18th of Tevet, 5785 | י״ח בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » العدد » ِفْر العَدَد الدَّرس الثالث وثلاثين – الإصْحاحان واحد وثلاثين وإثنان وثلاثين
ِفْر العَدَد الدَّرس الثالث وثلاثين – الإصْحاحان واحد وثلاثين وإثنان وثلاثين

ِفْر العَدَد الدَّرس الثالث وثلاثين – الإصْحاحان واحد وثلاثين وإثنان وثلاثين

Download Transcript


سِفْر العَدَد

الدَّرس الثالث وثلاثين – الإصْحاحان واحد وثلاثين وإثنان وثلاثين

يُطلِق أحد العُلَماء المَسيحِيِّين المُوَقَّرين في القرن التاسع عشر، وإسْمه ج. ب. غراي، على الإصْحاح واحد وثلاثين من سِفْر العَدَد إسم "إبادة المِدْيانيِّين". يبدو ذلك قاسِيًا ومُباشَرًا جدًا، ولكن في الواقِع هذا هو بالضبط ما يَدور حوله هذا الإصْحاح.

لقد قُمْنا في الأسبوع الماضي بِجَوْلة سريعة كنَظرة عامة على سِفْر العَدَد واحد وثلاثين، وهذا الأسبوع سنُلْقي نظرة عن قُرْب أكثر. ومع ذلك، أَوَدُّ أن أبدأ بِمُعالجة قَلَقٍ لدى بعض أصْدِقائي الأعزاء، وربما أنتم الذين تَسْتمِعون أيضاً، من العهد القديم بشكلٍ عامْ وهو أن هناك قَدْراً هائلاً من القَتْل وسَفْك الدِّماء والكثير منها بأمْر من إلَه بني إسرائيل على أعدائهم (وبالتالي على أعْداء الله).

أعرِف بعض الأشخاص المُثَقَّفين (بما في ذلك عُلَماء وكتّاب وحاخامات وقساوِسة يهود ومَسيحِيِّين) الذين يقولون بِصَراحة أنهم لا يَستطيعون التَّوْفيق بين إلَه العهد القديم وإلَهِ العهد الجديد؛ إلَهٍ يقود بني إسرائيل لِقَهْر الأُمَم مقابل إلَهٍ يُضَحّي بِنَفسه بِتَواضُع من أجل جميع الأُمَم. مع ذلك، لا أحد يَنْكُر أننا نرى هاتَين الصِّفَتيْن لله في كِتابِنا المُقَدَّس. فمُشْكلتنا إذَن ليست مُشكِلة ذكاء بل مشكلة إيمان، فنحن نُريد الإلَه الذي تُفَضِّله أحاسيسُنا البَشَريَّة بدلاً من الإلَه الذي هو الإلَه. لذلك نحن نُعلن من جانب واحد أن إلَهَ العهد القديم قد تحوَّل إلى إلَه العهد الجديد؛ ليس لأن هذا ما تَقوله كَلِمَة الله، بل لأننا نَرتاح أكثر لذلك. وهذا المَيْل لدى المَسيحِيِّين هو في الحقيقة سَبَب وتعريف كَلِمَة عِبادة الأصْنام. الوثن هو الصورة المادِّيّة للإلَه التي تأتي من عُقول البَشَر، مَصْبوبة ومُشَكَّلة ومَنْسوبة إليه صِفات وِفقًا لفَلْسَفات البَشَر وخَصائصهم ورَغباتهم. عندما نَعْبُد تلك الصِّفات والخَصائص بدلًا من إلَه الكِتاب المُقَدَّس كما هو، فهذه هي عِبادة الأوثان. لا توجد طريقةٌ للتَّغلُّب على هذا الأمْر، وإعْطاؤه إسْمًا مَسيحيًا لطيفًا لا يَجْعله مقبولاً.

هناك عَدَد من الكُتُب التي تكون مَوضوعاتها ذات طابِع مسيحي تَنْتَشِر اليوم وأنا أفكر في كِتاب جديد شائع جدًا على وجه الخُصوص لن أذكر إسْمه، والذي يَذهب الى حدٍّ كبير في مُحاولة الحَطّ من قَدْر الله من خلال إيجاد طُرُق مُخْتَلِفة لإضْفاء الطابع الإنْساني عليه. نعم، تَجْسيد الله تعني الحَطّ من جلالته وتَدْنيسه. الإنسان هو بالأحْرى كائن أقل بكثير من يَهوَهْ. في الواقع نحن لسنا حتى في نفس المُستوى الكَوْني. لذا فإن مُحاولةُ مُساواته بنا هي إهانة ذات أبْعاد هائلة لِجَوهره الإلَهي الذي لا مثيل له. ولكن في الحقيقة هذه المُحاولة لإضفاء الطابع الإنساني على الله ما هي إلا الخُطوة التالية في العصر الجديد للعَودة إلى عالم الغنوصية القديم؛ كانت الخُطْوة الأولى هي إنزال البَشَر إلى أسْفَل دَرَجة (لنَزْع الطّابع الإنْساني عن البَشَر) حتى تتمّ مُساواتهم بالحيوانات. وقد تمَّ تحقيق ذلك تمامًا على مستوى العالَم تقريبًا من خلال المُطالبة بتدريس نظريَّة التطوُّر الدارْوِينيَّة وقُبولها كحقيقة لا جِدال فيها. الفكرة هي أننا لم نُخْلَق من قِبَل الله، ولكنَّنا بِبَساطة تَطوَّرْنا من الحيوانات وبالتالي نحن لسنا أكثر من نَوع آخر من الحيوانات.

لذا انْظُروا إلى النَّمَط الذي تُحاول هذه الكُتُب المُخادِعة أن تَفرضه علينا: الله فوق البَشَر، والبَشَر فوق الحيوانات وِفقًا لنُصوصنا المُقَدَّسة. لكن حَرَكة العصر الجديد تَسْخر من ذلك بالسَّعي إلى جَعْل الله مُساويًا تقريبًا للبَشَر، والبَشَر مُساوٍين تقريبًا للحيوان. وقد وَقَعَت الكنائس والقَساوِسة في جميع أنحاء العالم في هذا الخِداع القادِم من الجَحيم، مُعْتقِدين أنها وسيلة لرَعاياهم للحُصول على شعور أكثر دفئًا وراحة تِجاه الله؛ إذ يَرونه أكثر كَجَدّ وصديق عَطوف، وأقل كَخالق ومَلِك عظيم يَقِف فوق كل شيء ويُطالبنا بالإخلاص والطَّاعة له.

يا أصْدقائي، هذه هي عِبادة الأصْنام في العصر الحديث. إنها لا تَخْتَلِف مُطْلقًا عن تشكيل تماثيل صغيرة لإلَه أو آلَهةٍ والسُّجود لها. إنها صِناعة الله على صُورتنا نحن لِراحتنا. الأصْنام والصُوَر التي قرأنا عنها في الكِتاب المُقَدَّس كانت إما بَشَرًا أو حيوانات، أليس كذلك؟ كل اللآلِهة كانت تُنسَب إليها صِفات البَشَر؛ كانت تَحْتَفِل وتشرب وتُمارس الجِنس وتتناسل وتَقْلَق ويُمْكِن قتلها وتحتاج إلى الطَّعام، ويُمْكِن خِداعُها وتُحِب أن تُغازَل. وإذا كنت قد انْخَدَعْت بهذا الهَراء المَخْفي الذي يُقدَّم كَكِتابات مسيحيَّة في العصر الجديد، فعليك أن تُعيد النظر. ضَعْ تلك الكُتُب جانبًا وامْسِك بكتابِك المُقَدَّس. ضَع جانبًا تلك الرِّوايات والمنشورات المليئة بالنَّثْر البليغ وأَنْصاف الحقائق التي تَجعلك تَعتقد أنها سَتُقَرِّبُك من الرَّب بينما هي في الحقيقة تَجْذبك بعيدًا فقط من خلال التَّلاعُب بعَواطفك وتَشويه الحقيقة. يفعل الكثير من الناس ذلك (على ما أعتقد) لأنهم يرون أن الكِتاب المُقَدَّس فوق قِدرتهم على الفهم؛ يُمْكِنك أن تفهم الكِتاب المُقَدَّس. لقد صُنع لكي يَفهمه البَشَر العادِيّون في حياتهم اليوميَّة، ولكن أكثر من فهم كَلِمَة الله، علينا أن نؤمن بكَلِمَة الله ونَتْبَعها وعلينا أن نأخذ الله كما هو، وليس كما نَوَدّ أن يكون.

لذا، أجِد أنه من المثير للسّخرية، إن لم يَكُن غير عقلاني بشكل مُخيف، أن نفس الأشخاص الذين يَشعرون باليأس ويَعْتَذرون عن مَذبحة المِدْيانيين في سِفْر العَدَد، سيُهَلِّلون ويَرْفعون أصواتهم بالتَّرْنيم عند قُدوم مَعْرَكة هرمجدون والإبادة التّامّة، المُرَوِّعة التي لا تَرحم (على يد ربّنا ومسيحنا) للمليارات من الأشخاص الذين يُشَكِّلون الأُمَم ولكنهم لن يَخضعوا لله. إليكم ما يَجِب أن تَفهموه: أوَّلاً، سواءً كانت التوراة أو الأناجيل، هذا هو نَفْس الإلَه بِنَفْس الصِّفات التي تَدُلّ على نَفْس المبادئ. ثانيًا، في كل الأزْمِنة في التاريخ اخْتار يَهوَهْ أوقات لِيُطيح بأولئك الذين ليسوا من أتباعه …….. تارةً من أجل القصاص الإلَهي وطَورًا للتَّضحية بهم من أجل مَن هُم من أتباعه. وثالثًا، إنَّ أسْوأ وأفظع عَمَليّات الذبح وإراقة الدِّماء لأعدائه لم تَحدُث بعد؛ فهي ليست مُسَجَّلة في العهد القديم، بل هي في مُسْتقبلنا. لقد حَدَثت أشكال أخَفّ من غَضَبه وانْتِقامه الإلَهي بعد آدم وحواء مُباشرةً، وحَدَثَت على نِطاق عالَمي في الطّوفان العظيم، وحَدَثَت في عهد البطارِكة، وحَدَثَت ليلة عيد الفصح في مصر، وتَحْدُث هنا في سِفْر العَدَد مع المِدْيانيّين.

في وقت لاحق في الكِتاب المُقَدَّس سَيَحْدُث الكثير من القَتْل الذي قَدّره الله عندما يغزو بنو إسرائيل كنعان؛ ولاحِقًا أيضًا عندما يوَسِّع داوود مَمْلَكَتَه. سنقرأ في النِّهاية عن مَوت ما يقارِب ربع مليون جِنْدي آشوري بين عَشِيَّة وضُحاها بينما كانوا يُخَطِّطون لإسْقاط مدينة أورَشليم المُقَدَّسة، قُتلوا على يد يَهوَهْ.

لقد شاهدنا نحن في القَرْنَيْن العشرين والحادي والعشرين الأُمَم التي سَعَت إلى القضاء على الشَعْب اليهودي في النِّهاية حيث أعطى الرَّب القوَّة للأُمَم التي سَعَت لإيقاف مثل هذا الأمْر. ونقرأ في سِفْر الرؤيا في العهد الجديد أن "مُخَلِّصَنا الوديع المُعْتدِل" يعود أسَدًا مُفْتَرِسًا ويقود جيوش الله حامِلاً سَيْفه بِيَده، كقائد مُحارِب لا يُقهر يُهاجِم أعداء الله في حَرْب أخيرة تُنْهي كل الحروب، حيث سيكون مِقدار الدِّماء التي ستُراق هائل إلى درجة أنها ستفوق الخيال.

ليس لدينا إلَه يَقْتُل بِفَرح؛ لقد قيل لنا أن إرادَته هي أن يُخَلِّص الجميع؛ لكنه يُهلِك وسيَستمِرّ في إهلاك البَشَر الذين يَعْتبرهم أشرارًا من أجل تحقيق أغْراضه، ومن بين هذه الأغْراض هو خلاص بني إسرائيل وحِماية كل من هم من أتباعه.

لكن إليك الأمر الذي يَجِب ألا نَغْفَل عنه: الرَّب يَتَعامل دائمًا مع شَعْبه أولاً، ثم مع أولئك الغُرَباء الذين يَضْطَهِدون شَعْبه. وبعبارة أخرى، نفس المبادئ الإلَهية الأساسيَّة التي تحكم بني إسرائيل كما حَكمت جميعَ أُمَم الأرض، وأهم هذه المبادئ هي أن الجميع سيَهلكون بسَبَب خطاياهم إذا لم يَقبلوا نِعمة الله كطريق للهُروب. لقد قرأنا بالفعل عن آلافٍ مؤلَّفة من بني إسرائيل الذين قَتلهم الرَّب بسَبَب تَمَرُّدهم عليه، تمامًا كما قرأنا عن آلاف الأُمَم الذين قَتَلَهم الرَّب بسَبَب تَمَرُّدهم عليه. إن إهلاك الخَطاة العِبرانيِّين والوثنيّين على نطاق واسع ليس مَبْدأ من مبادئ العهد القديم الذي تمَّ التَّخَليّ عنه بطريقة ما مع مجيء المسيح. لم تَنْتَهِ عدالة الله عند سفح الصليب.

في رومية إثنين (على سبيل المثال)، يَتمّ التَّوضيح بشكل مُفَصَّل أن الرَّب سيُعامِل اليهود والأُمَمِيِّين على قدم المساواة، وسيُخْضِعهم لِنَفس المعايير، سواء في النِّعمة التي يَمْنحها أو في الهلاك الذي يُعاقِب به. الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد رومية إثنان على خمسة: "وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْل قَسَاوَتِك وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائب، تَذْخَرُ لِنَفْسِك غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَب وَاسْتِعْلاَن دَيْنُونَة الله الْعَادِلَة"، سِتَّة: الَّذِي سَيُجَازي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَب أَعْمَالِه." سبعة: "أَمَّا الَّذِينَ بِصَبْرٍ فِي الْعَمَل الصَّالِحِ يَطْلُبُون الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْبَقَاء، فَبِالْحَيَاة الأَبَدِيَّة." ثمانية:"وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْل التَّحَزُّبِ، وَلاَ يُطَاوِعُونَ لِلْحَقِّ بَلْ يُطَاوِعُونَ لِلإِثْم، فَسَخَط وَغَضَب" تسعة: "شِدَّةٌ وَضِيقٌ، عَلَى كُلِّ نَفْس إِنْسَان يَفْعَل الشَّر: الْيَهُودِيّ أَوَّلًا ثُمَّ الْيُونَانيّ"،عشرة: "وَمَجْدٌ وَكَرَامَةٌ وَسَلاَمٌ لِكُلّ مَنْ يَفْعَل الصَّلاَح: الْيَهُودِي أَوَّلًا ثُمَّ الْيُونَانِي."

إذًا فيما يَتَعَلَّق بِدَرس اليوم: دعونا نَتَذّكَّر ما قَرأناه للتَّو في إصْحاحَين سابقَيْن، أن الرِّجال العِبْرانيِّين (شَعْب الله المُخْتار) قَبِلوا عَرْض الموآبيِّين والمِدْيانيِّين للإخْتِلاط بهم؛ لِمُمارسة الجِنْس الفاجِر وعِبادة الأوثان. ولكن الجريمة هنا في نَظَر الرَّب هي في الحقيقة زِنا؛ فالرَّب الإلَه هو زَوْج بني إسرائيل، ولكن العَروس تُقيم علاقة مع إلَه آخر. تقول الشَّريعة أن عاقِبة الزِّنا هي المَوت؛ لذلك اقْتَضَت عدالة الله أن يَموت أكثر من أربع وعشرين ألفًا من بني إسرائيل بالطَّاعون الإلَهي بسَبَب زِناهم مع كيموش، إلَه موآب. وكما هو مَبْدأ الله، بعد أن انتهى الرَّب من التَّعامُل مع شَعْبه، الْتَفَت بعد ذلك إلى أولئك الذين ليْسوا من شَعْبه ليتعامَل معهم بنفس الطريقة. هذا هو سياقنا لرِواية سِفْر العَدَد واحد وثلاثين، إبادة مِدْيان. مِدْيان هم شَعْب ليسوا من شَعْب الله، وقد أَبْعَدوا شَعْب الله عنه عَمْدًا.

توضِح اوَّل آيتًين من الإصْحاح واحد وثلاثين أن الحَرْب ضدّ مِدْيان هي في الواقع انْتِقام الرَّب، وأن بني إسرائيل هم الّذين سَيُنَفِّذون هذا الانْتِقام بالنِّيابة عن يَهوَهْ. ولذلك، عليهم أن يُنْجِزوا هذه الحَرْب المُقَدَّسة بالضَّبْط كما أمَرَ الرَّب.

أولاً، أمَرَ الرَّب أن لا يخوض الجَيْش المَعْرَكة باسْتِخْدام كلّْ رِجال بني إسرائيل البالغ عددهم ستمئة ألف رَجُل، بل أن تتألَّف هذه المجموعة من إثني عشر ألف جندي مُختار بِعِناية؛ ألف من كل سَبَط من الأسباط الإثْني عشر.

ثانيًا، أمَرَ الرَّب أن يكون فينحاس، بن أليعازر الكاهِن الأعظم، هو كاهِن الحَرْب في هذه الحَمْلة. في كل مَعْرَكة من معارِك الثقافات القديمة كان كل طَرَف يأتي بِكَهَنة كَمُمَثِّلين لآلِهتهم؛ ولم يَكُن بنو إسرائيل مُخْتَلِفين عن ذلك. ومع هؤلاء الكَهَنة كانت هناك أدَوات طَقسيّة مُخْتَلِفة، بما في ذلك الشوفار لإصدار التَّعليمات المُخْتَلِفة للمَعْرَكة كما رأينا جميعًا البوّاقين يفعلون في الأفلام. لم يَكُن فينحاس يقود الجَيْش الإسرائيلي؛ لقد كان في الأساس قِسِّيسًا، وكان هناك فقط للقيام بالخِدمة الكَهْنوتية. ولكن المَقْصود هو أن نُلاحِظ أن فينحاس هو الذي ذَهَب مع الإثْني عشر ألفًا؛ لأن فينحاس هو الذي طَعَن المرأة المِدْيانية التي كانت تُمارِس الجِنْس مع رجل عبراني (فَقَتَلَهُما معًا)، وبذلك أنهى الطاعون الذي جَلَبَه يَهْوَهْ على بني إسرائيل بسَبَب زِناهم.

كما هو فريدٌ من نوعه في الكتب المقدَّسة مُقارنةً بكل الأدب القديم، لا نَجِد أيّ َوصفٍ مُفصَّلٍ للمعركة؛ لا توجد حساباتٌ مُثيرة عن نَصْرٍ انتُزِعَ من فم الهزيمة، ولا قِصَص عن بطولاتٍ فرديّة. الآية السابعة تذكِّر ببساطةٍ أنَّ بني إسرائيل توجَّهوا إلى ميدان المعركة ضدّ المِديانيِّين وأبادوهُم بالكامِل؛ قَتَلوا كلَّ مِديانيٍّ حيّ. انتهى الأمر. النتيجةُ لم تكن أبداً محلَّ شكّ؛ فقد سارَ الربُّ أمامَهم، وكان جَيْشه هو جيش الربِّ، وبالتالي كان النَّصر محسومًا قَبْل أن يَرفعوا أيَّ رمحٍ أو سيفٍ، أو يَنظروا في عين أيّ خَصم مِدْياني.

اُنظُر، هناك مَبْدأ هنا يَسهل إدراكَه بسهولة، ولكن يَصعب علينا حقًا أن نُصَدِّقه ونَسْتَوعبه: إنه عندما يُرسل الرَّب جُيوشَه إلى المَعْرَكة، فإن الأمْر ليس في الواقع مُنافسة ذات مَجموعة من النتائج المُحْتمَلة كما هو الحال مع الجُيوش العِلْمانيّة. إنها ليست حالة تُحَدِّد فيها الاسْتْراتيجيّات والتَكْتيكات أو حتى حَجْم الجُيوش النَّتائج. عندما يُرسل الرَّب جُيوشه إلى المَعْرَكة، ويَتَصرَّفون كما أمَرَ، فإن ذلك في الحقيقة من أجل أن يَشْهَد البَشَر بِبَساطة ما قرَّرَه يَهوَهْ بالفِعل، ومن أجل أن يَظْهَر مَجْده لكلا الجانِبَيْن. لا يُمْكِن بأي حال من الأحوال أن تكون مَعْرَكة عادِلة تُتاح فيها الفُرْصة للطَّرف الآخر للفَوْز.

أعِد قراءة سِفر العَدَد الإصْحاح واحد وثلاثين على أربعة عشر حتى النهاية

والآن، دَعْني أُذَكِّرُك بما قُلْتُه لك للتَّو؛ بالفعل قَتَل بنو إسرائيل كل ذَكَر مِدْياني، ولكن كان المِدْيانيون هم فقط أولئك الذين كانوا يُقيمون في منطقة شمال ما وراء الأردن. كانت هناك قبائل وعَشائر مِدْيانية مُخْتَلِفة لها مُسْتوطنات على طول الطريق من موآب وُصولاً إلى الطرف الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، ولم يكونوا أُمَّة واحدة كبيرة مُوَحَّدةً أو مجموعة شَعْبية كبيرة. لذا، لم تتمّ إبادة جميع أحفاد مِدْيان.

لقد قُتل أيضًا ملوك العديد من القبائل والمدن التابعة للمِدْيانيين أيضًا، وأسْماؤهم مُدرجة لنا. ولكن ما هو أكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لي هو أن بلعام ، ساحِر بلاد ما بين النَّهرين الذي اسْتأجرَه المَلِك بالاق ليَلْعَن بني إسرائيل من أجله (لكنه لم يفعل)، قُتل على يد بني إسرائيل. يُخْبِرنا إصْحاح سابِق أن بلعام عاد إلى بَيْته (ن دون تحقيق هدفه) بعد لقائه مع يَهوَهْ والملك بالاق؛ من الواضح أنه عاد. كان ذلك خطأ كبير.

في الآية التاسعة يُقال لنا أنه قد تمَّت مُصادرة نساء وأطفال مِدْيان، مع جميع مَواشيهم. وأُحْرِقَت المدن التي عاش فيها المِدْيانيون. هذه الممارسات كانت قياسيَّة تمامًا في ذلك اليوم. إسْمحوا لي أن أُعَلِّق هنا على شَيء يُمْكِن أن يَضيع: كان من الطَّبيعي أن يُوَسِّع المرء قبيلته أو أُمَّته من خلال الاسْتِيلاء على نساء وأطفال (وفي بعض الحالات، رِجال) القبيلة أو الأمة التي هَزَموها. قام بنو إسرائيل بالأمْرِ نفسه. في الواقع نحن نرى أن يعقوب (قبل خمسمئة سنة من هذه الحَرْب مع مِدْيان) قد زاد عَدَد عَشيرته بين عَشِيَّة وضُحاها تقريبًا عندما قاد أبناؤه غارَة مُضَلّلة للإنْتِقام من مدينة شكيم وقتلوا جميع الذُّكور (هل يبدو ذلك مألوفًا؟)، وأخذوا جميع نساء وأطفال شكيم كَعَبيد. نحن لا نَعرف كم عدد الأشخاص الذين نَتحدَّث عنهم هنا، ولكن كان من المُمْكِن أن يكون عَددهم كبيرًا، وكان من المُمْكِن أن يزيد من حَجْم عائلة يعقوب. نفس الشيء كان سَيَحْدُث هنا في سِفْر العَدَد واحد وثلاثين فيما يَتَعَلَّق بِبَني مِدْيان هؤلاء. إذَن في مُعْظَم المرّات التي غزا فيها بنو إسرائيل مَلِكًا ما أو آخر، كان جزء من سُكّان تلك المَمْلكة ينتهي به الأمر أن يكون مِلْك بني إسرائيل. لذلك زاد حجم بني إسرائيل أكثر بكثير من مُجَرَّد أطفال إضافيّين يولَدون لنساء عِبرانيّات.

ولكن لاحِظ كيف يظهر أيضًا أن نقاء الأنساب داخل بني إسرائيل كان مُسْتحيلًا عَمَليًّا منذ بِدايتهم. لقد تم استيعاب الغالِبيَّة العُظمى من تلك الشُّعوب المَغْلوبة في إسرائيل وفي وقت قصير لم تَعُد تُعتبَر أجنبيَّة بل إسرائيليَّة. هذه بِبَساطة طريقة المُجْتَمَع القبلي.

تمَّ إحضار غنائم حرب مِديان إلى المكان الذي كان فيه موسى وبنو إسرائيل مُخَيَّمين، على مسافة قليلة في شرق نهر الأردن، ليس بعيداً عن أريحا. وربما فوجئ الجُنود العائدون بِغَضب موسى عندما رأى نساء المِدْيانيين في السَّبي. لماذا كان موسى غاضباً جداً؟ لأن تلك النِّسوة هنَّ اللاتي ضَلَّلْن الرِّجال العِبرانيِّين (بسهولة على ما أظن)؛ ونتيجةً لتصرُّفات تلك النِّسوة قُتل أربع وعشرون ألفًا من بني إسرائيل على يد يَهوَهْ. ويتأكَّد لنا أيضًا أن بِلعام هو الذي جاء بالفِكرة اللّامِعة لتلك النِّساء الوَثَنِيَّات لإغْواء الرِّجال العِبرانيِّين، وبهذه الطريقة أضْعَفَ بني إسرائيل. قد لا يكون بِلعام قد أصْدَرَ لَعْنَةً رسميَّة على بني إسرائيل، لكنه بالتَّأكيد لَعَنَهُم بِخِطَّته الجُهَنَّمِيَّة لإغْراء بني إسرائيل من قِبَل النِّساء الوَثَنِيَّات.

لذلك أصْدَرَ موسى مَرْسومًا بأنه يَجِب أن يُعفى عن جميع النِّساء العَذارى (ولكن يُحتفَظ بِهِنَّ بالطبع كعبيد)، وأن جميع النِّساء اللّاتي تم اخْتِبارهُن جِنْسيًا يَجِب أن تُقتلْنَ. المَنْطِق بسيط: النِّساء المُتَوَرِّطات في ردَّة بني إسرائيل ضدّ يَهوَهْ هُنَّ فقط اللواتي يَجِب أن تُقتَلْنَ. لماذا يَجِب أن تُقتل امرأة من الواضح أنها لم تكن على علاقة جِنسية مع أي شخص، ناهيك عن كونها عبرانية؟ لم يَكُن لَهُنَّ أي دَور في إقْناع رِجال بني إسرائيل بعِبادة شيمس.

إن قَتْل الأطفال الذُّكور أصْعَب قليلاً. ومع ذلك فهو بالأحْرى نموذجي بالنسبة للعصر لسَبَبين: أولاً، كان من واجب الطفل الذَّكَر، عندما يكبر، أن يثأر لمَوْت أبيه. فقد قَتَل العبرانيون كل واحد من آباء هؤلاء الأولاد، وبالتالي فإن ترْكَهم أحياءً كان يعني ذلك أنه يَجِب التَّعامل معهم في الوقت المناسب. وثانيًا، بما أن إسْم الأب هو الذي يُعطى للأبناء، وبما أن من حق الزوج أن يمتلك كل ممتلكات زوجته، لم يَكُن موسى يريد أن يكون بين المِدْيانيين الذُّكور أي ذَكَر من المِدْيانيين بين الخليط ليلوِّث بني إسرائيل أو يَسْتَنْزِف منهم الثروة والأرض.

نَصِلْ الآن إلى هذا المشهد المُثير للاهْتِمام الذي يبدأ في الآية التاسعة عشرة حيث يَجِب أن تتمّ عملية التَّطْهير. وبالعودة إلى الآية الثالثة عشرة، تُخبرنا أن موسى وإليعازار رئيس الكَهَنة تركا مُخَيَّم بني إسرائيل ليَخْرُجا لاستقبال الجَيْش العائد. لم يَكُن هذا لتكريم المُنْتَصرين، بل لمنع دخول النَّجاسة إلى مُخَيَّم بني إسرائيل.

لقد أصبح الجُنود الآن نَجِسين لأنهم لَمَسوا المَوت؛ لقد قَتَلوا وحتى لو لم يفعلوا ذلك، فلا شك أنهم لَمَسوا جثة أو على الأقل وقفوا وسط حقل مليء بالجُثَث. وعلاوة على ذلك فإن الأشخاص الذين تم أَسْرهم كانوا نَجِسين (لأنهم لم يكونوا عبرانيين ولأنهم بِحِكْم التَّعْريف، كانوا مُلَوَّثين بأَلِهَة أخرى) ولا يُمْكِن السَّماح لهم بالدُّخول إلى المُخَيَّم. لذلك نَجِد أنه أَمَر بفترة تطهير قياسيّة مدّتها سبعة أيام؛ كان على الجُنود أن يبقوا خارج المُخَيَّم وأن يُرشّوا برماد العجلة الحمراء (الخلْطة الخاصة التي أمَر الله بها والتي كانت تُستخدَم خصّيصًا لتطهير نَجاسة المَوْت) مرَّتين، في اليوم الثالث وفي اليوم السابع. كذلك كان يَجِب غَسْل ثيابهم والأشياء الأخرى التي لامَسوها وتَطْهيرها طقسيًا. كل ذلك كان وفقاً للشَّريعة اللاويّة. في الآية الثانية والعشرين تبدأ القائمة بالمعادِن التي صُودِرَت من مِدْيان والتي يَجِب تَطْهيرها أيضًا لكي يَتِمّ إدخإلُها إلى المُخَيَّم. يَجِب تطهير جميع الأشياء المأخوذة من المِدْيانيين ولكن لاحِظ أنه لا يوجد ذِكر للأواني والقدور الفخّارية (التي لا بد أنه كان هناك الآلاف منها)؛ هذا لأن الأواني الفخّارية مَساميَّة وبالتالي لا يُمْكِن تَطْهيرها، لذلك بدلاً من ذلك يَجِب إتلافها.

عَمَليّة التَّطْهير بالنسبة للأشياء المُصادَرَة تعني تَمريرها بالنار. أما بالنِّسبة للأشياء التي من شأنها أن تَحْتَرِق أو تَذوب بِسُهولة (مثل الزُّجاج)، فيُمْكِن تَنْقِيَتها بالماء فقط. وقد تم تَوْسيع هذا الجزء الخاص بتَنْقِيَة الأشياء المُخْتَلِفة وتدوينه من قبل الحاخامات منذ ذلك الحين بحيث يَجِب تَسْخين أي إناء للطَّبخ حتى يُصْبِح أبيض ساخنًا ليَتُمّ تطهيره؛ ويَجِب أن يَتُمّ تسخين الأواني الفِضِّية حتى تَحْترق؛ ولكن الزُّجاج، الذي لا ليس له مسام، يُمْكِن نَقْعُهُ في الماء البارد. وتَتَّبِع مُعْظَم الأُسَر اليهوديّة التَّقْليديَّة هذا الإجْراء حتى يَومِنا هذا في عيد الفِصْح وعيد الماتزا.

والآن بعد إتمام عمليّة التَّخَلُّص من الأَسْرى وتَطْهير الأشخاص والأشياء، يَتمّ توزيع غنائم الحَرْب المُهِمَّة للغاية. كان كل جِندي يتوقَّع (وكان من حَقِّه) الحُصول على جِزْء من الغنائم، ولكن كان الأمْر مَتْروكًا للقادة لِيُقَرِّروا كَيْفِيَّة تقسيم الغنائم. وإليكم كيف كان يَجِب أن يَتمّ ذلك:

يَحْتفِظ المئة وعشرين ألف جندي الذين قاموا بالقِتال فِعلِيًّا بنُصف الغنائم؛ أما النصف الآخر فيُعطى لبقية بني إسرائيل البالغ عددهم ثلاث ملايين جندي. أليس من المثير للاهتمام أن الجُنود حَصَلوا على نصيب الأسد من الغنائم بينما حصل المَدَنيّون على شيء قليل، لكنه كان أقل بكثير من مكافأة المُقاتلين الفعليّين. أقول مُثير للإهْتمام لأن الجُنود في أيامنا هذه هم عادةً من بين الذين يَتقاضون أقلّ الأجور في الحكومة، ومع ذلك هُم الذّين يقدِّمون التَّضْحية الأكبر. أما المَدَنيُّون الذين يظَلّون آمِنين في بيوتهم ، وفي أمريكا غالباً ما يقضون وقتهم في الاحْتِجاج ضدّ جنودِنا الذين يُعَرِّضون حياتهم للخطر ، يَحصلون على أكبر فائدة من شجاعة الجُنود، بينما يَحْصل الجندي على أقلّ قَدْر من الفائدة. فَكِّر في ذلك.

ولكن، كالعادة، في إسرائيل كان كل ما يُكتَسَب في الحَرْب المُقَدَّسة مِلكًا للرَّب، ولذلك كان يَجِب أن يعود إليه جِزء مُحَدَّد. ومع تأسيس الكَهْنوت كان ذلك يعني أن الكَهَنة (وفي بعض الحالات اللّاويِّين العاديّين) كانوا هم الذين سيَحْصَلون على كل ما كان من نَصيب الرَّب. لاحِظ أنه من بين نِصْف الغنائم التي حَصل عليها الجُنود كان عليهم فقط أن "يُقَدِّموا العِشر" (إذا جاز التَّعْبير) واحد على خمسمئة من نَصيبهم (أي إثنين بالعَشرة من واحد في المائة فقط). ومن ناحية أخرى كان على جميع المَدَنيِّين في إسرائيل أن يُقَدِّموا عِشرًا يبلغ واحد على خمسين، أي إثنين بالمئة ممّا حَصَلوا عليه. على عكس ما يبدو، فإن هذا في الحقيقة ليس عُقوبة للمَدَنِيِّين (أو مكافأة للجُنود) بِقَدَر ما هو نِظام راسِخ قائم على أساسٍ عَمَلي. من المُوَثَّق جيدًا أن نِظامًا كَهْنوتيًا مُكوَّنًا من عَشْر لاويّين لكل كاهن يَخْدم في الهيكل (كان هذا هو المِعيار). أي أنه كان هناك نِسبة عشرة على واحد من اللّاوييّن للكَهَنة. تذَّكر الآن أن اللّاوييّن لم يكونوا جميعهم كَهَنة. كان مُعْظَم اللّاوييّن عُمَّالاً من ذوي الياقات الزَّرقاء حول الَهَيْكل. كان الكَهَنة فقط هم الّذين يَستطيعون تقديم الذبائح والطُّقوس، وليس اللّاوييّن العادِيِّين. لذلك لاحِظوا أن اللّاوييّن (ككلّ) كانوا يَحصلون على عشرة أضْعاف ما كان يَحصل عليه الكَهَنة (عِشْر يبلغ واحد على خمسين للّاوييّن، مقابل عِشْر يبلغ واحد على خَمْسُمِئة للكَهَنة). ولكن بما أن عدد اللّاوييّن كان عشرة أضْعاف عدد الكَهَنة، فَبِحُلول الوقت الذي حَصَل فيه كل رَجُل على نَصيبه في الأساس، حَصَل كل كاهِن وكل لاوي على نفس المَبْلَغ بالضَّبْط. نِقْطة أخرى مُثيرة للاهْتِمام، كما أعْتَقِد، هي اقتِصاد الله مُقاَرنةً بِكَيْفِيَّة تَفْكير البَشَر. في الخِدمة المَسيحيَّة يَتمّ دائمًا وضع تسَلْسُل هَرَمي للمُرَتَّبات حيث يَحْصل الكاهِن الأكبر سِنًّا على راتب أعلى بكثير، ثم يَحصل كل من الخِدَّام الأصْغَر سنًّا على مَبْلغ أقل تَدْريجيًا. في بعض الأحيان لا يكون الفَرْق كبيرًا جدًا، وفي أحيان أخرى يكون الفَرْق هائلًا. ربما يَحتاج ذلك إلى إعادة تفكير في ضوء المِثال في الكِتاب المُقَدَّس.

لقد تمَّ سَرْد قائمة طويلة من غَنائم المواشي، والأرقام مُذهِلة للغاية: كبيرة بما يكفي لِدَرَجة أن مُعْظَم العلماء يقولون إن هذا ليس مُمكنًا. الآن، لا أستطيع أن أقول ما إذا كان هذا صَحيحًا أم لا، ولكن يُمْكِنُني أن أقول إنه من بين جميع الأماكن التي يُمْكِن أن توجد فيها مثل هذه الأعْداد من المواشي، فإنه المكان الذي حدث فيه كل ذلك. إن أعالي ما وراء الأردن تُعَدّ من أفضل المراعي. في الواقع، في الإصحاح التالي، سنَكْتَشِف أن بعض الأسْباط الإثْنَيْ عشر يَرغبون في البقاء هناك وعدم الانْتِقال إلى كنعان، لهذا السَّبب بالذات.

كما أن هناك العديد من القادة الصَّالِحين والمُخْلِصين الذين نَعرفهم، فهناك على الأرْجَح عدد مماثل من القادة الذين يَسعون وراء الشُّهرة الشَّخْصية والثروة. ولكن في آخر سبع آيات من سفر العدد واحد وثلاثين، نرى مثالًا مؤثِّرًا للغاية للقيادة التي تَسْتَمِدُّ قوتها من الله. جميع القادة من مُخْتَلَف مُستويات الجُنود، من الرقباء إلى القائد الأعلى، قَدَّموا للرَّب كل الذَّهَب والفِضَّة والمُجَوْهَرات التي أخذوها كغنائم حرب. وعندما انْتَهَت المعركة، قاموا (كما هو المعتاد) بإجراء إحْصاءٍ لِعَدَد الجُنود، وَوَجدوا أنه، بِمُعْجِزة، لم يُقتَل أو يُفقَد أي جندي إسرائيلي. وكان هؤلاء القادة الشُّجْعان مُمْتَنِّين للغاية ليد الرَّب التي حَمَتْهُم، ومُعْتَرِفين بِرِعايته لهم، لِدَرَجة أنهم سلَّموا حِصَّتهم الشَّخْصية بالكامل إلى الكَهْنوت كَعُرْبون شِكْر على حِفْظ أرواح رِجالهم. أما الجُنود العادِيُّون، الذين كانوا في الخُطوط الأماميَّة، فتمَّ السَّماح لهم بالاحْتِفاظ بكامل حِصَّتهم من الغنائم.

وكَتِذكار لهذا اليوم أخذ الكَهَنة المَعادِن الثمينة التي أعطاها هؤلاء القادة وصَنَعوا منها كل أنواع الأشياء الطَّقسيَّة لاستخدامها في خَيْمة الاجْتِماع.

لقد أكَّدْتُ على مَوْقِف وتصرُّف قادة بني إسرائيل لأننا نرى هذا الفهم المُتَزايِد لديهم لما يَنْتَظِره الرَّب منهم. ولا يُساوِرُني شكّ في أنه على الأقل جزئيًا، نتيجة للقيادة الإسرائيلية المُلْتزِمة والمُخْلِصة أننا سنرى قريبًا، عبور بني إسرائيل نهر الأردن إلى كنعان، وانْتِصارِهم في مَعْرَكةٍ تِلْوَ الأخرى، بِخَسائر قليلة وبِشكلٍ سريع وخاطِف. يَتوقّع الله الكثير من القادة البَشَريين؛ ويتوقع أكثر من ذلك من القادة البَشَرييّن الذين يَخْدُمونه.

لنَنْتَقِل إلى الإصْحاح الثاني والخمسين.

اقرأ الإصْحاح إثنين وثلاثين من سِفْر العَدَ بأكمله

لقد بدأ غَزو أرض الميعاد. ومع ذلك لم يَدخل بنو إسرائيل حتى الآن إلى كنعان، بل الى الجانب الشرقي من الأردن، منطقة ما وراء الأردن التي احْتَلّوها أولاً. وهذه المَنْطِقة ليست أرض الميعاد. لذا، عندما جاءت قَبيلتا رأوبين وجاد، الذين كانوا يَمْلكون عدَدًا كبيرًا من الماشية (في الواقع، الكَلِمَة العبرية هي مِكْنة، والتي تعني الماشية بشكل عام، وليس قَطيعًا كبيرًا من البقر)، إلى موسى قائلين إنهم يُفَضِّلون البقاء والاسْتِقرار في الأرض التي كانت مُوآب سابقًا، لم يَكُن موسى مَسْرورًا. ما نراه هو أن قادة جاد وروبن على ما يبدو قد تَقَدَّموا بِطَلبهم إلى نوع من المَجالِس القيادية لأن إليعازار رئيس الكَهَنة كان حاضِرًا مع رؤساء بني إسرائيل، ربما يَقْصِدون على الأرْجَح رؤساء القَبائل الإثْنَي عشر.

أوّل ردّ لموسى هو: إذًا تُريدون البقاء في أرض عَمِلت جميع القبائل معًا لِغَزْوِها، ثم تَجلسون مَكْتوفي الأيدي بينما تُحارِب القبائل العشر الأخرى من أجل الأرض التي خصَّصَها الرَّب لبني إسرائيل من دونكم؟

موسى خائف بِقَدْرِ ما هو غاضِب. لم يَكُن خائفًا من الجانب العَسْكري للوضع، أي أن يكون جَيْشَه أقل عَدَدًا الى حدٍّ ما، بل من أن بعض أعضاء مجلس القيادة قبل أربعين سنة تقريبًا قد امْتَنَعوا عن دُخول كنعان وكانت العواقِب وخيمة جدًا. ومن المؤكَّد أنه لم يَكُن يريد أن يرى ما سيفعله الرَّب ببني إسرائيل، بشكل جماعي، عِقابًا على عدم رَغْبة جزء منهم في التقدُّم مَرَّة أخرى. وهكذا يُذكّر موسى الجميع بما حَدث له أو لها منذ زمن بعيد في قاديش، ولماذا حَدث ذلك، وأن هذا أمْرٌ لا يَجِب أن يتكرَّر.

سنواصل مع الإصْحاح الثاني والثلاثين في المَرَّة القادمة.