الخروج
الدرس ثلاثة وعشرين – الإصْحاحان إثنان وعشرين وثلاثة وعشرين
دعونا نواصل دراستنا لسِفر الخروج، الإصْحاح الثاني والعشرين بقراءة من الآية الثامنة عَشرة إلى نهاية الإصْحاح.
اقرأ سِفر الخروج إثنان وعشرين على ثمانية عشرة حتى النهاية
كما قيل لنا بِسرعة وبصورة واقعية عن هذه الأفعال التي يجب أن تجلُب الموت فوراً على مُرتكبها، ابتداءً من الآية الواحدة والعشرين، نَحصل على سِلسلة من التعليمات التي تًعكس رَحمة الله ورأفته، خاصة على بعض الفئات الإجتماعية الضّعيفة بشكل خاص. يُقال لبني إسرائيل أن عليهم أن يُرحّبوا بالغير ويَحترموهم، وهو بالعبرية يعني الغُرباء، غير العبرانيين، الأُمميّين، الذين يأتون للعيش معهم. ما يَعنيه ذلك في الواقع هو أن يُصبح الأجنبي، الأُممي، عُضواً في بني إسرائيل. سَيتِمّ البناء على هذه التعليمات مع تقدّمنا في الشريعة، وفي النِهاية سيتّضح كيف يُمكن للأجنبي أن يُصبح عُبرانياً وكيف يجب اعتبارهم مواطنين من الدرجة الأولى…..لا أعلى ولا أدنى من العبري المولود عبري. هذا المفهوم أساسي بالنسبة للمسيحية الأُمميّة لأن المظهر الروحي لهذا التعليم هو أن الأُمميّين يمكن أن يُصبحوا إسرائيليين روحيين، من خلال كَونهم "نسل إبراهيم" الروحي، وأن يكونوا مشمولين في عهود بني إسرائيل. تذكّروا حتى عهد المسيح، الذي نسمّيه العهد الجديد، قد أُعطي لبني إسرائيل، ثم قال المسيح أنه عن طريق "الإيمان" يُمكن للأُمم والأجانب أن يَشتركوا في هذا العهد وكل العهود الأخرى التي أُعطِيَت لبني إسرائيل.
يجب معاملة الأرامل والأيتام بلُطف وشفقة. في الواقع، ينصّ الله بشكل قاطع على أنه سيغضب بشدّة من أولئك الذين يُسيئون مُعاملة هؤلاء النساء والأطفال الذين لا حَوْل لهم ولا قوّة أو يًستغلونهم، وستكون هناك عواقب وَخِيمة.
إن إقراض المال للفقير يَجب أن يؤخذ بعين الإعتبار الآن؛ فهذا الفقير يَجب أن يُعامل بِرحمة لأنه من المُمكن استغلال اليائس بسُهولة. لا تُفرَض أي فائدة، وإذا قدّم ذلك الفقير عباءته، أي مِعطفه، كضمان للمال، فيجب أن تُعاد إليه في المساء حتى لا يشعر بالبرد. والسلمة، وتعني بالعبرية الثوب أو العباءة، كانت قطعة من القماش تُلفّ حول الجسم وتُستخدم كلباس وغطاء، وغالباً ما كانت هذه القطعة هي المِلك الوحيد للفقير. وبطبيعة الحال فإن الفلسفة هنا هي عدم أخذ أساسيّات الحياة من شخص عاجز كوَعد لسداد قرض.
فالرحمة ليست أمراً اختيارياً بالنسبة ليَهوَه، بل هي عنصر رئيسي في شَخصيته وعلَينا أن نتحلّى بشخصيّته. فالرأفة والرحمة جزء لا يتجزأ وأساس في نظام عدالة الله. في الواقع يتمّ تحذيرنا في الكتاب المقدس بأننا إذا كنا نتوقّع أن نكون مُستفيدين من رأفة يَهوَه ومغفرته ورحمته، فعلينا أن نفعل بالمثل مع إخواننا البشر….. خاصةً الأضعف بيننا.
بالمناسبة: أرجو أن تلاحظوا شيئاً أساسياًّ جداً هنا: هذه الشريعة تنطبق على العبرانيين الذين يُقرضون المال لعبرانيين آخرين. من عائلة الله الذين يُقرضون عائلة الله. هذا لا ينطبق على أولئك من عائلة الله الذين يُقرضون لأشخاص من خارج المجموعة. في الواقع لدينا تعريف لسؤال كثيراً ما يُطرح في المسيحية: من هو جاري؟ من الواضح هنا أن "الجار" هو واحد من شعب الله المختار. هذا لا يعني أن أولئك الذين هم في عائلة الله يُعطون إذناً بمعاملة من هم خارج العائلة معاملة سيئة. الرحمة مطلوبة دائماً، لكن الله يدعو إلى معاملة خاصة وأولوية خاصة لأولئك الذين هم داخل جماعة الله وبِقدَر ما يوجد الكثير من الأخطاء اللاهوتية داخل جماعة المورمون، يُمكننا أن نتعلم منهم الكثير عن كَيْفية إدارة جماعة الله.
يجب النظر إلى الآية سبعة وعشرين/ ثمانية وعشرين. أولاً، إذا كان لديك نسخة الملِك جيمس، فربّما تقول: "لا تشتموا الآلهة…..". كلمة "الآلهة" هنا هي "إلوهيم" ويُمكن أن تعني الآلهة، آلهة صغيرة "آ" الآلهة، بِصيغة الجَمع ولكن هذا خارج السياق لدرجة أنني مُندهش من أن المُترجمين المُمتازين لكلمة "نسخة الملِك جيمس" اختاروا تَرجمتها بهذه الطريقة. هناك صيغة لِكلمة إلوهيم تُسمّى "جمع الجلالة". هذا عند الإشارة إلى الله عزّ وجلّ. إن كلمة "إل"، عند جَعل كلمة "إل" جمعاً تعطي "إل-أوهيم"، وغالباً لا تعني أكثر من واحد، بل تدلّ على العَظَمة فقط…… ومن هنا جاء المُصطلح العِلمي "جمع الجلالة". إذاً من الواضح أن هذه الآية تُشير إلى يَهوَه ويَهوَه وحدَه.
لكن، بعد ذلك تَمضي الآية لتقول إننا لا يجب أن "نَلعن" الله، أو في بعض النصوص، لا يجب أن نشتم الله. إن كلمة "قلال" بالعبرية التي تعني اللعنة هنا، هي بالضبط نفس الكلمة التي وَرَدت في سِفر الخروج واحد وعشرين، حيث أُمَرنا ألا نلعَن "قلال" والدينا. كأعضاء في شعب الله المختار، لا ينبغي لنا أن نهِينه، أن نُجرّبه بأننا لا نَحسب له حِساباً أو أن نَجعله يبدو سيّئاً بِسلوكنا وشخصيّتنا الفاسدة، وهذا يختلف عن الطريقة التي خُتمت بها الآية سبعة وعشرين عندما تقول أيضاً: "لا تلعن قائد شعبك". اللّعنة هنا هي كلمة عبرية مختلفة تماماً، "أرار"، والتي تعني اللّعنة بالمعنى الذي نُفكر فيه عادةً؛ أي أنه لا يجوز لأحد أن يَلعن القائد، إما بمعنى استدعاء شيء سِحري أو مجرّد تمني الشرّ أو الأذى له أو شَتمه بِغضب أو مرارة. إذاً في اللغة الإنجليزية الحديثة، تقول هذه الآية أساساً ألا نَجلب سوء السمعة للربّ بِسلوكنا السيّئ ثم أن لا يشتم المَرْء زعيم قبيلته.
الآيات الأخيرة من سِفر الخروج إثنين وعشرين تأمُر الناس أن يُعطوا لله عُشورهم وعطاياهم في الوقت المناسب. ليس علينا أن نحتفظ بها لمَصْلحتنا الخاصة، ثم نُعطيها في الوقت الذي يناسبنا. بالإضافة الى ذلك، فإن شعب إسرائيل هذا الذي فَصَله الله بِنعمته عن بقيّة العالم بأسرِه، لا ينبغي أن يأكلوا لحوماً قُتلت من حيوانات بريّة كما يفعل كثير من الوثنيين. إن الله يُقدِّر الحيوانات؛ لكن البشر ليسوا أكثر شَبهاً بالحيوانات من كون الله ببساطة شكل أسْمَى من أشكال الإنسان. لذلك، لا يَشترك الله فيما يَشترك فيه الإنسان ولا يَشترك الإنسان فيما تَشترك فيه الحيوانات.
لنذهب إلى سِفر الخروج الإصْحاح الثالث والعشرين.
اقرأ سِفر الخروج الثالث والعشرين كله
سوف نتلقى سِلسلة طويلة من الشرائع بطريقة الرَّجُل الآلة؛ سوف تأتينا بِسُرعة وغضب. مُعظمها سَهل الفهم تماماً ولذلك لن نتفحّص كل واحدة منها، بل سنقرأها كما فعلنا للتو.
نبدأ بسِلسلة من "القوانين" ذات الطبيعة العامة جداً في الآيات الثلاث الأولى من هذا الإصْحاح؛ والفكرة هي أن لا يكون المرء غير صادق أو متحيّزاً أو ظالماً. تُشير هذه الآيات بِشَكل عام إلى النزاهة القضائية؛ أي أنها تتعلّق بالسلوك اللائق بالشهود والقضاة والأطراف المُتقاضية. هذه الآيات واسعة بما فيه الكفاية بحيث كان من المُمكن أن تأتي مُباشرة من عِظة كنسيّة عصريّة تتعلّق بالحق والباطل. العديد من القواعد التي مرَرْنا بها حتى الآن مُرتبطة جداً بالثقافة العبرية القديمة، لكن هذه القوانين واضحة ومُعاصِرة وخالدة: لا تكن طرفاً في ترديد شائعة كاذبة؛ لا تُساعد أحداً في تصديق كِذبة؛ لا تفعل الخطأ لمجرّد أن الأغلبية تُريده. لا تَسمح بأن يُصبح ما هو شائع هو الصّواب. لا تقِيموا العدل في اتجاه واحد للغني وآخر للفقير.
من المُثير للإهتمام أن الابتعاد عن هذه القواعد بالذات هو سبب تدهوُّر مجتمعاتنا في جميع أنحاء العالم. في المُصطلحات الحديثة يتحدّث الله ضدّ الصّواب السياسي والنِسبيّة والمَحسوبية والتّسامح والإسْتِرضاء وحتى إنكار الشرّ وعقلية الغاية تُبرّر الوسيلة. بالطبع هذه المُصطلحات هي التعريف ذاته للإنسانية العِلمانية، وهي فلسفة سياسية واجتماعية تشكّل فخراً لأوروبا وفلسفة يريد الكثيرون في أمريكا أن يروا تَبنيّها في مُجتمعنا. إن العِلمانية الإنسانية هي النّقيض المِحْوَري للديانة اليهودية المسيحية. إذا أرَدنا أن نَرجع إلى الوراء ونكون صادقين تماماً في هذا الأمر، علينا أن نَعترف بأن طبيعتنا البشرية هي اتباع الحشد…… لو لم تكن كذلك، لما وجد يَهوَه ضرورة لإخبارنا بما أخبَرنا به للتَو، أليس كذلك؟
هذه القائمة من "النواميس"، في الواقع، ضمّنت شيئاً يُنظر إليه في الكنيسة الحديثة باسْتخفاف: الإنقسام، وهو أن الله شرَع في تحقيق شيء مقصود للغاية؛ شيء عَمِلت الكنيسة جاهدةً على إبطاله. الحقيقة البسيطة هي أن الله يَخلق نوع وحدته عن طريق الإنقسام. في حين أن هذا قد يبدو وكأنه كلام مُزدوج، إلا أنه الحقيقة. إنه يَضع مبادئ هي بِطبيعتها خطوط تقسيم. يُعطى الإنسان حُرّية الإختيار في الوقوف في جانب أو آخر. إنْ وَقَفَ إلى جانب مبادئ الله فلَهُ الوحدة مع الله ولكنه في صِراع مع الإنسان وإذا وَقَفَ في الجانب الآخر فلَهُ وِحدة مع الإنسان ولكنّه في صِراع مع الله. السّبب في أن بني إسرائيل كانوا دائماً مَنبوذين بالنسبة لبقيّة العالم هو أنّهم (بشكل عام) كَرّسوا أنفسهم لطاعة يَهوَه بِغض النظر عن العواقب وهذا يَضَعهم تِلقائياً في صِراع مع العالم؛ والسّبب في أن الكنيسة فقَدَت قوّتها بشكل مُطرد هو أنها لم تعد منبوذة؛ فمنذ عصر التنوير الأوروبي في القرن الثامن عشر يبدو أن هدف الكنيسة أصبح جَعْل الكنيسة أقرَب ما تكون إلى العالم وأكثر جاذبية له للتمويه على نفسها، مع الحفاظ على هالة من التديّن. إن الحقَبة الحاليّة للكنيسة الكبرى هي بِبساطة تتويج لفلسفات التنوير ورَغبة الإنسان في عدَم الإنقسام أبداً، بل إيجاد طُرُق للتوحّد من خلال التَسوية. حلّت التسوية والتوافق محلّ الوحدة. حلّت قواعد الأغلبية محلّ قواعد الله. حلّ التسامح محلّ التزامنا بالتمييز بين الخير والشر. قال المسيح: "احمِلوا صليبَكم واتبعوني". الترجمة: إذا لم تكن منبوذاً للعالم، فأنت لا تفعل ما قُلت لك أن تفعله.
ابتداءً من الآية الرابعة نحصل على بعض التعليمات التي عادةً ما تُنسب إلى يسوع على أنه أوّل من قالها، وهذه الآيات التالية هي عن المعاملة الإنسانية للعَدو. ثم نَحصل على تعليمات أخرى غالباً ما يُعتقد أنها مُعادية للعهد القديم ولا تحدُث إلا في العهد الجديد…..كن رحيماً وساعِد الفقراء. كما ترى، لم يأتِ يسوع لإلغاء طُرق التوراة….. لقد كان أكثر رَجُل مُلتزم بالتوراة في تاريخ العالم. كل أقوال المسيح جاءت إما حَرفياً أو مبدئياً من التوراة.
في الآية التاسعة، يذكّر الله بأن بني إسرائيل كانوا، في وقت من الأوقات، غُرباء وتحت يَد ديكتاتور قاسٍ وظالم، وأنه ربما يكون أفضل مثال على كيفيّة عدم معاملة الأجنبي الذي جاء للعيش بين بني إسرائيل هو كيف عوملوا في مصر. كما ناقشنا من قبل، كان الله يَضع الأساس لكي يُصبح الأمميّون (جير) جزءاً من بني إسرائيل، ليس فقط بالمعنى المادي (بأن يصيروا إسرائيليين حرفياً)، بل أيضاً بالمعنى الروحي المُستقبلي الذي سَيجعله مَوت يسوع على الصليب ممكناً؛ المؤمنون الأمميّون ينضمّون إلى المؤمنين العبرانيين، بالإيمان، ويَصيرون بني إسرائيل التابعين لله، بني إسرائيل الرّوحيين إن صحّ التعبير.
بعد ذلك في الآيات من عشرة الى إثني عشرة، نرى مبدأ السّبْت مطبّقاً بالمعنى العَملي المادي الدُنيوي. لقد رأينا في سِفر التكوين أن الله وضع مبدأ السّبْت سِتة أيام للعمل، ثم يوم واحد للراحة. اليوم السابع جعَله مُقدّساً…… ليس مقدّساً رمزياً…… بل مقدّساً حرفياً؛ لكن المسيح قال لأتباعه أن السّبْت لم يُجعل لله، بل جَعله الله للإنسان. لقد حاول بعض اللاهوتيين أن يَجعلوا من هذا تعارُضاً حيث إما أن نختار أن السّبْت مقدّس على أنه صحيح، أو المعنى العَمَلي له كفائدة صُحّية للبشرية. هنا نواجه مَرّة أخرى حقيقة الإزدواجية: كل مبدأ من مبادئ الله وكل تعاليمه وكل عمل له جانب أرضي مادي وجانب سماوي روحي. أُعلن السّبْت مقدّساً .… في جَوهر روحي بَحْت. مع ذلك، فقد خدَم أيضاً غرَضاً مادياً مَلموساً جداً في كَونِه يوم راحة وتجديد لجميع الكائنات الحيّة وليس للإنسان فقط.
لذلك نرى في الآيات من عشرة الى إثني عشرة أن مبدأ السّبْت لا يُطبّق على الأيام والأسابيع فحسب، بل على السّنين أيضاً؛ ونُلاحظ أن فوائده تُطبّق على النباتات وحتى على التربة التي تنمو فيها هذه النباتات…… استخدام الأرض لمدة سِت سنوات ثم تَرْكها تستريح في السابعة. ثم يُطبَّق على الحيوانات…..تعمل سِتّة أيام وترتاح في السابع لكي يرتاح ثَوْركم ودوابكم. ثم أخيراً على الناس…..وهذا يًشمل الأجانب والأُمميّين…. اعْملوا ستة أيام واستريحوا في السابع لتلتقِطوا أنفاسكم.
لقد تحدّثنا عن السّبْت من قَبل وسَنفعل ذلك مَرّة أخرى من حين لآخر؛ ولكن هنا ملاحظة واحدة أودّ أن تأخذوها بِعَين الإعتبار: قداسة اليوم السابع السّبْت هي في الحقيقة ذات صِلة بشعب الله فقط. دَعني أشرح لك: هناك جانِبان أساسيان ليوم السّبْت: واحد) كيوم راحة جسدية وإثنان) كيَوْم احْتفال بيَوم مُقدّس أَمَر الله به. الأول يتعلّق بفائدة جَسديّة والثاني يتعلّق بفائدة روحية. بِسبَب الطريقة التي صمّم بها الرب كل الأشياء……البشر والحيوانات والنباتات وتُراب الأرض…… الراحة المُنتظمة تساعد الجميع على التجدّد الجسدي. يُمكن للمرء أن يكون مُلحِداً ويَستفيد من الراحة يوماً واحداً من كل سبعة أيام. لكن الحيوانات والنباتات والتراب وجميع البشر الذين ليسوا من شعب الله تَقتصر فائدتهم على الفائدة الجسديّة فقط من يوم السّبْت. إذا كان المرء يُريد المنفعة الروحية للسّبت…. المنفعة التي تأتي من مراعاة وصيّة الرب "كونوا مُقدّسين كما أنا مُقدّس"……. فيَجب أن يُعلن المَرء جزءاً من شعب الله.
لذلك كمسيحي تعترِف بالفائدة التي أمر الله بها للراحة يوماً واحداً في سبعة أيام، فإنك ستكون مباركاً بالفعل من وجهة نظر جسدية بغض النظر عن اليوم الذي تختارَه للراحة…..كما هو الحال بالنسبة للمُلحِد أو حِصان الحِراثة. لكن هناك يوم واحد ويوم واحد فقط يَجلب معه المنفعة الروحية التي أمرَ بها الرب…..وهذا هو اليوم المُحدّد الذي خَصّصه الرب كيَوم مُقدّس: اليوم السابع الذي يُسمّى رسمياً السّبْت.
كانت الآية الثانية عشرة هي نهاية الفئة الأولى من القواعد والأحكام التي وضعها الله: تلك التي بين الإنسان والإنسان. والآن، من الآية من ثلاثة عشرة الى عشرين، تبدأ الفئة الثانية… ويتناول يَهوَه الآن كّيْفيّة علاقة الإنسان به. يبدأ بتِكرار التأكيد على عدم القبول بالآلهة الأخرى. لقد قيل لِبني إسرائيل حتى الآن في التوراة ألاّ يَصنعوا صُوَراً لآلهة أخرى، ألاّ يَعبدوا آلهة أخرى، والآن ألاّ يتكلّموا عن أسماء آلهة أخرى أو يَذكروها. أترى، العُبرانيون مثلنا تماماً….. يبحثون دائماً عن ثغرات. هل هي حقاً صورة الله إذا كان لديّ تمثال أو لوحة للمسيح؟ هل أدفع عُشر دَخلي قبل الضرائب أم بعدها؟ أليست عبادتي لله هي نفس الشيء كجلوسي لِمُشاهدة شخص آخر يُغنّي ترنيمة مَسيحية؟ أليست صلاة القسّيس من أجلي هي نفس الشيء الذي أقوم به أنا بالصلاة؟ لقد كان الله يوضِح بِقدر ما يُمكن أن بني إسرائيل لم يكن عليهم أن يفعلوا أو يقولوا شيئاً عن الآلهة الأخرى. انتهى. وكلّا، لا توجد ثغرات.
ابتداءً من الآية الرابعة عشرة، يتمّ إعداد التقويم الديني العبري ويحدّد يَهوَه ثلاثة أعياد حجّ لبني إسرائيل. في سِفر اللاويين ستتمّ مناقشة هذه الأعياد بِمزيد من التّفصيل. على الرغم من أن الله سيضع في النهاية سَبعة أعياد ليَحتفل بها بنو إسرائيل، إلا أن هذه الأعياد الثلاثة مُميّزة لأن كلمة حج توحي بأن بني إسرائيل سيذهبون إلى مكان مُحدّد للاحتفال بهذه الأعياد. أما الآن، وهم في البرّية، فقد قيل لهم بِبساطة أن يأتوا أمام الرب؛ من المُفترض أن المقصود هو خَيمة الإجتماع التي كانت تذهب معهم أينما ذهبوا. لاحقاً، بعد أن يستقرّوا في أرض كنعان، سيُطلب منهم أن يُسافروا من أي مكان قد يَسكنون فيه إلى أورشليم، مَوْطن الهيكل، من أجل هذه الأعياد الثلاثة.
ومثل التعليمات التي رأيناها للتو فيما يتعلق بالأغراض المادّية الدنيوية للسّبت، نرى الآن الأغراض المادية والوطنيّة للأعياد الثلاثة. إن لها عُنصراً روحياً هائلاً لن نخوض فيه الآن، ولكن ليس هذا هو الغرَض من هذه التعليمات الخاصة لتعليم الطابِع الروحي والنبوي لهذه الأعياد الثلاثة. هذه كلّها تدور حول تَعيين يَهوَه لِمجموعة خاصة من ثلاثة أعياد تُميّز بني إسرائيل عن جميع الأمم الأخرى. إنها تقطع شَوطاً طويلاً في تأسيس هويّة وطنية فريدة لبني إسرائيل.
الأعياد الثلاثة كلّها قائمة على الزراعة، وبالتالي، بما أنه يُنظر للربيع على أنه بداية الدورة السنوية الزراعية، فإن العيد الأول هو عيد الربيع.
عيد الحجّ الأول، المُسمّى عيد "ماتزا"، يُسمّى أحياناً عيد الفصح (على الرغم من أن هذا ليس صحيحاً من الناحية الفنية لأن عيد الفصح هو عيد مُنفصل ليوم واحد) ويَحدث في الربيع؛ وهو وقت للإحتفال بِتخليص الله لِشعبه من العبودية في مصر .أما عيد الحج الثاني، المعروف بإسم عيد الأسابيع… أو بالعبرية "شافوعوت"، فيحدث بعد خمسين يوماً من عيد الفصح، وهو للإحتفال بالحَصاد الثاني من السنة. لدى المسيحيين إسم مُختلف لهذا العيد: عيد العُنصرة. عيد الحجّ الثالث هو عيد التّجميع، المعروف أيضاً بإسم "سوكوث" أو عيد المظال وعيد السكوث هو عيد خريفي ويمثّل التجميع الأخير، أي آخر الحّصاد قبل بدء الشتاء.
بِحُلول الوقت الذي نَصل فيه إلى سِفر اللاويين يكون يَهوَه قد أقام سبعة أعياد بالتحديد. كانت كل الحضارات القديمة قد أقامت أعياداً وأياماً لتكريم آلهتها، وعادة ما كانت تتمّحْوَر حول الدّورات الزراعية. لكن الفرق هو أن هذه الأعياد السبعة، بدءاً من الأعياد الثلاثة التي ناقشناها للتو، هي أعياد إلهية. الآن في بعض الأحيان في كل من العَهدين القديم والجديد بدلاً من كلمة "أعياد" سَنَجِد عبارة "الأوقات المعيّنة" للإشارة إلى هذه الأيام المُقدّسة الخاصة (وهي بالتأكيد ترجمة صحيحة وتُعبّر عن جوهر العيد المُعيّن من الله). لكن فيما نَدرس كَلمة الله يجب أن نكون حَريصين جداً على مُلاحظة الفرق بين الأوقات المُعيّنة من قِبَل البشر والأوقات التي عَيّنها الله. لقد تسبّب تجاهُل هذا الفرق في حدوث ارتِباك هائل في تفسير الكتاب المقدس وتعليمه. بعض المُعلّمين يَجعلون القديس بولس يُعلن انتهاء أعياد الكتاب المقدس والأوقات المُعيّنة، بينما هو في الواقع يُحذَّر من مراعاة الأوقات المعيّنة من قبل البشر وليس الأوقات المعيّنة من قبل الله…..وفي أحيان أخرى يقول لمُستمِعيه أن الطقوس والإجراءات التي ابْتكرَها الحاخامات لبعض الأعياد ليست من الله. يجب ألا نعتقد أبداً أن العهد الجديد، في أي وقت من الأوقات، يُبطل هذه الأيام المُقدّسة؛ ففي النهاية شارك يسوع بِنفسه في جميع أعياد الكتاب المقدس ومعظم الأحداث الرئيسية المسجلة لخدمته وقعت في يوم أو آخر من هذه الأيام المُقدّسة. مات يسوع في عيد الفصح وقام في عيد الفصح وأرسَلَ الروح القدُس في عيد "شفوعوت" (عيد الأسابيع).
يحتوي النصف الأخير من الآية التاسعة عشرة على تعليمات مُحيِّرة تَجادل حَولها العبرانيون لقرون: "لَا تَطبخ جِدياً بِلَبن أمّه". وقد طبّق اليهود هذا الأمر كتقليد مُتّبع من خلال تطبيق حَظر تقديم أو أكل اللحوم ومُشتقات الألبان في نفس الوقت؛ واعتماداً على مدى صرامة طائفة يهودية معيّنة قد يكون على المرء إما أن يَغسل وينقّي الأواني التي تُلامس اللحوم قبل أن تُلامس نفس الأواني مُنتجات الألبان أو أن يَستخدم مجموعات مُنفصلة تماماً من الأواني لكلّ منهما. في بعض الحالات، اليوم، يجِب حُفظ مُنتجات اللّحوم ومنتجات الألبان في ثلاجات مُنْفصلة تماماً. لذا فإن من يذهب منكم إلى إسرائيل…… لا يَطلب شطيرة لحم الخنزير والجبن إلا إذا كان يُريد بعض العبوس المُوَجَّه إليه.
لقد عُزي سبب هذا القانون بشكل عام إلى نوع من القسوة على الحيوانات التي كان يَهوَه يُحاول تجنّبها: أعني أن الخروج وحلْب البقرة، ثم أخذ عِجل تلك البقرة وطَهيِه في نفس الحليب، هو أمر مُبْتَذل بعض الشيء ولكن، يُعتقد أيضاً أن هذه ربما كانت عادة معروفة لدى الوثنيين أثناء عِبادة بعض الآلهة الوثنية، لذلك أمَر الله شعبه بالتخلّي عن هذه الممارسة.
فجأة، في الآية عشرين، تتغيّر لَهجة الإصْحاح وينتقِل يَهوَه من وَضْع القواعد والأنظمة إلى إعطاء بعض الوعود لبني إسرائيل. يقول إنه سوف يُرسل ملاكاً، "ملاخ" (بالعبرية)، ليُهيّئ الطريق لغزو بني إسرائيل لأرض كنعان وأن على الشعب أن يُطيعوا الملاك لأن يَهوَه يقول أن هذا الملاك بالذات يَحمل إسمه. بعبارة أخرى، إما أن هذا الملاك يَحمل سُلطة الله الكاملة أو كما هو معلوم في أغلب الأحيان أن هذا الملاك كان مَظهراً لله نفسه. يُمكننا أن نَتجادل في أي من هذين الرأيين هو الصحيح إلى ما لا نهاية، لكنّني لا أعتقد أن ذلك سيغيّر الكثير؛ لكن الشيء الذي أريدُك أن تَستخلِصه من ذلك هو السرّ الغامض الذي هو إلهنا. لقد توصّلت تقريباً إلى استِنتاج مَفادَه أنه إذا كنتَ متأكداً تماماً من أنني أستطيع أن أفهمه، فلا بُدّ أنني مُخطئ. سيُظهر الله نفسَه كَيْفما شاء سِواء في صورة ملاك أو سحابة أو عُلّيقة مشتعلة أو أي شيء آخر. حقيقة أننا نُواجه صعوبة في التوفيق بين ذلك وبين عقيدتنا في الثالوث، حيث قرّرنا أن كلّ شكل مّرئي لله يجب أن يكون يسوع، أشكّ في أنه يُقلقه كثيراً ولا ينبغي أن نَقلق كثيراً بشأن ذلك أيضاً. بعض الأشياء عن الله موجودة فقط…. وعلينا أن نَقبلها بِبساطة.
على أي حال، على بني إسرائيل أن يكونوا مُطيعين بلا شك لِهذا الملاك، وعلى نفس القدَر من الأهمّية، عندما يبدأ بنو إسرائيل في مُواجهة قائمة الأمم هذه في الآية ثلاثة وعشرين، عليهم أن يتجنّبوا عبادة آلهتهم؛ في الواقع عليهم أن يُحطّموا الأصنام ويُحطّموا المذابح الحجرية المختلفة والنُصب التي أُقيمت لهذه الآلهة الزائفة، وإذا فعلوا ذلك سيكون الله عَدوّاً لأعداء بني إسرائيل.
يُخبرهم يَهوَه أنهم إذا خَدموه سَيجعلهم مُثمرين جداً. سَيَمنعهم من أن يَمرضوا وسَيجعلهم يتكاثرون بِسرعة كبيرة من خلال مَنع النّساء العبرانيات من الإجهاض ومن خلال جَعل الشعب العُبراني بِشكل عام يَعيش فترة حياته كاملة.
بالإضافة الى ذلك، سيَضع الله الرّعب في قلوب أعداء بني إسرائيل حتى قبل وصول هؤلاء. بِعبارة أخرى، سيكون لدى جميع هذه الأُمَم خوفٌ غير عقلاني وخارق للطبيعة من بني إسرائيل سَيجعلهم يَهربون. وبالطبع، فإن أكداس الدبابير اللاسعة التي سيُرسلها الرب ضدّ مختلف سكان كنعان الذين قد يفكّرون في البقاء حتى في مواجهة هذا الخوف، ستكون مؤلمة جداً وسبباً وَجيهاً آخرللمغادرة بِسرعة.
تقول الآية التاسعة والعشرين شَيئاً مثيراً للإهتمام: إن الله سَيقود بني إسرائيل إلى نَصر سريع بحيث يُصبح من الضروري في الواقع أن يُبطّئهم؛ لذلك لن يَسمح لبني إسرائيل بِهزيمة كنعان في سنة واحدة فقط كما يبدو أنهم قادرون تماماً على ذلك. لماذا؟ لأنه إذا هرب جميع سُكّان كنعان دفعة واحدة فإن الأرض ستُصبح أرضاً بائرة من قِلّة العناية وسَتسْتَولي عليها الحيوانات البرّية. لذلك فإن الله سيَجعل بني إسرائيل يَستولوا على كنعان خُطوة بِخُطوة بِمعدّل يستطيعون فيه أن يتولّوا الإشراف على الأراضي والموارِد الغنيّة بشكل صحيح.
ثم في الآية الواحدة والثلاثين يُخبرنا الله ما هي حُدود الأرض التي سيُعطيهم إياها. إنها ستمتدّ من خليج العقبة (نتوء من البحر الأحمر) في الشرق، إلى مجال الفلسطيين، البحر الأبيض المتوسط في الغرب. النهر في الشمال هو نهر الفرات والبرية التي في الجنوب هي على الأرجح النَقب المُتاخم لشبه جزيرة سيناء. هذه مساحة كبيرة جداً من الأرض التي لم يمتلكها بنو إسرائيل بالكامل بعد.
تتحدّث الآية الثانية والثلاثين عن عدم إبرام عهد مع أي من الشعوب الكنعانية. بعبارة أخرى، لا مُعاهدات سلام ولا شراء أرض ولا تَهدئة من أي نوع. لماذا؟ تخبرنا الآية الثالثة والثلاثين أنه إذا سَمح بنو إسرائيل لهذه القبائل المُختلفة من كنعان بالبقاء، فإن مجرّد وجودهم "سَيجعلَكم تُخطئون تِجاهي بإيقاعكم في شرك عِبادة آلهتهم". كما سنرى في دراسات لاحقة، في الوقت الذي كان فيه يسوع يقود بني إسرائيل، في فِكرتهم البشرية عن الرّحمة، تجاهلوا الله في ذلك وعَقدوا مُعاهدات وسَمحوا بالتزاوج ومارسوا التّسامح، ويُعاني بنو إسرائيل من هذا العُصيان حتى يَوْمنا هذا. في حين أنه قد يكون من الصّعب علينا أن نتقبّل الحقيقة، و هي أنه لو اتّبع بنو إسرائيل تعليمات الله عند غَزو كنعان لما كانت هناك أزَمة في الشرق الأوسط اليوم.
ما كُنّا نَشهده منذ الإصْحاح التاسع عشر من سِفر الخروج هو إبرام عهد؛ أو بِلغّة توراتية أكثر دِقّة، قَطع عهد. الإصْحاح أربعة وعشرين بكامِله هو عن التّصديق على العهد الذي تم تَوضيحه خلال الإصْحاحات القليلة الماضية. العهد هو أكثر بكثير من مُجرّد عقد وأكثر بكثير من مجرّد اتفاق قانوني بين طرفين؛ في الكتاب المقدس، يُنشىء العهد ارتباطاً بين طرفين، اتّحاداً من نوع ما. لقد شبّه بعض العُلماء مُصطلحات العهد هنا في سِفر الخروج بالزواج؛ وأنا أُجادل في ذلك إلى حدّ ما، ولكن عُنصر الإتّحاد في العهد يذكّرنا بالفعل، إلى حدّ ما، بالإتّحاد الذي يَحدث في الزواج البشري.
في سِفر الخروج من تسعة عشرة الى ثلاثة وعشرين، رأينا أن شروط العهد بين بني إسرائيل ويَهوَه قد وُضعت. بالمناسبة، فإن أسلوب صيغَتها يُشبه إلى حدّ كبير مُعاهدات ومواثيق الشرق الأوسط القديمة بين الشعوب والأمم…..وبالأخص تلك المعاهدات الخاصة بثقافة الحثّيين المتطوّرة للغاية. عُلماء الآثار وعُلماء البرديات (عُلماء البرديات هم أولئك الذين يَدرسون الوثائق القديمة من وِجهة نظر أساليب الكتابة والمحتوى على حدّ سواء، للمُساعدة في تحديد متى كُتبت وثيقة مُعيّنة ومَن الذي كَتَبها وإلى أي مجموعة أدبية قد تنتمي)، لديهم ثروة من المعاهدات والعهود الخطّية من العصور القديمة لمُقارنتها مع عهود الكتاب المقدس؛ وبينما هناك العديد من أوجُه التشابُه التي تُمكّننا من خلالها من التأكد من العصر الذي حَدث فيه عهد موسى (1300ألف وثلاثمئة الى ألف وأربعمئة قبل الميلاد)، إلا أن هناك بعض الإختِلافات الصّارخة بين تلك المعاهدات والعهد الموسَوي المكتوب في جبل سيناء.
أولاً، لم يَكن أي عهد تم اكتشافه من أي ثقافة قديمة على الإطلاق اتّفاقاً خطّياً بين الإنسان والإله. ثانياً، كانت كل وثيقة على الإطلاق تمّ العثور عليها وتضمّ ما يمكن أن نُطلق عليه شريعة قانونية (مثل شريعة حمورابي الشهيرة)، تُقسّم الناس إلى طبقات، مع درجات مُتفاوتة من الإمتيازات والإحترام للأغنياء والمَلَكيين على عامّة الشعب، ثم الفقراء، ثم طبقة العبيد. ثالثاً، كانت هذه المدوّنات القانونية تميل إلى جَعل الطقوس والتّنظيمات الدّينية مُنفصلة عن القانون المَدَني، مع تأثير ضَئيل أو معدوم للقانون الديني على القانون المَدني. لقد تم تجزئة الدّين وجَعله عالَماً صغيراً خاصاً به إذا صحّ التعبير واستُخدمت هذه القوانين في ذلك الوقت الذي كان الشعب يتعامل فيه مع آلهته. من الواضح أن عهد موسى كان انطِلاقاً تاماً، مُناقِضاً من الناحية العَملية، لكلّ هذه الأنظمة القانونية. لقد كان الله نفسَه شريكاً في العهد مع شعب إسرائيل، ولم يُشرّع الله بُنيَة طَبَقيّة للشعب، بل سعى في الواقع إلى البِدء في تدمير الخطوط الفاصِلة بين العبد والحرّ، وجعَل الدين والقانون المَدني واحداً في نفس الوقت، لا يَنفصلان. وهذا يَعني أن كل العدالة وكل المَشورات، تأتي من يَهوَه.
لِذا، كان عهد موسى فَريداً من نَوعِه، بل كان خروجاً عن العهود السّابقة التي قَطعها الله مع نوح، ثم مع إبراهيم. لأنه في كلّ من هذين العَهدين السابِقين كان هناك مجرّد وعود من جانِب واحد؛ وكانت الوعود هي وُعود الله. كان عَهدي نوح وإبراهيم أُحاديّي الجانب. كان عهد موسى ثُنائي الجانب، أيْ أن كِلا الطرّفين كان علَيهما التِزامات ومَسؤوليات. عُهود نوح وإبراهيم كانت غير مَشروطة….. لا شيء يُمكن أن يُفعله الإنسان يَجعل الله يتراجَع عن وعوده. كان عهد موسى مَشروطاً…. كان على شعب إسرائيل أن ينفّذوا الجِزء الخاصّ بهم من الصّفقة وشروط العهد أو أن تَحدُث مجموعة مُتنوّعة من الإجراءات التأديبيّة أو حتى سَحْب مؤقت لبعض البَرَكات من قبل يَهوَه….. وقد فَعلوا ذلك في النّهاية.
نُقطة أخيرة وسوف نَمضي قدماً. تميل رُموز القوانين في تلك الأيّام القديمة، كما هو الحال الآن، إلى أن تكون رسميّة جداً وباردة جداً وقانونية جداً في بُنيَتِها. كانت الطّاعة المُطلقة مَطلوبة، من دون، بالضرورة، فَهم سبَب قانون مُعيّن. على الرغم من أنه ربما لم يَخطر بِبالك، إلا أن الطريقة التي أُعطيت بها شرائع الله لِشعب إسرائيل كانت مَليئة بالدّفء وغنيّة بالرّمزية، وقد أُعْطِيَت الشّرائع مع الكثير من السّرد والكثير من الشّرح. لماذا؟ لأن المبادئ الكامنة وراء الشّرائع هي التي يُعلّمها الله. كان الغرض من الشّريعة، كما هو الحال مع كلّ التوراة، هو التّعليم. في الواقع، كلمة "التوراة" تعني "التعليم". في حين أن العديد من تفاصيل الشرائع الموسويّة عِبرية جداً في محتواها الثقافي، فإن المبادئ الكامنة وراء كل من هذه الشرائع خالدة في الزمن والمبادئ قابلة للتّطبيق على جميع البَشر في أي ثقافة. لأنه، في هذه الشرائع، عبّر يَهوَه عن أساسيات الطريقة التي يَعمل بها كَوْنه. نحنُ نتجاوز هذه المبادئ على مَسؤوليّتنا الخاصة.
سَنتفحّص الأسبوع القادم الإصْحاح الرابع والعشرين من سِفر الخروج ونرى كيف تم التّصديق رسمياً على هذا العَهد بين الله وبني إسرائيل.