خروج
الدرس السادس والعشرون – تكملة الإصحاح خمسة وعشرين
كبِداية لدَرس اليوم، أريد أن أُشغِّل لكم الفيديو الذي كنتُ آمَل أن أُشغِّله الأسبوع الماضي ولكن واجهَتَنْي صُعوبات تقنيّة. إنه فيديو مدته ثمانية وعشرين دقيقة فقط عن خَيْمَة الإجْتِماع، لكنّه مُعدّ بشكل جيّد. دِقّة الفيديو ليست جيّدة جداً، لذا لا تظنّوا أنكم تواجِهون مُشكلة في النظر.
تشغيل الفيديو
دَعونا نعود الآن ونُلقي نظرة أكثر دِقّة على بعض هذه المفروشات المُقُدْسة من داخل خَيْمَة الإجْتِماع.
أعد قراءة سِفر الخروج خمسة وعشرين على عشرة الى إثنين وعشرين
سنََقرأ عن كل الذّهب والفضّة والبرونز المُستخدمة في خَيْمَة الإجْتِماع. سوف نَتطرّق إلى الكمّيات الدقيقة بعد قليل في سِفر الخروج، ولكن في الوقت الراهن، إعْلم فقط أن الوزن الإجمالي لِكُل هذه المعادن اقترب من ثماني أطنان، والآن، من أين حَصلوا على هذه الكمّية الضخمة من المعادن الثمينة، مع الأخذ في الإعتبار أنهم كانوا يَتَجولون في أرضٍ قاحلة وخالية من الناس؟ لقد أحْضروها معهم من مصر. لقد أمَر الله بني إسرائيل أن "يُجرّدوا مصر" قبل مُغادرتهم؛ أن يَطلبوا من الشعب المصري الذهب والفضة، وكان هؤلاء المَصريون أكثر من سُعداء بإعطائهم إيّاها لمُجَرَّد التخلُّص من هؤلاء العبرانيين وإلهِهم الذي كاد أن يُدمّر مصر.
حتى لا نَضْطر إلى المَضي قُدماً بأي قَدَر من الشكّ، دعونا نأخذ فِكرة عن مدى سُهولة حصول بني إسرائيل على هذه الكمّية من المعادن الثمينة في مُتَناول اليَد: كان الأمر يتطلب أقل من واحد على إثني عشر من الأوقيّة من كل إسرائيلي لتجميع الثماني أطنان المَطلوبة، أي ما يُعادل قُرطاً واحداً صغيراً تقريباً لِكُل شخص، ومن غير المعقول أنه لم يَكُن لديهم أضعاف ذلك لِكُل شخص.
تبدأ تعليمات الله في الآية العاشرة بأقُدْس أثاث على الإطلاق، تابوت العَهْد، الذي كان من المُقَرّر أن يكون في أقُدْس غرفة في خَيْمَة الإجْتِماع……المُسَمّاة على نحو مناسب قُدْس الأقداس. كان التابوت يَرمز إلى حُضور الله وعَرشه.
كان من المُقَرّر أن يكون هَيْكَل التابوت مَصْنوعاً من خَشب الأكاسيا …. وهي مادة شديدة الصّلابة وكثيفة جداً توجد بكثرة في المناطق الصّحراوية، وخاصة في شبه الجزيرة العربية. الِكُلمة العبرية لشجرة الأكاسيا هي شطيم. كان طول التابوت أقل من أربعة أقدام بِقليل وعُمقه أكثر من قَدَميْن بقليل، وكان عَرضه بقدر عمقه.
تعبِّر مُعظم الأناجيل الآن عن جميع قياسات خَيْمَة الإجْتِماع وأثاثها بالأذْرُع. لكن العلماء يختلفون حول طول الذراع بالضبط؛ وتتراوح تقديراتهم بين أقل من ثمانية عشرة بوصة بقليل إلى واحد وعشرين بوصة تقريباً. لذلك نحن لا نعرف بالضبط، نحن نعرف فقط القياسات التقريبية لخَيْمَة الإجْتِماع وأثاثها، زائد أو ناقص حوالي عشرة بالمئة.
من الناحية الفنية، كان التابوت نفسَه مُجَرَّد صندوق مُسْتَطيل الشّكل، حُجْرة التخزين، لأن الغطاء كان عُنصراً منفصلاً يُسَمّى كُرْسيّ الرّحْمَة (وعليه الشيروبيم) وكان يُعتبر منفصلاً إلى حدّ ما. إلا أنه في المصطلحات الشائعة (وحتى في الكتاب المقُدْس عادةً) عندما كان يُشار إلى التابوت كان يَشمل صندوق التخزين وغطاءه.
كان التابوت مُغطّى بالذهب، من الداخل والخارج. كان كُرْسيّ الرّحْمَة، وهو غطاء التابوت، لَوْحاً صَلباً من الذهب مع شاروبيمين في الأعلى. في العبرية يُسَمّى هذا الغطاء "كابوريت"، أي مكان التكفير. ذلك لأنه في الآية الثانية والعشرين يقول الله أنه هناك سَيَجتمع بِموسى ليُعطيه تعليمات لبني إسرائيل، كما أنه سيكون المكان الذي سَيَقِف فيه رئيس الكَهَنَة في يوم التكفير، يوم كيبور، للتكفير عن خطايا بني إسرائيل. السّبب الذي يَجعلنا نُسمّي الغطاء كُرْسيّ الرّحْمَة هو أن التابوت يرْمز إلى عَرش الله، المكان الذي يجلس فيه الإله الرّحيم ويَقبل التكفير السّنوي عن خطايا الشعب.
الآن الشيروبيم، وهي السِّمة البارزة لكُرْسيّ الرّحْمَة، مَخْلوقات مثيرة للإهتمام. قيل لنا أن الله وضع الشيروبيم في جنّة عدن وأن المخلوقات الحيّة أو الكائنات الحيّة التي تحدّثنا عنها على أنها ذات وُجوه مُطابقة لرُموز أسباط بني إسرائيل الأربعة المُسَيطرة (واحد على كل جانب من جوانب خَيْمَة الإجْتِماع الأربعة) يَعتبرها حكماء اليهود شيروبيم أيضاً. لذلك ليس من المُسْتَغرَب أن نَجدهم هنا في أقُدْس مكان لله على الأرض. يبدو أنهم نوع آخر من الحرّاس أو الخَدم ليَهوَة.
يجب أن نكون واضحين أن لا أحد يعرف على وجه اليقين شكل الشيروبيم. فالصّور التي نراها لهم اليوم تتراوح ما بين أطفال صغار مُمْتَلئين لهم أجْنِحَة قصيرة وتسْريحة شعر أفرو، ومخلوقات ناضِجة تُشبه الرّجال بأجْنِحة تمتدّ من أقدامِهم إلى ما فوق رؤوسِهم. إن التمثيلات المُختلفة التي لدينا اليوم للتابوت وكُرْسيّ الرَحمة مع الشيروبيم هي مجرّد تَخمينات لِشَكلهم. إذا تم العثور على تابوت العَهْد، أَعتقِد أننا سَنعرف على وجه اليقين حينَها.
إن التابوت مقُدْس جداً لدرجة أنه بِمُجرّد صُنْعه ووَضعه في الخِدمة، لا يجب أن تَلْمِسه يدْ الإنسان أبداً. حتى في أقُدْس أيام السنة، يوم كيبور، يوم التكفير، عندما كان رئيس الكَهَنَة يَدخل قُدْس الأقداس ويقِف أمام التابوت، كان يتراجع إلى الوراء ومن مسافة ستة أو سبعة أقدام يرشّ الدّم التَضحَوي على التابوت، ولأنه لم يَكُن من المُقَرّر أن يُلمَس التابوت فقد وُضِعت حَلقات على التابوت، مع أعْمِدة لحَملِه تمرّ عبر تلك الحلقات؛ ولم تكن الأعْمِدة تُنزَع أبداً. نَقرأ في وقت لاحق في الكتاب المقُدّس عن حادثة كان فيها التابوت على وشك السُقوط أثناء حَمْله فيَضَع أحد حامِلي التابوت يدَيْه على التابوت بشكل غريزي ليًثَبّته، فيموت على الفور.
لاحِظوا شَيئاً مُهمّاً هنا: في الآية إثنين وعشرين قيل لنا أن روح الله تأتي لتَسْتقر فوق التابوت….. ليس على التابوت….. بل فوق وبين الشيروبيم المتّصل بالكبوريت، الغطاء، عندما يريد أن يُكلّم موسى. حتى التابوت ليس مُقُدّساً ونقيّاً بما فيه الكفاية بحيث يُمكن لقداسة يَهوَة أن تُلامسه، لأنه على الرغم من أنه من تصْميم الله، إلا أنه من صُنع الإنسان. تذكّروا: في هذه المرحلة من التاريخ لم يَسكن روح الله القدّوس في الإنسان؛ كان يَسكن فوق الإنسان أو بين البشر، ولكن ليس في الإنسان. اليوم، منذ يوم العُنصرة، نفس الروح القُدْس الذي كان يحوم فوق كُرْسيّ الرّحْمَة يَسكن فينا نحن….المؤمنين. أعتقد أننا بِحاجة أيضاً إلى أن نُدرك أن مفهوم حلول روح الله القدوس في الإنسان كان سخيفاً بالنسبة لبني إسرائيل التائهين، كما كان بالنسبة لليهود في أيام المسيح. لقد بُذلَت جهود كبيرة في كل من الطقوس وفي تصميم خَيْمَة الإجْتِماع والهَيْكَل، للتأكّد من أن روح الله كانت مُنْفصلة عن البشر. حتى في ذلك اليوم الوحيد من كل عام عندما كان رئيس الكَهَنَة يَدخل قُدْس الأقداس، لم يَكُن الشعب ولا رئيس الكَهَنَة الحالي متأكّداً من أنه سَيخرُج حياً. لم يَكُن هذا طقْساً مُريحاً وهادئاً مرّ به رئيس الكَهَنَة….. كان خائفاً وكذلك الشعب. في وقتٍ ما على طول الطريق، حتى أنهم أَخذوا يَربطون حَبلاً حول كاحل رئيس الكَهَنَة حتى يتمكّنوا من سَحْبِه إذا اسْتغرَق بَقاؤه وقتاً أطول من المعتاد؛ لأنه إذا قَتَله الله في قُدْس الأقداس (لأي سبب كان) لم يَكُن لديهم أي وسيلة لاسْتِرداد الجُثة لأن رئيس الكَهَنَة فقط هو الذي كان مَسْموحاً له بالدخول (حتى رئيس الكَهَنَة البديل لم يَكُن بإمكانه سّحْب تلك الجثة لأن رؤساء الكَهَنَة لا يُمْكِنُهم أبداً لَمْس جثة ميّت). لذلك أشُكّ أنهم لو كانوا يَعتقدون أن أمراً كهذا مثل حُلول روح الله داخل الإنسان كان مُمْكناً، لكانوا قد أُصيبوا بالرّعب من الإحْتمالات. بِمُجرّد أن فهِم الرُسُل أخيراً هذا المبدأ، نرى أنهم أصْبحوا رِجالاً مُختلفين…. غير خائفين وجريئين وغير مُتَساهلين في الإنجيل. مُعظمنا يأخذ هذا الأمر كأمر مفروغ منه ولا نفكّر كما ينبغي أن نفكّر في سرّ هذه الحقيقة. أعتقد أننا ربما نحتاج إلى أن نكون في رُهبة، إن لم يَكُن خائفين قليلاً، من أن روح الله القدّوس يعيش في داخلنا.
أرجو أن تًفهموا أيضاً أن فِكرة خَيْمَة الإجْتِماع كمَسْكن الله هي فكرة مَجازية. لم يَكُن الله مَحصوراً في بَيت من القماش وجلد حيوان يحتاج إلى حَمْلِه كلّما أراد الذهاب إلى مكان ما. الله هو روح…..يُمْكِنُه أن يكون في كل مكان في وقت واحد، أو أن يكون غائباً عن كل مكان في وقت واحد، وكل حالة ممكِنة بينَهما. لقد بُنيت خَيْمَة الإجْتِماع حتى يتسَنى للبشر أن يفهموا جوانب مُعينّة، حاضرة ومُستقبلية، من يَهوَة وحتى يتمكّن الله من الإجتماع بِموسى، ومَرّة في السّنة برئيس الكَهَنَة، في الأوقات المُحَدّدة. حسب طريقة تفكيرنا الغرْبية الحديثة، لم تكن خَيْمَة الإجْتِماع بَيتاً بل كانت غرفة اجتماعات يجتمع فيها الناس في أوقات مُحَدّدة لأغراض مُحَدّدة.
اليوم مع الروح القُدْس الساكن في تلاميذ يسوع لسنا مُضطرّين للإنتظار حتى أوقات مُحَدّدة لمُناجاة الله كما فعل موسى؛ لسنا مُضْطرّين للذهاب إلى مبنى محدّد أو الانتظار حتى تنعقد الكنيسة أو المَجمع. المكان الذي نلتقي فيه اليوم ليس بَيت الله ولا مبنى الكنيسة أو الكَنيس هو بَيت الله، بل هو بَيت شعب الله. نحن، فَرديّاً وجماعيّاً، نحن بيت الله. انظروا إلى عبرانيين ثلاثة على ستة. يقول بولس: " وأما المسيح فكإبن على بَيته و بَيته نحن…..."
كان التابوت هو الوسيلة والمكان الذي سكن فيه الله بين الناس. كان ذلك رمْزياً وتَنَبؤئياً ليسوع الذي سيسكُن بين الناس…..الله، جسدياً، في الجسد، يعيش بين الناس. حتى ما كان داخل التابوت كان يَرمز إلى ماهيّة المسيح: العصا الغليظة وجرّة المنّ واللّوحان الحجَريان اللذان يَحملان الوصايا العشر.
كانت العصا، التي كانت تُسمّى أحياناً عصا في الكتاب المقُدْس، علامة السُّلطة. كان هناك اضطراب كبير بين زُعماء القبائل عندما أعلن موسى أن هارون سيكون رئيس الكَهَنَة. كان رئيس الكَهَنَة يتمتّع بقُوّة وسُلطة هائلتَين، وكان في جَوهره رئيس الحكومة على كل بني إسرائيل؛ لذلك أراد كل من رؤساء القبائل أن يُصبح رئيس الكَهَنَة. إن حقيقة أن هارون كان أخ موسى كان لها علاقة كبيرة بالمُشكلة، لأنه مع كَون هارون وموسى كلاهما لاويين كانت السّلطة سَتستقرّ فقط داخل العشيرة اللاوية؛ وهذا ما حدث حتى توفي موسى وتولى يوشع من سَبط أفرايم. لذا لتَسوية النزاع، جعل الله كل من زعماء القبائل يعطي عصاه لموسى الذي وضَعها أمام التابوت. نَبَتت عصا هارون وتفتّحت أزهار اللوز للإشارة إلى أن هارون كان اختِيار الله لرئيس الكَهَنَة. إذن، كانت العصا المُتَبرْعمة تُرمُز إلى مَنصب رئيس الكَهَنَة وإلى القبيلة التي كان من المُقَرّر أن يأتي منها جميع رؤساء الكَهَنَة في المستقبل: قبيلة لاوي. المسيح، كما قيل لنا، هو رئيس كهَنتنا، على الرغم من أنه ليس لاوياً، فهو من سَبط يهوذا. لن ندخل في معنى كل هذا بعد.
إن جرّة المنّ، الطعام السماوي المرسل من الله خلال فترة وجود بني إسرائيل في البرّية، كانت تَرمز إلى الحياة……خبز الحياة. مَصدَر القوت الحقيقي للحياة الإلهية…. وليس مجرّد الوجود….. هو المسيح الذي سمّى نفسه خبز الحياة. من المهم أن نفهم هذا: يسوع سمّى نفسه المَنّ.
وبالطبع، في داخل التابوت كانت توجد تلك الألواح الحَجَرية التي تحتوي على عشرة دابار، الِكُلمات العشر….. التي كانت ولا تزال المبادئ الأساسية وراء كل كلمات الله للبشر. هذه الِكُلمات مكتوبة على قلب كل مؤمن وبالطبع، يُخبرنا يوحنا أن المسيح هو الِكُلمة.
لذلك لدينا عصا هارون التي تَرمُز إلى سلطة المسيح كرئيس كهنة. وجرّة المنّ…..المسيح هو خبز الحياة (منّنا) ….. واللوحان الحَجَريان لِكُلمة الله…..المسيح هو كلمة الله. كان التابوت يَرمز إلى المسيح الذي احتوى هذه الطبائع الثلاث الأساسية في داخله. لقد أصبح حُضور الله المنظور على الأرض؛ وبعد قِيامته وصُعوده إلى السماء، جاء الروح القُدْس ليَسكن فينا نحن المؤمنين، كما سَكنَ في خَيْمَة الإجْتِماع كل تلك السنوات الماضية. لهذا السبب يقول بولس إننا نحن خيمة الله، مَسكن يَهوَة في العصر الحالي.
أعد قراءة سِفر الخروج خمسة وعشرين على ثلاثة وعشرين حتى ثلاثين
ابتداءً من الآية الثالثة والعشرين، يُوصّف مخطّط مائدة خبز التّقْدِمَة. وُضِعَتْ مائدة خبز التّقْدِمَة على الحائط الشمالي للمكان المقُدْس…..الغرفة المجاوِرة لقُدْس الأقداس، وكما هو الحال مع تابوت العَهْد، كان من المُقَرّر أن تُصنع المائدة من خشب الأكاسيا كإطار، ثم تُغطى بالذهب الخالِص. كان من المُقَرّر أن يكون طول المائدة ثلاثة أقدام وعرضها قدم ونصف وارتفاعها حوالي قدَمين ونصف وكان من المُقَرّر أن يوضع عليها إثني عشر رغيفاً من الخبز تُمثّل أسباط إسرائيل الإثني عشر.
إن الِكُلمة التي تبدو غريبة، خبز التّقْدِمَة هي مجرّد محاولة لترجمة الِكُلمة العبرية الأصلية لهذه الأرْغفة؛ "ليتشم بانيم". ليتشم كلمة عبرية عادية تعني الخبز. أما "بانيم" فهي كلمة غريبة يَصعب تَرجمَتها وتعني الوجه. لكن كلمة "وجه" كانت تعني شيئاً ما مُختلف قليلاً عما نفكّر فيه اليوم. في الكتاب المقُدْس، عندما يكون وجه شخص ما (أو وجه الله) عليك، فهذا يعني أن الله معك. لذلك في بعض الأحيان يُسَمّى خبز الشوبير خبز حُضوره…..أي خبز حُضور الله….وهو أكثر حرفية.
فيما بعد، سيتمّ إعطاء وَصْفة دقيقة لخبز التّقْدِمَة المقُدْس هذا وفي كل سبت سيُستبدَل الخبز بإثني عشر رغيفاً طازجاً ويأكل الكَهَنَة الأرغِفة القديمة داخل المنطقة المقُدْسة (أي أنهم لا يستطيعون إخراج الخبز من منطقة خَيْمَة الإجْتِماع)، ولكن لا تَخلطوا بين هذا وبين الخبز الخاص الذي كان بنو إسرائيل يُخبِزونه لاستعمالهم الخاص كل سبت، خبز التشالا الذي كانت العائلات الإسرائيلية تأكله حول مائدتها الخاصة. كان خبز التّقْدِمَة وخبز التشالا مختلفّين تماماً.
لسببٍ واحد، على الرغم من أنه لم يُذكر صراحة في الكتاب المقُدْس، هو أن خبز التّقْدِمَة كان خبزاً غير مُختمِر…. كان يجب أن يكون كذلك لأنه كان تقدِمة وجبة وكان من متطلّبات جميع تقدّمات الوجبات ألا يُستخدم فيها خمير أو خميرة لأن الخمير يرمز إلى الخطيئة. لكن خبز التشالا كان يُمكن أن يكون خبزاً مُختمراً.
في الحقيقة لا يعطي الكتاب المقُدْس الكثير من التفاصيل عن السّبب الرّمزي لخبز التّقْدِمَة هذا ونتيجة لذلك لدينا العديد من التفسيرات والنظريّات حول ما يُمكن أن يُمثله، ومُعظمها يتضمّن فكرة أن هذه الأرغفة تمثل خبز الحياة وبالتالي تمثّل خدمة المسيح باعتباره خبز الحياة للكنيسة. ربما. تكمُن المشكلة في أن هذا التفسير يُلغي ما هو واضح إلى حدّ ما: الأرغفة الإثنا عشر تمثّل الأسباط الإثني عشر الذين كانوا في حُضرة الله (ومن هنا جاءت تسمِيَة خبز حُضرته) وأنه سيوفّر لهم مَصدراً للقوت خالي من الخطيئة (هذه هي فكرة استخدام خبز بلا خمير). بالطبع مَصدر القوت هذا الذي لا خطيئة فيه والذي نعرفه الآن هو المسيح؛ ولكن هذا المصدر المُحدّد في سِفر الخروج خمسة وعشرين كان لأسباط إسرائيل الإثني عشر…. الذي يمثله وجود إثني عشر رغيفاً. لم يَكُن هذا لغير العبرانيين.
العَهْد وخَيْمَة الإجْتِماع وكل شيء كان لأسباط إسرائيل الإثني عشر ومعهم. لذلك دَعونا نواصل تذكير أنفُسنا أنه، كما قال القديس بولس، نحن (الأمميّون) قد انضمَمْنا، وطُعِّمنا في عهود إسرائيل….إنها ليست عهودنا في حدّ ذاتها.
ومن المثير للإهتمام أن الخمر كان يوضع أيضاً على المائدة مع خبز التّقْدِمَة. الخمر والخبز الخالي من الخميرة…..الآن ما هي الصورة التي تسْتحضر في الأذهان؟ بالطبع….المُناولة.
أعد قراءة سِفر التكوين ثلاثين على خمسة وعشرين الى تسعة وثلاثين
بعد ذلك، نأتي إلى حامِل المِصباح الذهبي، الذي كان موضوعاً في الجانب الجنوبي من المكان المقُدْس مقابل مائدة خبز التّقْدِمَة. الِكُلمة العبرية التي تعني حامل المِصباح هي "مينوراه"، "الشّمْعدان". الآن من الناحية الفنية، كما أن تابوت العَهْد هو فقط صندوق التخزين وليس الغطاء (كُرْسيّ الرّحْمَة)، كذلك الشّمعدان هو شمْعدان أو حامل مصباح….. أي أنه حامل للشّموع أو مَصابيح الزيت؛ ولكن الشموع ومصابيح الزيت هي قُطع منفصلة تماماً كما أن كُرْسيّ الرّحْمَة مُنفصِل عن التابوت. الشّمْعدان لا يوفّر الضَوء: إنه يوفِّر فقط مكاناً لوَضع مصادر الضّوء.
كان وزن الشّمْعدان الأصلي حوالي سبعين رطلاً. لم يتم صَهْره وصَبّه في قالب كما كانت تُصنع معظم المعادن الثمينة في ذلك الوقت ولا تزال تُصنع حتى اليوم، بل كان يُصنع من قطعة كبيرة من الذهب. كان شَمعدان خَيْمَة الإجْتِماع هو مَصدَر الضوء الوحيد للغرفة التي كانت موجودة في المكان المقُدْس، والتي يبلغ طولها ثلاثين قدماً وعرضها خمس عشرة قدماً وارتفاعها خمس عشرة قدماً. كان الشّمعدان يحمل سبع قناديل زَيْتيّة تَستخدم زَيت زيتون خاص كوقود.
كان للشّمعدان جِذع مَركزي، ثم ثلاث أغصان على كل جانب من جوانب الجِذع، مما يُعطيه ما مَجموعه سبعة أذرع أو أغصان. لذلك كان يجب أن تظلّ هذه المصابيح السّبعة مشتعلة ليلاً ونهاراً.….وكان يجب ألا تنْطفئ المصابيح أبداً…… وكان على الكَهَنَة التأكّد من ذلك.
الزَخْرفة الأساسية على الشَمْعدان هي لَوْزة في مَراحلها المُختلفة. لماذا لَوزة؟ حسناً، لاحِظوا العلاقة بِعصا هارون التي كانت تتبرْعَم بأزهار اللوز، ثم تُنتج اللوز. يقول حُكماء اليهود أن شجرة اللوز كانت أول ثمَرّة تزهّر في الربيع، ويقول البعض أيضاً أنه بِسبب عَودة تلك العصا المَيتة، التي كانت عصا هارون، إلى الحياة وأزهرت وأنتجَت ثمار اللوز، فإن اللوز يرمُز إلى القِيامة. أنا أميل إلى اعتقاد ذلك؛ فأول الثمار والقيامة لا يُمكن أن يكونا أكثر نُبوءة ورَمزاً ليسوع.
ربما يكون الشَّمعدان هو الرّمز الأكثر شُهرة لدى الشعب اليهودي خارج نجمة داود، وهو كذلك اليوم بشكل خاص. بالتأكيد، الشّمعدان هو أقدَم رَمز للشّعب اليهودي، يعود تاريخه إلى ألف سنة على الأقل، وربما أكثر، قبل ظهور نجمة داود. لقد قدّم الحاخامات والحُكماء العبرانيون بعض التكهّنات المُثيرة للإهتمام حول الشمعدان، ومن أكثرْها إثارة للإهتمام هو التّشابه الواضح بين الشّمعدان والشجرة ذات الأغصان. يقول العديد من الحاخامات أن الشّمعدان قد يمثل شجرة الحياة في جنّة عدن؛ أعتقد أن هذا مُمْكن تماماً.
الآن، على الرغم ممّا قد يتوقّعه مُعظم الأُمميّين، فإن الشَمعدان ذا السّبعة فروع أو شمعدان خَيْمَة الإجْتِماع أو شمعدان الهَيْكَل، في عصرنا هذا، لا يُضاء أبداً في البيت اليهودي المُلتزم. والسبب؟ كان المقصود منه فقط أن يكون أداة خاصة للإستخدام بالإقتران مع الهَيْكَل. في بعض النواحي، بالنّسبة لليهود، هو تذكير بالهَيْكَل. لذا، بما أنه لم يَكُن هناك هَيْكَل منذ أكثر من ألف وتسعمئة سنة، فإن إضاءة الشمعدان ذو السبعة فروع بالنسبة لليهود لا علاقة له بالموضوع؛ لا هَيْكَل، لا حاجة للشّمعدان. مُعظم البيوت اليهودية اليوم لا تحتوي حتى على شمعدان من سبعة فروع.
مع ذلك……هناك الشّمعدان ذو التّسعة فروع. لن تجدْه مذكوراً في الكتاب المقُدْس. لقد ظهر الشّمعدان ذو التسعة فروع قبل قرْن من مَولد يسوع بقليل. تم اخْتراعه احتفالاً بعيد "الشانوكا"، الذي يُسَمّى أيضاً عيد التكريس أو عيد الأنوار وذلك تخليداً لذكرى اسْتعادة الهَيْكَل وتطهيره على يد يهوذا المكابي، الذي قاد اليهود في تمرّد ضد أنطيوخس إبيفانيوز. كان إبيفانيوس، حاكم شرّير ودُمية لروما، كان يحكم الأرض المقُدْسة، واحتلّ الهَيْكَل وأزال العديد من الأشياء الثمينة ودنّسه بوضع تمثال له على شكل "زيوس" (إله الشمس) في قُدْس الأقداس. ثم ضحّى بعد ذلك بِخنزير للتمثال، وقام بِغَلي اللحم وسَكْب مَرَقه على لفائف التوراة في الهَيْكَل.
عندما استعاد المُتمرّدون اليهود الهَيْكَل أخيراً، بِسبب قتل الكَهَنَة، لم يَكُن هناك مخزون كافٍ من زيت الزيتون المُعدّ والمكرّس بشكل صحيح لإشعال مصابيح الشمعدان لأكثر من يوم واحد؛ ولكن إمدادات اليوم الواحد التي بقِيَت مُشتعلة بأعجوبة دامت لمدة ثمانية أيام حتى أمْكن صُنع المزيد بحسب الشريعة اللاوية.
لذلك فإن الأغصان الثمانية لهذا الشّمعدان الخاص تُمثّل مُعجزة الأيام الثمانية، والغُصن التاسع يُستخدم لإضاءة باقي الأغصان؛ والبيت اليهودي المُلتزم لديه بالفعل شمعدان من تِسعة أغصان، شمعدان الشانوكا، ويُضيئونه في عيد الشانوكا. تجدُر الإشارة إلى أن الوقت من السّنة الذي اخْترناه للإحتفال بميلاد المسيح، يُصادِف في نفس وقت عيد الشانوكا.
سأقول لكُم هذا: في وقتٍ ما في المُستقبل غير البعيد، عندما يُعاد بناء الهَيْكَل في القُدْس، كما تقول نبوءات نِهاية الزمان أنه سَيحدث، أودّ بالتأكيد أن يكون لديّ امتياز في الشّمعدان ذو السّبعة أفرع؛ لأن هذا الهَيْكَل سيُصبح فجأةً ذا أهمية كبيرة مَرّة أخرى، وسيرْغب الكثير من اليهود، وربما المسيحيون أيضاً، في الحُصول على تلك الشّمعدانات السبعة ذات الفروع السبعة.
يرمُز شمعدان خَيْمَة الإجْتِماع ومَصابيحه إلى نور العالم…..المسيح…..النور الحقيقي والنّقي. هذا المفهوم مَلحوظ بشكل خاص في رؤيا إثنين وثلاثة حيث يَرمز للكنيسة (الإمتداد الأرْضي ليسوع) على أنها شمعدان (حامل مصباح ذهبي)، ويتم تحذيرنا بأن شَمعداناتنا ستؤخذ منا إن لم نتمسّك بحبّنا الأول، يسوع. هدَفنا كمؤمنين هو أن نكون نوراً لعالم مُظلم. إذا لم نَكُن كذلك، فنحن بلا فائدة. نحن مثل الشّمعدانات بدون زيت……الشّمعدانات التي من المُفترض أن تُضاء ليلاً ونهاراً ولكن شُعلاتنا قد خَمدَت.
سنبدأ في الأسبوع القادم بِدراسة حرَم الخَيْمة نفسه في سِفر الخروج، الإصحاح ستة وعشرين.