سِفْر العدد
الدرس الثاني – الإصحاح الأول
عندما ندخُل إلى سِفْر جديد من أسفار التوراة، هناك دائمًا بعض المُقدّمات التي يجب أن نَستهلّ بها حتى نَتمكّن من التعامل مع الأمور من المَنظور الصحيح. إذا لم تكونوا قد سمعتُم مقدمة سِفْر العدد، أقترحُ عليكم الحصولَ على القِرص المُدمج أو الاستماع إليها على شبكة الإنترنت، حيث تَتَوَفَّرُ بعض الأساسيات الهامة التي ستُفيد دراستكم.
حوالى عام ألف وثلاثمائة وخمسين قَبل الميلاد، كان شَعب إسرائيل يَستعدّ لمُغادرة جبَل سيناء. بعد أن أمضى أربع مئةَ سنةٍ في مصر، آخر قرنَين من ذلك الوقت كقوّة عاملة مُستعبَدة في مصر، أنقذَه الله أخيرًا من مِحنتِه؛ والكَلِمة المُستخدمَة في الكتاب المقدس لهذا الإنقاذ هي الفِداء؛ وهذا لأنّ ما حَدَث في خروجهم من مصر استلزَم أكثر بكثير من مجرد هروب من السِجن.
إنّ الفداء هو في جوهرِه قَضية روحية، وبالتالي فإنّ الفداء هو موضوع مُهمّ لبقية التوراة. كما أنه يؤسِّس أيضًا لمبدأ إلهي رئيسي لفهمِنا للعهد الجديد: أولاً يأتي الفداء ثم يأتي التَفاهم والعلاقة. سوف أُكَرِّر هذا البيان المُثير للجدَل إلى حدٍ ما الذي أشرتُ إليه في أوقاتٍ أخرى: إنّ شرائعَ وأوامر التوراة، والكتاب المقدس كلِّهِ (القديم أو الجديد)، ليست لغَير المؤمنين. إنها فقط للمُفْتدين. بمجرد أن يتمّ فداءنا، يمكننا أن نَبدأ في تطوير علاقتِنا مع الله، والتي لا تَتضمن فقط الثِقة به، بل طاعة أوامِره. يأتي الخطأ عندما نَعتقد أننا يمكن أن نَتْبَع قوانين الله مِثل وَصْفة أو قائمة مُراجعة لكي نُصبح أبناء الله. في الواقع ربما يكون أعظم درس غير مَروي من كَلِمة الله هو أّن شرائع الله هي فقط لأولئك الذين يَثقون به.
لا تدعوا كَلِمة ”فداء“ أو ”تكفير“ تُحيّرُكم؛ فهي تعني في الأساس نفس كَلِمة ”الخلاص“ التي تَستخدمُها الكنيسة. لذلك عندما ندرُس التوراة وغيرها من أسفار الكتاب المقدس يمكنكُم استبدال كلمتَي الفداء والخلاص بحرِّية. الفَرْق الحقيقي الوحيد هو أنّ الخلاص قد اتّخَذ معنى يتضمَّن الإيمان بأنّ يسوع المسيح هو الذي افتدانا؛ ولكن من وجهة نظَر عامة وأدبية بَحتَة، فإنّ الفداء والخلاص يَعنيان نفس الشيء. لاحظوا أنّ الناموس لم يَفتد ِإسرائيل؛ لقد افتداهما الله ثم أعطاهما الناموس.
دعونا نَتبَع هذا النمط الإلهي الثابت في التوراة. تذكَّروا أنه عند إنقاذ إسرائيل وافتدائها، أول شيء فَعَله الله كان إخراج الشعب من المألوف؛ مصر. لقد انتهَت العبودية لسيدٍ قاسٍ وشرير، لكن هذا لا يعني أنّ الصعوبة والتَحدّي قد انتَهيا. في المَراحل الأولى من خروجِه، كانت المخاوف وانعدام الأمان من المجهول قد جَعلتْ بعض العبريين يَرغبون في التراجُع؛ أن يتخلّوا عن حريّتهم الجديدة ويعيدوا رَبْط أنفسهم بالعبودية الفظيعة التي عرَفوها، ولكنهم كانوا مُرتاحين لها بدلاً من أن يقدّموا أنفسهم بالكامل لله لكي يُعيد تَشكيلهم على صورَته (وهي في حدّ ذاتها عملية طويلة ومُخيفة أحيانًا في أفضل الظروف).
بمجرد أن فَرَضَ الرَب بعض المسافة بين بني إسرائيل وماضيهم، كان الشيء التالي الذي فَعَله هو تعليمُهم عن القداسة، قداسته هو. وقد تمّ ذلك عن طريق التوراة ذاتها التي ندرُسها الآن. على قمَّة جبَل سيناء أعطى الله لموسى العديد من الفرائض والقواعد والقوانين والأوامِر ليُعطيها لشعب إسرائيل؛ وإلا كيف يُمْكِن لشعب لمْ يعرِف الله أن يتعلَّم عن هوية الله وما يتوقَّعه من عابديه؟
على الرغم من أنّ المسيحيين المُعاصرين يَميلون إلى التفكير في هذه القوانين الست مئة وثلاثة عشرة في التوراة على أنها تتعلَّق بنا…… الأشياء التي يجب أن نَفعلُها ولا نفعلَها…… في الواقع إنها تُخبرنا جميعًا عن الله. إنها تُخبرنا كم هو قدوس وعادل إله الكتاب المقدس. يُخبروننا ما هي القداسة وكيف تبدو؛ يُخبروننا من هو الله وأنه يَتوقَّع تمامًا من أولئك الذين اشترى منهم ودَفَع ثمنَهم أن يجاهدوا طوال حياتهم نحو تعريفه للقداسة والعَدْل.
أصدقائي الأعزاء هذا النَمط الدقيق الذي تأسَّسَ منذ ثلاثة آلاف وثلاثمائة سنة لا يزال هو ما يُفترَض أن تبدو عليه مَسيرة المؤمنين اليوم. لمْ يتمّ فداء شعب إسرائيل بمعرفة الله؛ بل بعَمَل الله. لا يمكِن إقناعنا حاليًا فكريًّا بالرجوع إلى المسيح؛ إنه عَمَل الروح القدس علينا. ومع ذلك، بمجرد أن يَحْدُث عَمَل روح الله هذا، وبمجرد حلول الروح القدس فينا، فإنّ ما يأتي بعد ذلك على الأقل هو ما هو مقصود. و هو سَعْيُنا وراء المعرفة.
لقد أوحَت الكنيسة كثيرًا أنه عند اختبارِنا الخلاصي، أيًا كانت مَعرفة الله التي سنحصُل عليها ستأتي بوسائل باطنية، أنّه يمكننا فقط أن نجلِس على كراسينا ونُشاهِد التلفاز، وبطريقة ما في لا وعْينا سيَزرَع الروح القدس فينا فَهْم قداسة الله وما يَتْبَع ذلك وأننا كمسيحيين لا يَهُمُّنا أي شيء خارج خِبرتُنا الخلاصية، وأنّ السعي لتَعلُّم طُرُق الله واختبارِها من خلال أعمالنا أمرٌ يجب تجنُّبَه. لكن هذا ليس بأي حال من الأحوال المِثال الذي أُعطي لنا في الكتاب المقدس، بعَهديه القديم أو الجديد.
تَبقى الحقيقة أننا لا نَستطيع أن نتعلَّم طريقنا إلى العَلاقة مع المسيح فكِريًا، مِثلما لا نستطيع أن نكون في حالة سَبات في الطريق إلى مَعرفة القداسة. لم يَتعلَّم بنو إسرائيل عن بِرّ الله وشرائعه ثم نتيجةً لذلك وَضَعوا استراتيجية ونظَّموا أنفسهم وانتفَضوا ضدّ فرعون، وحرَّروا أنفسهم……. الرَب فَعَل كل ذلك. ولكن بعد خلاصِهم كان من المُتوقَّع أن يتعلَّموا عن القداسة وطُرُق النور؛ أولاً بالمعرفة ثم بالعَمَل بما تعلَّموه في كل جانب من جوانب حياتهم.
أريد أن أتناولَ بعض المواضيع معكم ثم سنَقرأ معًا سِفْر العدد الإصحاح الأول. أولاً، الكتاب الذي انتهيْنا منه للتو، سِفْر اللاويين، كان عن إعلان قداسة الله وتَعليمه. من ناحيةٍ أخرى، كان سِفْر العدد يدور حول تطبيق هذه المَعرفة. كان سِفْر اللاويين يَدور حول نَقْل شرائع الله وأوامِره إلى شعبِه. أما سِفْر العدد فيروي لنا القصة التاريخية لأربعين سنة من تَيْهِ شعبه في البرّية بعد أن اكتسَب تلك المعرفة (بعد أن تَلقّى الناموس).
الأمْر الثاني الذي أودُّ أن أُخبَركُم به هو ما يلي: لقد سَمعتموني أنطُق اسم الله بطريقة مُختلفة قليلاً عن كثيرين آخرين. لقد درستُ الكثير عن اسمه بسبب الجَدَل الذي يُحيط به، وكلّ المرات التي سألتموني فيها عن ذلك. وتكمُن صعوبة معرفة كيفية نُطْق اسم الرَب الرسمي الذي يُكتَب بالعبرية ”يود-هي -فا-هي“، فاليهود توقفَّوا عن نطقِه منذ أكثر من ألفي سنة، ولذلك فقد ضاع صوت اسمه إلى حدٍ ما. كذلك عندما نُحاول نطقَه باللغة الإنجليزية فإننا نُحاول مُحاكاة صوت الحُروف العبرية بأصوات الأبجدية الإنجليزية. عملية التحويل هذه تُسمَّى التَرجمة الصوتية.
تكمُن المشكلة في جميع عمليّات التَرجمة الصوتية من اللغة الأصلية في أنّ هناك حروف وأصوات وقواعد النَحو التي ليس لها مُقابل مباشَر في اللغة الأخرى. كما أنّ هناك كَلِمات وعبارات وتَعابير وحتى مفاهيم كاملة ليس لها مُقابل مباشِر بين العبرية واللغات الأخرى. من الناحية النحوية، هناك حروف في العبرية ليس لها مُعادِل مباشر في اليونانية أو اللاتينية أو الإنجليزية. ليس للعبرية أزمنة ماضية أو مُستقبلية كما اعتَدنا، لأن الأزمِنة في الإنجليزية واليونانية تُستخدَم لوَضْع الفِعل الذي تُشير إليه في علاقة بالزمن، مثل كانَ (ماضٍ)، يكون (حاضر)، سيكون (مستقبل). بدلاً من ذلك تَستخدِم العبرية ما يُسمّى بالأزمنة التامة وغير التامة.
تُشير هذه الأزمنة إلى ما إذا كان الفِعل كامل أو غير كامل. وغالبًا عندما نُترجِم هذه الأزمنة العبرية إلى اليونانية أو الإنجليزية فإننا نُساوي تلقائيًا بين الكامل والماضي والناقص بالمستقبَل، وهذا غير صحيح. لذلك فإنّ سياق ما يقرأه المَرء في العبرية، بالإضافة إلى الزمن، هو الذي يُخبرنا ما إذا كان الفِعل في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. وبالطبع هذا كلُّه هو مجرد غيض من فيض في قضايا الترجمة الصوتية. إذًا كيف يمكننا أن نَتعامل مع مسألة اسم الله واسم مُخلِّصنا بشكل معقول وصادق و(الأهم) بِوِقار؟
من أفضَل المصادر العبرية والأممية المُتاحة لي يمكنني أن أقول لكم أنه بغض النظَر عن الطريقة التي يمكن أن نلفُظ بها اسم الرَب بدقّة، فإنها كَلِمة من ثلاثة مقاطع. إنها ببساطة مسألة قواعد اللغة العبرية الأساسية. عندما تبدأ كَلِمة عِبرية بحرف الياء، ثم يَتبعُها ثلاثة أحرف ساكنة قياسية أخرى، فإنّ كل حَرف ساكن يَتَطَلَّب بشكل عام صوتًا مُتحركًا. لذا، يجب أن يكون لدينا ثلاثة أصوات مُتحَرّكة في يود-هي -فا-هي…اسم الله.
لذلك فإنّ نُطِق يه-وه، إذن، أقلّ احتمالاً لأنه يتكوَّن من مَقطعَين ويَستخدِم صوتَين متحركَين فقط؛ والأصح على الأرجح هو ياه-هو-فيه. إذًا من أين جاءت فكرة تَسمية الله بـ ”ي-هوه-في“؟ إنها غير واضحة في الواقع. يَعتقد البعض أنّ يَهوَه هو مجرد اختصار لكَلِمة ي-هو-في…..والاختصار يكون عندما نأخذ كَلِمة أو عبارة ونَختصرُها.
لقد حُدِّثَت بعض الاختصارات ليس بسبب طريقة تَهجئة الكَلِمة، ولكن بسبب طريقَة نُطق الكَلِمة؛ فعندما يقول المرء ”ي-هو-في“ بسرعة، يمكن أن تبدو الكَلِمة بالنسبة للشخص الذي يَتحدَّث اليونانية أو الإنجليزية وكأنها كَلِمة من مقطعَين. قد يُمثَّل قول يه-وه، أيضًا نوعًا من التمرُّد على استخدام كَلِمة "يهوفا" الإنجليزية المكوَّنة من ثلاثة مقاطع؛ ولكن، في النهاية، قول يه-وه، على الأرجح ليس أكثر من مجرد سوء فَهم من قِبل علماء غير اليهود ذوي النيّة الحسنة الذين ببساطة لم يَفهموا قواعد النحو العبرية القياسية أو لم يَسمَعوا صوت "او" الخفي جدًا في مُنتصف الكَلِمة. وكَلِمة "يهوفا" القياسية في المسيحية الغربية وُلِدت من طريقة ألمانية لتهجئة يه-هو-فيه، ثم تمّ تَحويلُها منذ قرون إلى يهوفا الشائعة لدينا. لذا فإنّ يهوفا هو نُطقٌ معقول جدًا لاسم الله باللغة الإنجليزية، طالما نَفهم أنّ قولَنا يهوفا يُعادل تسمية شخص روسي اسمه ميخائيل، مايك…… وهو ما لا نَفعله عادةً.
الآن، فيما يتعلَّق باسم المسيح: يُعاني اسم يسوع من نَفس المشكلة التي يُعاني منها اسم الله الآب. لقد عَرَف العلماء منذ فترة طويلة أنّ اسم يسوع بالعبرية مُطابق لاسم تلميذ موسى الذي غزا كنعان، يَشوع. وفي العبرية يشوع هو هوشع. هناك نرى أنّ حَرف "و" الأوسط يُضيف فعليًا مَقطعًا إضافيًا لاسمه الذي تم تقليصه إلى يشوع.
أمّا بالنسبة لاسم يسوع، فهناك العديد من القِصص الخاطئة التي قيلت عن كيفية ظهور هذا الاسم. الأكثر شيوعًا هو أنّ يسوع مأخوذ من تَهجئة الإله اليوناني زيوس. هذا غير صحيح. بادئ ذي بدء، زيوس مَكتوب بحرف زيتا، بينما لا يوجد زيتا في اسم يَسوع. نَستخدِم كَلِمة ”يسوع“ في اللغة العربية بسبب عمليّة التَرجمة الصوتية القياسية التي بدأت بالعبري الأصلي "هوشع"، وتَحوَّل إلى يشوع، والذي تُرجِم إلى اليونانية، ثم إلى اللاتينية، وأخيرًا إلى الإنجليزية. إنّ استخدام اسم يسوع ليس وثنيًا أو خاطئًا، لكنه مُغاير لما كان يُنادى به على هذه الأرض!
ومع ذلك يجب أن يَفهم أولئك المسيحيين الأمميين أنّه بالنسبة لنا أن نستخدِم كَلِمة يسوع عند التحدُّث إلى المؤمنين اليهود، فهذا يَدلّ على أنّه بالرغم من أننا نعرِف ونستطيع بسهولة نُطق اسم المسيح الحقيقي والتاريخي المُعطى بالعبرية (يشوع)، إلا أننا نَختار أن ننأى به عن يهوديته ونَجعَله أكثر تَشبُّهًا بالأمميين بإصرارنا على استخدام اسم أممي… يسوع. سمِعتُ حتى أشخاص مُضللين يقولون لي أنّ قول يشوع هو تَجديف لأن اسمه يسوع.
أنا شخصيًا أفضِّل كثيرًا يشوع لأن هذا كان اسمه في ثقافته الخاصة. عندما أسافر إلى دولة أجنبية وأتحدَّث إلى الناس هناك، من الطبيعي أن أستخدِم اسمَهم كما هو في لُغتهم. ولكن بالمِثل عندما يأتي أجنبي إلى هنا، أستخدِم اسمه كما هو في لغته. إذا انتَقَل شخص ما إلى أمريكا وقرَّر أن يُغيّر اسمه ليعكُس تقاليد اللغة الغربية، فلا بأس بذلك.
الآن هناك مسألة أخرى تتعلَّق بما إذا كان يجب أن نَنْطِق اسم الله على الإطلاق أم لا. أنا شخصيًا لا أرى أي مانع كتابي ضدّ ذلك إلا إذا استخدمْناه بشكل غير مُحترَم؛ لكنني أتفهَّم لماذا يرى البعض الأمِر بشكل مختلف. لذلك عندما أكون في إسرائيل أو في مجموعة يَغلُب عليها اليهود، احترامًا لهم أستخدِم دلالاتِهم عن الله بقولي هاشم، أو الَرب. ولكن هنا في دروس التوراة، حيث لدينا خليط من اليهود والأمميين، وبيننا أناس أكثر إلمامًا بالعبرية والعهد القديم وآخرين بدأوا للتو في تعلُّمها، فمن الضروري بالنسبة لي أن أستخدِم وأساوي بين عدد من أشكال اسم الله والمسيح. في النهاية، بِصفتي مُدرِّسُكم، إذا كنت أستخدِم كلمات لا معنى لها بالنسبة لبعضكم، فأنا لا أتواصَل معكم، بل أتحدَّث فقط.
لذلك في الأوقات التي أنطُق فيها حروف الـ-ي-هو-و-هي التي تُشكِّل اسم الله سأقول ي-هو-في. في كثير من الأحيان لن أنطُق اسم الله ولكنني سأستخْدِم الأشكال المختلفة التي يَستخدمُها اليهود المعاصرون…. مِثل هاشم أو الرب أو أدوناي أو بعض الأشكال الأخرى….. كلاهما من باب احترامًا لأعضائنا اليهود وكطريقة للتعلُّم. سأقوم أيضًا بالتبديل بين قول يسوع ويشوع. تفضيلي الشخصي هو يَشوع لأنه اسمٌ يَسهُل نِطقُه وهو الاسم التاريخي الصحيح المُثبَت لمسيحنا يسوع؛ لكن قول يسوع ليس خطأ بالتأكيد.
بعد الانتهاء من هذه المُقدِّمات، دعونا نقرأ سِفْر العدد الإصحاح الأول.
قراءة الإصحاح الأول من سِفْر العدد الأول بكاملِه
يأتي تَوقيت هذا الإصحاح الأول في الشهر الذي يلي اكتمال خيمة الاجتماع وظهور الكهنوت. كان بنو إسرائيل قد خَرجوا من مصر لمدة ثلاثة عشرة شهرًا، مما يعني أنهم كانوا يُخيِّمون عند سَفح جبَل سيناء لمدة سنة تقريبًا ولم يَنتقِلوا بَعد.
في هذا اليوم يأْمُرُ يَهوَه بإحصاء جميع الشعب، وهذا هو مِحْوَر هذا الإصحاح. في الواقع إنّ هذا الإحصاء لِبَني إسرائيل هو الذي أدّى إلى عنوان هذا السِفْر، سِفْر العدد. ولكن هذا اختيار سيء للعُنوان، ويقود غير المُطّلعين إلى الاعتقاد بأنّ هذا الكتاب يدور حول القوائم والتفاصيل الدقيقة؛ وهذا بعيدٌ عن الواقع. إنّ الاسم العبري لهذا الكتاب هو ”مدبار“، والذي يَعني ”في البَرّية“. وهذا بالضبط ما يَدور حوله هذا الكتاب: القصص العديدة لرِحلة شعب إسرائيل في البرّية.
على الرغم من أنّ هذا الإصحاح يَبدأ بنتائج التعداد، إلا أنّ هناك الكثير من المَعلومات التي يمكن أن تكون مُفيدة إلى جانب عدد سكان كل قبيلة. على سبيل المِثال في العالَم القديم، كان اليوم الأول من كل شَهر عادةً يوم عِطلة (روش هودش، القمر الجديد) وكان اليوم المُعتاد الذي يَجتمِع فيه شيوخ القبائل، وبعد الاجتماع يتمّ إبلاغ التعليمات أو القرارات المُتعلِّقة بالجماعة إلى جميع السكان.
والسؤال المَنطقي الآن هو: لماذا يُريد الله أن يتم إحصاء بني إسرائيل؟ ألا يعرِف عدد بني إسرائيل؟ إنّ الهدَف من هذا الإحصاء هو تَنظيم الجيش؛ فالأمْر كلُّه يتعلَّق بالاستعداد للحَرب. وكما أنّ اجتماع القيادة في اليوم الأول من الشهر (القَمر الجديد) كان مألوفًا بين جميع المُجتمعات المَعروفة في ذلك العصر، كذلك كان إجراء الإحصاء قَبل الذهاب إلى الحَرب. عادةً ما كان الإحصاء يَتكرَّر بَعد المعركة مُباشرةً أيضًا لإحصاء الخسائر في الأرواح وتحديد ما تبقَّى من قِوى الجيش. لذلك نحصُل على التعليمات الواردة في الآية ثلاثة بأنه يَجب إحصاء جميع بني إسرائيل وأنّ كلّ ذَكَر من سنّ العشرين وما فوق يجب أن يُسجَّل حسب قبيلته. وبعبارة أخرى لا يجب أن يكون هناك مُجرَّد إحصاء إجمالي، بل يجِب أن تكون الإحصاءات مُقسَّمة حسَب كل قبيلة على حدى. وكما أنّ لكل أمّةٍ اليوم حدًا أدنى لسنّ الخِدمة العَسكرية، فقد كان الأمْر نفسُه بشكلٍ عام في ذلك الوقت؛ وكان هذا السنّ، عشرون عامًا. وعلى سبيل المُقارنة، كان سِنّ التجنيد العسكري الروماني بعد عدّة قرون في المُستقبل هو سبعة عشرة عامًا. وخلال حَقبة فيتنام في العَصر الحديث كان ثمانية عشرة عامًا في أمريكا. في بعض الدول الأوروبية، منذ أقلّ من مئة وخمسين عامًا، كان سِنّ الخدمة العسكرية في بعض الدول الأوروبية لا يَتجاوز اثنا عشرة وثلاث عشرة عامًا حسب مدى سوء أوضاعِهم.
ومن المُثير للاهتمام أنه لا يوجد حدّ أعلى للسِنّ المُحدَّد في هذا الإحصاء. عندما ننظُر إلى مُجتمعات أخرى من تلك الحقبة نَجِد أنه عندما كانت هناك حرب مهمّة قادمة، لم يتم تَنحية كِبار السنّ، وكان من المُتوقَّع أن يساهم المسِنون في المجهود الحربي بأي طريقة مُمكنة، حتى لو لم يكُن ذلك في القتال؛ لكنهم كانوا يُعتبَرون جزءًا من الجيش رُغم ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، تمّ إنجاز هذا الإحصاء عن طريق فَصْل الناس وفقًا لوحداتهم العائلية داخل قبائلهم. سيُظهِر لنا سِفْر العدد (مدبار بالعبرية) البُنية المجتمعية العِبرية النموذجية، وبالتالي سنَتعلَّم العديد من الكَلِمات العبرية المُستخدمَة لوَصْف الوحدات العائلية والاجتماعية المُختلفة. إحدى المصطلحات العبرية الأكثر استخدامًا التي سنَجِدها عادةً مُتَرْجَمة في الكتاب المقدس إلى ”العائلة“ هي ”مشباخاه “وربما تكون الترجمة البديلة الأفضل من العائلة هي ”العشيرة“. العشيرة تُعتبَر وِحدة اجتماعية مُتوسّطة الحجم، بين العائلة الواحدة والقبيلة بأكملِها.
والآن في الآية الرابعة، يُطلَب من موسى أن يُساعده رؤساء القبائل (والتي تُترجَم أحيانًا إلى ”الأمراء“) الذين هُم زعماء كل قبيلة من القبائل الاثنتي عشرة. الفكرة هي أنّ على موسى وهارون أن يُفوِّضا مهمة الإحصاء هذه إلى زعيم كل قبيلة، ثم يَنتقِل سِفْر العدد ليُعطينا اسم الناصي الحالي لكل قبيلة (الناصي هي الكَلِمة العبرية التي تُستخدَم عادةً للإشارة إلى الزعيم أو الأمير… المرتبة الأعلى في قبيلة ما.
لكي نتمكَّن من فَهم البُنية الاجتماعية الإسرائيلية بشكل أفضل، ولكي نتمكَّن من فَهم الطريقة التوراتية النموذجية التي يُعرَف بها الشخص، دعونا ننظُر إلى الاسم الأول في المجموعة في الآية الخامسة. إنه يبدأ بتَحديد المستوى الأول من تَقسيم إسرائيل؛ يُحدِّد إحدى القبائل الاثنتي عشرة، التي تُشكِّل معًا إسرائيل. وتُسمّى هذه القبيلة ”روبين“. والزعيم الحالي لتلك القبيلة هو شخص اسمه إليزور؛ وإليزور يَنحدر من عائلة أو من عشيرة شدور. وبشكلٍ عام كانت القبائل تَنقسِم إلى عشائر، وكانت وحدات العشيرة قوية. إنّ أسهَل طريقة لفَهم هذه العمليّة هي أن نَبدأ بالشخص الذي شَكّل القبيلة أولاً، ثم نرى كيف تَسير الأمور. كان روبين، الابن الأول ليعقوب، هو مؤسس قبيلة روبين. كان لروبين عِدّة أولاد. كان كلّ واحد من أولادهِ الذكور سيؤسِّس عائلته الخاصة. في غضون جيلَين أو ثلاثة أجيال أخرى كان سيُصْبح هناك عدد كافٍ من الناس بحيث أنّ كلّ واحد من أبناء روبين هؤلاء كان سيُعتبَر الآن زعيم عشيرة من الناس. لذا كان من المُمكِن أن يكون هناك الآن العديد من زعماء العشائر الذين شَكَّلوا معًا قبيلة روبين. ومع ذلك، تَبْقى الحقيقة أنه عندما مات روبن (زعيم القبيلة)، كان على أحد أبنائه (أحد رؤساء تلك العشائر) أن يَحِلّ مَحلَّه. عادةً، ولكن ليس دائمًا، كان رئيس القبيلة البِكر المُعيَّن هو الذي يتولّى زمام الأمور؛ وعندما يَموت كان يتولى بِكْرُه السيطرة على القبيلة بأكملها، وهكذا دواليك. ومع ذلك كانت هناك ثَغرات واستثناءات في هذا الإجراء. فبَعد عدّة أجيال، ربما قُضي على البِكر وعائلته بالمَرض أو في المعارك، أو ربما نَمَت عشيرة أخرى تفوق الآخرين من حيث القوة. لذا كان الأمر يَقَع على عاتق أحد زعماء العشائر الأخرى لتولّي دور زعيم القبيلة بأكملها. وقد اختلفَت كيفية تحديد ذلك، ولكن عادةً ما كان يتمّ ذلك وِفقًا للعشيرة الأقوى. يمكنكم أن تَتخيّلوا أنّه كان هناك الكثير من الدسائس والتسييس (وأحيانًا القَتِل) عندما يَنقطِع خط الخلافة المُعتاد والمألوف.
لذلك فإنّ هَيكل تَحديد هوية زعيم كل قبيلة، هنا في سِفْر العدد، هو ذِكْر القبيلة أولاً، ثم ذِكر اسم الحاكم القَبَلي الحالي، ثم ذِكر إلى أي من العشائر العديدة التي كانت تُشكِّل القبيلة يَنتمي هذا الحاكم القَبَلي بالتحديد. لذلك يجب أن نتوخّى الحذَر في هذا النوع من القوائم حتى لا نَفترِض، على سبيل المِثال، أنّ إليزور كان حَرْفِيًا ابن رَجُل اسمه شدور؛ فمن المُحتمل أن يكون شدور اسم عشيرة كبيرة وأّن إليزور كان ببساطة من عشيرة شدور.
لذا فإنّ قائمة زعماء القبائل تَتضاعف كقائمة المُشرفين على الإحصاء؛ وفي الآية السابعة عشرة قيل لنا أنّ موسى وهارون قادا زُعماء القبائل لتَنفيذ ما أمَرَ به يَهوَه.
وقَبْلَ أن نذهب إلى أبْعد من ذلك نُلاحظ أنّ هناك قبيلة واحدة مُهِمَّة مَفقودة من قائمة القبائل التي ستُشارك في الإحصاء وهي قبيلة لاوي. سنعرِف السبب في ذلك قريبًا.
تَبدأ الآية عشرون بالإعلان عن نتائج الإحصاء الذي يَستمرّ لاثنتين وعشرين آية أخرى والأعداد كبيرة. تذكَّروا أنّ هذه الأعداد ليست مَجموع سُكاّن إسرائيل، بل هي من السكان الذُكور الذين يَبلغون من العُمر عشرين سنة وما فوق (بشكلٍ عام هُم أولئك الذين يَصلحون للمُشاركة في القتال). كانت أكبر قبيلة في هذه اللحظة من التاريخ على ما يبدو هي قبيلة يهوذا، وكان عدد أفرادِها أربعة وسبعين ألفًا وستمائة مُحارِب. وكانت ثاني أكبر قبيلة في الواقع هي قبيلة يوسف. على الرغم من أننا لا نَملِك من الناحية الفنّية اسمًا لقبيلة يوسف في هذه المَرحلة من تاريخ إسرائيل؛ يُمثِّل يوسف ابناه أفرايم ومناسيه. لذلك نَصِل إلى إجمالي عدد سكّان يوسف بِجَمع أفرايم ومناسيه معًا، فيُصبِح المجموع اثنين وسبعين ألفًا وسبعمائة نسمة. بينما ندرُس التوراة وجميع أسفار الكتاب المقدَّس الأخرى التي تَتناول نبوءات اليوم الأخير، سوف يَ تِّم تَذكيرُنا في كثير من الأحيان أنّ أفرايم ومناسيه هما في الأساس بديلان مؤقتان (وإن كانا طويلَي الأمد) ليوسف؛ وذلك لأغراض إلهية خاصة انتقَلت السُلطة والحقوق المُعطاة ليوسف إلى أفرايم ومناسيه لفترة من الزَمن. ولأنّ هذه القضايا المُتعلِّقة بقبائل إسرائيل الاثني عشر هي قضايا مَركزية للغاية في فهَم الماضي والحاضر والمستقبل ليس فقط لإسرائيل فحسْب، بل للبشرية جمعاء، علينا أن نُلاحظ باستمرار أنه يجب أن يُنظَر إلى أفرايم ومناسيه في كثير من الأحيان على أنهما تَكَتُّل يُمثّلان أباهما يوسف.
بَلَغ العدد الإجمالي للرِجال المؤهّلين عسكريًا ستمائة وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسين رَجُلاً. وهذا يَتطابق تمامًا مع العدد المُسجَّل في سِفْر الخروج ثمانية وثلاثين، عندما تم إجراء إحصاء لأغراض جباية ضَريبة نِصف شيكل على جميع الرِجال العسكريين المؤهّلين. وبالتأكيد لم يكُن من المُفترَض أن يكون هناك فَرق كبير بين الإحصاءين لأنّ الإحصاء الأول تم إجراؤه قَبل بضعة أشهر فقط من هذا الإحصاء الجديد. ولكن يَبدو أنه قد أُجريَ بطريقة مُختلفة عن الإحصاء الذي ننظُر إليه هنا في سِفْر العدد. الإحصاء السابق كان له علاقة بالتكفير عن أمَّة إسرائيل ككلّ، وليس تَشكيل جيش للحَرب المُقدَّسة. لذلك في إحصاء الخروج لم يكُن هناك تقسيم حسَب القبيلة، ولم يكُن هناك تسجيل لكلّ ذَكَر حسب العشيرة التي يَنتمي إليها؛ بل تمّ جَمْع كل الذكور الذين يَبلغون من العمر عشرين عامًا وأكثر معًا (لم يكُن يَهُمّ إلى أي قبيلة أو عشيرة أو عائلة ينتمون(.
ولكن في الإحصاء المُدَبَّر هذا، كان الهَدف مُختلفًا؛ كان الهدف هو تَحديد نظام المعركة. لذلك كانت العشيرة والقبيلة مُهِمّتَين لأنّ القبيلة التي َينتمي إليها الشخص كانت تُشير إلى الوحدة القِتالية الأساسية التي يَنتمي إليها الشخص ويُقاتل بجانِبها. بالنسبة لأولئك الذين درَسوا الحَرب الأهلية الأمريكية، سيَعرفون أنّ معظم عَمليات تَجنيد القوات كانت تتمّ بناءً على الولاية (أو حتى المُقاطعة) التي يَنتمي إليها الشخص. كان من المُتوقع أن تُساهم كل ولاية شاركت في الحرب بعدد مُعيّن من القوات في المجهود الحربي. لذلك عادةً ما كانت تُسمّى وحدات القِتال في الحرب الأهلية هذه وِفقًا للولاية أو المُقاطعة التي يَنتمون إليها، حيث كانت تَتَألَّف في المَقام الأول من رجال يَنحدرون من تلك الولاية أو المقاطعة. لذا لو كان هذا يَحْدُث اليوم لربما كان لدينا فَوج جزيرة ميريت مُكوَّن من رجال من جزيرة ميريت، أو فوج أورلاندو المُكوَّن من رجال يَعيشون في مِنطقة أورلاندو. وأسباب ذلك واضحة: فالرِجال الذين يعرِفون بعضَهم البَعض أو من عائلة واحدة سيكونون أكثر ولاءً لبعضِهم البَعض وسيَتكاتفون معًا. وسيَشعرون بأنهم يُقاتلون من أجل أرضٍ يَرتبطون بها ولهم مَصلحة فيها، بدلاً من بعض الأمور الأيديولوجية أو الفَلسفية مِثل الأمة المأمولة أو الكونفدرالية التي قد تنتُج أو لا تنتُج عن تضحياتهم بأرواحهم وأطرافِهم.
نُلاحظ نَفْس الفِكرة في سِفْر العدد، حيث تُحدَّد العشيرة والقبيلة التي يَنتمي إليها المرء تلقائيًا إلى أي وحدة قتالية يَنتمي فمن غير المعقول إلى حدٍ كبير أن يكون أحد أفراد قبيلة يهوذا، على سبيل المِثال، تحت سيطرة قائد من قبيلة دان. لذلك كانت كل قبيلة ستُكوِّن جيشًا خاصًا بها. وبينما كانت إسرائيل تَستعِدّ لغزو أرض كنعان، كان الوَضْع سيكون مِثل عاصفة الصحراء أو الحرب العالمية الثانية حيث كانت هناك أمَم مختلفة تُشارِك في الحَرب، كلٌّ منها بجيوشها الوطنية المُوالية لأمَّتها، ولكنّها تُقاتِل معًا كحُلفاءٍ بطريقةٍ مُنسَّقة. وهذا يَختلف عن فيتنام مَثلاً حيث كان لدينا وحدات مختلفة من نفْس الجيش الأمريكي تُقاتِل تحت عَلَم واحد، وقائد واحد لأمة واحدة. كان الأمْر سيَستغرق وقتًا طويلًا جدًا قَبل أن تتحقَّق فكرة أن تكون إسرائيل أمّة واحدة مُوحَّدة تحت قيادة المَلِك داود. فحتّى ذلك الحين، كانت كل قبيلة من قبائل بني إسرائيل تبدو وكأنها أمم مُنفصِلة، وكانت تتصرَّف كحليفة لبعضها البعض أكثر من كونها أمّة واحدة مُوحَّدة.
والآن لا شكّ أنّ هذا العدد الهائل من الرِجال المُقاتلين البالغ عددُهم ستمائة وثلاثة آلاف وخمسمائة مُقاتِل يُمثِّل مُشكلة للمؤرخين وعلماء الكتاب المقدس. لأنه اعتمادًا على تخمين المرء لما يجب أن يكون عليه إجمالي عدَد سكان إسرائيل عند احتساب النساء والأطفال، من المُحتمَل أن يكون العدد أكثر من مَليونَين، ليَصِل إلى ثلاثة ملايين شخص. وقد كانت هناك كل أنواع التَكهّنات وعدم التصديق الصريح بأنّ هذه الفَرَضية.
تمّ اقتراح العديد من المحاولات لتبرير ”خطأ“ مُفترَض في الإبلاغ عن هذه الأعداد، بدءًا من القول بأنّ الكَلِمة العبرية ”ألب“ التي تُرجِمت إلى ”ألف“ كان يجب أن تُترجَم إلى ”مائة“ أو حتى ”عائلة“، وصولاً إلى القول بأنّ هذه الأعداد قد تم تَنقيحها في فترة مُتأخرة جدًا لتَعكُس عدد سكان إسرائيل في وقت التنقيح وليس في زمَن موسى. ويقول آخرون أنها ببساطة أسطورة لأنه من المُستحيل أن تكون سيناء قد احتضَنت اثنان إلى ثلاثة ملايين نَسمة لمدة أربعين عامًا لأنّ سيناء كانت أرضًا قاحلة صَحراوية في أيّام موسى كما هي الآن.
ومع ذلك، فإنّ معظم الحِجج العِلْمية ضدّ العَدد الكبير من السكان المُقترَح في سِفْر العدد تَنبَعْ من النظَر إلى هذه المسألة من وجهة نظَر عِلمانية وواقعية بَحتة، باستخدام نَفْس أساليب النَظر إلى جميع الأحداث التوراتية التي تكون فيها ”مُعجزة“ الله هي الجواب الوحيد المُمْكِن. أي الافتراض أنه لا يوجد شيء اسمه ”مُعجزة الله“، وبالتالي يجب أن تكون كل البراهين عَقلية أو تكمُن في الحوادث الطبيعية (حتى لو كانت نادرة) وفي النتائج العِلمية القابلة للتَحقُّق والاختبار. من وجهة النظَر هذه، فإنّ هؤلاء العلماء على صواب؛ فمِن المُستحيل تمامًا أن يكون هناك طريقة دُنيوية تَجعل عشرون ألفًا، ناهيك عن مئتي ألف أو أكثر، من بَني إسرائيل يُخيِّمون ويَنجون لمدة أربعين عامًا في برّية سيناء.
مِثل كل الأمور المتعلقة بالكتاب المقدَّس الإيمان هو الأساس. إذا لم نؤمِن بمعجزات الله فلا يمكننا أن نثِق به. عندما تَتحدّى مراسيم الله وأفعالَه مَنطِق الإنسان وأحاسيسه، يكون أمامنا خيارَين: إما أن نؤمن بيَهوَه أو نؤمن بعقولِنا. على الرغم من أننا قد نَتعرَّض للسخرية إلا أنّ فكرة أنّ بضعة ملايين من بني إسرائيل عاشوا في سيناء لمُدّة أربعين عامًا أسهَل في الواقع أن نُصدِّقها، بالنسبة لي، من فكرة أنّ الله نفسه نَزَل من عرشِه السماوي، وارتدى حُلَّةً جلدية وجَعَل نفسه عِرْضة للبشر أو أنه جاء إلى الأرض في صورة يسوع المسيح وَضَحّى بحياته الخاصة ليدفَع ثَمن آثامنا، فنحن مُهمّون جدًا بالنسبة له لدرجة أنه يَفعَل مِثل هذا الأمر. إذا كنتُم من الذين اتَّخذوا قرارًا بالثقة في يسوع فهذا ما تؤمنون به. وإذا كنتُم تَستطيعون أن تؤمنوا بذلك، فإنّ الإيمان بكل ما تَبقّى هو أمْرٌ سهلٌ للغاية. وأنا هنا لأخبرَكُم أنه يمكنُكم أن تثِقوا بكَلِمة الله. ولكن كونوا حذرين لأنّ الترجمات المُختلفة تكون أحيانًا مليئة بالأجَنْدات القديمة والحديثة لمُترجميها. ولكن بمجرَّد أن نتعلَّم التوراة سيكون من الأسهل بكثير اكتشاف هذه الأجَنْدات وحسابِها.
لقد بدأنا دِراسة اليوم عن سِفْر العدد الإصحاح الأول لمُناقشة إحصاء بني إسرائيل الذي أمَرَ يَهوَهْ موسى أن يَقوم به. والشيء الذي لاحظناه هو أنّ قبيلة لاوي قد استُبعِدت من الإحصاء وحتى الآن لم نعرِف السبب. ولكننا نَجِد أيضًا أنّ عدد رِجال بني إسرائيل البالغين من العمر عشرين عامًا وأكثر كان ستمائة وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسين رَجُلًا من دون احتساب قبيلة لاوي، وهو عدَد هائل ويَعني، إن كان دقيقًا، أنّ عدد سكان أمّة إسرائيل عند خروجِها من مصر، وعند تخييمها في السهول تحت جَبل سيناء، كان من اثنين إلى ثلاثة ملايين نَسمة.
الآن هذا كلُّه جيّد، ولكننا نعلَم أيضًا أنّ جزءًا كبيرًا من الناس الذين غادروا مصر مع إسرائيل لم يكونوا عِبريين؛ كانوا مصريين ومجموعات مُختلفة من الساميين ومن يَدري ما هي هوية المَجموعات الأخرى من الجِنسيات التي كانت في مصر لسبب أو لآخر في وَقت الضَربات التي صَبَّها الله على مصر. وقد أُعجِب هؤلاء الناس المُختلفون بقوة إله إسرائيل لدرجة أنهم أرادوا الانضمام إلى إسرائيل، والتمتُّع بمزايا عِبادة هذا الإله، والمُشاركة في الخروج من مصر إلى أرض الميعاد.
إذًا السؤال هو، أين وكيف يُحسَب هؤلاء غير العبريين في هذا المَزيج؟ هل كانوا مَحسوبين في الإحصاء كجزء من قبيلة أو أخرى؟ الإجابة المُختصَرة هي أننا لا نعرِف. لكن من المؤكَّد أنهم كانوا خليطًا مُختلطًا. بعضْ هؤلاء الأجانب كانوا قد تزوَّجوا من رجال أو نساء إسرائيليين وبالتالي كانوا مُرتبِطين بسهولة بإحدى القبائل الاثنتي عشرة وبالتالي كانوا سيُحسَبون في الإحصاء السكاني النهائي. لكن الأجانب الذين لم يَكونوا مُرتبطين بنَسَبِهم بإسرائيل، ولم يَتزوَّجوا من إسرائيل، كان عليهم أن يَختاروا: إما أن يُعلِنوا الولاء لإحدى القبائل الاثنتي عشرة أو أن يَنضمّوا إلى هذه القبيلة أو تلك، أو ألاّ يُعتبَروا أعضاءً في إسرائيل. وباعتبارهم ليسوا أعضاءً في إسرائيل لم يكونوا ليُحسَبوا في الإحصاء. ولم يكُن ليُسمَح لهم بالعيش داخل مُخيّم إسرائيل، بل كان عليهم أن يَنصُبوا خيامَهم خارج حدود مُخيّم إسرائيل. ليس لدينا طريقة لمَعرِفة عدد الذين كانوا في هذه الفئة. ولكن، افهموا: لقد تّم الترحيب بهؤلاء الأجانب ولم يُعتبَروا أعداءً. لا شك أنّ هؤلاء الأجانب أنفسِهِم ساعدوا في انحِراف إسرائيل فيما يتعلَّق بعبادة الأوثان (لا يعني ذلك أنّ إسرائيل احتاجت إلى المُساعدة في هذا المجال!)
إعادة قراءة العدد الإصحاح الأول الآية سبعة وأربعون- حتى النهاية
يُذكَر هنا على وجه التحديد أنّ اللاويين لم يكونوا مَحسوبين لغرَض التَجنيد العَسكري. سنَجِد لاحقًا أنّ اللاويين قد أُحصوا بالفِعل، ولكن لم يكُن للأمر علاقة بكونهم جزءًا من المَجهود الحربي، وهذا هو جوهر ما يُقال هنا. من هذا الوقت فصاعدًا (أي إلى أجلٍ غير مُسمّى) لن يُحسَب اللاويون كجزء مُنتظِم من إسرائيل. بدلاً من ذلك سيُصبحون مسؤولين عن خيمة الاجتماع المَبنية حديثًا تلك الخيمة المَجيدة التي ستكون مَركزية في عبادة وحياة إسرائيل لعِدّة قرون قادمة. علاوةً على ذلك، فإنّ اللاويين هم الذين سيَقومون بتفكيكِها عندما يَحين وقت الانتقال وحَملِها أثناء الرحلة وإعادة تَجميعها عند وصولِهم إلى وجهتِهم التالية.
اللاويون هم المسؤولون عن كل ما يتعلَّق بخيمة الاجتماع بما في ذلك أثاثها وأشياء مِثل المذبح البرونزي الخاص بالذبائح. ولكن لديهم أيضًا واجب آخر مُهمّ: حراسة الحَرَم من أولئك الذين يَتعدّون عليه.
لذا بدءًا من الآية اثنان وخمسون وانتقالاً إلى الإصحاح الثاني نَجِد أمرًا محدّدًّا جدًا بأن تُخيِّم كل قبيلة من القبائل الاثني عشر حول خيمة الاجتماع؛ وعلاوةً على ذلك، فإنّ اللاويين سيُخيّمون بين القبائل الاثني عشر والحَرَم المُقدَّس……. كحاجز دفاعي…. من أجل إتمام دورِهم الجديد كحرّاس لمَسكَن الله الأرضي.
ولماذا تَمّ تعيين اللاويين لحراسة الحَرَم المُقدَّس؟ يَظهَر السبب الآية ثلاثة وخمسون وهو لكي ”لا يُصيب الغضب جماعة بني إسرائيل“.
الآن يبدو كل هذا واضحًا ومُباشرًا إلى حدٍ ما، ولكن علينا أن نَفهم ما حدَث هنا من الناحية التاريخية والروحية.
وسوف نَستكشِف ذلك الأسبوع القادم.