9th of Kislev, 5785 | ט׳ בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التكوين » سِفْر التكوين الدرس السادس عشر – الإصحاحان الخامس عشر والسادس عشر
سِفْر التكوين الدرس السادس عشر – الإصحاحان الخامس عشر والسادس عشر

سِفْر التكوين الدرس السادس عشر – الإصحاحان الخامس عشر والسادس عشر

Download Transcript


سِفْر التكوين

الدرس السادس عشر – الإصحاحان الخامس عشر والسادس عشر

قراءة سِفْر التكوين الإصحاح الخامس عشر الآية الثانية عشرة إلى النهاية

دعونا نَنظُر في الآيتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة. كما علّمتُكم في عدّة مناسبات، لمْ يكُن هناك مفهوم "الموت والصعود إلى السماء" في عَصر إبراهيم؛ في الواقع، لا يوجد هذا المفهوم في أيّ مكان في كلّ الكتاب المقدس، بل بِشَكل عام، تَنتهي الحياة عند القَبر، والكَلِمة العبرية النموذجية هي "شيول". إنّ ما كان موجودًا بعد الموت الجسدي غامض جدًا في الكتاب المقدس، وعَدد الإشارات إلى الموت، والأوصاف المُتنوِّعة لما وَصَل إليه الموت، يوضِّح أنه، على الأقل بالنسبة للعبرانيين، لمْ يكُن لديهم عقيدة واضحة عن الحياة الآخرة. خاصةً في عَصر الآباء، وبالتالي في عَصر التوراة، ربما كان المُصطلح الأكثر شيوعًا المُستخدَم هو "اذهبوا إلى آبائكم بسلام"، أو بعض الاختلافات حول هذا الموضوع. ماذا يعني ذلك بالضبط؟ لمْ يتمّ تفَسيره، ولا يمكنني العثور على أي مصدَر قديم يعطيني أي ثِقة في أنّ الناس في تلك الحقّبة كانوا يَعرفون ما يعنيه هذا المصطلح أكثر من المَعنى العام جدًا. يبدو لي أنّ عِبارة "اذهبوا إلى آبائكم بسلام" لمْ تكُن سوى طريقة ألطَف وأقل وطأة للحديث عن الموت. أمّا اليوم، فنحن نَميل إلى الحديث عن شخص مَحبوب مات على أنه "مات" أو "توفي". أَضَع خطًا تحت كَلِمة محبوب…لأننا عندما نتحدَّث عن شخص شرير، فإننا لا نميل إلى استخدام عبارة "مات أو تُوُفي". أضمَن لكم، عندما يأتي ذلك اليوم الذي سيأتي فيه إعدام صدام حسين على الأرجح، لن يُقال إنه "تُوُفّي". ومع ذلك، بالمعنى الحَرفي لهذه الكَلِمات، مات أو تُوُفّي، ليس هناك الكثير المعاني وراءها.

بشكلٍ عام، كان العيش إلى سِنّ الشيخوخة ثم الذهاب إلى لقاء الآباء بسلام هو أفضل ما كان يَتمنَّاه أي شخص في عَصر الكتاب المقدس. إنه يُشير ببساطة إلى أنهم قد عاشوا فترة حياة كاملة، وأنهم ماتوا بِشَكل طبيعي إلى حدٍ ما بسبب الشيخوخة، عكس أن يكونوا قد انقطعوا أي أنهم ماتوا مُبكِرًا، أو قُتلِوا، أو أُعدِموا بسبب جريمة، أو تَقرَّر أنّ موتَهم كان دينونة من الرب بسبب مَعْصية.

هل كانوا يتوقَّعون بالفعل أن يلتَقوا بأسلافهم بِشكْل أو بآخر عندما يموتون؟ ربّما، بطريقة غامِضة. لقد كان هناك أَمَل. كان الأمْر يتعلَّق بأفضل نتيجة يُمكن للمرْء أن يتوقَّعها من نهاية الحياة غير المُرّحَب بها دائمًا. إذًا، في قصَّتنا، كان إبراهيم موعودًا بشكل أساسي بأنّه سيعيش حياةً كاملة جدًا، وأنّ موتَه سيكون بسبب الشيخوخة، وأنه سيَموت في سلام مع الله، وليس من ديْنونة أو غَضَب أو عُنْف على يَد آخر.

سوف نَعود بعد دقائق قليلة إلى بعض الأساسيات الهامّة الأخرى المُتعلِّقة بالأجيال وهويَّة الأموريين (العموريين)، ولكنني أفضِّل أن نَنتهي من عملية قَطْع العَهد للحفاظ على بعض الاستمرارية.

بعد ذلك، يحدُث الجزء الأهم في مراسم العَهد: في الآية السابعة عشرة، يَمرّ صانعو العهد، كما هي العادة، بين قِطَع الحيوانات المُنفصِلة. ولكن، ما يَمُرّ في الواقع بين قِطع الحيوانات هو إناء نار مُدخّنة وشُعلَة مُلتهبة. عادةً ما يُمثِّل الدُخان والنار حضور الله في الكتاب المقدس. كان الله يمشي بين الأجزاء دلالةً على مُوافقته وكَلِمته في الحفاظ على شروط العَهد. لاحظوا ما يلي: لم يَمشِ إبراهيم بين القِطع. لماذا؟ لأن هذا كان عهدًا من جانب واحد؛ لمْ يكُن عهدًا متبادلاً.

كان هذا كلُّه على الله. قَطَع الله وعودًا والتزَم بها…… لمْ يفعَل إبراهيم ذلك! كل ما وُعِد به من هذا العهد كان على الله تحقيقه.

في الآية الثامنة عشرة-إلى العشرين، بينما كان يَهوَه وِسط أكوام اللحم الحيواني المُنفصِلة، كان يَتلو شروط العَهد، وهي تَتضمَّن تحديد حدود الأرض التي سيُعطيها لإبراهيم ونسلَه إلى الأبد. في حين أنّ الموقِع الدقيق لهذه الحدّود يمكن أن يكون مَوضِع خلاف إلى حدٍ ما إلا أن الحقّيقة هي أنها تَمتدّ إلى أبعد مما احتلّه إسرائيل، نَسْل إبراهيم، حتى يومنا هذا. كانت إسرائيل في ذُروة حجمها الإقليمي في زَمن المَلِكَين داوود وسليمان، وكانت أراضيهما أكبر بكثير مما هي عليه إسرائيل اليوم؛ لكنها لم تَصِل أبدًا إلى النِسَب المذكورة في هذا المَقطَع. في وقتٍ ما، في المستقبل القريب، ستكون إسرائيل أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى.

دعوني أكون واضحًا جدًا؛ بالنِسبة لأولئك الذين يُريدون أن يقولوا إنّ الكتاب المقدس لا يقولُ ما هي كُتلة الأرض التي تُشكِّل "أرض الميعاد"، أو أنّ هذا العَهد قد انتهى، ما عليكم إلا قراءة هذا العَهد. إنه حرفيًا إلى الجنوب، أي الحدود هي "نَهر مصر". لا نقصِد النيل. بل هو بالأحرى وادي العريش، أسفَل سيناء. بعد تحديد الحدود الجنوبية، يُقال إنّ الحدود الشمالية هي "النَهر العظيم". لطالما كان النهر العظيم لقبًا لنهر الفُرات الذي يَتدفَّق حتى يومنا هذا من سوريا الحالية إلى العراق. أما الحدود الشرقية والغربيّة فهي أقل وضوحًا بعض الشيء، حيث تُشير إلى الموقع من خلال المناطق التي تَحتلُّها بعض القبائل. ومع ذلك، فإنّ الحدود الغربية هي البَحر الأبيض المتوسط، لأن ذلك هو نهاية كُتلة أرض كنعان، ومَوقِع هذه القبائل مشهودٌ له إلى حدٍ ما على أنه يَشمَل الأرض الواقعة إلى الشرق من نهر الأردُن، وصولاً إلى المملكة الأردنية الحالية، وربما جزء صغير من أقصى غرب المملكة العربية السعودية.

والآن، قَبْل أن نَنتقل إلى الإصحاح السادس عَشر، علينا أن نَفُكّ الصعوبات المُرتبِطة بتعريف مصطلح "جيل" وطول الفترة الزَمَنية التي سيَقضيها إسرائيل في مصر.

أولاً، كَلِمة "جيل" بالعبرية هي " دور". وعلى الرغم مما قد يَظنُّه البعض، فإنّ هذا المصطلح ليس مَلموسًا تمامًا. لأنه على الرغم من إمكانية أن يعني ما نُفكِّر به عندما نقول الجيل…. أي الفترة الزَمَنية بين ولادة الأطفال وميلاد آبائهم…… يمكن أن يُشيرَ أيضًا إلى فترة حياة كاملة. ويمكن أن يُشير حتّى إلى جميع الأشخاص الذين يَعيشون خلال حَدَث مُعيَّن. لاحقًا في سِفْر العدَد، ستُستخدَم كَلِمة دور للإشارة إلى جميع الذين غادروا مصر خلال فترة الخروج. ونَجِد أيضًا أنّ العُمر الافتراضي للأشخاص يَختلف كثيرًا. لذا، فإنّ الجدال حول طول الجيل التوراتي، لا يمكن الإجابة عليه أبدًا، لأنه مُصطلح عام وليس مُصطلحًا محددًا. لذا، بالنسبة للإجابة عن معنى "جيل" في الكتاب المقدس، يجب أن نقول إنه يعني أشياء مختلِفة في أوقات مختلِفة ويَحمِل معنى مُتغيِّر وغير مُحدَّد للغاية.

العُنصر التالي الذي أريد أن أتناوله هو طول المدة التي سيَقضيها إسرائيل في مصر. تكشِف الدراسات الصادقة أنه لا يمكننا بسهولة أن نقول أربعة قرون ونترُك الأمْر عند هذا الحدّ. هنا، في سِفْر التكوين الإصحاح الخامس عشر، يُشار إلى الوقت على أنه اربعة أجيال…. ممّا يدفَع البعض إلى القول بأنّ الجيل في أيام إبراهيم كان جيلاً يُساوي حوالى مئة سنة. ومع ذلك، فإن سِفْر الخروج الإصحاح الثاني عشر الآية أربعين يقول إنّ الزَمَن في مصر كان أربعمئة وثلاثين سنة. علاوةً على ذلك، نحن نعلَم أنّه، قبل موت يوسف، كان إسرائيل ضيفًا مُكرَّمًا على مصر، ولم يكُن مقهورًا. ولكن، لا توجد معلومات مؤكَّدة عن الوقت الذي انقضى بين وفاة يوسف وبداية اضطهاد إسرائيل.

بشكلٍ عام، التقليد الحاخامي هو أنّ فترة الأربعمئة سنة تبدأ مع ولادة إسحق، وأنّ رقم أربعمئة وثلاثين سنة يبدأ مع اليوم الذي تمّ فيه هذا العَهد مع إبراهيم. يُقال لنا في الكتاب المقدس أنّ مئة وتسعون سنة مرَّت منذ ولادة إسحاق حتى أخَذَ يعقوب عائلته الصغيرة إلى مصر. لذا، إذا كان الحاخامات على حقّ، فإنّ إسرائيل لمْ يكُن في مصر أربعمئة سنة، بل مئتين وعشر سنوات فقط (مئة وتسعون + مئتان وعشرة = أربعمئة سنة). ولتفْسير هذه المشكلة يُقال إنّ وجودَهم في أرض غريبة تَضمَّن بعض الوقت الذي قَضَوه في كنعان قبل الانتقال إلى مصر. وإذا بَحثْنا في الترجمة السبعينية (الترجمة اليونانية للعهد القديم)، أو النسخة السامرية للتوراة، سَنَجِد أنّ تِلك المخطوطات تذكُر تحديدًا أنّ فترة أربعمئة وثلاثين سنة تَضمَّنت الوقت الذي قضاه في كنعان.

من الواضح أننا نواجِه مشكلة في التأكد من المّدة الفعلية التي قَضاها إسرائيل في مصر؛ ولكن تذكَّروا أنّه لا يوجد خلاف على أنهم ذهبوا بالفِعل إلى مصر، ومَكثوا هناك فترة طويلة جدًا، وتعرَّضوا للقهر والاضطهاد.

لهذا السبب تحدَّثتُ الأسبوع الماضي عن التنقيح…… التحرير. تَحدُث المشاكل الزَمَنية الكبرى عندما تُتَرجَم التوراة إلى اللغات الأجنبية، وهو بِحدّ ذاته تنقيح. ومع ذلك، نحن نعلَم أيضًا أنه حتى اختراع المَطبعة في القرن الرابع عشر الميلادي، كانت جميع نُسخ الكتب، وبالتالي الكتب المقدسة، تتمّ يدويًا. لذا، لا شك أنّ نوعًا من الأخطاء العَددية قد حَدَث إما عن طريق خطأ بريء، أو… على الأرجح في رأيي…. بسبب بعض النفوس المُضلِّلة التي حاولت التوفيق بين ما بدا له أنه تضارُب زمني. وبمجرّد حدوث ذلك، من الصَعب استعادة النسخة الأصلية حتى يتمّ العثور على نسخة سابقة.

سأقول لكم مُقدَمًا أنه بسبب قِلّة البدائل الأخرى، سأقِف مع التعليم القائل بأنّ إسرائيل مكث أربعمئة سنة في مصر إلى أن يأتي ما يُثبِت عدم صحته.

وأخيرًا، ماذا تعني تلك العبارة في نهاية الآية السادسة عشرة؟ تلك التي تقول "وَيَعُودُونَ إِلَى هُنَا فِي الْجِيلِ الرَّابِعِ، لأَنَّ إِثْمَ الأَمُورِيِّينَ لَمْ يَكْمُلْ بَعْدُ". أولاً، أصبح الأموريون مُرادفًا لمصطلح الكنعانيين. أصبحَتْ الثقافة الأمورية هي الثقافة السائدة في أرض كنعان، وهكذا أصبح المُصطلح العام لأولئك القوم الذين يعيشون في كنعان لفترة من الزَمَن، الأموريون.

إنّ الجزء المُتعلِّق بعدم اكتمال إثم الأموريين يعني ببساطة أنّ توقيت عودة إسرائيل لأخْذ أرض كنعان له علاقة كبيرة بشرّ سكان كنعان الذي لا يَعرِفه إلا الله…… كانت طرُقَهم الشريرة قد أصبحت كثيرة جدًا…… وكان الرَب مُستعدًّا حينئذٍ لإخراجهم من أرضِهم في دينونة إلهية بسبب ذلك الشَر، وتهجيرهم من قِبَل إسرائيل. هذا دليل مثير للاهتمام حول كيفية عَمَل الرَب. بطريقة مُعقَّدة تفوق قدرة البشر على فهمِها، يَستخدِم الله أفعال الأشرار لتحقيق أهدافه، حتى لصالح شعبه في نهاية المَطاف. علاوةً على ذلك، يُشير هذا أيضًا إلى معرِفة الله المُطلَقة المُسبَقة بكل الأشياء. إنه يَعلَم مُسبقًا متى سيصِل شَر الأموريين إلى نسبة حَرِجة؛ وفي الوقت نفسه يَعلَم مُسبقًا متى سيكون شعبه إسرائيل مُستعدًّا لمغادرة مصر؛ ويعلَم مُسبقًا الوقت الذي سيَظلُم فيه فراعنة مصر شعبه أكثر من اللازم، حتى يكون الله مُبرَّرًا لضربهم. وبعد ذلك، ستَلتقي كل هذه الأشياء في لحظة دقيقة في التاريخ بحيث يَحدُث الخروج، وبعد ذلك بقليل سيَقود يشوع إسرائيل لغزو أرض كنعان وجعلِها لهم.

قراءة الإصحاح السادس عَشر من سِفْر التكوين كلِّه

نحن الآن في زَمن مضى عليه عَشر سنوات بعد أن ترَك إبراهيم أباه وأخاه في حران في بلاد ما بين النهرين، وسافر جنوبًا إلى أرض الميعاد. لقد حَدَث الكثير في تلك السنوات العَشر؛ فقد اضطر أفرام وعائلته إلى الإقامة لفترة من الوقت في مصر لأن أرض كنعان بدأت تعاني من مَجاعة. وأثناء وجوده في مصر، أخذَ فرعون زوجة أفرام، ساراي زوجة أفرام، لتكون جزءًا من حَريمه، ولكن فيما بعد أُعيدت عندما اكتشف فرعون أنّ ساراي كانت زوجة إبراهيم وليست أخته فقط كما كان إبراهيم وساراي يوحيان بذلك.

لقد طُرِد إبراهيم وعائلته من مصر، وهكذا عادوا إلى كنعان وهم أكثر ثراءً، ثم اضطرَّ إبراهيم إلى فُراق ابن أخيه لوط وعائلة لوط عندما كثُرَت قطعانهم ومواشيهم وكَبُرت لدرجة أنها فاقت المراعي التي كانوا يتقاسمونها، ما خَلَق مشاكل بين الرُعاة.

انتقَل لوط إلى سدوم بالقُرب من البحر الميت. وبعد مرور بعض الوقت، جاء العديد من الملوك المُتحالفين من الشمال بجيوشهم لإخماد تَمرُّد ضريبي في المنطقة التي كان لوط يعيش فيها. خُطِف لوط وعائلته في هذه العملية كأسرى في طريق عودتهم إلى الشمال ليُصبحوا عبيدًا دائمين لهؤلاء الملوك الآتين من بلاد ما بين النهرين. أنقذَهم إبراهيم وثلاثمئة وثمانية عشرة رجُلاً من عشيرة إبراهيم.

عند عودته مُنتصِرًا بعد تحرير لوط، يَلتقي أفرام بملشيتسيدك الغامض. بعد ذلك بوقت قصير، يؤكِّد الرَب، باستخدام مراسم العهد المُعتادة في الشرق الأوسط، عهدَه مع إبراهيم، واعدًا إبراهيم بالحماية والثروة والأرض والوريث…بالتعريف، الابن.

ولكن حتى هذه المرحلة، كانت زوجة إبراهيم العاقر ساراي لا تزال عاقرًا؛ لمْ تُنجِب أطفالًا. كان لساراي خادمة خاصة بها، مِصرية اسمها هاجِر، وقرَّرت ساراي أن تَحلَّ مُشكلة عدم الإنجاب باستخدام هاجِر كأم بديلة. تقول التقاليد العبرانية إنّ هاجِر كانت هدية من فرعون عندما قام إبراهيم برِحْلته الصغيرة في مصر قبل ذلك بسنوات، بل من المُفترَض أنها كانت أميرة من بيت فرعون نفسه. في تقليد مُعتاد وطبيعي تمامًا في ذلك العَصر، قُدمِت هاجِر لإبراهيم كبديل؛ أي أنّ هاجِر كانت ستَلِد طفل إبراهيم، ولكن من الناحية الفنية وفقًا لتقليد ذلك العَصر، فإنّ الطفل في الواقع ينتمي إلى إبراهيم وساراي.

والآن، لاحظوا أنّ الكتاب المقدس لا يقول إنّ إبراهيم تزوج هاجِر؛ بل يقول إنّ ساراي أعطَتْه هاجِر كزوجة. بمعنى آخر، كانت بديلة، مَحظيّة. كانت آلة لإنجاب الأطفال. ولكن، لا يوجد هنا أي زواج، وهذا ليس فقط وِجهة نظر العبرانيين القدماء، بل هو أمْر منطقي في سياق الآيات، في حين بعض الترجمات تَصِفها بأنّها زوجة إبراهيم. لقد ظَلَّت خادمة لساراي كما يؤكّد إبراهيم في الآية ستّة، وفي الآية تسعة يقول لها ملاك الرَب أن تعود وتَخضَع لسيدتها ساراي. لو كانت هاجِر زوجة حقيقية، لما كانت تحت إمرة ساراي، بل كانت ستُصبح كساراي بعد ذلك وليس خادمة لها، وكانت ستَنتمي إلى إبراهيم.

في حين أنّ الكتاب المقدس لا يُعطي الكثير من التفاصيل حول كيفية عَمَل هذه المَحظية/الزوجة/حاملة الطفل البديلة، إلا أنّه من الواضح من سِجلاّت ثقافات الشرق الأوسط الأخرى في عَصر إبراهيم، أنّ ما نقرأه في هذه القصة يَتبَع تلك القوانين والتقاليد. تَتناول قوانين شريعة أور-نمو التي يَعود تاريخها إلى عام ألفين ومئة سنة قبل الميلاد هذه المسألة على وَجه التحديد، وكذلك شريعة حَمورابي التي تَعود إلى حوالى عام ألف وثماني مئة سنة قبل الميلاد. وتوضِح هذه القوانين أنّ الزوجة العاقر التي تَتخِّذ هذه الخطوة الخطيرة المُتمثِّلة في جَعْل خادمتِها مَحظية لزوجها، تَضَع الزوجة…ساراي… في مكانة اجتماعية أدنى في نَظَر الناس. من الناحية القانونية لا شيء يَتغيَّر…لا تكتسِب المَحظية حقوقًا إضافية، ولا تُصبح قانونًا مُساوية للزوجة العاقر أو تَحلّ مَحلّ سلطة الزوجة العاقر. وكما نرى في هذه القصة، لا بد أن هذا التقليد المُتمثِّل في استخدام الخادمة كأم بديلة قد خَلَق كل أنواع المشاكل. استمعوا إلى هذا القانون مُباشرةً من قانون أور-نمو: "إذا كانت الخادمة تُقارِن نفسها بسيدتها وتَتحدّث إليها بوقاحة….." ألا يبدو ذلك بالضبط ما يحدُث هنا مع ساراي وهاجِر؟ اسمحوا لي أن أشير أيضًا إلى أنه كان من المُعتاد أيضًا أنّ جارية الزوجة كانت مُلْكًا للزوجة فقط؛ للزوجة وليس للزوج. لمْ يكُن الزوج يملِك الخادمة ثم يسمَح للزوجة باستخدامها فقط. هذا مهمّ لفَهم قصّتنا. لأنه عندما قالت الزوجة، ساراي، "أريد هذه الخادمة هنا"، كان ذلك كافٍ. لم تكُن بحاجة إلى موافقة زوجها.

لقد كانت مُحاولة هاجِر الحامل الآن أن تَتصرّف على أنها مُساوية لساراي هي التي دَفَعت ساراي إلى طَرْد هاجِر حرفيًا ….. وهو أمْر يَقَع تمامًا ضمن اختصاص قرارات ساراي القانونية والاجتماعية. لذا، في الآية ستّة عندما ذهبَت ساراي إلى إبراهيم غاضبة كالدبور وأخبرته أنها غير راضية عن هذا الوَضْع، رَدَّ إبراهيم….. "جاريتُك بين يديك فتَعاملي معها بما ترَينه صوابًا". لمْ تذهَب ساراي إلى إبراهيم طالبةً الإذن، ولمْ يذهَب أفرام في تلك اللحظة ليأخُذ هاجِر إلى ساراي؛ أرادت ساراي أن تتذمَّر فقط، بل كانت تُعلِم إبراهيم بما كانت ستَفعله. لقد كان من حَقِّها وامتيازها الشخصي أن تُرسِل هاجِر بعيدًا…… بموافقة أفرام أو بدونها.

فأُبعِدَت هاجِر بالفعل، إلى أن وَجَد ملاك الرَب هاجِر وأمَرَها أن تعود تحت سُلطة ساراي. وتقول الآيتان الحادية والثانية عشرة: قيل لهاجِر أنها ستلِد وَلدًا ذَكَرًا، وأنّ هذا الوَلد سيُنجِب عددًا كبيرًا من النَسل. وكان من المقرَّر أن يكون اسم الطفل إسماعيل، أي "الله يَنتبِه"، أو "الله قد أعطى الله انتباهه".

ثم يُعلِن الله ما سيكون مصير الطفل. بالطبع، هذا لا يُشير فقط إلى الطفل، ولكن أيضًا إلى نَسل الطفل. وهذا المصير هو أنّ إسماعيل سيكون رجلاً جامحًا، مُخالِفًا الجميع، وأنه سيَعيش في حضرة أقربائه. وفي حين أنّ إسماعيل هو أب لعدة أعراق وأنسال، إلا أنه يُذكَر في المقام الأول لخلْقِه نَسل العَرَب. ولاحظوا أين أصبحت أرض العرب، الجزيرة العربية، في نهاية المَطاف: شرق إسرائيل.

من المهمّ أن نتذَكّر اليوم، في عصرِنا هذا، أنّ إبراهيم هو الأب الحقّيقي لكلٍّ من العَرَب وبني إسرائيل؛ أو كما يتم تسميتهم: الإسماعيليين والإسرائيليين وأنّ كلاً من الشعوب العربية وبني إسرائيل هم من سلالة شام، أي أنهم ساميون. ولكن، مع ذلك، سيَحدُث تقسيم آخر من تقسيمات الله، وسنرى ذلك يحدُث في الإصحاح التالي. دعونا نَتذكَّر أيضًا، أنه في عصرِنا هذا، ما يُطلِق عليهم مذيعو الأخبار التلفزيونية المسائية بالعرب نادرًا ما يكونون كذلك في الواقع. معظم هؤلاء العَرب هم في الواقع من الفُرْس والمصريين وغيرهم من سلالة حام….. ويَختلفون تمامًا عن العَرب الحقّيقيين الذين هم من سلالة شام. ما تميل الأخبار إلى القيام به هو تحديد كل مُسلِم (وهو دين) على أنه عرَبي (وهو سلالة سامية)، وهو أمْر غير صحيح تمامًا.

الآن، قبل أن نمضي قدمًا، دعونا نتوقَّف لحظة مع مُصطلح "ملاك الرَب" الذي وَرَد في الآية الحادية عشرة. أكاد أفَضِّل ألا أفعَل هذا، ولكنني أعرف أنّ كثيرين مِنكم على الأرجح مُتحمِّسون بشأن هذا الموضوع. الملائكة، ناهيك عن "ملاك الرَب"، هو مفهوم صَعب وقضية لاهوتية صعبة، لأن هناك الكثير من العُقلاء الذين يختلفون حول معنى هذا. ولكن، دراسة اللغة العبرية الأصلية تُساعِد على مُقاطعة كل الخيال.

أولاً، الكَلِمة العبرية التي سيقول الكثيرون إنها كَلِمة المَلاك هي "ملاخ". لكن، في الواقع، كَلِمة ملاك هي ترجمة خاطئة؛ فمُصطلح ملاخ يعني ببساطة رسول، ويمكن أن يكون في حدّ ذاته أي نوع من الرسل أو الوكلاء، وغالبًا ما يُستخدَم في الكتاب المقدس بهذه الطريقة. ولكن عندما يُضاف مُصطلح أدوناي أو الرَب إلى الكَلِمة …… مثل "ملاخ أدوناي أو "ملاخ الرَب"، فإنّ العبرانيين يعتبرون أنّ كَلِمة ملاخ تتَوقَّف عن حَمْل معنى رسول بالمعنى البشري، لتعني ملاك بالمعنى الروحي. وبعبارة أخرى، من خلال ربْط اسم الله (أدوناي) بكَلِمة رسول (ملاخ)، نحصُل على ملاك…… رسول روحي من الله.

الآن، في اليونانية، كَلِمة ملاك في اليونانية هي "انجلوس"، والتي، مِثل العبرية، تعني تقنيًا رسول. وتمامًا كما في العبرية، يمكن أن تعني "أنجيلوي" ببساطة أي نوع من الرُّسل، وليس بالضرورة رسولاً سماويًا. ولكن، كما يحدُث بالكَلِمات على مَرّ القرون، يمكن أن يَتغيَّر معناها واستخدامَها. مع ظهور المسيحية الأممية، أصبحت كَلِمة "أنجيلوي"، عند استخدامها في الكتاب المقدس، تعني في كل الأحوال "رسول من الله….. ملاك". المُشكلة هي مرور كَلِمة "ملاك" في كتُبنا المقدسة بالإنجليزية، التي من المُحتمَل أن يكون معناها، في السياق الثقافي، مُغاير لكَلِمة "ملاك" ويُشير ببساطة إلى رسول أو وكيل بشري، حتى لو كان هذا الرسول غامضًا.

لذا، من وِجهة النّظر العبرية، إذا استُخدِمت كَلِمة ملاخ، رسول، بمفردها، فلها معنى آخر غَير الرسول السماوي….. عادةً ما يكون مجرد إنسان. أَضِف إليها كَلِمة أدوناي أو الرَب، وُيصبح هذا الرسول ما نُسّميه ملاكًا. المشكلة هي أنّ نَهْج الترجمة الإنجليزية يَستخدِم كَلِمة "ملاك" عندما تكون وحدها ثم عندما تُضاف إليها كَلِمة أدوناي تصبِح ملاك الرَب، لتعني نوعًا من الملائكة رفيعة المستوى أو الخاصة جدًا.

ما أقوله لكم هو أنّه نتيجة للمَجاز والخيال والخطأ البحت، أخذ الكتّاب المسيحيون كل استخدامات كَلِمة ملاك في الكتاب المقدس وحَوّلوها إلى رسول سماوي، ملاك؛ وهو ليس كذلك في كثير من الحالات. بل أكثر من ذلك، ونتيجةً لهذا النَهج المُضلِّل، عندما رأوا عبارة "ملاخ الرَب" …… ترجَموها إلى ملاك الرَب، وافترضوا أنه نوع خاص من الملائكة، أو حتى نوع آخر من تَجلِّيات الله نفسه. في الواقع، بِصِفة عامة، المرّة الوحيدة التي يجب أن تَظهَر فيها كَلِمة "ملاك" بمعنى روح مُرسَلة من الله في كُتبنا المقدسة هي عندما تُكتَب عبارة "ملاك الرب". في الواقع، بالكاد يَرِد ذِكْر الملائكة في الكتاب المقدس، بل إنّ تقاليدنا هي التي ضاعفت من وجودها وضَخَّمت من غَرَضِها وأنسَنَتْ شكلَها. لذا، فإن البَحث عن ملاك الرَب المراوِغ هو نوع من المطاردة.

أقول لكم هذا ليس لتقديم تفسير جيد لماهية ملاك الرَب هذا، بقدر ما هو للإشارة إلى السبب الذي جَعَل هذا الأمْر مصدرًا للخلاف والجَدَل العِلمي. وهذه ليست حجّة جديدة. فبالعودة إلى ما قَبْل زَمن المسيح، كان الفريسّيون قد وضَعوا تراتُبية مُفصّلة للملائكة، يأتي القليل منها من الكتاب المقدس، وبالتالي فهي في الغالب تقليد. الصدوقيون، معاصرو الفريّسيين، لمْ يؤمنوا حتى بوجود الملائكة. كان لدى الأسينيين تَعريفهم الخاص بالملائكة، وهو مُختلِف تمامًا عن الفريسيين، وأصبح اللاهوت الأسيني أساس نظام الأنجيولوجيا المسيحية التي لدينا اليوم.

على أي حال، لا نعرِف بالضبط ما هو ملاك الرَب. هل كان نوعًا خاصًا من الملائكة؟ هل كان تَجليًا آخر لله، مثل اللوغوس، أو مثل الروح القدس؟ هل كان ملاكًا مُعيَّنًا خَصَّصه الله لمَهام مُعيَّنة؟ هل كان الله يَتّخِذ شَكْل ملاك؟ قد لا يكون الملاخ في معظم الأحيان ملاكًا، إلا عندما تَقترِن كَلِمة أدوناي به، مما يعني أنّ جميع الملائكة الحقّيقيين يجب أن يُطلَق عليهم لقَب ملائكة الرَب.

ومع ذلك، هناك شيءٌ واحد يبدو مُؤكَدًا: الكائن الذي تَكلَّم مع هاجِر، سواء كان هذا ملاكًا عاديًا، أو كان ملاكًا أكثر تَميُّزًا أو الله نفْسُه، كان كائنًا روحيًا وليس رسولاً بشريًا. بِخِلاف هذه الحقيقة البسيطة، سأترُك لكُم الباقي لتَتصارعوا معه.