18th of Tevet, 5785 | י״ח בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » العدد » سِفْر العدَد الدرس ستة وعشرون – الإصحاحات واحد وعشرون واثنان وعشرون وثلاثة وعشرون وأربعة وعشرون
سِفْر العدَد الدرس ستة وعشرون – الإصحاحات واحد وعشرون واثنان وعشرون وثلاثة وعشرون وأربعة وعشرون

سِفْر العدَد الدرس ستة وعشرون – الإصحاحات واحد وعشرون واثنان وعشرون وثلاثة وعشرون وأربعة وعشرون

Download Transcript


سِفْر العدَد

الدرس ستة وعشرون – الإصحاحات واحد وعشرون واثنان وعشرون وثلاثة وعشرون وأربعة وعشرون

لقد أمضَيْنا الأسبوع الماضي بأكملِه في قُسْم صغير جداً، ولكن صَعْب، من الكتاب المقدَّس: الحَيَّة البرونزية على العَمود. لن أراجِعه معكُم اليوم، لأنه مُعقَّد للغاية. إذا فاتكُم، أو أردتُم مراجعتَه مرَّة أخرى، أنصحُكم بالحصول على القُرص المُدمَج أو مراجعتَه على موقِعنا الإلكتروني لدَرس التوراة.

سيَكون هذا الأسبوع مُختلفًا تمامًا؛ لأنّنا سنَقوم بقراءة كَمٍّ هائل من المَعلومات دُفعة واحدة ذلك لأنّ القِصّة التي سنَستكشفُها مُهمَّة، ولها العديد من الآثار اللاهوتية، وتُغطّي ثلاثة إصحاحات كامِلة. لا أحبُّ تقسيم القِصَّة لأننا قد نَفقِد عُنصر الاستمرارية.

تُغطّي قصة الحيَّة والعَمود بأكملِها ستّ آيات فقط في الإصحاح واحد وعشرين من سِفْر العدد، وهي في الأساس تُقاطِع سِفْر بني إسرائيل أثناء مغادرتِهم جَبل حور ليَسيروا عَبر بَحر سوف عائدين إلى الجنوب لكي يَتجنَّبوا الصراع مع سكَّان أدوم. وللتَذكير، كانت هذه مِنطقة صَعبة للغاية وجافَّةً وَوعِرة وتَذمَّر العبرانيون المُتعبون من هذا القرار، وهذا ما أدَّى إلى البلاء الإلهي المُتمثَّل في لدغات الأفاعي، ثمّ إلى علاجِهم (الحيَّة على العمود).

تَتحدَّث الآية عشرة عن تقدّمِهم نحو وجهتِهم… الذي تَكتسب الآن زَخماً. لا بد أنه كان من السَهل على هؤلاء اللاجئين أن يَنسوا بعدَ رحلة دامت اربعين سنة أنّ هدفَهم الأصلي كان كنعان. لقد حُوكِموا مرّات عديدة من قِبل يَهوَه، وقُتِل عدد لا يُحصى منهم نتيجةً لذلك. لقد هُوجِموا من قِبل الأمم؛ بَعضُهم خافوا من اقترابهم والبَعض الآخر خافَ من السَلب والنَهب. كان نِظامهم الغذائي الأساسي طوال هذا الوقت هو المَنّ، وقَد سئموا من ذلك. كان مجرَّد الحصول على الماء عمَلاً إيمانيًا وروتينيًا.

كانت الحياة اليَومية، والبقاء على قَيد الحياة، أولويَّة في أذهانِهم. كانت كل تحدِّيات الحياة ومَطبَّات الطريق من خلافات عائلية وتَصدُّع في العلاقات جزءًا من حياتِهم أيضًا: الزواج، والطلاق، والموت، والمَرَض، والإصابات، والنِزاعات مع الجيران. هناك مَثَلٌ قديم يَعرِفه سكّان فلوريدا بشكلٍ خاص يُعبِّر عن عَقلية بني إسرائيل بشكلٍ جيّد: ”عندما تكونُ غارِقًا حتّى أخمص قدمَيك بين التماسيح، من السَهل أن تَنسى أنّ الفِكرة الأصلية كانت تَجفيف المُستنقع“.

بحلول ذلك الوقت، حدَث تَحوُّل كامِل تقريبًا لسكان العبرانيين الذي كانوا بقيادة موسى. لم تكُن تركيبة بني إسرائيل تُشبِهُ بأي حال من الأحوال ذلك الحَشِد من سكان المدن الذين فَرّوا من فرعون قَبل أربعين عامًا تقريبًا. مات معظم الذين تَجاوزوا سِنّ العشرين عند مُغادرة مصر ودُفِنوا في رمال الصحراء؛ في الواقع كان موتُهم شرطًا مسبقًا وَضَعه الرَب لدخول أرض الميعاد، بسبب رَفْض بني إسرائيل الخروج وأخْذِ الأرض (نتيجةً لحادثة الجواسيس الاثني عشر). كانت غالبية سكان إسرائيل مُكوَّنة من أولئك الذين لم يَعيشوا في مصر، ولم يَعيشوا أبدًا في مدينة أو قَريَة لأنهم وُلِدوا في البرّية، في خيمة، خلال هذه الرحلة الشاقَّة. غالبِيَّة بني إسرائيل لم يَعرِفوا سوى نَمَط حياة البدو الرُحَّل. ضَعْ هذا في الاعتبار ونحن نَمضي قُدُمًا في قصَّة غزو أرض كنعان.

دعونا نُعيد قراءة سِفْر العدد الإصحاح واحد وعشرين الآية عشرة إلى نهاية الإصحاح.

اقرأ العدَد الإصحاح واحد وعشرين الآية عشرة إلى النهاية

سَننتقِل من خلال هذا بسرعة كبيرة حتى لا نَتعثَّر.

في الأساس، تَبدأ القصة عندما يَدخُل بنو إسرائيل المنطقة التي غالباً ما تُسمّى شرق-الأردن. كانت مَعروفة بهذا الاسم فقط خلال قَرْن العشرين. تُعرَف المنطقة أكثر باسم المَملكة الأردنية الهاشميّة في العَصر الحديث.

نَحصُل على بعض التَفاصيل الإضافية عن ذلك في سِفْر التثنية ، لكنّ الفِكرة هي أنَّهم حاوَلوا جاهدين تَجنُّب النزاعات مع الشعوب التي لها صِلة بَعيدة بإبراهيم، مِثل الموآبيين والأمونيّين الذين يَنحدرون في الأصل من ابن أخ إبراهيم، لوط. لذا، نَجِد أنّ بني إسرائيل بَقوا في الأطراف الخارجية لأراضي موآب على أمَلْ ألا يُثيروا مشكلة؛ ومَع ذلك، لم يكُن هناك مَفَرٌّ من ذلك. لقد كان هناك عدد كبير جداً من بني إسرائيل ولم يكُن بالإمكان تَجاهُل وجودِهم ببساطة: وبالنسبة لسُكّان الأراضي والمُدُن القائمة في الشرق الأوسط كان هؤلاء الثلاثة ملايين عبراني لا يَختلفون كثيراً عن حَشْد من الجَراد.

تَجِد الآية الثالثة عشرة إسرائيل الآن في أقصى الشمال وإلى الغَرْب من البَحر الميت. أرنون نَهر يَصبّ في البحر الميت من الشرق ويُمثِّل الحدود الجنوبية لموآب. افهَموا أنه كما هو الحال في أيّامِنا هذه، كانت الشذوذات الجِغرافية مِثل الأنهار والسَلاسل الجبليَّة تَميل إلى أن تكون نِقاط ترسيم الحدود حيثُ تتوقَّف حدود أمَّة وتبدأ حدود أمَّة أخرى. ولكن افْهَم أيضًا أنّ بعض الَمناطق كانت تَميل إلى أن تكون أكثر استقرارًا من الناحية السياسية والبَعض الآخر كانت في حالة تَغيُّر مُستَمرّ. كانت أرض كنعان مُستقرَّة إلى حدٍ ما، بينما كان حُكّام منطقة موآب يَتغيَّرون باستمرار، وبالتالي كانت الحدود تَتغيَّر باستمرار.

هذا ما جَعَل غزو بَعض المناطق أسهَل من غيرِها؛ فالمَناطق التي كانت أكثر استقرارًا كانت تَميل إلى أن تكون لها مُدُن كبيرة مُسوَّرة. أمّا المَناطق التي كانت تَتغيَّر باستمرار فتتألّف في المقام الأول من قُرى غير مَحميّة لأنّ بناء سور مدينة للدفاع الاستراتيجي يَستغرِق سنوات وموارِد كَبيرة.

لذلك نَجِد بني إسرائيل يَذهبون طواعيةً إلى المَعركة ضدَّ مَلِك الأموريين، وهو شخص يُدعى سيشون، ويَقضون عليه بإجراءات موجزَة. لم يكُن بنو إسرائيل يَنْوون مُحاربة الأموريين، بل فَضَّلوا ببساطة المرور عَبر أراضيهم لعبور الأردن ودخول كنعان. لذا، وكما في القِصَّة السابقة عن مواجَهة بني إسرائيل مع أدوم، أرْسَل موسى مَبعوثًا إلى سيشون طالبًا الإذن بالمرور، مع وَعْد بعدَم شَنّ حَرْب، أو إزعاج مَحاصيل حقول الأموريين أو أخْذ المياه من آبارهم. بالمناسبة: الاتِّفاق على ”عدم أخْذ المياه من آبارهم“ لا يجب أن يؤخَذ بالطريقة التي قد تظُنّها. الكَلِمة الأساسية هي ”أخْذ“. لم تكُن هناك طريقة يمكن أن يَتجنَّب بها شعب إسرائيل استخدام مياه الآبار التي يَملِكها الأموريون. كلّ ما في الأمْر أنّ موسى كان يَعِد بعدم ”سَرِقة“ المياه، وعدم أخْذِها بالقوَّة أو الخداع، بل أنّ إسرائيل ستَستفيد من الآبار عَلَنًا وستُعوِّض المَلِك عن المياه التي استخدمَتها. تلك كانت طريقةُ مُختلَفِ الثقافات الصحراوية في تلك الحَقبة.

ولكن كما هو الحال مع أدوم، يقول مَلِك الأموريين ”لا“. لا يَتردَّد بنو إسرائيل: فَهُم لن يحاولوا إيجاد طريق آخر إلى الأرض في هذه المَرحلة. لقد بدأوا يَتحسَّسون ما لديهم من قوة ويَعرفون مدى قُربِهم من وجهتِهم النهائية، كنعان، لذلك لديهم الكثير من الحَوافز لوَضْع حياتِهم على المِحَكّ وخَوض المَعركة. وكانت النتيجة احتلال إسرائيل بشكل أساسي قَلْب منطقة شرق-الأردن. لقد كانت أرضًا رائعة وخصْبة وجميلة. قَتَلت إسرائيل العديد من الأموريين، واستولَت على مُدُنِهم وقُراهم، وانتقلَت إليها. كانت حَشبون عاصمة المَلِك سيشون واستولَت عليها إسرائيل أيضًا.

من المُهمّ هنا أن نَفهَم أمْرَينِ مهمَّين للغاية عند دراسة الأسفار اللاحقة من العَهد القديم مِثل سِفْر القضاة. الأمْر الأول هو أنّ الأموريين لم يَكونوا من السُّكَّان الأصليين في شرق-الأردن. لقد كان مَوطِنهم بلاد ما بين النهرين ونزَلوا من هناك واستوْلوا على المِنطقة التي كان موسى وإسرائيل يُسافرون عبْرَها. ثانيًا: لقد احتَلّوا موآب بشكلٍ أساسي؛ وبشكل أكثر تحديدًا أقاموا علاقة مَلِك/ تابِع مع موآب بحيث أنّ موآب خَضَعت لسيشون الأموريين. وهكذا أصبَحت موآب تابِعة للأموريين ولم تَعُد أمَّة مُستقلَّة ذات سيادة. ونَجِد أيضاً أنه بينما كانت أمَّة عمون تَقعَ إلى الشمال والشرق من موآب، إلا أنها تأثَّرت أيضاً بوجود الأموريين. كان عدَد من السكان الأموريين قد أنشأوا قُرى خارج عمون- موآب في مِنطقة قريبة من نَهر الأردن. احتلَّ الأموريون تلك المِنطقة وأخضَعوا عمون نفسَها بدرجة أقَلّ. وهكذا عندما هَزَم موسى وإسرائيل المَلِك سيشون مَلِك الأموريين، كان البروتوكول المُتعارَف عليه في ذلك الوقت يَعني أنّ كل ما كان يُسَيْطِر عليه المَلِك سيشون قد انتقَل إلى إسرائيل. خُلاصة القول: على الرُّغم من أنّ إسرائيل فازَت بأرض موآب، إلا أنه كان يُنظَر إليها على أنها قد حَصَلت عليها من الأموريين الذين كانوا يَحكُمون موآب، ولا يعني أنّ إسرائيل قد غَزَت موآب.

يُمكِن مُقارنة ذلك بمَثَل إذا هاجَمَت قوة أجنبيّة ما الولايات المتَّحدة الأمريكية واحتلَّتْها، فإنّ شعب إقليم بورتوريكو الأمريكي سيُصبح أيضًا تحت سيطرة الفاتِح، على الرغم من أنّ الفاتِح واقعيًا لم يُهاجِم بورتوريكو نفسَها واحتلَّها.

الآن أعتقدُ أنّني أستطيع أن أقول بكل تأكيد أنّه حتّى هذه اللحظة لم تُفكِّر إسرائيل في احتلال الأرض الواقِعة شَرق نَهر الأردن. لم تكُن هذه الأرض كنعان. لم تكُن أبدًا كنعان، وما وَعَد الله به إبراهيم كان كنعان. وبما أنّ الأرض التي وُعِد بها العِبرانيون حتّى الآن لم تكُن سوى أرض كنعان (أي بالنسبة لِبَني إسرائيل الأرض الواقِعة على الجانب الغَربي، الضِفَّة الغربية لنَهر الأردن) فقد بدا هذا الأمْر وكأنه مُكافأة غير مُتوقَّعة. ولكن لأنّ سيشون الأموريين فَرَضَ الأمْر بالقوة وهاجَم إسرائيل، وجدَتْ إسرائيل نفسَها فجأة مالِكةً لأراضٍ كثيرة على الجانب الشَرقي من الأردن.

في وقتٍ لاحِق في سِفْر العدد سَنقرأ عن التقسيم التاريخي للأرض، قبيلةً تِلو الأخرى، مع إشراف موسى على تَقسيمات الأراضي القَبَليّة. وسنَجِد أنّ قبيلتَين من بني إسرائيل، وحوالى نِصف قبيلة أخرى، قد أُعطيَت أرضاً في المكان الذي نَجِد بني إسرائيل فيه هنا في سِفْر العدد واحد وعشرين. لاحِظ أنّ الآية خمسة وعشرين لا توضِح أنّ إسرائيل لم تأخُذ ببساطة كل هذه المُدن شرق الأردن، بل أنها استقرَّت فيها؛ لقد جعلتْها وَطَنًا لها.

وهل يمكنُك أن تلومَها؟ لا بدَّ أنّ الأمْر بدا جيدًا للغاية بالنسبة لأولئك العبرانيين الذين كانوا أطفالاً أو مُراهِقين عندما هَرَب بنو إسرائيل من مصر. لا عجَب أنّ حوالى رُبع بني إسرائيل المُتْعَبين في الطريق قرَّروا ألا يواصِلوا طريقَهم إلى أرض الميعاد، بل قرَّروا أن يَبقوا في الأرض الواقِعة على الجانب الشرقي من الأردن. الأرض التي احتلَّتها إسرائيل بسهولة نِسبيّة من الأموريين لأنّ أعداد الأعداء كانت قليلة نِسبيًا، وقُراهم غير مُسوَّرة.

بَعد ذلك تحرَّكَت إسرائيل أبعَد قليلاً نحو مَكان يُسمَّى باشان. وبالطبع كانت مدينة باشان تأمَل أن تَتَجَنَّب ما حدَث لجيرانِها. ويبدو أنّ موسى قَبْل أن يُقرِّر ما إذا كان سيَغزو باشان أم لا، استشار يهوذا، وقال الله لموسى أن يَمضي قُدمًا ويَغزوها؛ وفي الواقع أنّ الرَّب قد قرَّر ذلك مُسبقًا.

كانت أراضي باشان تَمتدّ شمالاً حتّى جَبل حرَمون، وشرقاً حتى طريق المَلِك السريع تقريباً، وغرباً حتّى التلال الواقِعة على الجانب الغَربي من بَحر الجليل، وجنوباً حتّى خَطّ أسفَل نَهر جابوك بقليل (جابوك هو ذلك المَكان الذي تَصالَحَ فيه يعقوب مع أخيه التوأم عيسو قَبْلَ حوالى خمسة قرون).

لذلك قَبْلَ أن يَدخُل بنو إسرائيل حتّى إلى كنعان (وِجهتِهم) حَصَلوا على مَساحة كبيرة من الأرض واستَقرّوا فيها. وكانت تلك المِنطقة في المَقام الأول ما يُعرَف الآن بالمملكة الأردنية الهاشمية الحديثة، الواقِعة على الجانِب الشرقي من نَهر الأردن. لذلك أوَدّ أن أقول إنّ النظام الحالي الذي يُسيْطِر على الأردن حَكيم لأنه يُحاول صُنع السلام مع إسرائيل؛ لأن بني إسرائيل احتَلُّوها قَبل أن يَحتلَّها العَرَب الإسماعيليون بوقت طويل، ويَقول الكتاب المقدَّس أنّ الرَب يرى أنّ تلك الأرض مُلك لإسرائيل. عندما ننظُر إلى المَقاطع اللاحقة من الكتاب المقدَّس نَجِد أنّ ما وُعِد به إبراهيم كأرض موعودة تتسِّع في الواقع في سِفْر حزقيال لتَشمَل شرق الأردن.

يُمكِن للمَرء أن يقِف عند مُفترَق الطرق بالقُرب من أريحا، نازلاً من أورَشليم (حيث يَتقاطع الطريق إلى قمران ومسعدة)، ويَنظُر إلى الطرَف الشمالي للبحر المَيت ويرى في الواقع الأرض الواقِعة على الجانِب الشرقي من الأردن التي احتلّتْها إسرائيل، وهي أيضًا بشكلٍ عام المِنطقة التي ستَعبُر إليها إسرائيل في النهاية إلى كنعان.

دعونا نَنتقِل الآن إلى سِفْر العدد الإصحاح الثاني والعشرين وقِصَّة بلعام وبالاق الشهيرة في الكتاب المقدَّس. قِصَّة بلعام وبالاق طويلة جدًا. إنها تُغطّي ثلاثة إصحاحات كامِلة. ولكي نحصُل على أفضل صورةٍ شامِلة لِما حَدَث، نَحتاج لأن نقرأها بالطريقة التي كُتِبت بها في الأصل، وليس مُجزَّأة إلى أجزاء.

لذلك، سنَقرأ الإصحاحات اثنان وعشرون وثلاثة وعشرون وأربعة وعشرون من سِفْر العَدد على التوالي.

اقرأ الأعداد اثنان وعشرون وثلاثة وعشرون وأربعة وعشرون بالكامل

حسنًا الآن أعتقِد أننا جميعًا يُمْكِنُنا أن نرى أنّ استخدام ”العَدد“ كعُنوان لهذا السِفْر كان سيّئًا؛ لأنّ سِجلاّت الحِساب والإحصاء بالكاد مَذكورة في هذا السِفْر. وأطلُب منكُم أن تفهَموا أنّ جميع العَناوين التي نَستخدمُها نحن المسيحيين لمُختلف أسفار الكتاب المقدس هي من اختراع البَشر بطريقةٍ أو بأخرى. ليس ذلك خاطئ أو زائف، ولم يكُن القَصْد منها الخداع، ولَكِنَّها مجرَّد وسيلة بسيطة لتَحديد مجموعة مُعيَّنة من الكتب المقدَّسة. ولكن يجِب ألاّ نكون ساذجين أو جاهلين لدرَجَة أننا لا نعرِف في هذه المرحلة من مَسيرتنا المسيحيّة أنه لا يوجد شيء مقدَّس من الله في أسماء كُتُب الكتاب المقدس أو تَقسيمات الإصحاحات أو أرقام الآيات. لقد تَمَّت إضافتُها منذ زَمن بعيد منذ أنْ كُتبت الأسفار المقدَّسة لتُساعِدَنا على الدراسة والتواصُل. كان العبرانيون يَميلون إلى استخدام الكَلِمات القليلة الأولى من أي كتاب جديد كعُنوان له؛ أما اليونانيون فكانوا يَميلون إلى استخدام كَلِمة شَعروا أنها تُعبِّر عن الغَرَض العام للكتاب، أو كما هو الحال مع العَهد الجديد، إلى من كان مُوجَّهاً إليه أو إلى من نُسِب التأليف.

الآن قِصَّة بلعام وبالاق هذه لها عُمق لاهوتي أكثر بكثير مما هو ظاهِر. يَتذكّر العالَم المسيحي الأُممي هذه الحادثة بشكلٍ رئيسي بسبب الحِمار الناطِق، مع رسالة مفادُها أنه إذا لم يَستطِع الله أن يجعَل إنساناً يقوم بأمْرِه أو يتكلَّم بكَلِمتِه، فإنّه يَستطيع حتّى أن يَستخدِم حيواناً. والحَقّْ يُقال، ربما يكون هذا أقلّ ما يَتمّ تَعليمُه لنا هنا.

السؤال الأول المَنطقي الذي يجب أن نَطرحَه حول هذه القِصَّة هو: هل هذا حَدَث حقيقي، أم أنها خُرافة عِبرية؟ أعلم أنّ هذا السؤال قد يُزعِج البعض منكُم على الفور لأنني أتجرَّأ على طَرْح مِثل هذا الاحتمال. لذلك اسمحوا لي أن أجيبَ عليه بطريقة آمُل أن تريحَكُم.

غالبًا ما كان يسوع يُعلِّم عن طريق أداة أدبيَّة يُسمّيها العلماء المُثُل. هل كانت أمثال يسوع قِصصًا حقيقية لأحداث حَقيقية؟ هل كان هناك حقًا عَشر عذارى يَرتدين ثيابًا بيضاء ويحمِلْن مصابيح الزَيت في الليل؟ ماذا عن القَمح والزَوان؟ المَثَل هو حقيقة تُروى باستخدام إيضاح، صورة كَلامية. لم يَخترِع يسوع المَثل؛ كان المَثل أداة أدبية نموذجيَّة في ذلك العَصر واختُرِعت قَبل ذلك بقرون. يَستخدِم الكتاب المقدس الاستعارات بِكَثْرة، وغالبًا ما يكون الغرَض مِنها العُنصر المُفاجئ. لم يكُن من الضروري أن تَكون الأمثال التَوضيحية حَدَثًا حقيقيًا، على الرُغم من أنّ شيئًا مُشابِهًا قد حَدَث واستُخدِم ليَتخيّل الناس الذين كانوا يَستمِعون الصورة والفِكرة. في كثير من الأحيان كانت الأمثال مُبهَمة لدرَجة أنّ حتّى أقرَب تلاميذ يسوع ظَنّوها ألغازًا. لذلك إذا كنتَ تَجِد صعوبة في بعض الأحيان في فَهْم أمثال يسوع وتَحتاج إلى مُعلِّم ليشرَحَها، فلا تيأس؛ فالرِجال الذين أرشدَهم يسوع أنفُسُهم وَجدوها مُحيِّرة.

المَثَل هو قِصَّةٌ مُصمَّمة لتجسيد مبدأ إلهي، ولكنّها لم تكُن دائمًا سَرْدًا لحَدَث حقيقي، ولكن ذلك لا يَجعلها كذِبًا أو خيالاً. سنَجِد رُخصَة شِعرية في الكتاب المقدَّس، الكثير منها. سنَجِد المُبالغات (المبالغة) لإثبات وِجهة نظَر (كان بولُس الرسول بَطَلًا حقيقيًا من أبطال المُبالغة). سنَجِد تسجيلات لرِجال يُدْلون بأقوال كاذبة (المَلِك داود على سبيل المِثال) حول ما حَدَث (لكي نرى أنهم يَكذبون)، سنَرى رجالاً يَفعلون أشياء فَظيعة، سنرى رِجالاً يَقولون شيئًا غَير صحيح تمامًا عن الرَب. هذا كلُّه جزء من كيفية تَوصيل الكتاب المقدَّس للحقيقة المُطلقة وتَنويرنا.

إنّ أخِذْ الكتاب المقدَّس حَرفيًا لا يَعني أن نأخُذ المُبالغة وكأنَّها ليست كذلك، ولا الاستِعارة وكأنها تَشبيه مُباشَر، ولا أن نأخُذ القصيدة وكأنّها تاريخ غَير عاطفي، ولا التاريخ وكأنّ لكلّ حَدَث معنى روحي عميق.

من المُحتمَل جدًا أن تكون قصة بالاق وبلعام قصَّة مُنمَّقة مَبنيّة على شيء حدَث بالفِعل؛ حدَثْ تاريخي تمّ التوسُّع فيه وتضخيمُه. ربّما كان هناك في الواقع عرّاف اسمه بلعام، ومَلِك اسمه بالاق. ربما كان بالاق في الواقِع قلِقًا للغاية من هذا التسونامي الإسرائيلي العملاق الذي كان قادِمًا في طريقِه وطَلَب مساعدة إلهية لمواجهتِه. والدليل الرئيسي على أنّ هذه القِصَّة تكاد تكون بالتأكيد جزءًا من خُرافة، هو الحمار الناطِق؛ وثانيًا أنّ القِصة بأكملِها تَظهَر ببساطة كمُنعطَف في السَرْد التاريخي لاقتراب إسرائيل من أرض الميعاد. ثالثًا، نرى أنّ هذه القِصَّة بأكملِها كانت مُقحَمة في سِفْر العدد في تاريخٍ مُتَأَخِّر قليلاً، وأنّها على الأرجح أُضيفَت على أجزاء.

ومَع ذلك، تمامًا مِثل أمثال المسيح، فإن ما يتمّ تَعليمه من هذه القصَّة هو حقيقة إلهية وبعضُها نَبَوي. في الحقيقة هناك على الأرجَح مَعنى لاهوتي مُكثَّف في هذه القصة أكثر من أي مكان آخر في الكتاب المقدَّس. تُشير قصة بلعام وبالاق إلى كتاب مقدَّس داخل الكتاب المقدَّس، أو توراة داخل التوراة. لهذا السبب سوف ندرُسُها عن كَثَب.

تَبدأ هذه الأسطورة اللاهوتية بالمَلِك بلعام، مَلِك موآب، التي كانت أمَّة تابِعة يَحكُمها الأموريون. كان بالاق قلِقًا من كل هؤلاء الإسرائيليين الذين كانوا على حدودِه. من المُثير للاهتمام أنه قيل لنا أنّ بالاق كان ابن شخص اسمه تسيبور لأنه يُذكِّرنا باسم زوجة موسى، تسيبورا. نعم، إنه في الواقع نَفْس الاسم. تسيبور مُذكَّر، وتسيبورا مؤنَّث، ومَعناه "طائر".

والآن كيف يمكن أن يَكون لوالد بالاق وزوجة موسى نَفْس الاسم، خاصةً وأنّ هذا الاسم مَوجود في ثقافة واحدة فقط: مِديان؟ نُجاب على هذا السؤال بشكل جيد جداً في الآية سبعة لأنّها تَقول إنّ شيوخ موآب اجتَمعوا مع شيوخ مديان ليَروا ماذا عليهِم أن يفْعلوا مع هذه المُشكلة العبرانية. وبعِبارة أخرى كان هناك تحالُف إقليمي مَوصوف بين موآب ومِديان. وكما يَحْدُث حتّى يومِنا هذا في المُجتمعات القَبَلية والمَلَكية على حدٍ سواء، فإن التزاوُج وتَبنّي عناصر مُعيَّنة من ثقافة وعادات الحليف المأمول (خاصّةً فيما يَتعلَّق الأمر بِتَبَنّي الأسماء) هو الطريق المُعتاد لتوطيد هذا النوع من التَحالف. كما رأينا منذ بَعض الوقت كانت تسيبورا (زوجة موسى) من أهْل مديان، وكان اسم تسيبورا في الواقع اسمًا بَدويًا شائعًا إلى حدٍ ما. لذا يمكننا أن نَرى بسهولة أنّ والِد بالاق كان قد تَبنّى اسمًا مديانيًا، تسيبور، لإظهار المَودّة لحليفِه مديان.

لقد اجْتاح جيش إسرائيل الأموريين، لذلك عَرَف شعب موآب أنّهُم على الأرجح لن يَستطيعوا إيقافَهم بقوَّة السِلاح فقط، رغم أنهم سيُحاولون بلا شك. الحَلّ؟ السِحِر لتعزيز فُرَصِهم في النَصر. لذلك سَعوا إلى استئجار ما يَجب أن يكون ساحرًا مَعروفًا ومُحترمًا للغاية اسمه بلعام.

إنّ مِفتاح فَهْم قصتنا هو أنّ بلعام عاش في بلادِ ما بين النَهرين؛ لقد كان من الوثنيين. كان عرّافًا وساحِرًا ومشعوذًا.

كان بلعام يَعيش بالقُرب من نهر الفُرات، على بُعد حوالى اثني عشر ميلاً فقط من كركميش. هذه مِنطقة تُعرَف أيضًا باسم آرام. ومع ذلك، في أرْض مليئة بالآلهة الوثنية ونظام ديانة صوفية مُتطوِّرة تمامًا، لسبب ما بدا أنّ بلعام هذا كان يَعرِف (ربما حتّى أنه تَبنّى) إله إسرائيل. لا نَعرِف كيف أو لماذا. ولكن، دعونا نَتذكَّر أيضًا أنّ إبراهيم (الذي بدأ أيضًا كوَثَني) كان من بلاد ما بين النهرين وقَبِل بسهولة هذا الإله يَهوَه، ولا نَجِد تفسيرًا لماذا لم يكُن لدى إبراهيم أي هواجس تجاهه.

الآن من المُثير للاهتمام أنّ شخصية بلعام تُصوَّر بالتناوب على أنها شريرة ثم بَارّة. في بعض النواحي، هناك نوع من الحِياد أو الإنصاف فيما يتعلَّق بمشاعِره تجاه ثقافته الخاصة وشَعب إسرائيل. ومع ذلك، فإنّ حقيقة أنه يُدعى نبيًا وعرافًا وأنّ سِحرَه كان مثيرًا للإعجاب ومُفيدًا لبالاق وحكومتِه، يَشهَد على المُعتقدات والطقوس الوثنيّة التي لا بدّ أن يكون بلعام قد مارسَها، والآلهة الوثنية التي أدرجَها أيضًا في عبادتِه. ولأغراض دراستِنا، قد نَتصوَّرُه أيضًا كما لو كان يَتجوّل بقُبَّعة سوداء مُدبَّبة وعصا سحريّة. ومع ذلك فإنّ قِصَّتنا تَضَع ما فَعَله بلعام تحت ضوء إيجابي تمامًا. على الأقل نرى أنه بالتأكيد يَعرِف يَهوَهْ ويحترمُه، وأنه مصمِّم (إلى حدٍ ما) على طاعتِه.

ولكن كما سنَرى في الإصحاحات اللاحقة (وفي أسفار أخرى)، انكَشف جانب آخر من بلعام. في الواقع في سِفْر العدد واحد وثلاثين، قُتِل بلعام على يَد بني إسرائيل. حتّى أننا نَجِد في سِفْر التثنية واحد وعشرين فكرة أنّ بلعام كان يَنوي أن يلْعَن بني إسرائيل بسبب المَبلغ المالي الكبير الذي كان بالاق وتحالُفُه يعرضونَه عليه ولم يوقِفه سوى تَدخُّل الله. لم يكُن الأمْر أنّ بلعام كان ”يَفعل الشيء الصحيح“ بمُباركَة إسرائيل بدلاً من لَعنِها، بل أنّه كان يَخشى على حياتِه إذا ما خالف يَهوَه.

مع وجود كلّ الأدلة التوراتية في مُتناول اليَد، يمكننا أن نقول بقليل من الثِقة أنّ بلعام كان على الأرجَح مُجرَّد مأجور، مُتردِّدًا تمامًا بين الصواب والخطأ. ومَهما فَعَل فقد فَعَل ذلك لمصلحتِه الخاصّة حتّى لو كانت تلك المَنفعة مُجرَّد الحفاظ على الذات.

إذًا بلعام هو شخص وثَني تلقَّى بالتأكيد (على الأقل في قِصَّتنا) إلهامًا من رَب إسرائيل. هذا شيء غريب جدًا: لدينا هنا الله يَفدي ثم يُرشِد أمَّته الراسخة من العبرانيين، ولكن بَعد ذلك يَستدير يَهوَه ويتواصَل مع نَبي وثني ليس جزءًا من شعبِه المُختار. ومع ذلك، ليس هناك سبب أيضًا للافتراض أنّ الرَب وَجَد حظوة خاصّة لدى بلعام؛ وليس هناك سبب لاعتبار بلعام مُقدَّسًا أو بارًا أمام يَهوَه، ولا أنّ ولاءه كان لإله إسرائيل. ودعوني أكرِّر: ضَعوا في اعتبارِكم طَوال تَحقيقنا هذا أنّ بلعام كان وثنيًا يَسمَع مُباشرة ًمن الله. إذن لدينا الكثير لنَفُكَّ تشابُكَه.

والآن دعوني أتَقدَّم خطوة واحدة إلى الأمام وسنَختُم هذا اليوم. لا يجِب أن نأخُذ هذه الحادثة مع بلعام على أنها شذوذ كتابي؛ فهذه القِصَّة تَتضمَّن نَبيًّا وثَنيًّا (ما يمكِن أن نُسمّيه عادةً بالنّبي الكاذب) موحى إليه من الله، وتُخبِر بدقَّة عن المُستقبل في حالة مُعيَّنة غير فريدة من نوعِها. إذًا اسمَعني: يؤكِّد الكتاب المقدَّس أنّ النبي الكاذب يمكن أن يُستخدَم من الله، بل ويُسمَح له بالتنبؤ الدقيق من أجل أن يُحقِّق يَهوَهْ أغراضَه الخاصة.

لذلك بينما التنبؤ الصحيح بالمُستقبل أو التحدُّث برسالةٍ موحى بها من الله أو إظهار بعض المَواهب الرّوحية الأخرى التي تبدو مَشروعة يمكن أن تُشير إلى تفاعُل حقيقي مع الرَب، إلا أنها لا تُشير بالضرورة إلى علاقة صحيحة مع يَهوَه، ولا يَستخدِم الكتاب المقدَّس الإلهام كمؤشِّر أكيد لقداسة ذلك الشخص. يُخبرُنا سِفْر التثنية الثالث عشر أنّ الأنبياء الكذَبة يُمكنُهم أحيانًا أن يَروا المُستقبل بدقَّة. ونَجِد أمثِلة على ذلك في جميع أنحاء الكتاب المقدَّس: على الرُّغم من أنّ المَلِك شاول استمَرّ في التنبؤ بدقّة إلا أنّ الرَب أدانَه كمَلِكٍ سيّء سيَفقِد عَرشَه. تنبّأ قيافا عن موت المسيح في يوحَنّا الفَصْل الحادي عشر. كان السَحرة اليَهود يَخرجون الشياطين باستخدام اسم يسوع، لكنَّهم لم يَثقوا به كمسيح أو كإله. قيل إنّ الكورنثيين (ربما أعظَم الأمثِلَة على سلوك الكنيسة الجامِح) كان لديهم العديد من الخُبُرات الروحية الحقيقية والموثَّقة، لكنَّهم لم يَكونوا على قَدَر كبير من القداسة والمحبة وأي عقيدة سليمة يُمكن الحديث عنها.

كان هذا النَّوع من هذه الظواهِر شائعًا بما فيه الكفاية في زَمن المسيح لدرَجةِ أنّ يسوع في متّى سبعة حذَّر من أنّ طَرْد الشياطين، والأعمال الروحية وصُنْع المُعجزات سيَحدُث في آخر الزَمان، وسيكون حقيقيًا؛ ولكن لم يكُن بالضرورة أن تؤخذ هذه الأعمال كعلامات تُثبِت أنّ الأشخاص الذين قاموا بهذه الأشياء قد ضَمَنوا مكانًا في السماء. بل كان فقط أولئك ”الذين فَعَلوا مشيئة أبي. “

إذَن في كل من العَهدَين القديم والجديد لدينا براهين وتَحذيرات بأنّ إلهام الله لإنسان ما لتَحقيقِ غرَضٍ ما ليس علامة أكيدة على مَكانة ذلك الإنسان عند يَهوَه. وهذا في حدِّ ذاته سبب وَجيه لأن نَكَون دائمًا مُتشكِّكين، ليس في الله، بل في الأشخاص الذين يَزعمون أنهم يَتكلَّمون باسم الله.

سنُتابع القصَّة اللاهوتية الرائعة لبلعام وبالاق في الأسبوع القادِم.