. وقفة لمُدَّة سبعة أيام قبل أن يصبُّ الله دمارَه على العالم. لا أعرِف ما إذا كان هذا مُجَرَّد أمر عمَلي، لإعطاء نوح بعض الوقت لإنجاز بعض التفاصيل القليلة الأخيرة….أو…. ربما كان وقتاً لِنوح وعائلته للتَّفكير فيما كان على وشَكْ الحُدوث أو ربما كان الوقت قد حان لأولئك الذين كانوا خارج السَّفينة ليُعيدوا التَّفكير؛ أولئك الذين شاهدوا ذلك الرجل الذي اعْتَبَروه مَخْبولاً دينيّاً هو وأولاده يَبْنون تلك السَّفينة الخَشَبيّة الضَّخمة ثم يصْعدون إلى داخِلها. لِسوء الحظ، حتى أولئك الذين ربما أعادوا النَّظر في الأمر، كانوا مُتأخِّرين جداً. ربما نال البعض رَحْمة روحيَّة من أدوناي، لكن لم يَكُن أحد منهم لينجو من رُعْب الطَّوَفان؛ كان عليهم أن يُشاهدوا كل من أحبّوهم يَغْرَقون، كما أنهم هَلِكوا هم أيضاً.
سيَحْدُث ذلك مرَّة أخرى في المُسْتقبَل القريب جداً، وهو بالفعل تِكْرار للطَوَفان العظيم الذي سنراه بعد قليل. سيُنقل شعب الله فجأة عن طريق سَفينَتُنا السَّماوية، يسوع، ويُحفَظ في مكان آمن. بعد ذلك، عندما يَصبُّ الله غَضَبَه على العالم للمرَّة الأخيرة، سيُدرِك الملايين من الناس غير المؤمنين أن الله حقيقي وأن كل ما أخْبَرَنا به وأنْذَرَنا به كان حقيقياً. لكن، سيكون قد فات الأوان. سَيَحِلّ عليهم الموْت ولن يكون هناك مفرّ. اقْلِبوا صفحات أناجيلكم إلى إنجيل متى أربعة وعشرين ولنَنْظُر إلى كَلِمات المسيح نفسه لنَتأكد من أن ما قُلْتَه لكم للتوّ ليس اسْتِعارة بأي حال من الأحوال: إنه حرْفي ومُباشَر للغاية.
اقرأ إنجيل متى أربعة وعشرين على ثلاثين حتى أربعة وأربعين.
كانت نِهاية البَشَريّة ….أو بالعبرية " كول ييوم"، والتي تعني "كلّ الوجود"، على بُعْد ساعات فقط بينما كان نوح وعائلته وتلك المَجْموعة الضخمة من الحيوانات مُتَجَمِّعين معاً داخل السَّفينة. لسْت متأكداً من أن أيّاً منا يستطيع أن يتخيّل ما كان يدور في ذِهن نوح وعائلته وهم يَسْمَعون الصَّرخات الجُّنونيّة لِجيرانِهِم وأصْدِقائهم وعائلاتِهم وهم يَعْلَمون أنَّهم لا يَسْتطيعون مُساعَدَتهم.
هناك في الحقيقة تفاصيل قليلة جداً عن الطَّوَفان نفسه ولكن هناك بعض الأشياء التي يجب أن نُلاحظها ونَحْفظها للرُّجوع إليها في المُسْتقبل. لا شكّ أن الأعْداد لها أهَمِّية كبيرة في الكِتاب المُقَدَّس؛ يُمْكِن أن تكون حرْفيّة ويُمْكِن أن تكون رَمْزية، وعادة ما تكون حرْفيَّة ورَمْزية في نفس الوقت (جانب آخر من جوانب حقيقة الإزْدِواجيَّة).
بعد الرقم سبعة، إن الرقم أربعين هو ثاني أكثر الأرقام اسْتِخداماً في الكِتاب المُقَدَّس. يُسْتخدَم عادةً عندما يتَعَلَّق الأمر بتَجْرِبة أو اخْتِبار من نوع ما؛ أو كفتْرة اخْتِبار. يُمْكِن أن يُشير إلى شيء ما قد يكون ما يُمْكِن أن نَعْتَبِره انتقالاً من حَقَبة إلى أخرى. يرى العبرانيون أن الأربعين هي سِنّ الحِكمة ورأى اليونانيون أن الأربعين هي ذُرْوة الحياة، والجمْع بين هاتين النَّظْرتَيْن يجعَل التقليد المسيحي الجيل يساوي أربعين سنة. هنا في رِواية الطَّوَفان، سَنَجِد أن المَطَر نزَل أربعين يوماً كاملاً (أي أربعين يوم لفترة أربعة وعشرين ساعة)، ثم مضى أربعون يوماً آخر حتى ظهَرَت قِمَمْ الجبال وانْفَتحَت النافِذة في السَّفينة. كان يعقوب، المُسمّى إسرائيل، مُتَحَنِّطًا لمُدَّة أربعين يوماً وكان موسى على الجبَل في سيناء بدون طعام لمُدَّة أربعين يوماً. صام يسوع في البرِّية لمُدَّة أربعين يوماً قبل أن يُجرّبه الشيطان (وقد تجِد أنه من المثير للإهتمام أن تعرِف أن المكان الذي صام فيه يسوع كان عوفرا…..وهي الآن مُسْتوْطَنة يهودية أرْثوذكسية في الضِّفة الغربيّة تدْعَمْها دروس التَّوْراة مالياً). قام الجواسيس الإثنا عشر من جحافل بني إسرائيل التائهين عند خروجهم من مصر والذين ذهبوا لاسْتِكْشاف سُكّان أرض كنعان، بِعَملِهم لمُدَّة أربعين يوماً. في سِفْر يونان، مُنحت نينوى أربعين يوماً للتَّوْبة لتجَنُّب الإبادة. أربعون يوماً هي مُدَّة الطَّهارة المَطْلوبة من الأم الجديدة عندما تلِد مولوداً ذَكَراً.
كان إسحاق في الأربعين من عمره عندما تزوّج من رفقة (ريبيكا). قاد موسى بني إسرائيل في البرِّية لمُدَّة أربعين سنة. حَكَم كل من الملَكين داود وسليمان إسرائيل لمُدَّة أربعين سنة.
سنرى أن مُضاعفات أربعين سنة مُسْتخْدَمَة (هذا هو الرمز العبري الشائع). قيل إن موسى كان عمره مئة وعشرين سنة عندما توفِّي (ثلاثة ضرب أربعين). الأم الجديدة تكون نَجِسة حسب الطقوس لمُدَّة ثمانين يوماً عندما تولَد طفلة (إثنان ضرب أربعين).
يُمْكِنني إعطاء المزيد من الأمِثلة، ولكن ربما يُمْكِنك الآن أن ترى العلاقة.
من الأمور المُثيرة للإهْتمام، والتي غالباً ما يتم تجاهُلها في كثير من الأحيان، أنه لم يَكُن مُجَرَّد أربعين يوماً من المَطَر هو ما تسبَّب بفَيَضان مُحيطات الأرض….. لقد قيل لنا أيضاً في الآية الحادية عشرة أن "ينابيع الغَمْر العظيم" قد تفجَّرَت وانْسَكبت منها المياه أيضاً. هذه المغارة العظيمة تحت الأرض أو ربما شبَكة من المغارات، التي كانت حتى ذلك الحين ممْلوءة بالمياه، قذَفَت هذه المياه الآن على السَّطح. ملاحظة: لقد واجهْنا مُصْطَلَح "الغمْر العظيم" من قبل. بالعودة إلى سِفْر التَّكوين واحد، قيل لنا أن الظَّلام، الظَّلام الرّوحي، كان يُخيّم على الغمْر العظيم. أيُمْكِن أن يكون هذا الغمْر العظيم، الذي أُفرَغ من مياهه من أجل دَيْنونة العالم بالطَّوَفان، كان أيضاً مُعَدّاً لدَيْنونة الشَّيطان؟ لأنه في سِفْر الرؤيا يُقال لنا أنه في نهاية المِحْنة سيُلقى الشيطان في الهاوية، "أبوسوس"، وهي نفس الكَلِمة المُسْتخْدَمَة لـ "الغمر العظيم". هل يُمْكِن أن يكون مَصْدَر مياه الطَّوَفان، والمكان الذي سيُقيَّد فيه الشيطان بالسَلاسِل لمُدَّة ألف سنة، هو نفسه؟ نعم، أعتقد ذلك.
الآن، تُخْبِرنا الآية الحادية عشرة أن عُمْر نوح كان ستّمئة سنة عندما بدأ المَطَر. حتى أنها تُعْطينا تاريخ بِدْء الطَّوَفان، على الأقل فيما يتَعَلَّق بِحياة نوح. تقول أنه كان في الشهرالثاني، اليوم السابع عشر من ذلك الشهر، عندما بدأ الطَّوَفان. الآن، هناك العديد من القراءات حول ما قيل هنا بالضَّبْط؛ ولدى الكنيسة هذه الأفكار المُتَبايِنة حول ما إذا كانت الآية تُشير إلى اليوم السابع عشر من الشهرالثاني من السَّنة العبرية أو اليوم السابع عشر من الشهرالثاني من السَّنة الستّمئة من حياة نوح. حسناً، كلاهما. من المُتَعارَف عليه أن نوحاً وُلد في اليوم الأول من الشهرالأول….. أي، بمُصْطَلَحاتِنا، يوم رأس السَّنة. بالإضافة الى ذلك، وكما سنَجِد في الفصل التالي، كان اليوم السابع والعشرون من الشهر الثاني هو اليوم الذي انْحَسَرَت فيه المياه بما يكفي لمُغادرة نوح وعائلته السَّفينة….. سنة واحدة بالضَّبْط. كيف يُمْكِنني القول إنها سنة واحدة بالضَّبْط؟ الآن، ضع في اعْتِبارك شيئاً واحداً: لم تَكُن هذه سنة شَمْسِيَّة، ثلاثمئة وخمسة وستّين يوماً، كانت سنة قمريَّة عبرية. كانت إثنا عشر قمَراً جديداً بالإضافة إلى إحدى عشر يوماً، أي حوالي ثلاثمئة وتسعة وخمسين يوماً تقريباً. الآن، بما أن ترْقيم الشُّهور، بداية السَّنة العبرانية، كانت في الأصْل في فصل الخريف، فمن المُحْتمَل أن الطَّوَفان بدأ في ما نُسَمِّيه النُّصف الأول من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر.
وبمُجَرَّد أن ركِب نوح وعائلته… وبالتحديد أبناؤه الثلاثة المُسَمّون شام وحام ويافث….. وجميع زوْجاتهم، مرّت فترة سبعة أيام، ثم انْفتحَت السَّماء من فوق وانْفجرَت المياه من الأسْفل. ثم حدَث شيء رائع حقاً: أغلَق الله فِعْلياً باب السَّفينة وحَصْرهم فيها. فأي صورة أفضل لسَيْطرة الله على كل شيء من أن يغلق هو نفسه ذلك الباب، وبالتالي يختُم في تلك اللَّحظة مَصير جميع سكّان العالم الآخرين بالموْت؛ ولكن لِنوح وعائلته الحياة. تذَكَّروا دائماً أن هذه الأحْداث تُعْطينا الأنْماط التي يعْمل بها الله؛ فهي لا تتغيَّر أبداً. إذا كنت تُريد طريقة أكثر إرْضاءً لفَهْم التَّوْراة والكِتاب المُقَدَّس بأكْمَله….. توَقَّف عن السؤال الذي تَعَلمنا جميعاً أن نسأله: لماذا. بدلاً من ذلك، ابْحَث عن النَّمَط، وسوف يُفسِّر لنا ذلك فِكْر الله في هذه المسألة بقدَر ما اخْتارَ أن يًكشف لنا.
تُخْبِرنا الآية عشرين أن المياه ظلَّت تتراكَم على سطح الأرض حتى بلَغَت أعلى قِمَمْ الجبال، خمس عشرة ذراعاً……. حوالي خمسة وعشرين قدماً….. تحت الماء. الآن، دعونا نكون واضِحين للغاية بشأن ما الذي مات وما الذي عاش خلال الطَّوَفان. يجب أن تؤخذ الآيات من واحد وعشرين الى ثلاثة وعشرين ككلّ. الآية واحد وعشرين تُعْطينا الفئات الرئيسية لما هلِك، والآية إثنان وعشرين تُعْطينا تفاصيل أخرى حول الآية واحد وعشرين. الآية واحد وعشرين لَيْسَت فئة واحدة من الأشياء التي هلِكت والآية إثنان وعشرين فئة أخرى. لقد قيل لنا أن كل الجِّنْس البَشَري الفاسِد "البازار" ….. والحيوانات والبَشَر…… هلكَت؛ بالإضافة إلى ذلك الطيور والأشياء التي تدُبّ مثل الفئران والجِرْذان والسَّحالي والحيّات غرِقت. ولكن، لم يشمُل ذلك الأسماك أو مخلوقات البحر. أعرف هذا لأن الآية اثْنَيْن وعشرين، خاصة في العبرية الأصلية مُحدّدة تماماً حول هذا الأمر. كل ما كان فيه "نفَس الحياة" و الذي مات. النشيمه، ما أُسَمّيه روح الحياة الموْضوعة في المخلوقات الحَيَّة، هي التي ماتت. كل الحياة النباتية لم تمُت….. فالنَّباتات ليس لديها نشيمه. علاوة على ذلك، كانت تلك الكائنات الحَيَّة التي عاشت على "الشراباه"، الأرض اليابِسة، هي التي هلكَت. إذا عاشت على أرض يابِسة ماتت، وإن أُجْبِرَت على فترة طويلة من الحياة على اليابسة، ماتت. عاشت الأسماك والحيوانات المائية الأخرى. عاشت البرْمائيات التي يُمْكِن أن تعيش في الماء لفترات طويلة من الزمن.
استمر المَطَر لمُدَّة أربعين يوماً وأربعين ليلة. لكن الماء استمرّ في التّزايد لمُدَّة مئة وخمسين يوماً حتى بعد توقُّف المَطَر، لأن أعماق المحيط لم تَكُن قد أَفرغَت نفسها من الماء بعد. الحياة الوحيدة…. الكائنات الحَيَّة الوحيدة…..، التي بقِيَت على الأرض، كانت في داخل السَّفينة.
سنُكْمِل الأسبوع القادم.