19th of Tevet, 5785 | י״ט בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التثنية » سِفْر التثنية الدَرس الحادي عشر – الإصحاحان ثمانية وتِسعة
سِفْر التثنية الدَرس الحادي عشر – الإصحاحان ثمانية وتِسعة

سِفْر التثنية الدَرس الحادي عشر – الإصحاحان ثمانية وتِسعة

Download Transcript


سِفْر التثنية

الدَرس الحادي عشر – الإصحاحان ثمانية وتِسعة

في تَفسير التوراة الصادِر عن جَمعية النَشر اليَهودية، يُبدي عالِم الكتاب المقدَّس البارِز جيفري تيغاي هذه المُلاحظة الرائعة فيما يتعَلَّق بالكَلِمات الافتتاحية للإصحاح الثامِن من سِفْر التثنية. يَقولْ: "بما أنّ رسالَتَه هي أنّ على إسرائيل أن تَتذكَّر دائمًا اعتمادَها على الله، فمِن الجدير بالمُلاحظة أنّ موسى يَبدأ بنداء لمُراعاة الوصايا. هذا يعكِس وِجهة نَظَر الكتاب المقدَّس بأنّ الوَعي بالله والطاعة ليسا ظاهرتَين منفصلتَين……الوَصايا هي التَعبير العَملي عن الوَعي بالله وتَعْمَلْ على تعزيزِه…."

في سِفْر التثنية ثمانية ثمّ تِسعة يواصِل موسى مَوعظتَه لِبَني إسرائيل مُناشدًا إياهم بحَماس أن يتذكَّروا من هُم، ومن هو الله، وأنّ مُراعاة وصاياه هي التَعبير الصحيح عن الولاء ليَهوَه، ومَحبَّتِه.

واليَوم بالإضافَة إلى عَرْض بَعض المبادئ اللاهوتية الهامَّة التي تَتضمَّنها هذه الإصحاحات، أريد أن أحُثَّكم بطريقة مُماثلة على مَحبَّة الله عن طَريق طاعة وَصاياه. على الرُغم من العَمَل الرائع الذي قامَت به الكنيسة المسيحية على مَرّ القرون في نشْر بُشرى يسوع السارَّة في كل رُكن من أركان المَعمورة، فإنّ هذا المبدأ الإلهي الأساسي المُتمثِّل في طاعة وصايا الرَب كتعبير مُتوقَّع عن مَحَبَّته (التَعبير الذي يَطلُبه منا) قد نُحِّيَ جانبًا بشكل غَريب وجُعِلَ أقلّ أهميّة مما يجب أن يَكون؛ وكثيرًا ما وُصِفَ بأن طاعة وصاياه المكتوبة هي ناموسية، وبالتالي فهي ”عَمَل“، ويجب تَجنُّب الناموسية والأعمال. إنني أُدْرِك أنّ الكثيرين مِمَّن يَسمعون هذا التعليم لا يزال لديهِم بعض التردُّد في قُبول هذا المَبدأ الإلهي الأساسي للطاعة النَشِطة لشرائع الرَب وأوامِره باعتبارِها التَعبير العَمَلي المُتوقَّع والمَطلوب عن مَحبَّتنا لله. لا يزال العديد من المؤمنين يَتشبَّثون (بوَعي أو بدون وَعي) بفِكرة أنّ قُبول يسوع رَبًّا ومُخلِّصًا هو آخر عَمَل أو فِعل طاعة مُتوقَّع منا على الإطلاق. في حين أنّ هذا صحيح بالفِعِل بالنسبة لنَيْل خلاصِنا، إلا أنّه ليس صَحيحًا عندما يَتعَلَّق الأمْر بكيفية عَيش حياتِنا كأشخاص مُخلَّصين.

ربّما يُعطينا سِفْر التثنية ثمانية وتسعة غذاءً للتَفكير؛ أدعو الله أن يَفعل ذلك لأن الناس يراقبون كيف نتصرَّف في إيمانِنا كما لم يحدُث من قَبل. وبسبب العَصر الذي وَصَلنا إليه، فإنّ اليهود على وَجه الخصوص يُراقبوننا (عادةً من بَعيد)؛ يراقبون كيف يَتصرَّف الأمميّون واليَهود المؤمنون في يسوع في الواقع.

استقبَلتُ أنا وزوجتي يَهوديًا مُلتزمًا بالتوراة كأحَد ضيوفنا في عيد الشُكر في إحدى السَنوات الأخيرة ولأننا كنّا قد طَوَّرنا علاقة بيننا فقد شَعَر بالحُرّية الكافية للتَحدُّث قليلاً عن المسيحية وطَرَح بعض الأسئلة حول العَهد الجديد. في النهاية قال إنّ مُشكلته الأساسية مع العَهد الجديد والكنيسة هي أنّ الأمْر كلَّه يتعَلَّق بالعاطفة، وأنه لا يوجد جوهَر. قلتُ له أنه في حين أنّ ما لاحظَهُ بشأن بَعض المسيحيين قد يكون دقيقًا إلا أنّ العَهد الجديد لا يتصوَّر أو يُحدِّد بأي حال من الأحوال دِيانة جَديدة قائمة على العاطِفة. ولكن، بالطبع، بالنسبة لَه، هو يلاحِظ سلوكَ النّاس الذين يَدَّعون أنهم يَعيشون حياة العَهد الجديد. وما أخبرَني أنّه يَراه هو أنّ حياة العَهد الجديد تُمثِّل على ما يبدو انفصَالاً تامًا للإيمان بالله وعن أي رَغْبَةٍ في أن تَكون مُطيعًا لأوامِر الله بشكلٍ فَعاّل. في حين أنّ هذا ليس عالَميًا بأي حال من الأحوال بالطَبع، إلا أنني مُضّْطَرٌ للاعتراف بأنه موقِف شائع إلى حدٍ ما في الكنيسة الغربيَّة.

إذا كنتَ تَعتقد أنّ هذا ليس صحيحًا، فلاحِظ هذا: منذ خَمسة وعشرين عامًا مَضَت أظهرتْ دِراسة ما يَعرِفُه مسؤولو الكنيسة بالفِطرة: ثمانين بالمئة من كل العَطاء للكنيسة كان يَتمّ من قِبَل عشرين بالمئة فقط من الأشخاص الذين حَضروا. هل لاحَظتَ ذلك؟ في أوائل الثمانينيات، انتَهى الأمْر باثنين فقط من أصْل كلّ عشرة أشخاص ذَهبوا إلى الكَنيسة بتقديم كل الدَّعم تقريبًا. اليَوم تُشير تقارير شَرِكة بارنا للتَسويق المَسيحي وجَمْع المعلومات إلى أنّ هذا الرَقم يَتقلَّص بسُرعة نحو واحد فقط من كل عشرة أشخاص من الذين يُقدِّمون الجُزء الأكبر من الدَعم.

حسنًا، قد تَقول، بالتأكيد، ولكن هذا لأنّ بعض الناس لدَيهم مال أكثر من الآخرين؛ وهذا يَرْجِع إلى التَفاوت الكبير في المَدخول. هناك بعض الحَقيقة في ذلك بالطبع، لكن دعوني أُعْطيكم حقيقة أخرى يجب أن تُخفِّف من حِدّة هذه الفِكرة؛ قَبْل بضع سنوات كنت مَسؤولاً عن إدارة الأعمال في كنيسة ضخمة، وكجُزء من واجِباتي كنتُ أجْمَع كل التَقارير المالية وكان علَيّ أن أفْهَمها. لفَتَ انتباهي تَقرير واحد على وَجْه الخُصوص. لدَهشتي أنّ حوالى أربَعين بالمئة فقط من الأشخاص الذين حَضَروا كنيستَنا خلال فترة زَمنية مُدَّتُها عام واحد قدَّموا أي شيء على الإطلاق. هذا صَحيح؛ من بَين كل عشرة أشخاص حَضَروا بانتِظام إلى هذه الكَنيسة، لم يُساهِم ستّة مِنهم بأي شيء على الإطلاق. وكما اتَّضَح، فإنّ هذا في الواقِع نَموذجي إلى حدٍّ ما وفقًا للدِراسات التي أنجزَتْها المَسيحية اليوم بالتَعاون مع مَجموعة بارنا.

وعلى الرغم مِن أنّ هذه الأخبار غَير مُرحَّب بها، إلا أنّ نَتائج العَمل التَطوُّعي مُتناقضة أيضًا؛ فالرَقم العام اليوم لأولئك الذين يتطوَّعون بِوَقتِهم بأيّ شَكل من الأشكال هو خَمسة بالمئة من روَّاد الكَنيسة: واحِد من كل عِشرين. ماذا قال يَسوع؟ ”الحَصاد كثير ولكن العُمّال قَليلون“. الآن هناك ما هو أهمّ بكثير لإظهار المُؤمِن الطاعة لأوامِر الله من مُجرَّد إعطاء المال لكنيستِك أو مَعبدِك، أو تَكريس وقتِك للخِدمة. ولكن هذا مِقياس تَمّت دراستُه على مَدى عقود، وهو بالتأكيد انعِكاس صَحيح وحَقيقي لمَدى جَديَّة (أو عدَم جديَّة) إظهارِنا لإيماننا بالله عندما يَتعَلَّق الأمْر بالطاعة النَشِطة (أو عَدَمِها) لشرائعه وأوامِره.

هنا في سِفْر التثنية، بينما كان موسى يُحدِّق في وجوه كل هؤلاء الإسرائيليين الذين قادَهم ورَعاهم وحارَب من أجلِهم وتوسَّط من أجلِهِم وضَحّى بكل شيء من أجلهِم (على مَدى الأربعين سَنة الماضية) لم يكُن الأمْر مُختلفًا كثيرًا في ذلك الوقت عما هو عَليه اليوم في المَسيحية. قَليلون من بين مُستمعيه كانوا يَستجيبون لرِسالة مَحَبَّة الرَب بالطَريقة التي طَلَبها الرَب: طاعَة أوامِره.

لسوء الحَظ، كان مُعظم الشعب يومئ برأسِه في مُوافَقة صامِتة ثمّ يُقرِّر أنّ لديه طريقة أفضَل، طريقتَه، في عَيش الحياة المَفديَّة، وقد أدَّى ذلك إلى عواقِب وَخِيمة بما في ذلك فِقدان ميراثِه الثَمين من الأرض لمئات السِنين في وقتٍ واحد.

كتَلاميذ المَسيح مِيراثنا النهائي هو الرَب. ونحن أيضًا مُلزَمون بالقيام بأوامِر الله وإلا فنحن أيضًا مُلزَمون بفِقدان مِيراثنا. لقد قال ربُّنا ومُخلِّصنا هذا الكَلام عن ذلك:

إنجيل متى الإصحاح سبعة الآية واحد وعشرون، عن ترجمة الكتاب المقدَّس الأميركية النموذجية الجديدة، ”لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ، بَلْ مَنْ يَعْمَلُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. اثنان وعشرون ” سَيَقُولُ لِي كَثِيرُونَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، أَلَمْ نَتَنَبَّأْ بِاسْمِكَ وَبِاسْمِكَ نَخْرُجُ الشَّيَاطِينَ وَبِاسْمِكَ نَصْنَعُ آيَاتٍ كَثِيرَةً“. ثلاثة وعشرون ” وَحِينَئِذٍ أَقُولُ لَهُمْ: ’أَنَا لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ، فَاخْرُجُوا عَنِّي يَا مَنْ تَصْنَعُونَ الْفُجُورَ.

عَن أي خروج عن القانون يتحدَّث يَسوع؟ خَرْق القانون الروماني؟ خَرْق القانون المدني الأمريكي؟ بالطبْع لا. إنه يتحدَّث عن النَاموس الوحيد الذي يَتعَلَّق باليَهودي. إنه يتحدَّث عن الناموس الذي هو كِتابي وعالَمي وأبَدي؛ شَريعةُ يَهوَه.

لنَقرأ سِفْر التثنية الإصحاح الثامن معًا.

لنَقرأ سِفْر التثنية الإصحاح الثامن كلَّه

إذا بدا أنّ موسى يُكرَّر نَفسَه بشكلٍ أو بآخر، فهذا صحيح. إنّه يَقول أشياء مُتشابهة بطُرق مُختلِفة لمُحاوَلة تَوضيح بعض النِقاط المُهمَّة. لن نُطيل التَحدُّث عن كل نِقطة ولكننا سنُلقي نظرة على عدَد قَليل مِنها بعِناية.

تُقدِّم الآية واحد بَياناً قَوياً: هناك سَبب حقيقي ومَلموس لكي تُطيع إسرائيل التَعليم (بالعِبرية، التوراة) الذي تَسمعُه؛ هَدَفُه أن تَزدهر في أرض كِنعان التي على وَشك أن تُصبح مُلكاً لها. هذه واحدة من تلك العِبارات التي تُقال كثيرًا وبإيجاز شَديد، لدَرَجة أنها يُمكِن أن تَفوتنا (كما أنا مُتأكِّد من أنّ هؤلاء العِبرانيين القُدماء فَوّتوها أيضًا). هناك مُقايضة هنا: إذا فَعَلتِ هذا يا إسرائيل، فسأفعَل (الرَب) ذلك من أجلِكِ. بعبارة أخرى، إنّ قُدرة إسرائيل على البَقاء في أرْض الميعاد، وكذلك على الازدِهار في الأرض، مَشروطة تمامًا بطاعة إسرائيل لأوامِر الرَب.

لاحِظ شيئًا ما: عندما يَتحدَّث الكتاب المقدَّس عن طاعة الله في كَثير من الأحْيان ما يُقال في الواقع هو ”طاعة أوامِر الله أو شرائعه“. عندما يَقول الكتاب المقدَّس ”طاعة الله“ فهذا يَعني ”طاعة أوامِره المَكتوبة“.

ماذا يوجَد غيرُ ذلك لنكون مُطيعين له؟ لقد طوَّرنا على مَرّ القرون عَقيدة بأنّ كلَّ ما يجِب علينا (كمؤمنين) أن نُطيعَه هو بطريقة ما مَنقول مُباشرة من الله إلينا (كأفْراد) بطَريقة خارِقة للطبيعة وإلا فَلَيس لنا. هذا يَعني أنّ كَلِمَة الله المَكتوبة تابِعة لبَعض الأفكار أو التَعليمات التي يَضعُها الرَب في أذهانِنا بواسِطة الروح القُدُس، أو أنّها تَختلِف عنها. هل يَضَع الرَب تِلك الأفكار الباطِنية في أذهانِنا بهذه الطريقة؟ بالتَأكيد. هل هذِه هي الوَسيلة اليَومية المُعتادة لفَهْمِنا لِمَقاصد الله وحدودِه وقواعِد السلوك لحياتِنا؟ بالتأكيد لا. الطَريقة الرئيسية التي نَكتشِف بها خصائص الرَب ونِظام عدالتِه (التي توضِحُها شرائعه وأوامِره) هي عن طريق كَلِمَتِه المَكتوبة. في الواقع عندما تراودُنا فِكرة عن شيء نَفعله أو لا نَفعلُه ونَعتقد أنّها من الرَب، علينا أن نتَحَقَّق مِنها في كَلِمتِه المَكتوبة لنرى ما إذا كانت تَتطابق معها. إذا لم تتطابَق، أو إذا كانت تَتعارض مع شرائعه وأوامِره المَكتوبة، فعلينا أن نَتجاهَل هذه الفِكرة على أنّها إما إغراء من الشرير، أو رُبَّما شيء مُستَمدّ من ميولِنا الشريرة، أو حتّى خيال مُفرَط في النَشاط. الكَلِمَة المكتوبة هي المِعيار الذي يَجِب أن نُقارِن به كل شيء آخر. كَلِمَة الله المَكتوبة هي دُستور المؤمنين الروحي. استَمِع إلى هذا المَقطع المَعروف والمُقْتَبَس كثيرًا من الإنجيل:

عن ترجمة الكتاب المقدَّس النموذجية الأميركية الجديدة، اثنان تيموثاوس الإصحاح ثلاثة الآية ستّة عشرة، كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ وَالتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ وَالتَّأْدِيبِ فِي الْبِرِّ. سبعة عشرة لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَفُوءًا مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ.

هناك أمران مُتعلِّقان بهذا المَقطع: تَذكَّر أنّ الكتاب المقدَّس الوَحيد الذي كان يُشير إليه بولُس هو العَهد القديم لأنه لن يَكون هناك أي كلام آخر من الله مَكتوب ومقَبول كقانون كِتابي موحى به لحوالى قَرْن من الزمان بعد وفاتِه. وهذا يَعني أنه عندما تُستخدَم كَلِمَة ”الكتاب“ في الكتاب المقدَّس (بما في ذلك العَهد الجديد) فإنها تُشير فقط إلى العَهد القديم لأنّ هذا هو كلّ ما كان مَوجودًا. لم يكُن لدى بولُس وبُطرس وحتّى يوحنّا الموحى إليه، كاتِب العَهد الجديد الأخير فِكْرة أنّه بَعد حوالى مئة عام من استِشهاد بولُس أنّ بعض رسائلهِم سوف يُنظَر إليها جزء من الكنيسة على أنها إضافات للكِتاب المقدَّس.

لاحِظوا أيضًا ما قالَه بولُس أنّ المَصدَر هو التَعليم والتَوبيخ والتقويم، وما هو البِرّ؛ إنه كَلِمَة الله المَكتوبة، الكتاب المقدَّس، العَهد القديم. ثم قيل لنا لمَ نحتاج إلى هذا التَعليم، وما هو السَبب. لكي نَكون مُجهَّزين جيدًا للقيام بماذا؟ للقيام بالأعمال الصالِحة. أه-أوه. ها هي كَلِمَة ”أعمال“ مرَّة أخرى. يَقول بولُس إننا يَجِب أن نَتعلَّم وصايا الرَب من أجْلِ أن نَعمَل أعمالاً صالحة. أعتقِد أنّ بولُس، حَسَب العقيدة الحديثة، يُخبِرُنا أن نكون ناموسيّين وأن نَضَع كل رجائنا في الأعمال، هاه؟

من الواضِح أنني أقول ذلك ساخِرًا لأنّ الكتاب المقدَّس لا يَجعَل أبدًا من الأعمال الصالِحة ناموسية، ولا يَقول للمؤمِنين أن يَتركوا طاعة وَصايا الله وينصرِفوا إلى الأعمال.

يا إخوتي وأخواتي الأعزاء في الرَب، أرجو أن تَتأمَّلوا هذا: من أكثَر الأقوال شيوعًا بَيننَا نحن المؤمنين المُعاصرين أن نَقول لبعضِنا البَعض ”اتبَعوا قلوبَكُم“، في قلوبِنا تكمُن الحقيقة. تَذكَّروا أنه عندما يقول الكتاب المقدَّس ”القَلْب“، في ذلك العَصْر اعتُبِر العضو الذي يُقيم فيه الفِكر الواعي، العَقل، الذِهن.

لذلك يَتمّ تَحذيرنا بهذا في كَلِمَة الله:

عن ترجمة الكتاب المقدَّس النموذجية الأميركية الجديدة، إرميا الإصحاح سبعة عشرة الآية تسعة:"الْقَلْبُ (أي العقل) أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ آخَرَ وَأَمْرَضُ يَائِسٌ، مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْهَمَهُ؟"

هل توقَّف قلبُنا (عَقلُنا) عن الخِداع عندما قَبِلنا يسوع مُخَلِّصًا؟ استَمِع إلى بولُس مرة أخرى:

عن ترجمة الكتاب المقدَّس النموذجية الأميركية الجديدة، رومية الإصحاح سبعة، الآية خمسة عَشَرَة: "لأَنِّي لَسْتُ أَفْهَمُ مَا أَنَا أَعْمَلُهُ، لأَنِّي لَسْتُ أَعْمَلُ مَا أُحِبُّ أَنْ أَعْمَلَهُ، بَلْ أَعْمَلُ عَيْنَ مَا أَكْرَهُهُ."

هذه هي المَعضِلة التي نواجِهُها جميعًا كمَسيحيين. إنّ المَيل الشرير في أذهانِنا لم يُدمَّر عند خلاصِنا؛ بل سنَظَلُّ نُصارعُه، ونَستسلِم له أحيانًا، بل ونؤمِن به أحيانًا ونُطيعُه فوق كَلِمَة الله وتَوجيهِه لنا من خلال الروح القدس. لقد سَقَط العديد من المُبشِّرين والوُعّاظ والمُعلِّمين العُظماء والجَديرين بالاهتمام سقوطًا عَظيمًا لأنهم استَمعوا إلى ”كَلِمَة مُفترَضة من الرَب“ تَتعارض تمامًا مع كَلِمَة الله المَكتوبة، (سواء كانت حِكمة عامّة أو وَصايا مُباشرة). لقد اعتَقدوا بطريقة ما أنّ ما كان ”في قلوبِهم“ كان أعظَم وأهَم مما كان في أوامِر الرَب المَكتوبة. لهذا السَبب يجِب علينا دائمًا أن نَنظُر إلى كَلِمَة الله؛ أي يجِب أن نَكون دائمًا مُطيعين لأوامِره وأن نكون مُرتابين بَعض الشيء من أفكارِنا الخاصة.

بعد ذلك يَطلُب موسى من الشَعب أن يتذكَّر أعمال الله في خلاصِه ودينونتِه القاسية ضِدَّه في رِحلة البريَّة التي استَمرَّت أربعين سَنة. ستَكون هذه الدروس مُهمَّةً للغاية عندما يَصِل إلى أرضِ الميعاد. على بَني إسرائيل أن يتذكَّروا اتِّكالهُم على الله ورَحْمتِه في تَوفير كل احتياجاتِهم. عليهِم أن يَكونوا مُتواضعين جدًا في تَذكُّر إنقاذهِم من مصر على يَد الله عندما لم تكُن هناك وسيلة أخرى مُمكِنة؛ وكيف أخرَجَهم الله من العُبودية إلى أرض الوَفرة عندما بَدَت كل الطُرق مَسدودة. إذًا كل شيء كان من العِناية الإلهية التي أعطاهم إياها المُعطي العظيم، ولم يكُن ذلك نتيجة استحقاقِهم أو قدرتِهم البَشَرية.

لقد كان من المُعترَف به دائمًا من قِبَل مُعلِّمي الكتاب المقدَّس العظماء أنّ التاريخ المُسجَّل لزَمن إسرائيل في البريَّة كان حقيقيًا وحَرْفيًا وظِلًا نَبَويًا وتوضيحًا في آنٍ واحد، وتَجسيدًا تمامًا لعملية انتقالِنا من عبوديَّتنا الشَخصية للخَطيّة إلى الفِداء (الخلاص) في المَسيح، ثمّ في النهاية إلى أرض الميعاد الأبَدية مع الله. أنا أتَّفِق مع هذه الفَرَضية خاصّةً في النمَط المُوَضَّح.

لاحِظ أنّ جزءًا ممّا يوصِله موسى هنا هو أنّ النَواميس التي يَتعلَّمها الشَعب هي في الحَقيقة للاستِخدام داخل أرض الميعاد أكثَر من خارِجها. في الواقِع هناك العديد من الشرائع والأوامِر في توراة الرَب التي لا يُمكن تطبيقُها دون امتلاكِهم لتلك الأرض والعَيش فيها (شرائع جَلْب أول ثِمار الحَصاد، والحَجّ في ثلاثة من أعياد الكتاب المقدَّس، وشرائع اليوبيل والمِيراث العائلي على سَبيل المِثال). ما أقولُه هو أنّ العِبرانيين لم يُفتَدوا، ثم أُعْطيت لهُم وصايا الله، ثمّ عندما كانوا على وشَك دخول أرض الميعاد قيل لهُم أن يَتجاهلوا كلّ تِلك الشرائع والوصايا ويَتْبَعوا عقولَهم وقلوبَهم. وهكذا الحال بالنِسبة لنا. لم يَفتدِنا يسوع، وأمْضينا وقتًا في أن نُعرَّف بأوامِر الله ونتعلَّم طاعَتَها، لنَقِف على شَفا الأبدية ويُقال لنا: ”بمُجرَّد أن تَصِلوا إلى هناك، لن يَكون هناك المزيد من الشرائع والأوامِر“. علينا أن نتعلَّم تلك الوصايا ونَعيش بها الآن، خلال حياتِنا الجَسَديّة الأرضيّة، لأننا سنَعيش بموجَب تلك النواميس والوَصايا نفسِها طوال الأبدية. هل يُمكِن أن يكون لها تَعبير وتَطبيق مُختلفَين إلى حدٍّ ما في الأبَدية على عَكْس الآن؟ رُبَّما إلى حدٍ ما لأن الطريقة التي كان الناموس يُمارَس بها في الأزمنة القديمة يتمّ التَعبير عنها بشكلٍ مُختلِف قليلاً اليوم. في الواقع اقتَضى جزءٌ من مُهِمَّة بولس بأن يَشرَح بعض الطُرُق التي تَغَيَّر بها التَعبير عن الناموس وتَطبيقِه عند مجيء يسوع المَسيح.

كان هناك قَلَق كبير بشأن تَجنُّب إسرائيل التَكبُّر والتَعجرُف خلال غزو كنعان. بدءًا من الآية الحادية عشرة، يَستِمرّ موسى بإسهاب في تَكرار التَحذير حول كيف أنّ كل ما اختبَروه في البريَّة كان لغَرَض إلهي؛ كان لِتَعليمهم أن يَثقوا بالله، وأن يَكون لديهم خوَف ورَهبة مِنه في نفْس الوَقت. الذُروة هي الآية سبعة عشرة حيثُ يَرِد :وَقُلْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ: ’بقُوَّتِي وَقُدْرَتِي وَقُدْرَةُ يَدِي رَبِحْتُ هَذِهِ الْغِنَى لِي. يَرُدّ موسى على هذا الخطأ البَلاغي بأنّ الثروة التي سيَحصُل عليها بَنو إسرائيل هي من الرَب وهي نتيجة الوَعْد الذي قَطَعه يَهوَه للآباء إبراهيم وإسحاق ويعقوب وليسَ لأي سَبب آخر نالَت إسرائيل هذه الحَظوة عِند الله. ولكن إذا نَسيَت إسرائيل وتَكبَّرت، فسيَأتيها الدَمار في شكلٍ مُماثِل لما سيَحدُث للأمم الوثنية والقبائل الكنعانية الوَثنية التي ستُجرَّد من بيوتِها وأرضِها.

أعتقِد أن يَكون الإنسان ناجِحًا في هذا العالَم، ثم يَستدير ويُعطي الله المديح والمَجْد على هذا النَجاح، لا يمكن أن يحدُث إلا إذا تَدخَّل الله في حياتِك ليُظهِر لك الحَق. إنّ فِعْل الخلاص ليس كافيًا في حدِّ ذاتِه ليَجعلنا تلقائيًا مُمتنّين أو مُمتلئين بالتَواضُع. لقد اختبرتُ هذا وأعرِف ذلك جَيّدًا. فحتّى كَوني مَسيحيًا كنت واثِقًا من نَفسي في حياتي العَمَلية، وكنت أظنُّ أنني لا أُقْهَر وأستَحِقّ نَجاحي تمامًا. حسنًا، لقد تَطَلَّب الأمْر تَدخُّلاً شديدًا من الله ليُظهِر لي خِلاف ذلك. كان الدَرْس من بين أكثر الدروس قيمَة في حياتي، وألَمًا. ليس من رَدِّ فِعلِنا الطبيعي أن نَمنَح الله الفَضْل على الأشياء الجيِّدة في حياتِنا، بل أن نرى أنفسَنا مُستحقيّن للفَضْل.

لِنَنتقل إلى الإصحاح تِسعة.

اقرأ سِفْر التثنية الإصحاح تِسعة من الآية واحد إلى سبعة عشرة

لقد قلتُ لكمُ عندما بدأنا بسِفْر التثنية أنه يَتَعلَّق في المَقام الأول بعِظَة موسى، وعلى هذا النَحو سيُكرِّر الكثير من شرائع وأوامِر يَهوَه، ولكنَّه سيَشرَح بنَفْس القَدْر مَعناها ومَقصدها وكيف كان يجِب أن تُطبَّق في أرض الميعاد. لذلك فإنّ دراستَنا لسِفْر التثنية تُشبِه العِظة؛ وهو أمْر لا مَفَرَّ منه حقًا. لقد ذكرتُ من قَبِل أنّ العَهد الجديد يَتألَّف أكثر من خمسين بالمئة من اقتباساتٍ من سِفْر التثنية؛ وسِفْر التثنية هو أكثَر الأسفار التي اقتبَس منها يسوع والرُسُل. وأعتقِد أن ذلك يَرجِع إلى طَبيعته الوَعْظية والتَركيز على شَرْح الشرائع بدلاً من مجرَّد سَردِها. وهو نَفْس السبب في أنّ المَوعِظة على الجَبَل ربما تَكون أكثر الأجزاء التي دَرَسَها المَسيحيون في العَهد الجديد؛ لأنها بالَضبط عِظة؛ عِظَة تَشرَح الناموس.

من المُثير للاهتمام أنّ الكَلِمَة الأولى في الإصحاح التاسع هي كَلِمَة نَظَرْنا إليها بعِناية قَبْلَ بضعة إصحاحات: شماع. أوّل كَلِمتان في الإصحاح التاسع هما شماع إسرائيل… اسْمَع يا إسرائيل. تذكّروا أن كَلِمَة شماع لا تعني الاستِماع السَلْبي. إنه مُصطلح يَعني الانتباه والعَمَل بما يُقال. كثيرًا ما عُرِّفَت كَلِمَة شماع بأنها تعني ”اسمع وأطع“. إنه بيان قوي جدًا حقًا.

إنّ بيتَ القَصيد في الإصحاح التاسِع هو هذا: الرَب الإله، يَهوَه، سيَكون المُنتصِر في الحَرْب المقدَّسة ضِدّ الكنعانيين؛ وإسرائيل ليسَت سوى وَكيلة الله (وكيلتُه البَشرية) في هذا النَصِر. يَقول الرَب أن ّإسرائيل ستُحارِب وتَطرُد أُمَمًا أقوى منها ومُتحصِّنة جيدًا؛ أُمَم كان لديها الكثير من الوَقْت لإعداد دفاعاتِها ضدَّ هُجوم إسرائيل. تَذكَّروا أنّ وِجْهة إسرائيل لم تكُن خافية على شعوب الشَرق الأوسط. لقد كان طريقُها مَعلومًا بعض الشيء، لكن وِجهَة إسرائيل المُعلَنة (كِنعان) كانت مَعروفة دائمًا. لذلك يُمكنكَ أن تكون مُتأكِّدًا من أنّ الملوك العُظماء من مُختلف الشعوب الكَنعانية استَعدّوا بجديَّة للغَزو القادِم. من بين أولئك الذين غَزَتْهم إسرائيل هم العناقيون؛ أمَّةُ مُحاربين ضَخمة، وطويلة، وشرِسة بشكلٍ أسطوري. تَقول الآية اثنان إنه كان شائعاً بين أهْل الشَرق الأوسط: ”من يَستطيع أن يَقِف في وَجْه بَني عناق“؟ ولكن لا يجِب على إسرائيل أن تَقلَق لأن الرَب الإله نارٌ مُلتهبَة ولا أحَد (ولا حتّى نَسِل عناق المُخيف) يسَتطيع أن يَقِف أمام يَهوَه.

نأتي الآن إلى جزء حَيوي من دَرْس اليوم، الإصحاح تسعة الآية أربعة. لأن الرَب يقول أنه عندما أخضَعَتْ إسرائيل الكنعانيين (في الواقع عندما أخْضَعهَم الله) لا يَنبغي على العبرانيين أن يُفكِّروا أن ”الرَب قد مَكَّنَنا من امتلاك هذه الأرض بسبب فضائلِنا“. أي أنَّهم لا يجِب أن يُفكِّروا أنّه بسبب كونِهم شعباً فاضِلاً بشكل خاص، فقد مَكَّنهم الرَب من الفَوز. بل كما يقول الجزء الأخير من الآية أربعة، ”بل بسبب شُرور تلك الأمَم يَسلِبُهم الرَب“، ثم يَمضي ليُكرِّر ما قيل الآن عِدَّة مرات، ” ولكي يتمِّم القَسَم الذي أقسمَه الرَب لآبائكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب“.

واو. إذا لم يَضَع هذا العبرانيين في مكانهِم أمام الرَب، فماذا سيَفعَل؟ يقول الله إنّ بني إسرائيل لم يكُن لديهم أي فَضيلة خاصَّة أو مُتأصِّلة جَعلتهُ يريد أن يَفعل كلَّ هذه الأشياء الرائعة من أجلِهم. إن بني إسرائيل لم يولَدوا أبرار ولا أكسَبتهُم أعمالُهم بِرًّا أمام الرَب، وأنهم في الواقع ليسوا بطبيعتِهم أفضَل أو أسوأ من أي جَسَد آخر يَعيش على كوكَب الأرض. بل كما حَدَث في الأزمنة اللاحقة عندما سيَستخدِم الرَب الآشوريين، ثم البابليّين، وأخيرًا الرومان كأدوات لَه لإيقاع دينونتِه المقدَّسة على شعبِه إسرائيل بسبب تَمرُّدِه، هكذا سيَستخدِم الله إسرائيل ببساطة كأداة لإيقاع دينونتِه المقدَّسة على القَبائل الكنعانية بسبب شَرِّها.

في الواقِع الله وَحْدَه هو الذي يَملِك البِرّ الحقيقي. ربما تَكون كَلِمَة ”البِر“ (بالعبرية تسيديك) من أصعَب الكَلِمات وأكثرِها إثارة للجَدَل في الكتاب المقدَّس بأكملِه. مِثل كَلِمَة شالوم في أسفار التوراة أو كَلِمَة ”الخلاص“ في العَهد الجديد، البِرّ ليست كَلِمَة يُمكِن تَفسيرها في القاموس؛ فالعَديد من هذه الكَلِمات الكِتابية تَحمِل عناصر عَميقة وغالبًا ما تكون غامِضة.

اسمحوا لي أن أعْرُض جانبًا معينًا من هذا المصطلح رُبَّما لم تَسمعوا به؛ وهو أنه بالإضافة إلى الجوانِب الأكثر شيوعًا للبِرّ التي تَعني الصالِح أو المِعيار أو الطَبيعي، فإنها تُشير أيضًا إلى مَكانة قانونية قَضائية. والمَكانة القانونيّة هي كل شيء في الكتاب المقدَّس، لأنّ بِرَّ الله قائم على نظام عدلِه والعَكْس صحيح. لذلك من وِجهة نَظَر قانونية/قضائية فإنّ بِرَّ الله يعني أنه دائمًا ”في الحَقّ“.

وِفْق المَفهوم الأساسي في مَحكمة القانون، عندما يَتخاصَم شخصان ضدَّ بعضِهما البَعض كما هو الحال في قَضيّة مَدنيّة، أو عندما تَكون الحكومة ضدَّ فَرْدٍ ما لخرقِهِ القانون، يُحكَم على أحَد الطرفَين بأنه ”على حَق“ والطَرف الآخر بأنه ”على خطأ“. المَبدأ الإنجيلي هو أنّ الشَخص الذي حوكِم في مَحكمة قانونيّة وثَبُتت براءتُه يُنظَر إليه على أنه ”على حَق“ أو على أنه بارّ. الحَرب المقدَّسة التي كان الرَب يأمُر بها على كنعان كانت لتَثبيت ما هو حَقّ ليَحلّ مَحلّ ما هو باطِل وهذا يعني أنّ إسرائيل (الذي يَقول الله أنها تُستخدَم كممثِّلتِه الأرضيَّة لما هو حَق) هي وكيلتُه لإسقاط أولئك الذين هم على خطأ (الكنعانيين وطُرقهُم الشريرة).

الآن قد يُزعِج هذا البعض منكُم قليلاً (خاصة في عالَم الحق والباطِل النِسبي) أن يُطلَق على مجموعة كامِلة من الناس ”الحَق“ ويَضَع مجموعة أخرى كامِلة من الناس في فئة ”الباطِل“. ولكن هذا ما يَحْدُث هنا بمعنى ما. هذا الاستِخدام الخاص لكَلِمَة ”الصالِحين“ (بمعنى ما هو صحيح) يَمتَدّ أيضًا إلى مَفهوم أن أرض الميعاد مَأهولة حاليًا بالكَنعانيين الذين لا يَنتمون إليها في مُخطَّط الله، بل إنّ إسرائيل تَنتمي إليها. لذا، وبدون أي اعتذار، يُصحِح الرَب ما هو خاطئ حاليًا بِطَرْد الكنعانيين وتَثبيت شَعبِه.

الآن لا أريد أن أُطيل في هذا الأْمر (لكنني سأفعَل) لأوضِح نِقطة تَنطبِق بالتأكيد على الوَضْع في الشَرق الأوسط اليوم: ما كان يفعلُه الله في استيلاء إسرائيل على كَنْعان لم يكُن تثبيت إسرائيل كشَعب كان على حَق بطبيعتِه من خلال طَرْد شَعب آخَر لم يُحالفِه الحظ في أن يولَد كشَعب على خطأ بطبيعتِه. هل أنتَ معي؟ لم تكُن إسرائيل ”شَعبًا على حَق“ ولم يكُن الكنعانيون ”شعبًا خاطئًا“ بطبيعتِهم أو استحقاقِهم. لم يكُن شَعب إسرائيل ”صحيحًا“ في حدِّ ذاته، وبالتالي كان يَستحِقّ تمامًا أن تَكون له تلك الأرض التي كانت في أيْدي شَعب كان ”خاطئًا“ في حدِّ ذاتِه. لم تكُن هذه حتّى مَسألة ما إذا كان شَعْب إسرائيل بارًا أم لا؛ كان الرَب يَعمَل بِرَّه الخاص لأغراضِه الخاصَّة. لم يكُن شَعْب إسرائيل في جوهَرِه سوى وكيل بِرّ الله الإلهي الذي استُخدِم ضِدّ مَجموعة من الناس الذين اختاروا أن يَسلُكوا سلوكًا شريرًا…..شَعب كنعان. لقد نُسِبَ إلى إسرائيل بِرّ الله؛ لم يَكُن بِرّ الله من صُنعِهم.

دعوني أتقدَّم خطوة أخرى إلى الأمام؛ لا يوجَد إنسان يُولَد بارًا بطبيعتِه. لا توجد أمَّة أو قبيلة أو عائلة يُمكن أن يولَد فيها أي شخص ”على حَق“ بطبيعتِه، مُقابل شخص آخر أو عائلة أخرى وُلِدت ”على خطأ“ بطبيعتِها. حوادث المَولِد لا تَهُمُّ الرَب؛ لا يربَح المَرء اليانصيب السَماوي بأن يولَد يَهوديًا أو يولَد أمريكيًا؛ لكنَّه يَخسَر بأن يولَد عراقيًا أو عَرَبيًا. كما تَرى، لم يكُن لإسرائيل بِرّ مُتأصِّل ولا للمَسيحيين المَولودين. كجُزء من إسرائيل المُفتداة، انتُخِب العبراني ببساطة كوَكيل لله في عَمَل تسيديك، بِرِّه؛ لم يَكُن ذلك لأن هذا العِبراني بالذات كان لديه نوع خاص من البِرّ ليس لدى الآخرين. كجُزءٍ من هَيكليَّة تلاميذ يسوع، أنا وأنت انتُخِبنا ببساطة بشَكلٍ غامِض كوكَلاء لله في عَمَل تسيديك، بِرِّه على الأرض.

إليك المعضِلة: لماذا إسرائيل، ولماذا أنا؟ لماذا لم يَختَر الله المِصريين أو أسامة بن لادن؟ لماذا اختار الله بني إسرائيل ليَكونوا شَعبَه المُفتدى، ولماذا اختارَك الله لتَكون جزءًا من مَفديّيه بحَسب الإيمان بيسوع وليس البَعض الآخر؟

لا أدري. يَستخدِم الكتاب المقدَّس مُصطَلَح ”انتِخاب“ (وغالبًا ”مَدعو“) في كِلا الأمرَين وهذا في حدِّ ذاتِه موضوع طويل.

إذا كان الانتِخاب أو ”الدَعوة“ هو المُصطلح الصحيح (وهو على الأرجَح كذلك)، فهو يُشير إلى الاختيار وليس الصُدفَة. لم تُصبِح إسرائيل شَعب الله بالصُدفة الكَونية أو بالتَعيين الذاتي لإسرائيل، ولهذا السَبب يُطلَق عليهِم ” مختارو الله“ في الكتاب المقدَّس. ليس بالصُدفة الكَونية، ولا بالتَعيين الذاتي، أنّ أي إنسان، مُنذ حوالى عام ثلاثين بعد الميلاد، وَضَع إيمانه في يسوع قد افْتُدِيَ؛ لقد كان ذلك باختِيار الله. كيف يَقوم الله بهذه الاختيارات؛ ما هي مَعاييره؟ نحن لا نَعرِف، ولكن إليكُم ما نَعرِفُه: الاختيار ليس له علاقة بِمَن نحن، أو أين وُلِدنا، أو ما إذا كنّا ذُكوراً أو إناثاً، أو ما هو لَون بَشرتِنا، أو وَضعنا الاجتماعي، ولا عَلاقة له بنَوع من ”الصَواب“ الذي نمتلكُه بشكلٍ طبيعي (نوع من الجينات الوِراثية) لم يحصُل عليه الآخرون.

لذلك كما يَقول بولُس، إليك كَيف يجب أن نَنظُر إلى سِرّ انتخابِنا للخلاص: كورنثوس الإصحاح واحد الآية ستّة وعشرين: انظُروا إلى دعوتِكُم أيُّها الإخوَةُ، كيفَ أنَّهُ ليسَ كثيرونَ حُكماءَ حَسَبَ الجَسَدِ، ليسَ كثيرونَ أقوِياءَ، ليسَ كثيرونَ شُرَفاءَ.
سبعة وعشرون وَلَكِنَّ اللهَ اخْتَارَ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ، وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ، ثمانية وعشرون واختارَ اللهُ أدنياءَ العالمِ والمُزدرَى وغيرَ الموجودِ ليُبطِلَ الموجودَ،، تسعة وعشرون لكي لا يَفتَخِرَ أيُّ جَسَدٍ أمامَ اللهِ.

يَخْتَارُ ضُعَفَاءَ النَّاسِ وَالأَشْيَاءَ الَّتِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ. يَختار أناساً مُحتقرين وأناساً ليسوا كذلك. يَختار أناساً حُكماء وأناساً ليسوا كذلك. الانتِخاب لغزٌ غامِضٌ، مُكعَّب مُربَّعات لا يمكن حَلُّه. لا يوجَد استحِقاق، ولا يوجَد على ما يبدو أي شَرْط مُسبَق، ونتيجةً لذلك يجب أن نَقبَل خلاصَنا بأعمَق تواضُعٍ وربما مع قليل من الخَوف. لم يكُن لدى بولُس أي فِكرة عن سَبب اختيار إسرائيل (ما عدا مِن أجْل الآباء، وهو أمرٌ غامِض حتّى بالنسبة للحاخامات)، أو لماذا اختير بولس نفسُه، ومن سيتمّ اختياره. لكن نحن مُختارون وسَنظل مُختارين. الله اختار شَعب إسرائيل وسيَبقى مُختارًا، وسيَبقى كذلك إلى الأبد. يمكننا أن نَتَّفق أو نختلِف مع اختيارات الله، ولكن هذا لا يُغيِّر شيئًا.

الآن بالنِسبة للشرق الأوسَط اليوم: تمامًا كما كان الأمر بالنسبة لموسى ويَسوع وبني إسرائيل قَبل ثلاثة آلاف وثلاثمئة سنة لا يوجد شيء ”على حَق“ بطبيعتِه بالنسبة لليَهود اليوم و”على باطِل“ بطبيعتِه بالنسبة للعَرَب اليوم. إنَّهم جميعًا مُجرَّد بَشَر. ولكن منذ زَمنٍ بَعيد قام الرَب باختيار؛ لقد تمّ اختيار إسرائيل ليَتمَّ تَخصيصُها كخادمِة لله، وكان على إسرائيل أن تَمتلِك قطعة أرض خاصّة في الشَرق الأوسط لتَحقيق مَقاصِد الله، ولا يَحُقّ لأي شخص آخر أن يَمتلِك تلك الأرض. تَظَلُّ إسرائيل (على الرُّغم من حَماقتها وتَصلُّب أعناقها) أداة لمُعاقبة الأُمَم الشريرة التي تُحيط بإسرائيل. وفي الوقتِ نفسِه فإنّ تلك الأُمَم هي أداة الله لضَرْب شَعبِه إسرائيل حتّى يَتوب. لقد نُفِيَ العبرانيون ثلاث مرّات من قِبل الإمبراطوريات الشريرة التي أذَنَ لها الرَب أن تَكون وكيلتَه لتأديب شَعبِه. لكن ذلك الوَقت قد مضى ومن الواضِح تمامًا في الكتاب المقدَّس أنّ المرَّة الأخيرة التي سيُستخدَم فيها النَفي كعِقاب على إسرائيل حدَثَت منذ ألفي سنة، على يَد الرومان.

بدلاً من ذلك، في عصرِنا هذا، سيَعود الإسرائيليون إلى أرضِهم (التي يَملكونَها) وهناك سيتعرَّضون للهُجوم، وسَفْك الدماء، والكراهية، والقَتْل ليس فقط من قِبل جيرانِهم المُباشرين ولكن أيضًا من قِبَل كل أُمَّة على الأرض. لن يتمّ طردُهم ولكن سيتمّ إبادتُهم. ولكن قَبل أن يُبادوا بالكامِل، سيعود مَسيح إسرائيل، وستُخلَّص البقيّة الباقيَة من إسرائيل، وسيَقود المسيح يسوع حَرْب إبادة كامِلة ضدَّ جميع الأُمَم الشريرة في الأرض، وهذه المرَّة سيكون مُختارو الله وُكلاء الله لإلحاق الدَمار بالأشرار. سيَقود يسوع مسيحُنا المسيح هذه الحَرب المقدَّسة لإنهاء كل الحروب في هرمجدون.

لذلك هناك شيء واحِد وشيء واحِدْ فقَط يمكِن لإسرائيل أن تَستنِد إليه في ادِّعائها بأنها شَعْب الله المُختار بشكل خاص؛ لقد كان قرار الله السِيادي. لم تَستحِقَّ ذلك أبدًا، ولكن أيضًا لم يُطلَب منها أبدًا أن تَستحِقّ ذلك. من المؤكَّد أنها لا تَستحقِّه الآن أكثر مما استحقّتْه مُنذ ثلاثة آلاف سنة مَضَت؛ لكن لم يُطلَب منها أن تَستحقَّه. كل ما طُلِب منها هو الطاعة. لا يَهُمّ، فالله ”على حَق“ في اتِّخاذ القرار الإلهي بأنه يُريد إسرائيل هناك وأنّ احتِلال العَرَب (أو أي شخص آخر في هذا الشأن) ولَو لِقَدَم مُربَّع واحد من الأرض المُخصَّصة لإسرائيل هو ”خطأ“. الله في نَفْس العَمَليّة اليوم كما كان موسى منذ زَمنٍ بَعيد حيث كان موسى يُخبِر إسرائيل أنّ الرَب على وشَك استبدال الشَعب الخطأ بالشَعب الصحيح.

سنَتوقَّف هنا ونَعود إلى دراستِنا لسِفْر التثنية الإصحاح التاسع الأسبوع القادِم.