9th of Kislev, 5785 | ט׳ בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » الخروج » الدرس الخامس عشر – الإصحاحان سبعة عشرة وثمانية عشرة
الدرس الخامس عشر – الإصحاحان سبعة عشرة وثمانية عشرة

الدرس الخامس عشر – الإصحاحان سبعة عشرة وثمانية عشرة

Download Transcript


خروج

الدرس الخامس عشر – الإصحاحان سبعة عشرة وثمانية عشرة

بعد أن نترُك الحديث عن إنشاء إمدادات الأغذية اليومية لبني إسرائيل، وهو ما يُسمى "مان هو"، دَعنا ننتقل إلى الإصحاح السابع عشر من سفر الخروج.

اقرأ الإصحاح السابع عشر من سفر الخروج كله

مع بداية الإصحاح السابع عشر من سفر الخروج، نَجد بني إسرائيل يغادرون صحراء سين وينتقلون نحو جبل سيناء، المعروف أيضاً بجبل حوريب والمعروف أيضاً بِجبل الله. يتساءل المرء عمّا إذا كانوا قد فهِموا أهمية الأحداث التي وَقعت في الأسابيع العديدة الماضية أو كان لديهم أي فكرة عن أن الله هو من قام بعملية تشكيلهم وخلقهم. هل من المُمكن أن تكون مُعجزات الضربات على مصر وتحرير بني إسرائيل من العبودية وانْشقاق البحر الأحمر وتحويل مياه المراعي المُرَّة إلى ماء عَذب صالِح للشرب، يمكن أن يتمّ تجاهلها بسهولة وأن تُنْسى في أيام قليلة؛ إيمانهم يَصعد وينزل مثل المصعد؟ كيف يُمكن أن تكون السحابة المرئية التي كانت تقود الطريق ليلاً ونهاراً وحُضور الله الفِعلي والحقيقي أمامهم، ليس كافياً ليؤكد لهم في كل الأوقات أن الله هو المُسيطر؟

ولكن، كان هذا هو الحال مع هذا الشعب الضعيف والمُشاكس وغير الواثق من نفسه. دعنا نأمل ألاّ يكون الأمر كذلك معنا نحن أيضاً. مرّة أخرى، كانوا بِحاجة إلى الماء. لقد كانوا بَشراً وكانوا في صحراء قاحلة وكانت حاجتهم إلى الماء ضَرورة من ضرورات الحياة ومَصدر قَلق معقول. كانت رحلتهم بالضرورة رحلة انتقال من واحة إلى واحة؛ لم يعُد الطعام مُشكلة، لكن الماء كان دائماً مُشكلة لسكان الخيام البدو الرحل. لا يوجد ما يُشير إلى أن بني إسرائيل فكّروا حتى في التحدّث إلى الله بشأن حاجتهم إلى الماء؛ بل كانوا مُتذمّرين….. قلقين…… شكّاكين وخائفين وألقوا اللوم.…..لَامُوا مُوسَى يهوه. الآن، كان هذا الموقف مختلفاً قليلًا عن المَوْقف السابق عندما احتاجوا إلى الماء؛ لأن المكان الذي قادهم إليه موسى هذه المرة لم يكن هناك حتى تلميحاً للماء، ما كان غريباً في حدّ ذاته. لقد كان موسى ساكن صحراء متمرّساً بما أنه عاش في مديان…..وأظن أن يكون على بُعد أميال قليلة فقط من المكان الذي وقف فيه شعب إسرائيل عَطشاناً في هذه اللحظة بالذات. كان سَيأخذهم فقط إلى مكان يوجد فيه ماء عادة. لذا، ربما نحن نتعامل مع نوع من حالة جفاف غير عاديّة في شبه الجزيرة العربية وأن مصدر المياه الذي توقّع موسى أن يكون موجوداً (بالقرب من رفيديم) قد جفّ. بطبيعة الحال، كانت هذه بالفعل كارثة مُحتملة.

مع ذلك، يُمكن للمرء أن يَفترض بشكل معقول أنه كان من المُمكن أن يتذكّر بنو إسرائيل قبل أسبوعين فقط، عندما جعل الله المياه صالحة للشرب لهم بأعجوبة في الينابيع المرّة في مارا. ولكن، على ما يبدو، لم يَنسوا فقط اهتمام الله بإشباع حاجتهم الجسدية إلى الماء بل أنهم لم يُدركوا أبداً المغزى والدرس الذي تضمّنه حلّه. لنَعد إلى مارا لِلحظة واحدة فقط.

بالعودة إلى الأصحاح الخامس عشر، نرى بني إسرائيل متذمّرين وبحاجة إلى الماء ويأخُذهم موسى إلى نبع، واحة كانت مياهُها في حالتها الطبيعية مُرّة المذاق. لكن، عندما غمروا بعض الأخشاب الخاصة التي ليس لها إسم (من الواضح أنها كانت متوفّرة محلياً) في تلك المياه المُرّة بأمر من الله، تطهّرت المياه من طعمِها السيئ وأصبحت مُفيدة لإنقاذ حياتهم.

هذه صورة جميلة لما سيفعله المسيح من أجلنا بعد ألف وأربعمئة سنة في المستقبل. ها نحن البشر، حالتنا الطبيعية الفاسدة مليئة بالمَرارة. المَرارة، في طريقتنا الغربية في التفكير، هي بشكل عام عاطفة أو مَوْقف أو حالة نفسية؛ إنها تعني أننا متعلّقون بالأوجاع والإساءات؛ لقد طوّرنا إحساساً بأن الحياة لم تكن عادِلة معنا، ونتيجة لذلك نَنظر إلى العالم من حَوْلنا بتهكّم ونَرفض الفرح. لكن عادةً ليس هذا ما يعنيه الكتاب المقدس بالمرارة. بل إن المرارة في الكتاب المقدس تعني نقيض الحلو، سواء بالمعنى الحقيقي أو بالمعنى الشّعري. المرارة تعني الألم الذي لا يُحتمل عادةً على يد آخر والمعاناة التي لا أمَل في الخلاص منها والإضْطهاد…. بل إن جُذور كلمة المرارة "مارا" ترتبط بالسمّ. كان اليهود في ألمانيا النازية يشعرون بالمرارة؛ فقد كانوا في حالة ميؤوس منها من الاضطهاد الخارج عن سيطرتهم.

غالباً ما تُستخدم المرارة كحالة سلبية للوجود لوصف حالة بني إسرائيل في مصر؛ والمرارة هي أيضاً الحالة الطبيعية لكل البشر؛ غير قادرين على خلاص أنفسنا وغير قادرين على تغيير أنفسنا وغير قادِرين على التخلّص من وُجودنا المرّ، حتى لو لم ندرك أنه مرّ.

والآن يأتي المسيح، المعلّق على قطعة من الخشب ودَمه الثمين مسفوك فوقها. لكن، يا لها من صفات عجيبة لتلك الخشبة، ذلك الصليب، لأنه عندما تُغمر تلك الخشبة الإلهية، الصليب، في حياتنا تُنزع مَرارتنا، وظُلمنا. في كثير من الأحيان عندما يُغمر شيء ما في سائل فإن ذلك الشيء يأخذ طابعاً مختلفاً. في الواقع إن الكلمة اليونانية "بابتيزمو" التي نشتق منها كلمتنا الإنجليزية "بابتايز"، تعني الغَمر. وكلمة "بابتيزمو" هي كلمة مُستعارة من تجارة صبغ القماش في العصر التوراتي؛ أي أن القماش الطبيعي كان يُغمس في وعاء من الصبغة، فيَأخذ القماش خصائص ما غُمس فيه؛ وهكذا هو الحال مع المَصلوبين مع يسوع؛ صليبه الخشبي، المغمور في حياتنا المريرة، يُحوّل حياتنا ويجعلها جميلة ومتحرّرة من ظلم قوة الخطيئة. هذه هي الصورة المقصودة في نبع مارا في البرية.

حسناً، لنعد إلى الفصل السابع عشر وحاجة إسرائيل الجديدة إلى الماء. ذكّرهم موسى أنهم وإن كانوا يظنّون أن تذمّرهم هو ضدّه، إلا أنه في الحقيقة ضدّ الله؛ ويسأل موسى لماذا يَختبرون يهوه. تذكّر درسنا العبري حول هذه الكلمة، اختِبار (أو دليل أو إغراء في بعض النسخ)؛ وأن الكلمة العبرية المُستخدمة هنا هي نفسها التي رأيْناها سابقاً: ناكاه (ناو- ساو) وهي تحمل في طياتها معنى الإستدعاء إلى المحكمة والمثول أمام القاضي، أي إجراءات المحاكمة. لذا، فإن ما اتّهم موسى الشعب بفِعله هو مُحاكمة الله حرفياً؛ لقد كانوا يضَعون أنفسهم في موضِع الحكم على الله!

إلا أن، مرّة أخرى، الله رحيم. فبدلاً من أن يوبّخ موسى أو الشعب على عدم إيمانهم، فإنه ببساطةٍ يُعيلهم. يقول الله لموسى أن يأخذ ممثّلي الشعب، الشيوخ، ويذهبوا إلى "الصخرة" في جبل حوريب أو بالقرب منه. وهناك، باستخدام نفس العصا التي حَملها موسى لفلْق البحر الأحمر، كان على موسى أن يَضرب "الصخرة"، فتَنْسكب منها المياه بما يكفي الجميع. من المثير للاهتمام أن هذه هي المرة الثانية التي نَجد فيها موسى مأموراً بِضَرْب شيء ما بِعَصاه، وفي المرّتين كان الأمر يتعلق بالماء. كانت المرة الأولى عندما ضرَب نهر النيل وحوّله إلى اللون الأحمر الدّامي وجعله غير صالح للشرب، والآن، سَيَضرب بِعَصاه صخرة فتُخرج الصخرة ماءً صالحاً للشرب. لاحظوا أيضاً كيف أن عصا موسى…….والتي ما هي في الحقيقة إلا عصا سلطان الله الموضوعة في يد موسى….. استُخدمت في حالة واحدة (في النيل) للغضب على أناس لا يَتبعون له (المصريين)؛ ولكن في حالتنا هذه ستُستخدم في توفير الرحمة والحماية لشعبه الخاص.

من المهمّ أن نرى هذه السمة الصعبة لله: يأتي من نفس المصدر (الرب) العَمى والوحي؛ الهلاك والخلاص؛ الظلمة والنور؛ الشّقاء واليأس. الخَيْر لمن يَخضعون لرُبوبيّته والبلاء لمن يرفضونه. نحن نرتكب شرّاً رهيباً عندما نتجاهل صفات يهوه التي تزعجنا ونَحتفظ فقط بتلك التي تُرضينا لأن فعل ذلك يجعلنا مُذنبين في الحقيقة بأننا نصنع صورة إلهنا من عقولنا…..وهذا هو تعريف عبادة الأصنام.

الآن، سأكون مُقصّراً إن لم أشِر إلى ما لا يمكن أن يكون موسى والشيوخ قد فَهموه: أنّ حَدث ضرب الصخرة هذا هو صورة أخرى لحدث مستقبلي. لقد ضُرب المسيح، الذي دُعي الصخرة، لكي يتدفّق منه الماء الحيّ لكل شعب الله. دعونا نتذكّر أيضاً أنه عندما طُعن يسوع، الذي كان هو نفسه ماءً حياً، بذلك الرّمح الروماني، رأى جميع الذين كانوا يشاهدون ماءً حقيقياً مادياً يتدفّق من ذلك الجرح. كان هذا الحدَث في حوريب، والحدث الذي حَصل في حوريب والصلّب في الجُلجُلة، مترابطين تماماً……على المُستويين المادي والروحي.

اسْمحوا لي أن أُشير إلى علاقة أخرى مثيرة للإهتمام لا يمكن رؤيتها بِسهولة في اللغة الإنجليزية، ولكنها موجودة في العبرية الأصلية: كان على موسى أن يَستخدم عصاه (قصَبته) بإسم الله، ليَضرب بها الصخرة في حوريب، تماماً كما ضرب بها النيل قبل ذلك بعام تقريباً. تذكّر، في الإصْحاحات السابقة من سفر الخروج عندما اكتشفنا أن الكلمة المُستخدمة لوَصف الضّربات التسع التي أنزلها الله على مصر والتي نُسمّيها عادة "الضربات"، كانت بالعبرية "ناخاه" (ناو كاه). لا تَخلط بين الكلمتين العبريتين المتشابهتين جداً "ناخاه" (ناو-ساو) و"ناخاه" ….. تعني إجراء محاكمة، بينما ناخاه (ناوكه) تعني صَعْق أو ضرْب، أو توجيه ضَربة.

لا تُستخدم كلمة "ناخا" (بمعنى ضرب) لوَصف شيء حَميد مثل ضَرب مسمار بِمَطرقة، بل تحمل معنى الهجوم بقصْد إلحاق الأذى، بل والقتل. إذا نَظرْنا إلى الوراء، يُمكننا أن نفهم لماذا استُخدمت كلمة "ناخاه" (ناوكاو) لوصف هذه الضربات المؤذية والمُميتة في نِهاية المطاف، على مصر التي بدأت بِضَرب موسى نهر النيل. لذا، فإن اسْتخدام كلمة "ناخاو" عند وَصف الضّرب على الصخرة حتى يخرج الماء يبدو في غير محلّه. فما الفائدة من استخدام كلمة مثل ناخاه، التي تَحمل في طياتها هالة من الحقد والعنف، في هذا السياق؟ وقد تساءل الحاخامات على مدى قرون عن سبب استخدام كلمة "ناخاه" التي تُصوّر الضرب بقصد الأذى، مع إخراج موسى الماء ليشرَب شَعبه ولولا ارتباطها بما سيحدث في النهاية لِصخرتنا، يسوع، عندما ضُرب بخُبث وعنف، لكان استخدام تلك الكلمة العبرية هنا في حوريب في غير محلّها.

لقد قيل لنا في الآية السابعة أن المكان الذي تذمّر فيه بنو إسرائيل من الحاجة إلى الماء كان إسمه "ماساه" و"مريفا": عادة ما تُترجم "اختبار" و"خُصومة". والترجمة الأفضل لكلمة "ماساه" بدلاً من "اختبار" هي "وّسْوسة"؛ بالمناسبة، لاحظ أن هذه ليست نفس الكلمة التي استخدمت سابقاً عندما اتّهم موسى الشعب بمحاكمة الله؛ تلك الكلمة هي "ناكاه" (بالنون)، بينما إسم المكان هو "ماساه" (بالميم) ولماذا كلمة " وّسْوسة " مناسبة جداً هنا؟ لأن هؤلاء الناس، الذين تَبعوا السّحابة لمدة شهرين، يَصَفعون الله الآن على وجهه بسؤالهم في نهاية الآية السابعة: "هل يهوه معنا أم لا"؟

وفجأة في الآية الثامنة يتغيّر المشهد ويُصبح الشعب في أوّل معركة مع جار معادٍ. هذا بالطبع هو الشيء نفسه الذي رتّب الله لبني إسرائيل أن يَتجنّبوه في الأيام الأولى من خُروجهم، بإصراره على أن يَسلكوا الطريق البرّية الصحراوية، بدلاً من أن يَسلكوا الطريق المباشر إلى كنعان باستخدام الطريق السريع الرئيسي بين مصر وكنعان الذي يُسمّى طريق الفلسطينيين. مهما كان السبب، كانت هذه المعركة مع العماليق معركة أراد الله أن يَخوضها بنو إسرائيل.

إنها مجموعة من الناس تُدعى عماليق هاجمت بني إسرائيل. سَنكتشف فيما بعد، في سفر التثنية خمسة وعشرين، أن العماليق هاجموا الجزء الخلفي لطابور بني إسرائيل الطويل، الذي كان يتألّف في المقام الأول من الشّاردين: الضُّعفاء والعاجزين والمرضى؛ وهذا ما جعل ما قام به العماليق أكثر فظاعة لأن بني إسرائيل لم يُهدّدوا العماليق بأي شكل من الأشكال. لكن ليس من المستغرب على الإطلاق أن يكون العماليق أول من هاجم بني إسرائيل؛ لأن العماليق كانوا من نَسل عيسو. إذن، بينما كان العماليق مُرتبطين ببني إسرائيل، بسبب الإنقسام بين الأخوين التوأم يعقوب وعيسو، فقد كانا عَدوّين أيضاً (تذكر كيف تآمر يعقوب ليحْصل على مباركة البكر، وكل الثروة والسُّلطة التي ترافقها، من أخيه التوأم عيسو….. وبعد ذلك أصبح يعقوب يُسمّى إسرائيل وأنجب أسباط إسرائيل الإثني عشر).

في الآية التاسعة، يوصي موسى يوشع بن نون (الذي سَيصبح في النهاية قائد إسرائيل بعد مَوت موسى) أن يختار الرجال الذين سَيُحاربون العماليق، ثم يقودهم في المعركة. أما موسى، فسَيقف على تلّة فوق ساحة المعركة، وعلى الأرجح مع عصاه في يده. وكان سيذهب معه (فوق التل) أخوه هارون ورجُل إسمه حور. يمكننا أن نفهم لماذا سيُرافقه هارون، نبي موسى، ولكن من هو هذا الرجل المدعو حور؟

حسناً، نَجده مذكوراً مرة أخرى في سفر الخروج أربعة وعشرين على أربعة عشرة، ويبدو أنه مساعد هارون، على الرغم من أنه لا يبدو في الأنساب أنه قريب لهارون. يقول التقليد التلمودي أن حور كان زوج مريم (مريم هي أخت موسى وهارون).

تبدأ المعركة: يوشع بن نون في أسفل الوادي يقود رِجاله، وموسى وهارون وحور على قمة التل يراقبون، وموسى يرفع يده. عادة ما يُفترض أنه كان يَرفع عصاه في يده، ولكن هذا ليس ما يَقوله الكتاب المقدّس. إن افتراض أنه كان يمسِك عصاه في يده يأتي من إسم مَذبح النصر الذي بُني لتخليد ذكرى هذه المعركة؛ لأن إسم المذبح (يهوه نيسي) يدلّ على أن موسى كان يَحمل راية أو شارة أو نوعاً من الأدوات التي تَرمز إلى إسرائيل ويقول في الآية الحادية عشرة إن أمراً غريباً حدث: طالما أن موسى كان يمسك عصاه في الهواء، نحو السماء، مالَت المعركة لصالح بني إسرائيل، ولكن، ما إن وضع ذِراعه المُمسكة بالعصا ليستريح، حتى مالت المعركة نحو العماليق. فطلب هارون وحور من موسى أن يَجلس على حَجر، ثم رجل من كل جانب يسندان ذِراعَيْ موسى حتى لا يضطرّ الى إنزال العصا عندما تتعب ذراعا موسى، ولو للحظات راحة. استمرّت هذه المعركة، كما كانت المعارك في تلك الأيام، حتى غروب الشمس وهكذا انتصرَ رجال يوشع بن نون على العماليق.

والآن، هناك أمران مهمّان: أولاً، لنتحدّث قليلاً عن يوشع بن نون. كان يوشع بن نون من سَبط أفرايم. على أمل أنكم تتذكّرون الأصحاحات الثلاثة الأخيرة من سفر التكوين عندما تمّت مناقشة أهمية سبط أفرايم. في الواقع، لفهم نهاية الأزمنة والرؤيا، أحثّكم على دراسة أفرايم الذي هو المفتاح الذي يفتح الباب للعديد من أسرار الكتاب المقدس.

من الناحية الفنية في وقت هذه المعركة مع العماليق لم يكن يوشع بن نون يُدعى بعد "يوشع". كان إسمه هوشع، أو بالإنجليزية هوزيا (هذا ليس هوشع نفسه النبي هوشع الذي له سِفره الخاص في الكتاب المقدس). هوشع يعني "العون" أو "الخلاص". في وقت ما بَعد هذه المعركة تم تغيير إسم هوشع. لقد رأينا هذا التغيير في الإسم يحدُث من قبل، أليس كذلك؟ بدأ إبراهيم بإسم أبرام فقط، أي أبو الكثيرين. فيما بعد، قال الله أنه سيُسمّى أبراهام، أي أباً للكثيرين، ورأينا إسم يعقوب، "ياعاكوفز"، تغيّر إلى إسرائيل. والآن، هوشع سيتغير إسمه إلى يوشع. هذان الإسمان (يوشع وهوشع) مُرتبطان بِبعضهما البعض، ولكنّنا لا نستطيع أن نرى ذلك إلا إذا عرضْناهما في العبرية الأصلية. يوشع هو في العبرية، يهوشوع؛ والتي تعني "ياه يخلص" أو "الله يخلص" أو الأفضل "يهوه يخلص"، والأكثر دقّة، في العبرية، هو "هوشع" أو "هوشوا" أو "أوشع". إذاً، بعد المعركة مع العماليق، أُضيفت كلمة "هوشع" (جوشوا) إلى إسمه كبادئة لإسمه، فأصبح "ياه هوشع". لذا، من السّهل أن نرى، بعد هذه المعركة الغريبة حيث كان على موسى أن يَرفع عصاه عالياً إلى الله لكي يهزم بنو إسرائيل العماليق، أن القائد والمُنتصر في هذه المعركة الهامّة سيُغيّر إسمه إلى إسم يعكس ما حدث في ذلك اليوم، عندما خلّصهم الله من العماليق.

والآن، أمرٌ آخر وسنمضي قدماً. يهوشع هو ببساطة إسم طويل لإسم أصبحنا نعرفه بالفعل: يشوع، يسوع، يسوع المسيح. نعم، في مفرداتنا الحديثة، يوشع هو الإسم الذي أُعطي للمسيح عندما وُلد، بالعبرية، "يشوا" (يسوع). ربّنا كان له نفس الإسم، كما كان لهذا الرجل الذي انتصر في المعركة على العماليق. هنا، مرة أخرى، لدينا صِلة بين العهد القديم والعهد الجديد. يوشع، صديق موسى، خلص بني إسرائيل جَسدياً بقوة الله. يوشع، يشوع، يسوع، يسوع المسيح، خلّص بني إسرائيل روحياً، وكل من كان سَينضمّ إليهم، بقدرة الله. في كلتا الحالتين كان هذا فعل الله الذي خلّص. دعوني أؤكد لكم أن هذه الروابط حقيقية وليست مُفتعلة. إنها موجودة لكي نراها كصِلات وليست مُصادفة. لسوء الحظ، غالباً ما تكون الصّلة غير مرئية إذا لم يتم تقديمها باللغة العبرية الأصلية.

في نهاية الأصحاح السابع عشر، نحصل على هذه التعليمات التي تُقشعَر لها الأبدان من الله: سوف يمحو ذكرى العماليق تماماً من تحت السماء. سيُحارب العماليق جيلاً بعد جيل. لماذا؟ لماذا هذه الإدانة المطلقة من الله للعماليق؟

حسناً، لم يكن العماليق حقيقيين وملموسين فحسب، بالضبط كما ذُكر وما فعلوه بالضبط، ولكنه أيضاً نوع. كان العماليق أُمميّين، ولذلك فَهُم يمثّلون أولئك الأمميين الذين يعملوا ضد بني إسرائيل. كان العماليق أول من هاجم بني إسرائيل بعد خلاصهم من مصر. يمثل العماليق تلك القوة التي تُعارض شعب الله وخطة الله التي ستتم من خلال شعبه. هذه ليست المرة الأخيرة التي سنسمع فيها عن العماليق في الكتاب المقدس. شاول، أول ملوك إسرائيل، سيأمره الله أن يدمّر العماليق عقاباً لهم على محاولتهم وقف تقدم بني إسرائيل في الأيام التي كان موسى قائدهم…..شاول لم يحقق ذلك. بعد عدة قرون، يُقال أن هامان الشرير، هامان الذي اشتهر بإسم أستير، كان من نسْل العماليق. كثير من العرَب اليوم هم من عائلة العماليق، وهي قبيلة عيسو. الأردنيون، على سبيل المثال، هم شعب أجدادهم مزيج من بني إسماعيل وعيسو.

ثم بنى موسى مذبحاً. كان هذا عملاً نموذجياً للناس في ذلك اليوم كردّ فعل على حدث مهمّ. كان هذا المذبح نصباً تذكارياً وعلامة لتخليد ذكرى معركة بني إسرائيل والله ضد العماليق. سُمّي المذبح بإسم "يهوفي نيسي": يهوه رايتي.

بينما نُنهي هذا الفصل، اسمحوا لي أن أذكر شيئاً موجزاً عن عصا موسى التي يُشار إليها هنا على أنها "راية" لله. هناك مبدأ إلهي حاسم يتم وضعه، وهو أنه: عندما نسلّم عصانا إلى الله، عندما نُرخى قبضتنا ونعطيها لله، فإنها تصبح عصا الله في يده. افهموا أن العصا في العصور القديمة، والتي يشار إليها أحياناً بالعصا، وفي العصور اللاحقة بالصولجان، هي رمز أو تمثيل للسلطة. كانت عصا موسى، من الناحية البشرية، رمزاً لسلطة موسى. ولكن، عندما رفع عصاه إلى السماء، ويسمّي الكتاب المقدس هذا الفعل "رفع راية"، فهذا يَرمز إلى تسليم سلْطته إلى الله، حيث يفعل الله أمراً عجيباً: تُصبح عصا موسى عصا الله.

هذا هو سرّ الحياة المسيحية. ما دُمنا مُتشبّثين بشدّة بسُلطاننا الشخصي وسيادتنا على حياتنا، فإننا ببساطة لا يمكن أن نستخدم الله ولا توجد قوّة على الإطلاق في سُلطاننا الخاص. فالأقوى والأكثر سلطة والأكثر تفوّقاً والأكثر ذكاءً والأكثر ثراءً منا لا يملك في النهاية سوى قدراتنا البشرية الطبيعية الشخصية التي نعتمد عليها. ولكن، سلّموا هذا السلطان إلى الله، وسوف يملأه بقوته. كانت عصا موسى، تحت سلطة موسى، مجرّد قطعة خشب ميتة، على الرغم من أنها بدت له كأداة لا غِنى عنها في مِهنته كراعٍ ورمز ضروري لسلطته على بني إسرائيل، ولكن نفس هذه العصا، تحت سلطان الله، كانت قادرة على شق البحر الأحمر وتحويل النيل إلى دمّ وهزيمة العدو في المعركة.

غالباً ما يُعبَّر عن هذا المبدأ في المسيحية الإنجيلية الحديثة على أنه خُضوع أو اسْتسلام لله. نرى هذا المبدأ يتطوّر هنا في سفر الخروج مع موسى.

اقرأ الإصحاح الثامن عشر كلّه من سفر الخروج

لقد أدْرك الحكماء العبرانيون القدماء منذ زمن بعيد أن هذا الأصحاح خارج التسلْسل الزمني. إن ذِكر شريعة الله والمذبح وتعليم موسى أحكام الله للشعب، ثم الحكم على الشعب وفقاً لتلك الأحكام، لا يمكن أن يكون قد حَدث إلا بعد إعطاء الشريعة على جبل سيناء.

مع بداية الإصحاح الثامن عشر، يظهر والد زوجة موسى مرة أخرى. كان يثرون، يثرون كاهن مديان، قد سَمع بكل ما حدث بشأن بني إسرائيل، وجاء لتَهنِئة موسى. كما ناقشنا من قبل، كانت الأخبار تنتقل بسرعة في تلك الأيام؛ كان الناس في الأمم الأخرى يَعرفون ما يجري في المناطق الأخرى؛ ويُمكنك أن تراهن على أنه كان هناك العديد من المناطق والأمم التي كانت تَحبِس أنفاسها جماعياً، وتتساءل أين سَيهبط هذا الحشْد الذي كان قوامُه ثلاثة ملايين شخص.

هذا فصل آخر من فصول عديدة من سفر الخروج، ولأسباب غير معروفة بالنسبة لي (وإن كانت لدي شكوكي)، اختار مُترجِمو الكتاب المقدس باستمرار استخدام كلمة "الله" أو "الرب" كلّما ظهرت كلمة "يهوه". لذا، عندما ننظر إلى نصوص اللغة الأصلية ما نراه هو أن يثرون كان يعرف إسم إله العبرانيين، ويمكننا أن نفترض بأمان أن نفس الأشخاص والأمم الذين عرفوا ما حدث في مصر فيما يتعلّق بإسرائيل كانوا يَعرفون أيضاً اسم إله إسرائيل….يهوه. في تلك الحقبة كانت معرفة اسم الإله تُعتبر ذات أهمية حَيويّة لأن الخرافة كانت تقول إنك إذا كنت تعرف إسم الإله الذي يدير بعض مجالات المسؤولية مثل الطقس أو الخصب أو الرخاء أو المعارك، فإنك إذا ما استَدعيت إسم ذلك الإله فإن ذلك الإله يجب أن يفعل ما تطلبه.

كان أحد أغراض يثرون من مجيئه لمقابلة موسى هو إحضار زوجة موسى، تسيبورا، بالإضافة إلى ابنيهما إلى موسى. يقول، في الآية الثانية، أنها كانت قد أُرسَلت إلى البيت، وهذا يتلاءم تماماً مع التقليد المتعلق بتزيفورا بأنها كانت مُشاكسة حقيقية. أنها خلقت مشكلة لموسى لدرجة أن موسى عندما كان في طريقه من مديان إلى مصر لمُواجهة فرعون، أصبحت عدائية لدرجة أنه أرسلها إلى البيت. هل يتذكّر أحدكم ماذا يعني اسم تسيبورا؟ حسناً، دعونا نتذكر أولاً أنه اسم بدوي جداً…….وهو يعني "طائر" …… وهي لم تكن كذلك أبداً. بالمناسبة، لا يزال هذا الإسم مُستخدماً حتى اليوم. يُعتقد بشكل عام أن الحادثة المثيرة للإهتمام إلى حدّ ما حيث تواجه تسيبورا موسى علناً بشأن عدم خِتانها لأبنائها بعد، وغضب الله من موسى إلى حدّ تهديد حياته بسبب هذا الإغفال، هو ما دفع موسى إلى إرسال تسيبورا وأبنائها إلى بيت ييترو، والدها.

والآن، تقول الآية الخامسة أن موسى كان في "جبل الله" عندما ظهر يثرون. هذا أمر مثير للاهتمام نوعاً ما، لأنه دليل آخر على أن هذه القصة غير صحيحة بعض الشيء في سفر الخروج، لأننا لا نسمع حتى عن تحرّك الاجئين في سفر الخروج ونزولهم عند سفح جبل سيناء حتى الفصل التالي. كنت قد حذّرتكم الأسبوع الماضي أن التوراة ليست دائماً في ترتيب زمني مثالي، وهذه إحدى تلك الحالات. لكن هذا أيضاً يتماشى جيّداً مع حادثة ضَرب الصخرة التي أمر الله بها من أجل الحصول على الماء؛ لأنه يقال أن هذه الصخرة كانت في سلسلة جبال حوريب، وهي سلسلة الجبال التي يقع فيها جبل سيناء، جبل الله. أعتقد أنه يكشف أيضاً أن يثرون كان يَعرف بالضبط أين كان جبل الله هذا. لقد عرف ذلك لأنه، أ) كان قريباً جداً من موطنه في مديان، و(ب) لأنه على ما يبدو كان هناك نوع من المراسلات بين موسى ويثرون، كما جاء في الآية السادسة، و(ج) لأنه من المُحتمل أن موسى قد أخذَه إلى هناك قبل ذلك بِسنوات، أو على الأقل، أوْضح ليثرون موقعه.

لا أريد أن أجهد نفسي بذلك، ولكن من المحتمل جداً أن جبل الله لم يكن يَبعُد عن بيت يثرون أكثر من سيْر أيام قليلة جداً، وهكذا يكون جبل سيناء في المكان الذي يقول الرسول بولس إنه موجود فيه: في العربية….أو أفضل…..في شبه الجزيرة العربية. دعونا نتذكّر أن جبل الله حيث كان موسى يقود شعب إسرائيل هو نفس المكان الذي التقى فيه موسى بالله عند العلّيقة المشتعلة. وفي وقت حادثة العليقة المشتعلة، كان موسى يعيش مع حماه في أرض مديان.

تقول التوراة أن موسى ركض للقاء والد زوجته وسجد أمامه. كانت هذه علامة احترام تقليدية تُعطى لرب الأسرة، وهو يثرون.

من المؤكّد أنه كان من المُمتع أن يكون قد تمكّن من سَماع حديثهما. حديث موسى مع أولاده الصغار واستماعه إلى قُصصهم عما كان يحدث في حياتهم أثناء غيابه؛ وأودّ بالتأكيد أن أعرف من هي تسيبورا التي ظهرت: تلك التي لانت قليلاً، نادمة ربما ومُشتاقة لزوجها، أم تلك التي كانت توبّخه على ذهابه في المقام الأول ثم غِيابه الطويل! وبالطبع، لسماع موسى وهو يسرد المعجزة تلو الأخرى من المعجزات المذهلة التي صنعها يهوه لإنقاذ إسرائيل وتحويل مصر إلى دمار. ثم، بلا شك، أن ينقل إلى يثرون المشاكل التي لا تنتهي في التعامل مع هذا العدد الهائل من الشعب الذي لا يَرضى أبداً وغير الشاكر، والذي لم يفوّت فرصة ليُخبر موسى ما هو الخطأ الذي ارتكبه!

والآن، في الآيات من تسعة الى إثني عشر، يعتقد الكثير من العلماء أن لدينا رواية عن اهتِداء الأمم إلى ديانة العبرانيين. نعم، كان يثرون أُمميّاً، وليس إسرائيلياً؛ ومع أنّه دُعي كاهناً، إلاّ أنّه لم يَكن كاهناً ليهوه، بل كاهناً لديانة أخرى ونظام آخر من الآلهة. ليس علينا أن نفترض ذلك فقط: لأن القبيلة الكهنوتية الوحيدة في إسرائيل كانت اللاويين، وكان أهارون اللاوي هو الكاهن الأعظم وليس هناك ما يُشير في أي مكان إلى أن يثرون كان يُمكن أن يكون من بني إسرائيل، ناهيك عن أن يكون لاوياً، لذلك لكي يقدّم ذبيحة على مذبح إسرائيل كان عليه أن يعترف بالولاء لإسرائيل وإله إسرائيل.

نَحصل على لمحة مُهمّة عن عقلية الشعب في تلك الحقبة، حيث أن يثرون لديه القصَص التي سَمعها عن قوة الإله العبراني التي أكدها موسى؛ وفي الآية الحادية عشرة، يعترف يثرون بأن يهوه أعظم من كل الآلهة ويتبع ذلك بتقديم ذبيحة ليهوه في حضور موسى وهارون وجميع شيوخ إسرائيل، ثم يختمها بِوجْبة طعام. كانت هذه هي الطريقة المُتعارف عليها لقطْع العهد، "البريت". لقد ناقشنا بإسهاب في سفر التكوين كيفية قطع العهود ونرى هنا أن ما فعَله يثرون كان قطع عهد أمام الله، مُعلناً على الأرجح ولاءَه ليهوه، وبالتالي لإسرائيل. والآن، هل تخلّى عن آلهته الأخرى؟ هل الْتَزَم بالمَثل الأعلى التوحيدي….. أي أن هناك إله واحد فقط وإسمه يهوه؟ ربما لا. لقد اعترف ببساطة أن يهوه هو إله العبرانيين، وإيل….. الإله الأكبر…..وهو ما كان سيُوافق بني إسرائيل تماماً، لأنه بشكل عام هكذا كانوا ينظرون إلى يهوه أيضاً (فقط الإله الأعظم بين الآلهة الكثيرة).

دعوني أُشير لكم إلى شيء آخر سيُصبح أكثر وضوحاً بعد أن ننتهي من سفر الخروج ونَدرس سفر اللاويين: تقول الآية الثانية عشرة (تقريباً في كل التّرجمات العالمية) أن يثرون أحْضر مَحرقة وذبائح لله. ما هو مذكور في اللغة الأصلية هو أن يثرون أحْضَر "أولاه" (قرابين) و"زيفاه" (ذبائح) ليهوه. كانت القرابين نوعاً محدّداً جداً من الذبائح، وكذلك الذبائخ وبالطبع، نرى أن يثرون لم يُقدّم هاتين الذبيحتين العبرانيتين فقط، ولكل منهما معنى خاص (وهما بالمناسبة لم تُفرضا إلا في الشريعة المعطاة في جبل سيناء) لإله ما بشكل عام؛ كانت هذه الذبائح بالطبع (كما هو مكتوب بالعبرية) للإله المسمّى بيهوه.

دعونا نتوقّف هنا ونُكمل ما تبقى من الإصحاح الثامن عشر في الأسبوع القادم.