18th of Tevet, 5785 | י״ח בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » العدد » سِفْر العدد الدرس ثلاثون – الإصحاحان سبعة وعشرون وثمانية وعشرون
سِفْر العدد الدرس ثلاثون – الإصحاحان سبعة وعشرون وثمانية وعشرون

سِفْر العدد الدرس ثلاثون – الإصحاحان سبعة وعشرون وثمانية وعشرون

Download Transcript


سِفْر العدد

الدرس ثلاثون – الإصحاحان سبعة وعشرون وثمانية وعشرون

في آخِر مَرَّةٍ التقينا فيها عايّنّا الإحصاء الثاني لسِفْر العدَد. كان هناك تَعداد لبني إسرائيل أُجِريَ بعد وقتٍ قصير من خروجِهم من مصر؛ والآن، بعد ما يقارِب من أربعين سَنَة أُجريَ تَعداد آخر لأنّ إسرائيل كانت على وشَك البدء في غزو كَنعان.

في كِلتا الحالتَين كان اللاويون يُعتبَرون فئة مُنْفَصِلة، وبالتالي كان لهُم إحصاء مُنْفَصِل عن أسباط إسرائيل الأخرى. كانت شروط وظروف التَعداد (مَن تمّ إحصاؤه ومَن لمْ يتم إحصاؤه) بالنسبة لِبَني إسرائيل مُقابل تعداد اللاويين مُختلفة أيضًا من ناحية واحدة مهمَّة: عُمْرُ الذكور الذين شَمَلَهُم التعداد.

كان الذكور من بَني إسرائيل العاديين (الأسباط الاثنا عشر) يُحسَبون في الإحصاء إذا كانوا في سِنّ مناِسبة للقتال في الجيش، وهكذا كان الرِجال الأكبر سِنّا ولكن لم يكونوا كِبار السِنّ لدرَجة أنّهم لم يَكونوا قادرين جَسَدِيًّا على المُساهمة بطريقة ما في المَجهود الحَرْبي. بشكلٍ عام، كانت الفئة العُمْرية المَحسوبة هي عشرين إلى خمسين عامًا.

لكن بالنسبة للاويين، كانتِ الفئة العُمْرية المحسوبة في الإحصاء من عُمْر شَهر واحِد وما فَوق. لم يكُن هناك حَدّ أعلى، وقد تمّ اختيار عُمْر الشهر الواحد بسبب القانون العِبري الذي يَنُصُّ على أنّ الطِفل الذَكَر لا يُحسَب ”شخصًا“ حتّى يَعيش دورة قَمرية كامِلة بعد ولادتِه. هذا لا يعني أنّ المواليد الجُدُد كانوا يُعتبَرون دون البشر أو غير مُهِمّين بل يعني أنه ما لم يتمّ خِتان الذَكَر (عادةً في اليوم الثامن بعد الوِلادة)، وما لم يتمكَّن من البقاء على قَيد الحياة لمدَّة ثلاثين يومًا، لم يكُن يُعتبَر جزءًا من إسرائيل. كان هذا يتعلَّق بمُعدَّل وَفيّات الرُضَّع الكبير إلى حدٍ ما في تلك الحَقبة أكثر من أي شيء آخر.

كان سبب الإحصاء الأول، قَبل حوالى أربعين عامًا، هو إنشاء جَيشٍ من بني إسرائيل وتأسيس كَهنوت اللاويين. كان الإحصاء الجديد لتَحديد حَجْم الأراضي التي ستُخصَّص لكُلّ سِبط. ومع ذلك، تمّ التَغاضي عن حاجة أخرى لهذا الإحصاء: لقد تَغيَّر الكثير في الأربعين سَنَة منذ خروج إسرائيل من مصر. كان هناك تبدُّل سُكّاني بنسبة مِئة بالمئة تقريبًا؛ فقد أصدَر الرَب مَرسومًا بأن أولئك الذين كانوا في سِنّ المَسؤولية عند خروجِهم من قَبْضة فرعون لن يُسمَح لهم بدخول أرْض الميعاد. كان السَبب في هذا التَقييد الشديد هو تَمرُّد إسرائيل في قادِش عندما استَطلع الكشّافة الاثنا عشر كنعان وعادوا بتَقرير مَفادُه أنّ الأمْر سيكون مُكْلِفًا للغاية وستُفْقَد الأرواح البشريّة لكي تَغزو إسرائيل كنعان. وكانت النتيجَة أنّ القادة وعامَّة سكّان إسرائيل أصبَحوا خائفين ورَفضوا دخول أرض كنعان. عارَضَ اثنان من الكشّافة الأسباط العَشَر المُتردّدين، وتمّ استثناء هذان الكشّافان (يشوع وكالب) من القاعِدة بالسَماح لهما بالدخول إلى أرض الميعاد.

وهكذا تمّ تَسجيل حِساب مُفصَّل للإحصاء السكاني، حيثُ نَجِد أنّ الهَيكل العام لإسرائيل قد تَغيَّر إلى حدٍ ما. ازداد عدَد سكّان بعض الأسباط، وانخفَض عدَد سكان أسباط أخرى. كانت إحدى الأسباط، سِبط سِمعان، في هذا الوقت أقَلّ من نِصف العدَد الذي كان عليه عندما غادَر مصر. يَرجِع هذا جُزئيًّا على الأقل إلى تَحقيق اللعنة التي ألقاها والِد سمعان، يَعقوب، على كلٍّ من سمعان ولاوي في تَصريحات فراش المَوت.

تم استِدعاء كل عشيرةٍ على حِدى مع زعمائها لتَسجيل من يَنتمي إلى أي عشيرة، ومن ثمّ أي عشيرة إلى أي سِبط؛ كانت هذه الصِلَة العائلية هي كل شيء عندما يَتعلَّق الأمْر بتقسيم الأرض. بينما قام موسى بتَقسيم الأرض على كلّ زَعيم سِبط، ثمّ قام زعيم السبط بتَقسيم حِصَّته على عشائر قبيلتِه، حَصَلت العشائر الأكبَر والأكثر شُهرة على أراضي أكثر (وأفضل) من العشائر الأصغَر والأضعَف.

لذلك يُمكِن القَول أنّ مُعظم ما درَسْناه الأسبوع الماضي كان يَدور حول ميراث الأرض الذي كانت إسرائيل على وَشك الحصولِ عليه. ما سَنقرأه في الإصحاح سبعة وعشرين من سِفْر العدد هو بَعض القوانين التي تُحدِّد بشكل أفضل قوانين وِراثة تلك الأرض؛ أي كيف تَنتقِل الأرض عندما يَموت زعيم عشيرة أو زَعيم عائلة.

اقرأ الإصحاح سبعة وعشرون من سِفْر العدد بكاملِه

عندما نَعود إلى الوراء ونُلقي نظرةً على الشريعة، نَجِد أنَّه بعدَ سِلسلة من القوانين العامة في سِفْر الخروج وسِفْر اللاويين، يَميل سِفْر العدد ثم سِفْر التثنية لاحقًا إلى التعامُل مع بعض الحالات المُحدَّدة التي لا تَتناسب بشكلٍ جيد مع القواعد واللوائح العامَّة. لذلك بينما يُمكِن للمَرء، بالمعنى الأكثر سَلبية، أنْ يقول إنّ شريعةً ما قد تَغيَّرت من سِفْر اللاويين إلى سِفْر العدد، إلا أنّه تمّ تَحديد الشريعة، أو تمّ شَرْح كيفية تنفيذ الشريعة بشكلٍ أكثر تَعمُّقًا. وفي بعض الحالات، ولأنّ الجيل الذي أُعطِي الناموس في جَبَل سيناء قد مات الآن ورَحَل، يتمّ تَكرار الشرائع والمبادئ الأكثر أهميّة وتَعزيزُها للجيل الجديد من العِبرانيين الذين تلَقّى آباؤهم الناموس أولاً، ولكنّهُم الآن مَدفونون في رِمال الصحراء.

وأوَّل ما نواجهُه هو قَضيّة عائلة يرأسُها رَجُل اسمُه زلوفهد، الذي تُوفي، وكانت لديه مُشكلة؛ وهذه المُشكلة هي أنّ زلوفهد لم يترُك أبناء يَرثونَه، فتأتي بناتُه إلى موسى ويَسألْن لماذا لا يَجوز لهُنّ أن يَرِثن ثروة أبيهِنّ رغم أنّهُنّ لم يكُنَّ ذكورًا. وقد وَرَد تعليلُهنّ في الآيتين ثلاثة وأربعة؛ وباختصار هو: أ) أنّ أباهُنّ لم يُشارك في رَدّة قورح العظيمة (عندما خرجَتْ نار من خيمة الاجتماع وأحرقَتْ الكثير من الرِجال المُتمرّدين، وفَتَحتْ زلزالاً ابتلَع آلاف الأشخاص من عائلات المُتمرّدين)؛ و(ب) أنّ أباهُنّ مات بسبب نَفْس اللعنة التي أصابَت كلّ بقية الشعب الذي خَرَج من مصر (فَشِل في الثقة بالرَب والخروج إلى أرض الميعاد). وعلاوةً على ذلك، بما أنّ جميع العائلات الأخرى التي ارتكَبَ رجالُها نفْس الخطيئة لم تُحرَم من حقوقِها في أرض كنعان، فلماذا تُحرَم عائلة أبيهُم من الأرض لمُجرَّد أنَّ لم يكُن له أبناء يرثون نَصيبَه؟

استمَع موسى إلى توسُّل النساء وقال إنه سيَرفَع القضية أمام الرَب. إذا دقَّقنا النَظَر، بَعد جَبَل سيناء أصبَحت إضافة الشرائع أمْرًا عاديًا ويُستخدَم نَفْس المفَهوم حتّى يومِنا هذا في نظامِنا القانوني الأمريكي؛ إنه يُسمَّى سابِقة. كانت تنشأ حالةٌ ما (بدون سوابق) وتُرفَع إلى موسى القاضي ليُقرَّر فيها. ثم يَرفعُها بدورِه إلى الرَب الذي سيُقرِّر في الأمْر. كان موسى يُبلِّغ الأطراف بقرارِ يَهوَه، ومن ثمّ يُصبِح الأمر قانونًا بناءً على السوابق. بشكلٍ عام، كان يجب التعامُل مع جميع المَسائل المُتشابهة بالطريقة نفسِها في المُستقبل. لذلك لدينا بشكلٍ عام تَصنيفان وطريقَتان لتَلَقّي الشرائع من يَهوَه: عن طريق الوَحي (كما في جَبَل سيناء)، وعن طريق السوابِق عندما يَتَطَّلب الأمْر علاجًا ما ويتمّ رَفعُه إلى يَهوَهْ ليُقرّر بشأنه.

أما بالنسبة لمَفهوم أن يموت رَب الأُسرة ولا يوجد سوى البنات ولا يوجد أبناء يرثونَه، يقول الرَب أنّ البَنات قد يَرِثْن ما كان سيُعطى عادةً للأبناء. ثم يَأخذ الرَب بعد ذلك بعض الحالات الإضافية الواضِحة وربّما المُعتادة تمامًا فيما يتعلَّق بخِلافة الميراث ويَجعلُها قانونًا أيضًا. إذا مات أب وليس له وَلَد، فإنّ ثروتَه تَذهَب إلى بناتِه. إذا لم يكُن لهذا الرَجُل أولاد على الإطلاق، تَذهَب إلى إخوتِه. إذا لم يكُن له إخوة على الإطلاق، تذهَبُ إلى أعمامه من جِهة أبيه. إذا لم يكُن للرَجُل أعمام من جِهة أبيه، فإنّ الأقرب من جِهة الأم أو الأب يَرِث مُمتلكات العائلة.

الآن بعد ذلك بِقليل في سِفْر العدد، وبَعدَ ذلك في سِفْر التثنية، سنَحصُل على بعض التَحذيرات والاستثناءات لكلِّ هذا لأن المَبدأ الأساسي الذي يَدور حولَه الأمْر هو أنّ الأرض لم تكُن لتَخرُج أبدًا من قَبضة العائلة العبرانية التي كانت تَستَملكُها في الأصْل. أنا أتجنَّب استخدام كَلِمة ”تَملِكها“ (باستخدام كَلِمة ”تَستملكُها“) لأن الله يوضِح أنّ كلّ أرْض كنعان، التي ستُسمَّى قريبًا إسرائيل، هي مُلكُه. حتّى بني إسرائيل لن ”يَمتلكوا“ الأرض في حدِّ ذاتِها، بل سيَستمْلِكونها فقط. أفضَل صورة ذِهنيّة لهذا التَرتيب بالمُصطلحات الحديثة هي الفَرْق بين شِراء منزل واستئجارُه. في إحدى الحالتَين تكون مُلكيَّة الأرض والمَسكَن لَكَ، وفي الحالة الأخرى أنتَ ببساطة تَمتلِك العِقار بغَرَض استخدامِه وتَدفَع شيئًا ما مُقابل ذلك للمالِك. المُلكيّة ليس لها تاريخ انتهاء، أما الإيجار فمَحدود المُدَّة. لم يكُن الله يَنقُل مُلكيّة العقار إلى إسرائيل، بل كان يُعطي العبرانيين استخدامًا حَصريًا للعِقار إلى الأبد. لذلك بما أنّه لا يمكِن للمَرء أن يَبيع ما لا يَملِكُه، لم يكُن لِبَني إسرائيل الحَقّ في بَيع الأراضي في إسرائيل خاصةً للأجانِب؛ وبمعنى أدَقّ ليس حتّى لبَعضِهم البعض. وقد سَهَّلت قوانين السَنوات السَبتية وقوانين اليوبيل (بشكلٍ مُباشر أكثَر) فِكرة استِملاك أرْضِ شخصٍ آخر لفترةٍ من الزَمَن دون أن يَكون مُدينًا. لم يكُن على أرض الميعاد علامة "للبَيْع".

إنّه الوَقت المُناسب لتَوضيح شيء ما في ضوء أحداث عَصرِنا حيث إسرائيل مُنخرِطة بنشاط في التَخلّي عن الأرض على أمَل السَلام مع أعدائها، أو من مَنظور توراتي، مُنخرطة بنشاط في التمرُّد على الرَب من خلال التَخلّي عن حيازة الأرض التي خَصَّصها لها يَهوَه حَصريًا. أنصار إسرائيل يُشاهدون الألَم والغَضب والإحباط من مُحاولة الحكومة الإسرائيلية الخاطئة والحَمقاء لاسترضاء أعدائها بالتَخلّي عن أرْض الله لأعدائها. أمَلُها هو أنّه بِتخَلّيها عن تلك الأرض سيُعطيها أعداؤها السَلام في المُقابل. ومع ذلك، ولسَبب غَير مَفهوم، كُلّما تَخلَّت عن المزيد من الأرض، كلَّما زاد هجوم أعدائها علَيها. قَبل عامَين فقط تخلَّت إسرائيل عن ذلك الجُزء الجنوبي الساحلي البَحري المُسمّى قطاع غزّة، وعلى الفور تقريبًا تَعرَّضت إسرائيل لهجومٍ صاروخي من غزَّة. والآن هي مُهدَّدة بالهجوم من أعداء الشمال الذين يُطالبونَها بالتَخلّي عن الجُزء الشمالي من إسرائيل. ولمَ لا؟ فقد نَجَح الأمْر مع الفلسطينيين.

أفترِض أنه سيَكون من المَنطقي أن نَستنتِج أنّ كل ما فَعَلَتْه إسرائيل من خلال التَخلّي عن الأرض مُقابِل السلام هو تَشجيع أعدائها على المُطالبة بالمَزيد. ولماذا لا تَستطيع رؤية ذلك؟ لستُ متأكداً. لكن هذا ليس سوى الواقِع على الأرض. الواقِع الروحي السماوي هو أنّ الرَب على الأقلّ يَسمح لإسرائيل بدَفْع ثمَنٍ باهِظٍ على تَمرُّدِها عليه بالتَخلّي عمّا لا تملِكُه، أرض إسرائيل. لا يَحقّ للإسرائيليين (من مَنظور روحي) أن يُسلِّموا شِبرًا واحدًا من أرض إسرائيل لأي أحد، وخاصَّةً لأعدائهم. ولكنْ ليس من حقِّ أمَّتِنا أيضًا أن تقول إنّ مِفتاح السلام في المِنطقة هو فِعْلُ ذلك بالضبط. إنّه بالضبط مِحْوَر خارطة الطريق إلى السلام الّتي وَضعَتْها إدارة بوش، تَقسيم إسرائيل وإنشاء دولة فِلسطينية على أرض الرَب. من بَين كل الاحتِمالات، لا يُمكنني التَفكير في خِطَّة أسوأ من تلك الخِطَّة.

لقد شَهَقْنا جميعًا في وقتٍ أو آخر عندما قرأنا عن نبوءة آخر الزَمان التي تَقول إنه سيَتمّ بناء هَيْكَل جديد في القُدْس، ثمّ سيَضَع المسيح الدجال صورة لنفسِه داخل قُدس الأقداس ويُطالِب بأن يُعبَد كإله. لا يوجد فَرْق كبير حقًا بين دعوة أعداء الله للعيش على أرضِه المقدَّسة، والسَماح لعدوّ الله الأكبر أن يُعبَد في هيكلِه المقدَّس؛ فكلُّها سَيّان.

لذا، بينما يُمكِننا أن نَتعاطف مع مِحنة إسرائيل الحاليّة، ويمكننا أن نَكون موالين لرئيسِنّا ومُخْلِصِين لبلدِنا العظيم، إلا أننا كمُختارين من الله، لا يُمكننا أن نُصفِّق أو نكون طَرَفًا في مِثل هذه الخطة. في الواقِع علينا أن نُعارضَها بقوَّة وليس من خلال تقديم بعض الأسباب الجُغرافية السياسية، أو التَحدُّث عن العدالة أو حتّى عن القانون الدُوَلي، بل يَجب أن نقِف مع عهود الله التي أعْطَت العبرانيين تِلك الأرْض إلى الأبد، ولا يَهُمّ ما تَعتقدُه الهيئات الحُكومية البشرية.

لقد ذَهبتُ في هذا المُنعطف الظاهِري لأنّ السبب في الإجْراء الجديد لتأسيس القانون عن طريق السَوابق (فيما يتعلَّق بوِراثة الأرض في هذه الحالة) هو المَبدأ الإلهي المُتطوِّر الذي يَنُصّ على أنّ الأرض التي أُعْطيت لعائلة إسرائيلية مُعيَّنة يجب أن تَبقى في تلك العائلة. لذلك كانت الأرض تَنتقِل إلى الابن حيثُما أمكَن، لأن الابن يَحمِل اسم العائلة. أمّا البنات عندما يَتزوَّجْن فيَصْبِحْن تحت سُلطة وهَويَّة واسم عائلة الزَوج، فماذا يحدُث إذا تزوَّجَت تلك الفتاة من أجنَبي؟

قد ينظُر البَعض إلى هذا الأمْر الذي جَعلَه الرَب قانونًا كتَمييز عُنصري بين الجِنسَين، لكنّ الحقيقة هي أنّ البَنات كان يتمّ توفيرهُنّ بطريقة مُختلفة عن الأبناء. كانت البنات تَحصُلن على مُهور ثمينة عندما يتزوَّجْن. ولدينا سِجلاّت لرِجال أثرياء أعطَوا بناتِهم مُدُنًا بأكملِها كهدايا زفاف. الآن، بالطَبع، كان كل هذا يَعتمِد على مدى ثراء والد العَروس. ولكن كان الأمْر نفسُه بالنسبة للابن؛ فبالنسبة للإسرائيلي العادي كان يُعطى بِضعة فدادين من الأرْض وحُفنة من الغَنَم كهدية زفاف أو في بعض الأحيان كان هذا كلّْ ما يَرِثُه. وربما كان يَرِث بعض أواني الطَهي المَعدَنيّة أو بعض أدوات مِهنة الأب. ولم يكُن هناك انتقال كبير للأرض والثَروة إلاّ في بَعض الأحيان.

وعندما كانت الابنة تَتزوَّج، كان المَهر يُنهي أي مسؤولية للأب عن ابنتِه. فقد أصبَحت الآن مسؤولية زوجِها الجديد وعائلتِه.

إذا تزوَّجَت ابنة رَجُل من سِبط يهوذا من رَجُل من سِبط دان، لا تعود يهوذاوية تُصبِح دانية. بل أكثَر من ذلك، إذا تزوَّجَت ابنة رَجُل من سبط يهوذا من رَجُل من خارج أي سِبط إسرائيلية، تُصبح غريبة. لذلك إذا ورِثتْ ابنة رَجُل من بَني إسرائيل أرْض أبيها، ثمّ (على سبيل المِثال) شرَعت في الزَواج من رَجُل من أمَّة موآب الأمَمية، فسيَكون لديكَ إذَنْ امرأة غَير إسرائيلية تَستحوِذ على قِطعة من الأرض المقدَّسة؛ وهو أمْر مَرفوض بالتأكيد. ومع ذلك، اعتبارًا من هذه النُقطة في الكتاب المقدَّس كان هذا الأمْر بالتحديد احتمالاً حَقيقيًا لأنه لم يكُن هناك ما يَمنَع ذلك. لهذا السبب سَنَجِد فيما بَعد قوانين تَنُصّ على أنّ الابنة تَحتفِظ بهذا الميراث فقط طالما تزوَّجَت من داخِل قبيلتِها. أما إذا تزوَّجت ولَو من عِبراني آخر، ولكن ليس من سِبط أبيها، فإنها تكون عِرْضة لإبطال ميراثها في ظروفٍ مُعيَّنة.

في الآية الثانية عشرة، يَأخذ مَوضوع الإصحاح السابع والعشرين مُنعطفًا حادًا ويُعطينا قِصّة كَيفية اختيار قائد جَديد مَحَلّ موسى. كان هذا ضَروريًا لأنّ (أ) موسى كان رَجُلًا مُسِنّا جدًا وكان بعيدًا جدًا من أن يكون قائدًا لجَيش، و (ب) قرَّر الرَب أنّه لن يُسمَح لموسى (بسبَب ِ خَطيئَتِه في التَمرُّد على الله) بدخول الأرض. ومع ذلك، سيُسمَح لموسى، على الأقلّ، برؤيتِها.

لذلك لدينا موسى يَصعَد جبَلًا في سِلسلة من الجبال التي كانت تُسمَّى في ذلك الوقت أباريم؛ ومِن هناك يَحصُل على مَنظَر واسِعٍ لأرض الميعاد التي لن تَطأها قَدَمُه أبدًا. سَنَجِد لاحقًا أنّ هذا الجَبل بالتحديد يُسمَّى جَبل نيبو. ويقول الرَب أنه بعد وقتٍ قصير من رؤية موسى للأرض سيَموت. ثمّ في الآية الخامسة عشرة، يُظهِر وسيط إسرائيل ما في قلبِه من أجل الشعب بِطَلَبِه من الرَب أن يُعيِّن قائدًا جديدًا حتّى يهتمَّ بجماعة إسرائيل. والشَخص الذي اختارَه يَهوَه هو يوشع بن نون. يوشَع مُؤهّل جيدًا لهذا المَنصِب لأنه كان مُساعِدًا لموسى لفترَة طويلة كما أنّ له جدارة كبيرة في نَظَر الرَب لأنه كان أحد الكشّافَين اللذَين وَقفا ضِدّ بقية بني إسرائيل عندما تذبذبوا ورفَضوا الثِقة في الله للنَصْر على أعدائهم في أرض الميعاد.

بينَما يبدو الأمْر كما لو أنّ موسى سيَموت في الحال، إلا أنّه في الواقِع سيَمضي بَعضَ الوقت قَبل أن يَموت لأنه لا يزال هناك الكثير من الشرائع التي يَجِب أن يُعطيها، ويَجِب أن يوزِّع موسى الأراضي بالعَدل على كل سِبط. لنُلاحظ فَرْقاً مُثيراً للاهتمام بين موت هارون رئيس الكهنة (الأخ الأكبر لموسى) وما تَلاه من تَعيين لابنِه إليعازر تِلقائيّاً كرئيس كهنة جَديد، مُقابل الموت القادِم لموسى وما تَلاه من تَسمية الرَب لقائد جديد لإسرائيل.

أولاً، لمْ يَطلُب هارون من يَهوَه (كما فَعل موسى) رئيس كهنة بَدِيل لأنّ خَطّ الخِلافة كان مُحدَّدًا وتَلقائيًا. كان على ابن هارون البِكْر (أو ابنٌ آخر إذا كان ذلك البِكْر غير مُناسِب لأي سَبب من الأسباب) أن يُصبِح رئيس الكهنة الجديد، وكان هذا هو النَمَط المُتَّبَع من الآن فصاعدًا في خِلافة رئيس الكهنة. ومَع ذلك لم يكُن هناك خَليفة تلقائي (لا وَريث للمَنصِب) من موسى. ثانيًا، في الواقِع، لم يكُن هناك خليفة حقيقي لموسى على الإطلاق. لم يَتمّ نَقْل دور موسى الأكثر أهميَّة (كوسيط لإسرائيل). كان من المُقرَّر أن يكون يوشع قائدًا عَسكريًا لإسرائيل وليس وَسيطًا. عندما احتاجَ موسى إلى إجابات من الرَب، أو عندما أراد الرَب أن يقول لموسى شيئًا، كان يَهوَهْ يتواصَل مُباشرةً مع موسى. لن يكون الأمْر كذلك عادةً مع يوشع. لم يُصبِح يوشَع الوسيط الجديد لإسرائيل.

لقد ذَكَرْتُ من قَبل أنّ الرَب لم يُقدِّم في التاريخ كلِّه سوى وسيطَين اثنين، واثنين فقط، الآن وإلى الأبد. موسى كان الأول، ويشوع (يَسوع المسيح) الثاني. لم يكُن لأيٍ مِنهما خليفة أو بعضُ واجباتِهما؛ كان على يوشع أن يَحكُم إسرائيل ويَرعاها ويقودَها، ونحن المؤمنين علينا أن ننشُر البشارة ونُحبّ المَسيح وتَقدِمَتُه قربانًا. ولكننا لسنا الوسَطاء البُدلاء عن يسوع، نحن لسنا وسطاء بَديلين ليسوع، لسنا سوى تلاميذِه. لذلك مع موت موسى القادم سيَمضي حوالى اثني عشر قَرْنًا قَبل أن يُقدِّم الآب وسيطًا جديدًا أفضَل من موسى. والآن بعد مَوت يسوع وقيامتِه، لن يكون هناك وسَيط آخر. عندما يأتي مَرَّة أخرى، لن يَكون ذلك كوسيط، بل كفادي قَريب.

عَلاوةً على ذلك كما نَرى في الآية الثامنة عشرة، فإنّ يوشَع سيُكلَّف من قِبل رئيس الكهنة؛ أما موسى فَقد كلَّفَه الله (هذا هو بروتوكول مَسحَة الوسيط). في الواقع موسى هو الذي كلَّف الكهنوت. ثمّ في الآية عشرين نرى أنّه حتّى في الوقت الذي لا يَزال فيه موسى على قَيد الحياة سيحصُل يوشع على بعضٍ من سُلطة موسى. إذَن لدينا قيادة مُزدوجة ستَستمرّ لفَترة قصيرة: موسى ويوشَع كفريق قِيادة. ومع ذلك فمِن المفهوم أنّ موسى هو الأقدَم وبالتالي له سُلْطة على يوشع. لذلك نرى موسى يَتّكئ على يوشع. كَلِمة ” سماك“ بالعبرية تَعني ”يتَّكئ“. في وقتٍ لاحق يُصبِح المُصطلح رسميًا إلى سماكا، والذي يَعني مُباشرةً وَضْع اليَدَيْن بشكلٍ طَقسي.

من الناحِية التوراتية، تُشير كَلِمة سماكا، وَضْع اليَدَيْن، إلى الانتقال وفي بعضِ الأحيان يكون هذا الانتقال عِبارة عن تحويل سُلطة (مِثل ما حَصَل بين موسى ويوشع) وفي أحيانٍ أخرى يُمكن أن يكون انتقال الذَنْب أو الخطيئة من الإنسان إلى الحَيوان. لذلك، كلُّ ذبيحة حيوانية تقريبًا استَخدمَتْ السماكا وكان الغَرَض كلُّه من الذبيحة الحيوانية يَدور حول النَقْل والاستبدال. لذا فإنّ وَضْع الأيدي هذا كان رَمْزًا طقسيًا ورَسَمَ صورة تامَّة لما سيأتي مع مَجيء يشوع.

يَنتهي هذا الإصحاح بوقوف موسى ويشوع أمام أليعازر، رئيس الكهنة، والجَماعة كلُّها تُشاهِد بينما يشوع يُعطى مراسيم السُلطة. يَتُمّ ذلك أمام جميع الشَعب حتّى يَعترِف الجميع بأنّ يشوع هو اختيار الله، ويَخضَعون لقيادتِه.

لِنَنْتَقِل إلى الإصحاح ثمانية وعشرين.

اقرأ الإصحاح ثمانية وعشرين

الإصحاحان ثمانية وعشرون وتِسعة وعشرون هُما فِعليًّا التقويم العبري للذَبائح العامَّة. كما ناقشْنا مِن قَبل، هناك عددٌ من أنواع السَنوات التقويمية في كل مُجتمَع، في الولايات المتحدة لدينا السَنَة التقويمية العلمانية والسَنة الدراسية والسَنة الماليَّة وغيرِها. في إسرائيل لدينا السَنة التقويمية الدُنيوية، والسَنة التقويمية الطقسية، والسَنة التقويمية العُشرية، وغيرِها. ما يُزَيِّن هذا الإصحاح أكثر مما يؤسِّسُه هو السَنَة التقويمية الشعائرية الدينية. أقول يُزيِّن لأنه بين سِفْر الخروج وسِفْر اللاويين مُعظم ما نقرأه أصبَح شريعة؛ ولكن هذا القِسْم في الإصحاحين ثمانية وعشرين وتسعة وعشرين يُصمِّم الطقوس حَسبَ الوقت حين ستَحتفِل إسرائيل بهذه الذبائح والأعياد في أرضِها؛ ولذلك سيَكون لديها كلُّ الأطعمة والحيوانات والخَمْر وما شابَه ذلك مُتاحاً لأداء تلك الطقوس بشكلٍ صحيح ومُنتظِم.

الذبيحة هي في صَميم العبادة. دعوني أُكرِّر ذلك: القُربان جوهَر كُلّ العبادة القائمة على الكتاب المقدَّس. ذبائح التوراة هي صُوَر وأنماط كان يجب أن تؤخَذ حَرْفيًا وتؤدّى بدقَّة؛ ومَع ذلك فهي أيضًا نَبَوية عن الوقت الذي سيَأتي فيه المَسيح ليُحقِّق الغَرَض من تلك الذبائح.

لا يَملِك المسيحيون المُعاصرون عُمومًا فَهْمًا للتَضحية التوراتية. ويَرجِع ذلك جُزئيًّا إلى أنّ الكتاب المقدَّس لا يُكلِّف نفسَه عناء شَرْح أهميةِ وغَرَض كل نوع من أنواع وفئات الذبائح العديدة التي تمّ فرْضُها بعِناية فائقة في ناموس موسى. ولكن بالنِسبة لشَعب عَصر موسى ولألف سَنة من بعدِه، كانت الأهمية بَديهية، أولئك المُصلّون الذين كانوا يُقدِّمون الذبائح، والكَهنة الذين كانوا يُشرِفون على الذبائح، كانوا يَفهمون جيدًا الصورة العامَّة لإرضاء الله الذي أغْضَبتْه خطيَّة شعبِه، وكانوا يَفهمون الفروق الدقيقة التَفصيلية لأنواع كثيرة من الطقوس التي يقول الرَب أنّ لا غِنى عنها في تدبيرِه. إنّ القيام بطقوس الذبائح جَلَب معَه تلقائيًا فَهْمًا للحاجَة إلى تلك الطقوس. لقد فَهِم أتباع التوراة كم أنّ التَكفير مُكلِف ودَمَوي ومؤلِم. فَهِموا أنّ هناك مُستويات مُختلِفة من الإساءة إلى يَهوَه. لقد فَهِموا أنّ هناك بعض الخطايا التي لا يُمكن التَكفير عنها ببديل. فَهِموا أنّ الخطية والقداسة مُترابطان عُضوياً ومُتعدِّدا الأوجُه. لقد فَهموا أنه لا يُمْكِنُكَ أن تفصُل حياتَك عن إيمانِك؛ لا يمكنُك أن تتصرَّف بطريقة ما سِتّة أيام في الأسبوع، وبطريقة أخرى يوم السَبت. إنّ فِكرة أن يكون لديك مَجموعة من الأخلاق والآداب في عَمَلِك، ومجموعة أخرى في مَنزلِك، ومجموعة أخرى في الكِنيس لم تكُن مَعروفة لديهِم.

قَبل أن ندرُس الإصحاح الثامن والعشرين آية بآية أوَدُّ أن أُلخِّص الطقوس والاحتفالات القُرْبانية التي تَنُصّ عليها الشريعة. لقد مَضى وقتٌ طويل منذ أن نَظرْنا إليها لذا فهذه فُرصة جيدة لتذكُّرِها.

هناك أربَع فئات رئيسية من الذَبائح المَنصوص عليها في التوراة: واحد) ذبيحة المِحرقة، العُلى، وذبيحة التطهير، الحتات؛ وذبيحة الجَبْر أو ذبيحة الذَنب، العشام؛ وذَبيحة السلام، الشلاميم. إنّ البروتوكول الدَقيق للطقوس وأنواع الحيوانات المَنصوص عليها هو الذي يُحدِّد هذه القرابين ويُميِّزُها عن بعضِها البعض. ولكن كان هناك قاسِمٌ واحدٌ مُشترَك يَربِط بين كل فئة من هذه الفئات من القرابين: كان المُصلّي يُقدِّم الحيوان المُحدَّد، ويَضَع يَدَه على الحيوان، ثم يذبحُه حسب الإجراءات المُحدَّدة. بعد ذلك كان الكاهن يَرُشّ بَعضًا من دَم ذلك الحيوان على المَذبح البرونزي العَظيم، ثم يَحرُق بعض الحيوان أو كلِّه على المَذبح. كان يجب إحراق جميع الذبائح، لذلك يُمكِن القول إنّ جميع الذبائح كانتْ ذبائح مَحروقة.

لَعِب التَصرُّف في لَحم الحيوان دَورًا هامًا في خصائص كلّ نَوع من الذبائح. كانت العُلى تتطلَّب إحراق الحيوان بأكملِه على نار المذبَح؛ لذلك لم يكُن مَسموحًا لأحد أن يأكُل أي جُزء من هذا النوع من الذبائح. أمّا مع ذبائح الحتات وذَبائح العشام فقد سَمَح الكهنة في الهيكل باستخدام جُزء من الحيوان كطَعام. أما الشلاميم فقد سُمِح بإحراق أجزاءٍ مُحدَّدة من الحيوان على المَذبح، وأجزاء أخرى تُعطى كطعام للكَهَنَة، وعادةً ما كان الجزء الأكبر مِنها للمُصلّي العادي الذي أحْضَر الحيوان.

كانت العُلى تؤدَّى يَوميًا وبشكل روتيني، وكانت أكثر الذبائح التي تؤدَّى من بين جميع الذبائح. وكانت مَلِكَة القرابين وتُعتبر الأهمَّ بشكلٍ عام. أمّا الحتات فكانت تَحدُث كثيرًا، وعادة ما كانت تَرتبِط بانتهاء فترة طويلة من عدَم النظافة لسببٍ أو لآخر.

لم تكُن ذبيحة العشام في كثيرٍ من الأحيان مِثل الذبيحتَين السابقتَين، وكانت تُعتبَر خاصَّةً لأنها كان جزءًا من عَمليّة التَكفير لِمَن ارتكَب خطيئة خطيرة بشكلٍ خاص مِثل التجديف أو الزِنى.

كانت الشلاميم تُجرى كثيرًا؛ وغالبًا ما كان تُستخدَم عند إتمام النِذْر. وتُسمّى هذه الذبيحة أحيانًا ذبيحة ”الإرادة الحُرَّة“ لأنّ الشَخص الذي أراد بِبساطة أن يُكرِّم الرَب لأيّ سَبب من الأسباب كان بإمكانِه أن يُقدِّم ذبيحة الشلاميم بإرادتِه. إنّ احتفاظ العابِد بجزءٍ لا بأس به من اللّحم كان له عَلاقة كبيرة بارتفاع نِسبة استخدامِه. بموجَب القانون كانت الحيوانات المُستخدمَة للطعام تُذبَح في الهَيكل. ومن الناحية العَمليّة كان الأغنياء فقط هُم الذين يَتمتَّعون باللّحم بشكلٍ مُنتظِم. لذلك فإنّ المُواطِن العادي الذي كان يريد اللّحم كان يَنتظِر عادةً مُناسبة يُطلَب فيها ذبيحة سلام، ذبيحة شلاميم، حتّى يَتمكَّن من إرضاء الشريعة ورَغبتِه الخاصة في اللَّحم. أمّا الأغنياء فكانوا يَميلون إلى تَقديم العديد من ذبائح الشلاميم لأنَّهم كانوا يُريدون اللحم على المائدة بشكلٍ شِبه يَومي. لذلك كان الأغنياء يَميلون إلى الظهور بمَظهَر التقوى (وبالتالي يَعتبرون أنفُسَهُم أكثر بِرًا من الفُقراء) بتقديم كل ذبائح السلام هذه، على الرُّغم من أن دافِعَهُم كان قِطعة لحم خروف لذيذة طريَّة.

في كلِّ ذبيحة من هَذه الذبائح، يُصبِح الحيوان الذبيحة بديلاً عن صاحِب الحيوان. أي أنّ الحيوان يَموت بدلًا من الشخص الذي قَدَّمَه؛ يموت الحيوان كَفِدْيَة عن خطايا العابِد.

خلال ذبيحة عُلى يُحرَق الحيوان بالكامِل ويُتلَف، وهذا يُمثِّل صورة لما يُدين به كل إنسان على الأرض للرَب عن خطايانا. نَحن مدينون له بمَوتنا الجسدي والأبدي.

تَتَطَلَّب الحتات أن يَتمّ تلطيخ المَذبح بدَم الحيوان والغَرَض من هذا الدم المُلطَّخ هو التَطهير. إنّ المَذبح وجميع الأماكن والأشياء الطَقسية تَتنجَّس بسبب خطايا البشر. الشيء الوحيد القادِر على التَطهير هو الدَم. بدون التَطهير المُستَمرّ لمنطقة الهَيكل، لن تَكون هناك طريقة يمكن أن يَعيش فيها الإله القدّوس.

الآن، تَقدِمَة العشام مُثيرة للاهتمام لأنّها تُمثِّل سداد دَين. إنّ دَم الحيوان، الذي يُمثِّل حياة الحيوان، يُقدَّم لله بسبب خطايا العابِد، هو تَعويض مَدفوع للرَب عن إثمِنا تجاهَه.

كانت الشلاميم، ذبيحة السلام، هديَّةَ ”شُكْر“ للرَب. كانت تُقدَّم عادةً عندما كان مُقدِّمُها يَختبِر العافية وأراد أن يَعترِف بأنّ يَهوَهً هو مَصدر هذه العافية، أو كما يوحي اسم التَقْدِمَة بأن العابِد كان يَختبِر الشالوم (السلام).

إذًا كما تَرَون، التَكفير والخَطيّة أمران مُعقَّدان. قد يَبدو الأمر بسيطًا ومُباشَرًا بالنّسبة للأممي على وَجه الخصوص، الذي ليس لديه أي مَعرِفة على الإطلاق بنِظام الذبائح. لكنَّ مَوت مُخلِّصنا كذبيحة تَكفير لم يكُن بسيطًا. أبونا لم يُقلِّل من تَعقيد الخطيَّة والكفّارَة عندما مات ابنُه ثم قام من بين الأموات. عقائد البَشر كانت تَفعَل كل شيء مُمكن لتَمْنَعَنا حتّى من قراءة نواميس الله وفرائضِه؛ عقائد البشر التي تَستبدِل الكتاب المقدَّس بعبارات مُبسَّطة جدًا مِثل ”الخطيئة هي خطيئة، لا يَهُمّ ما هي“ (وهو اعتقادٌ شائع داخِل الكنيسة). أو أنّ ”ذبيحتَنا“ هي ببساطة إجابة لنِداء المَذبَح في إحياء أو خِدمة الكَنيسة؛ أي أن نَمضي قُدُمًا ونَقول نَعمَ لدَعوة يسوع. أو أسوأ من ذلك أنّ أعمالَنا وتصرُّفاتِنا لا عِلاقة لها بأيِّ شيء. من المؤكَّد أنّ أعمالَنا وتصرُّفاتِنا لا يُمكِن أن تُكسِبنا الخلاص أبدًا؛ ولكنَّها مقياس لالتزامِنا بمُخلِّصِنا وبمبادئ يشوع الأبدية.

سَنُكمِل مع الإصحاح الثامن والعشرين الأسبوع القادِم.