18th of Tevet, 5785 | י״ח בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » العدد » سِفْر العَدَد الدَّرس العاشر – الإصْحاحان ثمانية وتسعة
سِفْر العَدَد الدَّرس العاشر – الإصْحاحان ثمانية وتسعة

سِفْر العَدَد الدَّرس العاشر – الإصْحاحان ثمانية وتسعة

Download Transcript


سِفْر العَدَد

الدرس الحادي عشر – الإصحاح العاشر

أَوْشكَت استِعدادات الله، من خلال موسى، لتأسيس إسرائيل كأمَّة من الشعب تحت راية يَهوَهْ، على الاكتمال. في الأسبوع الماضي، في سِفْر العَدَد تسعة، رأينا بني إسرائيل يَحتفلون بالذِكرى الأولى لعيد الفصح، أي أن عيد الفصح في مصر لم يكن احتفالاً تِذكاريًا، بل كان الحَدَث الفِعلي نفسه. لقد كانت تلك الليلة الرَّهيبة والرائعة التي خَلَّص الله العبرانيين فيها من مصر. إن عيد الفصح في سِفْر العَدَد تسعة هو بمثابة ذكرى لذلك الحدَث الذي وقع قبل عام واحد.

لذلك على مدى ألف وثلاثمئة سنة تالية أو ما يقارب ذلك، كان بنو إسرائيل يحتفلون بـ "بيساخ"، عيد الفِصح، كيوم للاحتفال بخروجهم. لهذا السبب في عيد الفصح حوالي العام ثلاثين بعد الميلاد، حوّل يسوع الاحتفال بعيد الفصح ليس فقط ذكرى فِداء بني إسرائيل من العبودية المَصريّة، إنما أيضًا إلى ذكرى له هو وللفِداء الذي لا مثيل له الذي قدَّمَه. حتى أنه اسْتَخدَم كَلِمَة ذِكرى: اصْنَعوا هذا (عشاء الفصح بخبز الفطير والخمر الذي يُمثِّل جسدَه ودمَه) لِذِكْري. وكان ذلك لأن أتباعه في الحقيقة كانوا يتحرَّرون من عبودية الخطيئة وأُجْرة الخطيئة. مع كل هذا الحديث عن الذِكرى، دَعوني أُذكِّركم أن أجرة الخطيئة تساوي لَعْنة الناموس، إنهما طريقتان لقول نفس الشيء في الأساس. أرجوكم اسْمَعوني وخُذوا هذا ليس فقط لأنْفُسكم، بل قولوا لإخْوَتكم وأخَواتكم المؤمنين خاصة أن لَعْنة الناموس ليست الناموس نَفْسُه، لَعْنة الناموس هي نتيجةْ مُخالَفَة الناموس، وهذه النتيجة هي الموت. لَعْنة الخَطيئة ليست الخَطيئة نفسها، لَعْنة الخَطيئة هي نتيجة (أو أُجرة) الخَطيئة: الموت. ما هو تحديد الخطيئة؟ ما الذي يُخبرنا أي سلوكيات ومواقف تَتماشى مع مَشيئته وأيها لا تتماشى؟ يقول الله إنها شريعته ، التوراة. يجب علينا القيام بكل ما في وسعنا لتثقيف الكنيسة غير المُسْتَنيرة للغاية حول عقيدة خاطئة ومخالِفة للكِتاب المُقَدَّس بأن الناموس لَعْنة. لأن واهِب الناموس هو الله، والناموس صالِح، والله لا يَتَغيَّر. إن الرّب لا يعطينا ما هو سيّئ ثم يقول لنا أن نُطيعه، ثم يَلْتَفِت فيما بعد ويقول إنه كان سيئًا بالفعل وأن طاعَته خطأ. إذا كان يفعل ذلك، فلماذا لا يُلغي ما فَعَله في العهد الجديد، عن طريق يسوع، ويُعْلِن أنه سيّئ وخاطئ ثم يُعطينا شيئًا آخر؟

الأمر التالي الذي تناولناه في الفصل التاسع كان سحابة النار وكانت علامة حُضور الله مع بني إسرائيل. ولكنها كانت أيضًا نظام ملاحة بني إسرائيل. عندما كانت تتحرَّك سحابة النار كان بنو إسرائيل يتحرَّكون ويَتْبَعهونا، وعندما كانت سحابة النار تَسْكن، كان يَسْكن بنو إسرائيل. لا يمكن أن يكون هناك مثال أدقّ ولا أبْسَط لما يَعنيه السَّيْر مع الله، أن نَتْبَع الله. عندما يتحرّك الله نتحرك نحن وعندما يَرتاح نَرتاح أيضًا. كل شيء آخر هو عبث ونشاط ذاتي ونشاط عَبَثي.

دعونا نقرأ الأصْحاح عشر.

اقرأوا سِفر العَدَد عشرة كلّه

هذا هو الاسْتِعْداد الأخير قبل بدء مَسيرة بني إسرائيل إلى البَرِّيّة. وهذا الاسْتِعْداد الأخير يَتضمَّن إسْتِخدام الأبواق، والفكرة أساسية: تُستخدَم الأبواق الفُضِّية للإشارة إلى الشعب بأنه قد جاء أمرٌ من الله؛ ثم تُشير إلى كَيْفِيَّة اسْتِجابة الشَّعب بالمعنى العام. الأبواق مثل صفّارات الإنذار خلال الغارات الجَّوِّيّة أو راديو الإنذار الخاص بالطقس.

تُصنع الأبواق من الفُضَّة المَطْروقة. لا يُعطينا الكِتاب المُقَدَّس الكثير من المعلومات عن شكلِها. ولكن جوزيفوس يَفعل ذلك ولدينا عُمُلات قديمة من إسرائيل تُصَوِّر الأبواق. حتى أن هناك نقشًا للأبواق الفُضِّية على قوس تيطس (الروماني الذي دَمَّر أورَشليم عام سبعين ميلادي ونَهَبَ ما كان في الهَيْكَل من ذَهَب وفُضَّة)، الموجود في روما. إذن نحن نعرف كيف كان شَكْلُ الأبواق؛ كانت أنبوباً مُسْتقيمًا متوهَّجًا في نهايته. كان طولها أقل من ثمانية عشرة بوصة.

والآية إثنان تُخبرنا بالضَّبط ما الذي كانت تُستخدَم من أجْلِه: لاسْتِدْعاء جماعة بني إسرائيل ولِتَحريك الفِرَق. وبعبارة أخرى كانت تُنْفَخ عندما كان من الضروري أن يُخْبِر موسى الشعب بِشَيء ما؛ أو كانت تُسْتَخدَم لإخبار قبائل بني إسرائيل الأربعة بالنُّهوض والتَّحرُّك. تذكَّروا أنه قد تمَّ تجميع أسباط بني إسرائيل الاثني عشر في أقسام، كل منها ثلاثة أسباط، وتم تخصيص مكان محدَّد لكلِّ قسمٍ من ثلاثة أسباط للنزول للتَّخييم حول خَيْمَة الإجْتِماع.

بَدْأً من الآية الثالثة، تم تحديد النداءات الفعليّة للأبواق (الطُّرق المٌختَلفة التي تُضْرَب بها) حتى يَعرِف الجميع ما تَعْنيه. من الواضِح أن هذا النظام لتوجيه تَصَرُّفات وحركات الناس عن طريق النفخ في البوق أو الضَّرب على الطَّبْل لم يكن جديدًا ولم يَخترِعه بنو إسرائيل. لقد كان هذا النظام مُسْتَخدَمًا لِقُرون قَبْلهم في جَمْيع الثقافات المعروفة تقريبًا؛ ثم، كما هو الحال هنا بالنسبة لبني إسرائيل، كان الإسْتِخدام الرَّئيسي عَسْكَريًّا…. كان لتَوْجيه الجَيْش.

لِنَتحدَّث عن هذه الأبواق لِبُضع دقائق. اعْلَموا أولاً أن هذه الأبواق الفُضِّية ليست مثل "الشوفار". يُمْكِننا مَعْرفة ذلك من خلال وَصْفِها وأسمائها المُحَدَّدة. تُسَمّى هذه الأبواق الفُضِّية بالعبرية ”هتسوتسيرا“، بينما الشوفار هي الكَلِمَة العبرية التي تعني قرن حيوان او غزال. الشوفار ليس نسخة قديمة وبِدائية من الهتسوتسيراه، أي البوق المَعْدَني، كما افْتَرَض البعض.

وإسْتِخداماتها مٌختَلفة، ليس في ما تُستخدَم من أجله بقدر ما هو مَن يَستخدمها. في الكِتاب المُقَدَّس يَسْتخدِم عامة الناس الشوفار، لكن الأبواق الفُضِّية لا يَنفُخ فيها إلا الكَهَنَة. وكبَعض الأمثِلة نَجِد أن الشوفار كان يُستخدَم لتخويف العدو (سِفر القضاة سبعة)، للتحذير من قدوم عدو (هوشع خمسة)، لدعوة الجيش إلى القتال (قضاة ستّة)، لدعوة الجيش إلى وقف القتال (صموئيل إثنان)، لدعوة الشعب إلى التمرُّد على الظلم (صموئيل إثنان). حتى أن الشوفار نُفخ فيه لإعلان تتويج ملك (الملوك تسعة) ولإسقاط أسوار أريحا. ومع ذلك، في نفس قصّة أسوار أريحا سنَجد أن الأبواق الفُضِّية تُنفَخ أيضًا.

ونرى في هوشع خمسة وإثنين سفر الملوك تسعة إسْتِخدام الأبواق لنفس أسباب النفخ في الشوفار. في الواقع نجد في كثير من الأحيان أن كِلا من الشوفار والأبواق الفُضِّية يُنفخ فيها في نفس الوقت لأغراض مُماثلة. وقد أدى ذلك إلى أن العديد من نسخ الكِتاب المُقَدَّس تَخلط تمامًا بين الشوفار والأبواق وتَستخدِم المُصْطَلحَيْن بالتَّبادل (وهو خطأ بالتأكيد).

من المُهِمّ أيضًا مَعرفة أن الكَهَنَة كانوا دائمًا جزءًا لا يتجزأ من الجيش. اليوم لدينا قساوِسة. في الثقافات القديمة كان هناك ”كهنة حرب“ وكان ذلك أمرًا عالميًا تقريبًا بين جميع الحضارات والمجتمعات. لم يكن الأمر مُخْتَلفا بالنسبة لبني إسرائيل؛ فكلّما ذهب بنو إسرائيل إلى الحرب كان هناك بعض الكَهَنَة، وكانت إحدى مَهامِهم هي نَفْخ الأبواق.

لن أتعمّق في جميع النفخات والإشارات المُختَلفة للأبواق، ولكن إعْلم أن مُختَلف الإنذارات كان يمكن أن تُنفخ في الشوفار أو البوق؛ ولكن ما لم يكن بالإمكان تغييره هو أن الكَهَنَة وحدهم هم من يَنفخون في الأبواق. يُمكن القول بشكل عام أن النفخات الأطول كانت لاستدعاء قادة بني إسرائيل معًا أو لتجميع كل شعب إسرائيل. أما الأصوات الأقصر والمُقطَّعة فكانت تُستخدم في المعارك لتوجيه القوات. في العبرية كانت النَّفخات الأطول تُسَمّى تكا أو تاكيا والنفخات الأقصر تُسَمّى تيرواه. ومن المؤكد أن الطريقة التي كانت تعمل بها في المعركة هي أن القائد العسكري كان يُخبر الكَهَنَة بالإشارة التي يجب أن يَنفخوا فيها، وكان الكَهَنَة يَنفخون تلك الإشارات للجيش من أكثر نقطة استراتيجية مُتاحة، بإسْتِخدام تلك الأبواق الفضِّية، ثم كان القادة المَيْدانيّون وقادة الفِرَق والوحدات يُكرِّرون تلك النداءات على الشوفار، وهي أبواق غير الكَهَنَة، في جميع أنحاء ساحة المعركة.

تُخبرنا الآية الخامسة أنه عندما تُستخدم الأبواق الفضِّية للإشارة إلى فِرَق بني إسرائيل للتَّحَرُّك، فإن المرة الأولى التي تُضْرَب فيها الأبواق بإسْتِخدام التيرواه، أو النفخات القصيرة، تتحرَّك الفرقة التي تخيِّم في الجانب الشرقي الأعلى من خَيْمَة الإجْتِماع : الفِرْقة التي يقودها يهوذا. تقول الجولة الثانية من تيرواه بأن أولئك الذين يخيِّمون في الجنوب (ثاني أرقى مواقع التخييم)، بقيادة رأوبين هم الذين سيتحرَّكون.

أحد الأغراض الرئيسية لِنَفخ البوق كما تقول الآية التاسعة، هو أنه عندما يُنفخ في البوق أثناء المعركة سيتذكَّرُهم الرّب ويُخلِّص بني إسرائيل. في الجَوهر نفْخ الأبواق الفضِّية هو بمثابة صلاة؛ صلاة لتذكير الله بأن حتى النفخ في الأبواق هو في حدّ ذاته أمْره لبني إسرائيل، وهكذا تتم طاعة شريعته. من المُثير للاهتمام أن الأسينيِّين في مخطوطات البحر الميت كان لديهم الكثير ليقولوه عن إسْتِخدام الأبواق كأداة للعِبادة والحرب. إنهم يتحدَّثون عن ”أبواق الذكرى" وعن إسْتِخدام الأبواق من أجل ” ذِكرى الإنتِقام في الوقت المحدَّد من قبل الله“.

في الوقت المناسِب (وأنا حقًا لا أعرف متى يكون ذلك بعد) سأتحدَّث إليكم بِعُمق عن عِبارات سنَجِد يسوع يَستخدمها والتي هي تركيبات كَلِمات إيسينيّة فريدة من نوعها، عِبارات سنجدها تقريبًا كَلِمَة بكَلِمَة في مَخطوطات البحر الميت. عبارات لا تُعرّف بالضرورة المسيح مع الإسينيّين (لم يكن يسوع إيسينيًا) ولكن عبارات ومُصْطَلَحات يَستخدمها غالبًا ما تشير إلى الإسينيِّين. في الواقع كان الإسينيّون مُهتمين جدًا بعقائد وتعاليم ”آخر الزمان“ ونَكتشِف أكثر فأكثر تأثيرهم على شعب يهوذا في زمن يسوع وقبله، وكذلك على كتابات العهد الجديد.

النقطة المُهِمّة هي أن تعاليم الإسينيّين عن الإسْتِخدام المُقدَّس للأبواق (تذكّروا أن الكَهَنَة فقط هم من يَستخدمونها) تتردَّد في تعليقات العهد الجديد ليسوع وغيره في وصْفِهم لأحداث نهاية الزمان. لقد أعْطَيْتكم عِبارة بارزة واحدة موجودة في مخطوطات البحر الميت عن الأبواق التي يُنفَخ فيها من أجل ”ذِكرى الإنتِقام في الوقت المحدَّد من قبل الله“. وأي مُصْطَلحٍ أفضل يُمكِن أن نَجِده لوصف الغضب الذي سيَصُبّه يَهوَهْ على العالم مع اقتراب مجيء المسيح أفضل من ”ذِكرى الإنتِقام في وقت الله المُعيَّن".

اسْمَحوا لي أن أَسرُد لكم بعض الأماكن في العهد الجديد حيث نجد نفخ الأبواق يشير إلى "ذكرى الانتقام" هذه.

الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد إنجيل متّى أربعة وعشرين على واحد وثلاثين: "فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ ٱلصَّوْت، فَيَجْمَعُون مُخْتَارِيهِ مِنَ الرِّيَاح ٱلأَرْبَع، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا."

الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد واحد كورنثوس خمسة عشر على إثنين وخمسين: "فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ عِنْدَ الْبُوقِ ٱلأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ ٱلأَمْوَاتُ غَيْرَ فَاسِدِينَ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ.".

الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد تسالونيكي واحد على ستة عشر: "لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَيَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلَائِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالْأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلًا."

الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد رؤيا ثمانية على ثلاثة عشر: " ثُمَّ نَظَرْتُ وَسَمِعْتُ مَلاَكًا طَائِرًا فِي وَسَطِ السَّمَاءِ قَائِلًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «وَيْلٌ! وَيْلٌ! وَيْلٌ لِلسَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ بَقِيَّةِ أَصْوَاتِ أَبْوَاقِ الثَّلاَثَةِ الْمَلاَئِكَةِ الْمُزْمِعِينَ أَنْ يُبَوِّقُوا"

الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد رؤية تسعة على ثلاثة عشر:" ثُمَ بَوَّقَ الْمَلاَكُ السَّادِسُ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا وَاحِدًا مِنْ أَرْبَعَةِ قُرُونِ مَذْبَحِ الذَّهَبِ الَّذِي أَمَامَ اللهِ"، أربعة عشر:" قَائِلًا لِلْمَلاَكِ السَّادِسِ الَّذِي مَعَهُ الْبُوقُ: «فُكَّ الأَرْبَعَةَ الْمَلاَئِكَةَ الْمُقَيَّدِينَ عِنْدَ النَّهْرِ الْعَظِيمِ الْفُرَات".

الأمر هو أن الأبواق تُستخدَم لدعوة الجماعة لتلقّي رسالة وللعبادة والإنذار والعمل والحرب. عَلاوة على ذلك فإن الكَهَنَة هم الذين يَستخدمونها؛ أو بعبارة أخرى، يَستخدمها فقط أولئك المَمْسوحون بِمكانة خاصة عالية القداسة. لهذا السَّبَب سنرى أبواقًا يَنفُخ فيها الملائكةُ في السماء لأنهم بالتأكيد كائنات ذات مكانة خاصة عالية القداسة. ولكن أكثر من ذلك فإن إسْتِخدام الأبواق في العهد الجديد ما هو إلا امْتدادٌ دقيق للنَّمَط الإلهي المنصوص عليه في التوراة (وهو أمرٌ جيد يجب أن نُدركه دائماً).

ثم في الآية العاشرة نرى شيئًا آخر عن الأبواق الفُضِّية : تُنفخ في المناسبات السعيدة، تلك المناسبات هي الأعياد السبعة التوراتية والأهِلَّة الجديدة (أي بداية كل شهر جديد). وخلال تلك الأعياد والأهِلَّة الجديدة (ويبدو أن هناك مجالاً تفسيرياً لنفخها في مناسبات سعيدة أخرى تكريماً ليَهوَهْ، تُنفخ أيضاً أثناء ذبيحة المَحْرقة وتَقْدِمَة السَّلام (بالعبرية: أولاه وشلاميم.)

بالمُناسبة: اسْمَحوا لي أن أُشير إلى أن هذا لا يَتَعلَّق بعَزْف الموسيقى والأغاني على بوق. هذا يَتَعلَّق بالنَّفْخ المُفَصَّل كما هو محدَّد في الآيات السابقة. هذه ليست آلة موسيقية. لقد كان للاويّين آلات موسيقية مُخصَّصة لهم وكانوا يَعزفون عليها عادةً أثناء إنشاد المزامير. كانت الأبواق الفضية أدوات اتصال تمَّ تحديدها في التوراة.

تبدأ الآية الحادية عشرة وقتاً مُهِمّاً في التوراة، بداية الرحلة إلى البَرِّيّة وتبدأ في اليوم العشرين من الشهر الثاني من السنة الثانية بعد خُروجهم من مصر (أي ثلاثة عشر شهراً وعشرين يوماً). سأخبرك الآن أن هناك خلافًا بسيطًا حول ما إذا كانوا قد خرجوا من مصر في هذا الوقت لمدة إحدى عشر شهرًا أو ثلاثة عشر شهرًا. ويَتَعلَّق الأمرببعض الإلتباس حول ما إذا كانت الإشارات إلى الأشهر والسِّنين تَستند إلى تاريخ مُغادرتهم مصر أو تَستند إلى تقويم كان موجوداً مُسبقًا. أعتقد أنها كانت مَبْنيّة على مِقدار الوقت بعد خروجهم من مصر.

كانت الفترة الزمنية الأولى المُحيطة بخُروج بني إسرائيل (من الخروج من مصر إلى الوصول إلى جبل سيناء، وتلقّي الشريعة، وبِناء خَيْمَة الإجْتِماع وترسيم الكهْنوت والإحْصاء والآن إنشاء البوقَيْن الفُضِّيَّيْن) هي فترة الإعداد لما سيبدأ في يوم الخُروج. لقد كان إعدادًا لما سيبدأ في هذا اليوم العشرين من الشهر الثاني من السنة الثانية.

وكما كان مأموراً به، نُفِخت الأبواق وكانت أول فِرقة تتحرّك (الآية الثالثة عشرة) هي سَبَط يهوذا؛ وهذا لا يعني فقط سبَط يهوذا، بل أيضاً السَّبْطَيْن الآخرَيْن المُرتَبطَيْن به، وهما يساكِر وزبولون.

في إجراء نَصْب المُخيَّم، كان الشيء التالي الذي سَيَحدُث هو أن يتم تفكيك خَيْمَة الإجْتِماع، وكانت عشيرَتا جرشون ومراري ستحِملان الجزء المسؤولَتيْن عنه من الحَرَم المُقَدَّس وتَضعانه في عربات. كانتا ستذهبان قبل عشيرة كوهات التي كانت ستحمُل تابوت العهد والأثاث المُقَدَّس الآخر، لأنه بهذه الطريقة يُمكن إعادة تجميع خَيْمَة الإجْتِماع في نقطة توَقُّفِهِم، جاهزين ومُنْتظرين لاستقبال أغراض خَيْمَة الإجْتِماع المُقَدَّسة والتابوت عند وصولِهم.

بعد الجرْشونيّين والمراريّين (تذكَّر أن هؤلاء جميعًا كانوا من عشائر لاوي)، يتم تجميع سبط فرقة روبن الثلاثة. ومن بعدهم فرقة أفرايم، ثم في مؤخرة الرَّتل ستكون فرقة دان.

الطريقة الصَّحيحة للتفكير في هذا الأمر (إذا كنت في الجيش سيكون هذا مفهوماً أكثر) هو أنهم انْطَلقوا في ترتيب المعركة. دعونا لا ننسى أبدًا أن الطريقة التي تم بها تنظيم المُخَيّم والمَسيرة كانت لتكوين جيشٍ مُتماسِك وضَخم. كان عليهم أن يأخذوا أرض كنعان، الأرض الموعودة لإبراهيم، بالقوَّة. كل ما كانوا يقومون به من صلاة وعبادة وطقوس وشعائر لم يكُن سوى استعداد وطاعة؛ كان هذا ما يَسبُق العمل وما يَسبُق القيام بالمعركة. هذا شيء يحتاج المسيحيون إلى إعادة التَّفكير فيه. بطريقة أو بأخرى لأن المسيح يُشار إليه (بشكل أو بآخر) على أنه أمير السَّلام، فقد وصلنا إلى نقطة السلبيَّة المُطلقة. لقد تم الإيحاء (إن لم يكن تعليمًا صريحًا) أنه بمَجيء يسوع مُخَلِّصُنا، من المُفترض أن نصلّي ثم نجلُس ونَنْتظِر أن يفعل الله كل شيء. هذا غير صحيح. من المُفْترَض أن ننتظِر أن يَدعونا الله إلى العمل، ثم قبل أن نذهب إلى العمل، نَستعِدّ من خلال التعلُّم والصلاة. اليوم يجِد معظم المسيحيين الغربيّين أنه من الأسْهل الاسْتِعانة بمَصادِر خارجية للجِّزء الخاص بالعَمَل. من الأفضل أن نُصلِّي ونكتب شيكًا ونوظِّف شخصًا ما بدلاً من أن نَنْهض ونكون (أنفسنا) في خدمة الله. إن التعلُّم والصلاة ليسا أبدًا بديلاً عن العمل، والعمل بدون تَوجيه الرّب عديم الجدوى. سوف تَتَّسِخ أيدينا؛ سوف نتعرَّض للضَّرْب والكَدَمات في هذه العملية. هذه هي المسيرة المسيحية المقصودة، هكذا تَسير الأمور.

الآية تسعة وعشرين تُغيِّر لنا الإتجاه قليلاً. لدينا هذا الإدراج المفاجئ حول مُناشَدة موسى لزميلٍ إسْمه حوباب ابن رعوئيل المدياني أن يأتي مع بني إسرائيل في رحلتهم. وحوباب مُتَرَدِّد في الذهاب. يقول إنه يفضِّل العودة إلى موطِنه الأصلي، مِديان.

الآن من هو حوباب هذا؟ حسنًا، لطالما أثار هذا الأمر بعض الجدَل. لقد تم تعريفه في سِفْر العَدَد على أنه والد زوجة موسى. ومع ذلك ففي سِفْرٍ سابِق (سِفْر الخُروج) تم تحديد والد زوجة موسى بالتناوب على أنه رعوئيل ويترو (يثرون). هناك عدد من الحُلول لتفسير ما يَحدث هنا وهي بشكل عام تدور حول الطريقة التي يتم بها الحديث عن العائلات في الكِتاب المُقَدَّس؛ أي القبيلة والعشيرة التي عادة ما ترتِّبهم. نحن في الغرب مُعتادون على التَّعامُل مع الأسماء الأولى والأخيرة، والتي يُمكن أن تكون مفيدة جدًا في تحديد هَوِية الشخص وشجرة عائلته. لم يَستخدِم العبرانيون، مثل معظم الثقافات القديمة، مثل هذا النظام.

رَعوئيل هو على الأرجح اسم إحدى العَشائر المِديانية. يثْرون ليس سوى عضو في تلك العشيرة. حوباب، إما أن يكون حوباب مُجرَّد إسم آخر ليترو (بلغة أخرى)، أو من المُحتمَل أيضًا أن يكون حوباب صُهرًا لموسى، وبالتالي من نفس عشيرة رعوئيل.

بِعبارة أخرى لا تُفكِّر من حيث "الخطأ" أو "التناقض". بل فَكِّر من حيث مُحاولة فهم طريقة عمل الثقافات القديمة. في الواقع حتى مُصْطَلح ”الأب“ يُمكن تطبيقه بالتساوي على الأب البيولوجي للشخص أو الجَدّ في الكِتاب المُقَدَّس.

الآن أولئك الذين يتعلَّمون مِنّي منذ فترة، يَعلَمون أنني أعتقد أن موقع جبل سيناء لم يكن في شبه جزيرة سيناء (في الموقع التقليدي حيث يقع دير سانت كاترين)، بل كان في شبه الجزيرة العربية. لن أتطرَّق إلى كل الأسباب مرّة أخرى اليوم، ولكن بولُس يَذْكُر أن جبل سيناء كان في شبه الجزيرة العربية؛ ويقول يوسيفوس أنه كان كذلك، وكذلك يقول فيلو. ويوضِح الكِتاب المُقَدَّس أيضًا أنه عندما كان موسى في مِديان، كان هناك المكان الذي دُعِيَ فيه إلى العِلّيقة المُحْتَرِقة. وجبل العِلّيقة المُحْتَرِقة هو بالضبط المكان الذي كان على موسى أن يقود فيه بني إسرائيل عند خُروجهم من مصر. وبعبارة أخرى جبل سيناء وجبل العِلّيقة المُحْتَرِقة هما نفس الشيء. بِصراحة هذا الجزء هو التعليم المُعتاد؛ ولكن ما هو غير مُعتاد هو الموقع الفعلي لذلك الجبل الذي أقول أنه كان في مِديان.

هنا في سِفْر العَدَد عشرة دليلٌ آخرٌ على ذلك، في كتابي. كان حوبَاب، الرجل الذي كان مَوطنه مِديان، يقيم حاليًا مع بني إسرائيل. يقول الكتاب إنه أراد العودة إلى وطنه. يقول موسى، "لا، أكْمِل معنا في البَرِّيّة". لماذا أراد موسى أن يأتي حوباب معه؟ انظر إلى الآية واحد وثلاثين. كان ذلك لأن حوباب " يَعرف أين يجب أن نُخيِّم ويُمكنه أن يكون دليلنا …". حَسَنًا، نَكْتَشِف في سِفْر يسوع أن حوباب المِدياني يُدعى أيضًا كينيًّا. هل هذا تَعارُض؟ لا، فكَوْنُك مِديانيًّا يُحدِّد القبيلة، وكونُك كينيًّا هو المكان أو الموقع. انظر: يُمكنك أن تكون سميث أو جونز وأن تكون أيضًا من فلوريدا، أليس كذلك؟ أحَدُهُما يدلّ على العائلة، والآخر يدلّ على الموقع. كان الكينيّون يَعملون في المقام الأول في شبه الجزيرة العربية إلى الشمال من مِديان مباشرة، ثم إلى الغرب قليلاً، إلى أعالي سيناء وإلى كنعان، إلى ما وراء البحر الأحمر. الكنعانيّون ما هم إلا تلاعُب بالألفاظ على الكنعانيّين. الكنعاني ليس بالضرورة بمعنى السُّلالة بل بمعنى الموقع. الكنْعاني هو شخص يَنتمي في المقام الأول إلى قبيلة مِديان التي كانت تعيش بالقرب من أرض كنعان.

ما أقْصدُه هو أن موسى أراد من حوباب أن يُرْشِدهم لأن من الواضح أن حوباب كان على دِراية جيّدة بالمكان الذي كانوا فيه وكَيْفِيَّة الوصول إلى حيث كانوا ذاهبين (على الأقل لجزء من الرحلة). كان بنو إسرائيل في شبه الجزيرة العربية، شرق خليج العَقَبَة مُباشرةً (دائرة من البحر الأحمر)، ومَوْطن المِديانيين والكنعانيّين.

وهذا أكثر مَنْطِقيَّة بِكثير من التَّفْكير في أن حوباب كان على دِراية، بطريقة ما، بأرض شبه جزيرة سيناء القاحِلة التي لم يكن يوجَد فيها في الحقيقة سوى عدد قليل من المواقع العسكرية المَصريّة وحَفْنة من البدو الذين كانوا يتجوَّلون فيها.

عندما نَقترِب من نهاية الفصل العاشر نرى أن المرحلة الأولى من رحلتهم كانت رحلةً اسْتَغْرَقت ثلاث أيام، مما يعني أنهم قَطعوا حوالي ثلاثين ميلاً على الأكثر، وأظنُّها أقل من ذلك إلى حدٍّ ما…… ربما خمسة وعشرين ميلاً. ومع ذلك فإن القول بأنها كانت رِحلة لمدة ثلاث أيام لا يعني أنهم سافروا لمدة ثلاث أيام. فاللغة العامِّيّة في ذلك الوقت لم تكن تُعَبِّر عن المسافة بالأميال أو الكيلومترات أو شيء من هذا القبيل. بل كان يَتُمّ التَّعبير عن المسافة بالوقت. في عَصْرنا الحديث حيث السيارات، غالبًا ما نفعل الشيء نفسه من دون تفكير. سيقول أحدهم: كم تَبعُد المسافة من شاطئ الكاكاو إلى دايتونا، وستكون الإجابة مثل "حوالي ساعة ونصف". رحلة مدتها ثلاث أيام مثل قول ”ثلاثين ميلاً“. لذلك ربما اسْتَغْرَقوا وقتًا أطول من ثلاثة أيام لِقَطع مسافة "رحلة الثلاثة أيام" تلك، وذلك لأنهم لم يكونوا مُعْتادين على نَصْب المخيَّمات، ولم يكونوا مُسافرين مُتَمَرِّسين، وكانوا عددًا كبيرًا وغير عَمَلي يضمّ أطفالًا وشيوخًا.

تَبِع بنو إسرائيل سحابة النار. على الرغم من أنه لم يُذْكَر أنهم توقّفوا وخَيّموا كل مساء، إنما بالتأكيد كانوا يُخيِّمون. لم يكن هناك عَجَلة ولا سبب للعَجَلة.

فقط حتى نَفهم بَعضُنا البعض؛ في كل مرة توقّفوا وخيّموا في الليل لم يَنْصِبوا خيمة الإجتماع. فقط عندما كانت سحابة النار ”تستريح“ …. بمعنى أنها قد وَصلَت إلى المكان الذي كان من المُفْتَرَض أن يَبيتوا فيه لفترة من الزمن"،هل مَرّوا عبر العمليّة الشاقة لإعادة تركيب الخيمة المقدّسَّة؟

تُقَدِّم لنا الآية ثلاثة وثلاثين مُشْكِلة؛ فهي تقول أن تابوت العهد كان يقود عمود بني إسرائيل. في وقت سابق من هذا الفَصْل، تُشير إلى أن التابوت كان في وسط بني إسرائيل، وكان يهوذا في المُقدّمة. لقد حاول الحاخامات حلّ هذا الأمر على مَرّ السِّنين لِحَلّ هذا التعارُض الواضح. يَعتِقد بعض الحاخامات أن التابوت كان في المُقَدّمة في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى لم يكن كذلك. ويَعتقد آخرون أنه يُمكن أن يكون هناك تابوتان، وهذا أمْر مُسْتَبْعَد حقًا بالنسبة لي.

لا أستطيع أن أقول لك أنني أعرف الإجابة على ذلك. قد يكون من المَنْطقيّ أن التابوت كان في المُقدّمة أحيانًا ولم يَكُن كذلك أحيانًا أخرى اعتمادًا على الوضع. نحن نَعرف، على سبيل المثال، أنه بعد أربعين سنة، عندما اسْتعدَّ بنو إسرائيل لعُبور الأردن، كان التابوت يقود (بالتأكيد)، لأنه قيل لنا أنه في اللّحظة التي لامَسَت فيها أقدام الذين يَحملون التابوت المياه على الضِّفة الشرقية للأردن، انْجَرَفَت المياه إلى أعلى النهر، وصَنَعَت مجرى نهر شبه جاف ليَعبُر بنو إسرائيل. يُمكن أن تعني بِبَساطة ”قادَ“ بمعنى أكثر عموميّة من حيث أن حضور الله كان دائماً أمام بني إسرائيل عندما كانوا يُسافرون.

قبل أن نَتْرُك هذا الأصْحاح دعونا نتحدّث عن تابوت العهد لبعض الوقت. في هذا الجزء من سِفْر العَدَد، من الواضح أنه يُنظَر للتابوت على أنه يخدم وظيفة عسكرية مُحدَّدة لبني إسرائيل. إنه بمثابة دليل وحامٍ، وهو أيضًا علامة على وجود إله بنِي إسرائيل بينهم. ما كان يَعنيه التابوت لِشَعب إسرائيل، وما كان يَعنيه لأعْدائهم، يَظهر بشكل جيِّد في الإصحاح الرابع من سِفر صموئيل الأول. هناك لدينا هذه المعلومة الصغيرة المُثيرة للاهتمام: فَلَمَّا عَلِمُوا أَنَّ تَابُوتَ الرّب قَدْ دَخَلَ المُخيّم خَافَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: “جَاءَ يَهوَهْ إِلَى المُخَيَّم ، وَيْلٌ لَنَا! من يستطيع أن ينقذنا مِنْ قُوَّةِ هَذَا الْإِلَهُ الْجَبَّار (الله)ِ"؟

أحْضَر الفِلَسطينيّون (كما كان الإجراء المعتاد في معظم الجيوش) معهم صُوَرهم ورايات آلهَتهُم عندما ذهبوا إلى الحرب. من الواضح أن الفلسطينيّين أدْرَكوا أن تابوت العهد كان يُمثِّل إله بني إسرائيل. والأمْر المُثير للاهْتِمام بِنَفس القدَر هو أنهم كانوا يَعرفون اسم إله بني إسرائيل (وهو أمْرُ تُخفيه جميع ترجمات الكِتاب المُقَدَّس تقريبًا). لأنه في الآية السادسة من منواحد صموئيل أربعة لا تقول أن ”الله“ قد جاء إلى المُخيَّم، بل تقول أن ”يود-هوه-ف-هوه“ قد جاء إلى المُخيَّم. والفلسطينيّون (كما فعلَت كل أُمّة على بعد ألف ميل من مصر) كانوا يَعلَمون جيدًا أن يَهوَهْ هذا الإله القوي للعِبرانيّين، قد دَمَّر مصر وأصابهم بالرُّعب.

لكنَّه يوضِح أيضًا شيئًا يُضيف إلى فهمِنا للعقليّة العبرانية في تلك الحَقَبة، واسْتِعداد الرّب للسَّماح لتلك العقليّة بالاستمرار لبعض الوقت، بل إن الرّب نفسه أعطى بني إسرائيل طريقة لِفَهْمِه تتَّفِق تمامًا مع الطريقة التي فَهِمَت بها كل شعوب الأرض آلِهَتهم. لو لم يأمر الرّب بني إسرائيل بِصُنع ذلك التابوت وحَمْلِه معهم في المعركة، لكان من الطبيعي أن يَفترِض بنو إسرائيل بطبيعة الحال أن إلَهَهُم كان يُفَضِّل ألا يكون معهم في المعركة (وهو ما كان سيئًا بالتأكيد بالنسبة لبني إسرائيل). بالطّبع لم تكن تلك هي حقيقة جَوهر الله أو طبيعته أنه كان بطريقة ما داخل التابوت أو أنه كان مَقْصورًا على أن تكون له القُدْرة فقط حيث كان التابوت مَوجودًا. لكن هذا ليس شيئًا كان العِبرانيّون مُستعدين لِفَهمِه تمامًا.

بالإضافة إلى ذلك، إذا رأى أعْداؤهم أنه لم يَكُن معهم أي تمثيل لإلَهِهم، فإن ذلك كان سَيُشجِّع أعداء بني إسرائيل ويُعطيهم شجاعة ودَفْعة مَعنويّة كبيرة لأن ذلك كان يعني في أذْهانهم أن بني إسرائيل ليس لديهم إلَه يُساعدهم في المعركة.

يُمكننا أن ننظر إلى ذلك ونَضْحك قليلاً على سَخافة الأمر، لكنَّه كان حقيقيًا تمامًا لجميع شعوب الأرض في ذلك الوقت وبنفس القَدَر بالنِّسبة للعِبرانيّين. لا يُمْكِنك أن تُغيِّر عقول البشر تمامًا حول قرون مما كان يبدو حقيقة بديهيّة وعادة بِمُجرَّد المُطالبة بها، حتى لو كُنْت إله الكَون. لذلك يبدو أن الرّب قد تكَرَّم على بني إسرائيل وأعطاهم ما احتاجوا إليه: تابوت ذهَبيّ يَرمُز إلى حُضوره مع بني إسرائيل الذي كان بِمَثابة تشْجيع لبني إسرائيل وتَحْذيرٍ لأولئك الَّذين سَيُواجِهون بني إسرائيل.

ولكن إسْمَحوا لي أن أُعَدِّل ذلك قليلاً بالقَوْل إنه على الرَّغم من أن الفِلسطينيّين وغيرهم كانوا يَرون التابوت كصورة أو تمثيل لألوهية بني إسرائيل (كما فَهِموا آلهتهم بصُوَرهم)، إلا أن بني إسرائيل لم يَروه هكذا بالضَّبط. بل فَهِموا بالأحرى أن التابوت كان مَوْطىء قَدَمَي الله، وعلى الرغم من أنه كان مَوْطئ قدم خطير جدًا عندما اقترَب منه الأشخاص غير المُصَرَّح لهم، إلا أنه لم يَكُن الله نفسه. لذلك كان الفرق بين نَظْرة الفلسطينيّين والأُمَم الأخرى إلى صُوَر آلِهَتهم ونَظْرة بني إسرائيل إلى صُوَر آلِهَتهم كانت مسألة تفاوُت بالدَّرَجة.

إحدى الاخْتلافات المُهِمّة الأخرى التي تَجْدر الإشارة إليها هو أن بني إسرائيل أدْرَكوا أن التابوت لم يكن مَقرًّا دائمًا ليَهوَهْ (لكن الأُمَم الأخرى كانت تَعتقد أن صورة إلَهها والإلَه نَفْسُه كان واحدًا في نفس الوقت). الفِكرة بالنِّسبة لبني إسرائيل هي أنه عندما يرى الرّب أنه يريد أن يتواصل مع بني إسرائيل أو يُعْلِن عن إرادته وحُضوره، فإنه سيأتي فوق التابوت .

يُختَتَم هذا الإصْحاح بقصيدة تُجَسِّد في الواقع فَهْم كَيْفِيَّة عَمَل التابوت والرّب الإلَه فيما يَتَعلَّق به. تبدأ العديد من تَرْجمات الكِتاب المُقَدَّس القصيدة بكَلِمَة "تَقدَّم"، أما في العبرية فهي "كام" وتُستخدم كام هنا كَفِعْل ومَعْناها هو الانْتِقال إلى مَوقع للهُجوم. لذا فإن التَّقَدُّم ليس خَطأً، ولكن كَلِمَة "تَقدّم" تُعطينا صورة أفضل لِمَعناها.

لقد فَهِم موسى جيِّدًا أن القواعد الإلَهية كما وَرَدَت في التوراة هي أنه فوق التابوت حيث يتجلّى الرّب بحُضوره، ولكن التابوت كان يجب أن يكون داخل حَرَم الخَيْمَة عندما يَحدُث ذلك. لذلك لم يُصبح الرّب (على حدّ عِلْم موسى) حاضِرًا فوق التابوت عندما كان التابوت مسافرًا. عَلاوة على ذلك، بما أن الرّب الإله وَعَد موسى بأنه سَيَهْزِم أعداء بني إسرائيل أمام بني إسرائيل، فإن الصورة الكلامِيَّة المُعَبَّر عنها في هذه القصيدة هي أن الرّب يَرتفع بعيدًا عن التابوت ويَخْرُج ليَخوض المعركة أمام بني إسرائيل.

وهكذا في الآية السادسة والثلاثين، عندما تَنتهي المعركة ويَسْتقِرّ مُخَيَّم بني إسرائيل (وبالتالي يَستقِرّ التابوت)، يُعاد نَصْب خَيْمَة الإجْتِماع، ويوضَع التابوت في مكانِه المَحْمي المُناسِب، ثم يَتضرَّع موسى إلى الرّب ”أن يعود“. هذه التَّرنيمة الجميلة والمُبْهِجة التي تُمَجِّد إله بني إسرائيل وُضِعَت هنا للتأكيد ولإظهار بعض السُّخْرية؛ لأنه بعد كل هذا التَّسْبيح ليَهوَهْ، وعَدَم قَهْرِه، وكَماله، والخَوف الذي يُوَلِّده ببساطة مَشْهَد التابوت في أعداء بني إسرائيل، يبدأ التَّذَمُّر والتَّمَرُّد من جديد بين العِبرانيّين في الحال تقريبًا. هذا المَوقف من التَّرَدُّد والتَّمَرُّد هو ما سنراه يَظهر بدءًا من الإصحاح الحادي عشر من سِفْر العَدَد، الذي سنَبدأ به في المرَّة القادمة التي سَنلْتَقي فيها.