10th of Kislev, 5785 | י׳ בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التكوين » سِفْر التكوين الدرس الرابع – الإصحاحان ثلاثة وأربعة
سِفْر التكوين الدرس الرابع – الإصحاحان ثلاثة وأربعة

سِفْر التكوين الدرس الرابع – الإصحاحان ثلاثة وأربعة

Download Transcript


سِفْر التكوين

الدرس الرابع – الإصحاحان ثلاثة وأربعة

سندرُس اليوم الإصحاح (الفصل) الثالث من سِفْر التكوين، لذا، دَعونا نَنتقل مُباشرةً إلى قِراءة الكتاب المقدس.

قَراءة تكوين ثلاثة. بكامله

يُشير عدد من الحاخامات والحكماء اليهود العُظماء منذ زَمن بعيد إلى أمرٍ مُثير للاهتمام في الآية واحد خاصّة بالحَيّة: كانت الحَيّة مُختلفة عن الحيوانات البرّية التي خلَقَها الله؛ لم تكُن حتّى من الحيوانات البرية. لم تكُن فقط أكثر مَكرًا من الحيوانات البرية، بل كان بإمكان هذا الكائن أن يَتكّلم!!! انظروا جيدًا إلى صياغة الآيات: تَميل أذهاننا في لغتنا العربية، وعقولنا ذات الثقافة الغربية إلى قراءة الكَلِمة على أنها "أخرى"… فتُصبح الآية "مُختلفة عن الحيوانات البرّية الأخرى". ولكن ليس هذا ما يقوله الكتاب المقدس؛ تقول الآية "عن أي حيوان بَرّي".

من الواضح أنّ الحيّة لم تُصنَّف حتى كحيوان برّي. كانت الحَيّة فريدة من نوعها…… كائن حيّ مُنفصِل ومتميّز… ولكن بطريقة سلبية للغاية. والآن هل استحوذت روح الشيطان على حيّة مِسكينة؟ أم أنّ الحيّة كانت الجَسد الذي لبِسَه الشيطان بشكل مختلف وجذاب ظاهريًا؛ شكلًا أراد جعلَه مرئيًا لكي يَتواصل مع آدم وحوّاء؟ إنّ الشيطان قادرٌ على تزييف أي شيء، وأنا أتَّفق مع العديد من الحكماء القدماء في أنّ الحيّة ربما كانت مُحاولة الشيطان لتقليد الله عن طريق خَلْق الحياة……. تزييف الحياة. من الواضح أنّ الحيّة كانت قادرة في البداية على التنقُّل على أقدامها، لأننا نرى أنّ الله لَعَن الحيّة وبذلك اضطرت إلى الزحْف على بطنِها بعدها.

وبالطبع كانت تلك الحيّة العَجوز هي التي قادت المرأة ثم الرَجُل إلى التَمرّد على الله. ولكن لاحظوا أنّ الحيّة كانت موجودة داخل جنة عدن، المَكان المقدس.

هذا مِثال آخر على أنّ الجَنّة (مكان مادّي رباعي الأبعاد) هي مكان مُوازٍ للسماء (والسماء مكان روحي غير مادي خارج كوننا رباعي الأبعاد). حتّى ما حَدَث في الجَنّة هو موازٍ لما حدَث في السماء. لأننا نعلَم أنّ الشيطان كان في وقت من الأوقات في السماء؛ كائن روحي مُميّز، أجمَل مخلوق روحي على الإطلاق، بجانب الله نفسه. لا أريد أن أدعوه ملاكًا لأنّ هناك أنواعًا أخرى كثيرة من الكائنات الروحيّة السماوية غير الملائكة. الشيروبيم والسيرافيم كائنات روحيّة ليست ملائكة؛ إنهم كائنات روحيّة مُختلفة وأكثر قوّة من الملائكة. والشيطان الذي كان يُسمَّى (لوسيفر) إبليس عندما كان مقيمًا في السماء، تَمَرَّد على الله وطُرح إلى الأرض بسبب هذا التَمرُّد. لذلك هنا في قصة طرْد الثُعبان من الجَنّة، نرى نفْس القصة، ولكن بدلاً من أن تجري أحداثها في بيئة روحيّة (الجَنّة)، نراها تحدُث في بيئة مادية؛ جَنّة عَدن.

لدينا الثُعبان، وهو مخلوق خاص جدًا… مٌختلف عن كل الَمخلوقات الحيّة الأخرى… يَمشي مُنتصب القامة في الجنة، ويَعيش في حَضرة الله. ثم يَتَمرد ويتغير شكله ويطرد من الجنة (وهو ما يشبه تمامًا طرد لوسيفر من الجنة. حقيقة الثنائية في العمل).

يبدأ الشيطان هجومه بإخبار آدم وحوّاء بأنّ الله كاذب؛ وذلك في الآية ثلاثة. في الآية ثلاثة، بعد أن قال الله لآدم بأنه إذا أكَلَ من شجرة الخَير والشَرّ سيموت، تقول الحيّة " ليس صحيحًا أنكما ستموتان حتمًا….." نتيجةً لهذا التجديف تُطرَد الحيّة من الجَنّة. أكثر من ذلك بعد، تُطرح إلى أسفل في التراب بحيث يَجِب عليها الآن أن تزحَف على بطنِها. طُرِد الشيطان أولاً من العالم الروحي، السماء، ونُفي إلى العالم المادي الأرض (في العبرية كَلِمة الأرْض، التراب، هي "آدم-آه". بعد ذلك طُردت الحيّة من الجَنّة ولُعنت لتزحَف على بطنِها في "آدم-آه"، تراب الأرض. هنا تشابُه دقيق، ودليل آخر على حقيقة الازدواجية.

هذا الحَدَث المُتمثّل في أكْل آدم وحوّاء من شجرة معرفة الخير والشَر بدون إذن هو ما تُسمّيه المسيحيّة سقوط الإنسان أو السقوط من النِعمة، أو ببساطة "السقوط". الآن، من المثير للاهتمام أنّ الحاخامات اليهود القدماء يَنظرون إلى هذا الحدَث بشكل مختلف.

كمسيحيين، كمسيحيين إنجيليين (بسبب رؤية كل طائفة للأمر بطريقة مختلفة)، نرى السقوط كحَدَث انقطَعت فيه علاقة الإنسان بالله وجاء الشر بطريقة كان لها عواقب جسديّة وروحيّة. في تلك اللحظة دَخَلت الخطيئة إلى العالم وأصبحت جزءًا من طبيعتنا البشرية، جزءًا من أليافنا وربما حتّى من مادّتنا الوراثية. ونتيجةً لطبيعتنا الخاطئة نَموت…… ليس بالجَسد فقط، بل روحيًا وأبديًا أيضًا. لذلك نحن بحاجة إلى مُخلِّص؛ مُخلِّص يُخلِّصنا ويُنقِذنا ويُعيدنا إلى حالة مُساوية لما كان عليه آدم قبل أن يُخطئ.

من ناحيّة أخرى، يرى اليهود ما حَدَث في الجَنّة كنوع من التحرير. أي أنّ الإنسان قد مُنح الآن القدرة على الاختيار والمسؤولية للقيام بهذا الخَيار. قبْل فِعل التَمرّد الذي أقدم عليه آدم وحوّاء، كانا ببساطة يفعلان ما أمَرَهما به الله……بِشكل آلي في رأي العديد من الحكماء……لأنه لم يكن هناك خَيار آخر. لماذا؟ لأنه لم يكن هناك بالنسبة لآدم وحوّاء خَيار سوى الخير، والخير كان طريقًا واحدًا وَضَعه الله من دون بديل. ولكن مع إدخال الشرّ بواسطة الحَيّة اكتسبت البشرية نوعًا من الحرّية؛ ليصبح بإمكاننا أن نَختار بأنفسنا إما أنّ نُحبّ الله ونُطيعه أو أن نختار أن نَتْبع طرُقَنا المخدوعة وقلوبنا الموبوءة ونفعَل ما نشاء. وإلى حدٍ ما، يُمكن للبشرية أن تَختار حتى كيفية اتباع الله؛ أي يمكن لكلٍ منا أن يَسعى "لخلاصه" الخاص.

نتيجةً لهذه النظرة، بالنسبة للشعب اليهودي، لم يكن المُخلَّص عمومًا شخصًا يَرتدّ (كفَرد) لإنشاء علاقة صحيحة مع الله، ولم يكن يَعني أن تُدمَّر طبيعتنا الخاطئة ثم نُخلَق من جديد بطبيعة جديدة. بالنسبة للعبراني، المُخلَّص، كان الأمر دائمًا يَتعلّق بِجعْل العبرانية ثقافة العالم المُهيمنة؛ ثقافة يُحدِّدها الله، وتعيش في ملكوت الله، وتدور حول طرُق الإله الواحد الحقيقي الذي تمّ تَعليمها في التوراة. كان يُنظر إلى الخلاص كقضية قومية بِشكْل أو بآخر، وإلى المُخلِّص كقائد قومي للقَضيّة. لكن هذا المُخلِّص سيكون بالضرورة رَجُلًا. في الواقع سيكون من نَسْل أعظم ملك محارب عَرَفته إسرائيل على الإطلاق: المَلِك داوود. لا عجب أنّ عددًا قليلًا نسبيًا من العبرانيين قَبِلوا يشوع كمسيح لهم لأنه ببساطة لم يكن يناسب القالب أو الغرَض الذي بناه الحكماء القدماء للمسيح.

انظروا إلى الآية ثمانية. لا أريد أن أطيل الكلام عمّا قد يبدو نُقطة تافهة، ولكن يمكنني أن أؤكد لكم أنّ ما سأشرحه لكم قد أبقى الكثير من الحاخامات والكثير من العلماء المسيحيين مُستيقظين ليلاً في محاولة لفَهم معناه. السؤال هو: هل كان الله يَمشي جسديًا بالفِعل في الجَنّة؟ والأفضل من ذلك، هل كان لله أي من الصِفات البشرية الجسدية التي تَسمح له بأن "يقفِز فرحًا"، و"يبكي دموعًا مريرة"، و"يُلوِّح بسَيف"، وغيرها من الصِفات والأفعال التي نُدرك أنها تحتاج إلى جَسد مادي للقيام بها؟ ما المغزى من مِثل هذه الكَلِمات التي تُستخدَم كثيرًا في الكتاب المقدس؟

بشكل عام، لدى المسيحيين الإنجيليين إجابة جاهزة في كل مرّة يَتمّ فيها الحديث عن صِفة جسدية شكلية لله؛ نقول إنه لا بد أن يكون يسوع. ربما؛ إذا قرأ المَرء العهد الجديد فقط وتجاهَل العهد القديم، فمن المؤكد أنّ يسوع سيكون جوابًا مَنطقيًا، وإن لم يكن مُقنعًا تمامًا.

لليهود وجهات نظر بديلة فيما يَتعلَّق بما تعنيه هذه المشاعر البشرية والصِفات الشبيهة بالجسد المَنسوبة إلى الله. أنا لست هنا لأقنعكم بأي إجابة مُعيَّنة، لأنّ لا مشكلة لدي في قبول بعض الأشياء على أنها ببساطة أسرار تَفوق قدرة العَقل البشري. بل على العكس تمامًا، في الواقع، لدي الكثير من المَشاكل من تلك التي لها إجابات مُبسّطة جدًا والتي يبدو أننا نَقبلها بسهولة من قَساوستنا وحاخاماتنا وكهنتنا؛ وهي إجابات على بعض العبارات المُعقَّدة والغامضة في كثير من الأحيان من التي نَجِدها في الكتاب المقدس. يَميل الإنسان إلى "مَلء الفراغات " عندما لا يكون هناك إجابة واضحة في الكتاب المقدس. يمكن لهذا الأمر أن يكون خطيرًا حقًا.

بالرغم مِن عدم توافر وجهة نظر يهودية واحدة حول الكثير من الأمور (كما لا وجهة نظر مَسيحيّة واحدة)، فإنّ ما سأقرأه عليكم هو مَوْضِع اتفاق عام بين الحاخامات والحكماء اليهود، تزامنًا مع وجود أقلية فقط من الآراء المُخالِفة.

ربما كان موسى بن ميمون أحد أعظم علماء اليهود وأكثرهم احترامًا على الإطلاق. عاش في القرن الثاني عشر الميلادي. وبدلًا من إعادة صياغة أفكاره حول هذه المسألة، فإنّ وجهة نظره موجزة بما فيه الكفاية لدرجة أنني أفضِّل أن أقتبسها ببساطة.

"بما أن الأمور المُتعلِّقة بالتجربة الجسدية هي من هذا القبيل، فإنّ جميع الكَلِمات المُرتبطة بذلك المذكورة في التوراة والأنبياء على شكل أمثال وتعابير كلامية ومن الأمثلة على ذلك "الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ"، و "…أَغْضَبُونِي (إلوهيم)"، و "… كَمَا فَرِحَ الرَّبُّ"، إلى آخره. قال الحكماء القدماء أنّ التوراة مُصاغة بعباراتنا. يرد في إرميا سبعة الآية تسعة:"هل يُغضبونني حتى أغضب"، بينما يرد في ملاخي ثلاثة الآية ستة: "لأني أنا الرب لا أتغير. لو كان الله حقًا يغضب أحيانًا ويفرح أحيانًا أخرى، لكان مُتغير. إن مثل هذه الصفات غير موجودة إلا في الوجود المظلم الكئيب الذي له جسد يعيش في أكواخ من طين ومخلوق من تراب، أما الله فهو أعلى وأرفع من كل هذا".

ويُتابع في تعليق آخر

"إنّ هذه العبارات تتماشى مع مستوى فَهم الناس (البشر) الذين يستطيعون فَهم الوجود المادي فقط (لاحظوا "تعليقي" الأبعاد الأربعة لكوننا)، وهكذا تَتحدّث التوراة بعبارات نستطيع أن نفهمها. على سبيل المثال، عندما تقول:"إذا شَحذت سَيفي البرّاق…."، هل يملِك الله سَيفًا حقًا؟ هل يَلمَع حقًا وهل يَستخدم سيفًا للقتْل حقًا؟ هذه العبارات مَجازية".

سأترككم تَتصارعون مع ذلك بأنفسكم. النقطة المهمة هي أننا يجب أن نتردّد في نَسْب صِفاتنا البشرية لله. الله ليس إنسانًا، إنه روح. ولكن كيف يُمكن لكائن أعلى منا بكثير، يَعمَل خارج عالمنا الزماني والمكاني، أن يَتواصل معنا إذا لم يكُن ذلك بشروطنا؟ ونعم، بالطبع، سيقول شخص ما الآن حسنًا، كان يشوع إلهًا وكان بالتأكيد كائنًا جسديًا؛ أي أنه كان إلهًا بصِفات بشرية. هذا كُلُّه صحيح. لكِن يسوع كان أيضًا إنسانًا حقيقيًا من لحم ودم مولودًا من امرأة، امرأة مُحدَّدة جدًا، مَريَم، التي كان عليها أن تأتي من سلالة المَلِك داوود.

على الرُّغم من أنّ والد المسيح كان إلهاً، إلا أنّ المسيح كان إنسانًا بنسبة مئة بالمئة، ولكنه كان إلهًا بنسبة مئة بالمئة…لم يكُن نصف إنسان. أي أنّه لم يكن جُزء منه إنسانًا وجُزءًا آخر إله ولم يكن أحيانًا إنسانًا وأحيانًا أُخرى إلهًا. لا أدرِك رأيكم، ولكني لا أستطيع أن أتَصوَّر أو أفهم تمامًا ما يَعنيه كل ذلك أو كيف يعمَل؛ ومع ذلك أعرف أنه صحيح. إنها إحدى تلك الألغاز التي لا يُمكن تفسيرها بأي مصطلح يُمكن للبشر التعامل معه. إنه أمْر إلهي والكتاب المقدس مليء بهذه الأمور الإلهية الصَعبة.

إليكم أمرًا آخر من تلك الأمور الإلهية الصَعبة. يُشير مدراش الربا إلى نقطة مثيرة للاهتمام للغاية من خلال الرَبْط بين بعض كَلِمات المَلِك سليمان وما حَدَث بخصوص أكْل الثمرة المُحرَّمة في سِفْر التكوين. سِفْر الجامعة واحد الآية الثامنة عشرة، يُخبِرنا الكتاب المقدس بما يلي ترجمة الكتاب المقدس النموذجية الأميركي الجديدة (الكتاب المقدس الأمريكي النموذجي الجديد) سِفْر الجامعة واحد الآية الثامنة عشرة، لأن في الحِكمة الكثير من الحُزن، وزيادة المَعرفة تؤدّي إلى زيادة الألم.

ويَمضي مدراش رابا في شَرْح ذلك في سِفْر التكوين ثلاثة الآية ستة، ويكشِف لنا الكتاب المقدس في سِفْر التكوين ثلاثة الآية ستة أنّ هناك ثلاثة أشياء في تلك الشَجرة جعلتْها لا تُقاوَم بالنسبة لحوّاء "هافا" واحد) يبدو أنّ الِثمار التي حَمَلَتْها كانت تبدو لذيذة للأكل، اثنان) أنّ الشجرة نفسَها كانت جميلة، ثلاثة) أنّ تَناولِها يَجعَل المرء حكيمًا. وأنّ أكثر ما كانت تَبحثُ عنه حوّاء هو الحِكمة. انظروا إلى اسم الشَجرة؛ شجرة الخير والشر. تَعلَّق ما قامت به إلى حد كبيرٍ باكتساب المَعرفة، وكُلّما كَبِرْنا في الحياة نَجِد بالفعل أنّ مقولة سُليمان صحيحة؛ كُلّما عرَفتَ أكثر، كلما تمنّيتَ أنك لم تَعرِف أكثر.

عندما نَتحدث عن رؤية الحياة من خلال عيون الطِفل، فإننا نعني أنّ معظم الأطفال لم يَتعلّموا بعد عن الأشياء السيئة في الحياة؛ فهم لا يزالون يَعتقدون أنّك إذا عمِلت بِجِدّ بما فيه الكفاية، أو حلمِتَ بما فيه الكفاية، أو تَصرّفْتَ بشكل جيّد بما فيه الكفاية، فلن يحدُث لك أي شيء سيء. لم يَتعلَّم الأطفال بعد أنّ الناس لا يفعلون دائمًا ما يقولون إنهم سيفعلونه أو من المُفترَض أن يفعلوه. أو أنّ بعض الناس سيؤذونك من دون سَبب واضح؛ بل إنّ بعضهم قد يَسلبُك حياتك وحريَّتك.

نُسمّي هذا براءة الطفولة. كيف يتمّ سَلْب تلك البراءة منهم في نهاية المَطاف؟ المَعرفة. لذا فإنّ المعرفة والحِكمة تَجلبان معهما مجموعة من المشاكل. ومع ذلك فهي رغبة بشرية…كما هو الحال مع حوّاء…للبحث عن المعرفة والحكمة.

هل يمكننا أن نَتقبَّل أنّ كلّ المَعرِفة ضارّة لنا؟ على ما يبدو لا لأنه يبدو أنّ للبشر شهيّة نَهِمة لها. يبدو أنّ هناك معرفة لا يُمكن للبشر (على الأقل البشر الذين لا يَملِكون روح الله فيهم) أن يَتعاملوا معها أو يُميِّزوها بشكل صحيح. يُقال إننا في عَصْر المعلومات منذ خمسة وعشرين عامًا على الأقل. هل العالم مكان أفضل بسبب كل هذه المَعرفة؟ أم أنّ كل هذه المعلومات المُتوفّرة في مُتناول أيدينا تَنتُج من الشرّ بقدْر ما تَنتج من الخير؟ هل حياتنا أكثر سلامًا ومعنىً بسبب هذا التوسُّع الهائل في المَعرفة؟

يَمضي مدراش رابا ليوضح أنّ هناك أساسًا آخر في قصّة سقوط البشرية: حَرّفت حوّاء تَعليمات الله لزوجها آدم…أو…أضاف آدم إلى أمْر الله بعدم الأكل من الثَمرة المُحرَّمة عندما أوصى حوّاء. فعندما ننظُر في سِفْر التكوين اثنان الآية السابعة عشرة، نرى الله يقول هذا لآدم: "وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا تَمُوتُ".

ولكن عندما سَألت الحيّة حوّاء عن سَبب نَهيِها عن الأكْل من تلك الشجرة بالذات أجابت في سِفْر التكوين ثلاثة الآية ثلاثة (الكتاب المقدس الأمريكي النموذجي الجديد) "وَأَمَّا عن ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الجَنّة فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهَا وَلاَ تَمَسَّاهَا لِئَلاَّ تَمُوتَا". من أين جاءت فكرة "لا تَمسّاها"؟ أضافها شخصٌ ما (إما آدم أو حوّاء إلى مَرسوم الله). يُشير المدراش إلى ذلك بقَوْله مِن سِفْر الأمثال (الكتاب المقدس الأمريكي النموذجي الجديد) أمثال ثلاثين الآية ستة: لا تَزِد على كلامه لئلا يوبّخك فيكون كذبًا. هذا هو بالضبط الوَضْع هنا مع حوّاء، أو مع آدم وحوّاء معًا، لأنهما أضافا بعض الكلمات فثَبُتَ أنهما كاذبان.

لدى الإنسان مَيْل حقيقي للإضافة إلى كَلِمة الله أكثر من الطَرْح منها. وعَرَفت الحيّة القديمة في اللحظة التي كذبت فيها حوّاء (أو ربما آدم) …وزَخرفت تعليمات الله…أنهما أصبحا في قَبضتِها. إنّ الإضافة إلى كَلِمة الله أمْر مشبوه حقًا.

لقد فَعَلها العبرانيون ولا يزالون يقومون بذلك. الكنيسة تفعل ذلك كل يوم. وكل ذلك لم يأتِ بفائدة.

حسنًا فلنَنتقل إلى شيء آخر. في الآية الخامسة عشرة نحصُل على هذا البَيان المسيحي، النبوي جدًا (والغامض جدًا). (الكتاب المقدس الأمريكي النموذجي الجديد) تكوين ثلاثة الآية الخامِسة عشرة وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا، فَيَضْرِبُكِ عَلَى رَأْسِكِ وَأَنْتِ تَضْرِبِينَهُ فِي كَعْبِهِ."

ومع ذلك لدينا هنا، في وقتٍ مُبكِر جدًا في الكتاب المقدس، مجرّد نظرة خاطفة عن خطّة الله لإعادة البشرية إليه. يجب أن أقول بصراحة أنه لو كنت في أيام موسى أو داوود، لم أكُن سأرى الأمْر على أنه نبوءة مِسيانية (مَسيحانية) للخلاص، بل كنت سأراه فقط مُحيِّرًا. الأمر أسهل بكثير عند الإدراك المُتأخِّر، ومع مجيء المسيح ورحيله، أن نفْهم حقيقة هذه الآيات وغيرها من آيات العهد القديم: نبوءة عن مجيء مُخلِّصنا. نُحِبّ أحيانًا أن نَنتقد العبرانيين الأوائل أو ننظُر إليهم بازدراء لعدم فَهمِهم خطة الله، ولكن من الطبيعي تمامًا أنّ الإنسان في ذلك الوقت كما هو الحال الآن لا يُصدِّق الله إلا بعد وقوع الحدث. وبِغَضّ النَظر عن عدد الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى إسرائيل، فإنّ القليل من بني إسرائيل آمنوا بما قاله هؤلاء الرِجال (وكانت العواقب وخيمة).

في الواقع انظروا إلينا، نحن كنيسة يشوع اليوم؛ لقد أخبرنا الرَب بشكلٍ لا لِبْس فيه أنه عندما يعود شعب إسرائيل كأمّة وعندما تُسترَدّ أورشليم من الأمم (وهما أمران حدثا مؤخرًا من وجهة نظر تاريخية) فإنها العلامة على أننا نعيش في نهاية الأزمان. لقد قيل لنا أنّ أورشليم وأرض إسرائيل ستُصبِح "كأس ارتِجاف" للعالم كله، ومن المؤكّد أنها أصبحت كذلك بالضبط. متى كانت أورشليم في التاريخ كُلَّه وفي أي وقت آخر سببًا لأن يَرتجف أحَد غَير بني إسرائيل خوفًا؟ أوه، لقد أزعج اليهود البابليين، واليونانيين، والمصريين، والرومان، ولكن لم تكُن أورشليم أبدًا مَركز العالم أو مكانًا يمكن أن يَزعزع ما يحدُث فيها استقرار العالم. لكنها بالتأكيد أصبحت كذلك في حياتنا. لقد قيل لنا أنه عندما نرى كل هذه الأشياء تحدُث، نَنظر إلى الأعلى، لأن خَلاصنا ونهاية العالم كما نعرفه يكون قد اقترَب. لقد شاهدنا هذه الأحداث تَنكشف أمام أعيننا؛ لقد تمّ تحذيرنا مُسبَقًا في كُتُبنا المقدّسة بأن هذا الوقت من التاريخ سيأتي، ومع ذلك لم يَنتبِه إلا عَدد قليل نسبيًا داخل إكلسيا المسيح. دعونا نَتعهّد بألا نكون عميانًا بعد الآن في هذا الزمن المُذهل الذي نعيش فيه؛ ولا نكون غافلين عما يعنيه ذلك؛ ولا سلبيين في كيفية استجابتنا. بشكل عام عندما نتعامى أو نتغافل عن هذه الأحداث، فإننا نَتصّرف مثل العبرانيين القُدامى عندما أنذَرهم يَهوَه بما هو آتٍ فاكتَفوا بالملاحظة ومَضَوا في حياتهم كالمُعتاد. كانت النتائج مُدمِّرة لملايين من بني إسرائيل.

لاحظوا في الآية أربعة وعشرين أنّ الله صَنَع لآدم وحوّاء ثيابًا من جلود الحيوانات. لمَ اختارَ جلود الحيوانات كثياب؟ لقد سَبَق لهما أن صَنعا لأنفسهما ثيابًا من النباتات ولا بد أنها كانت تفي بالغرَض. ولكن يبدو أنها لم تكن جيدة بما فيه الكفاية بالنسبة إلى الله وهذا لأن آدم وحوّاء صَنعا لباسهما بأنفسهما، وليس الله (لا يمكن للإنسان أن يُغطّي نفسه من الخطيئة بلِباس خاص). هنا نرى النتائج النهائية لأول ذبيحة دمَوية في الكتاب المقدس. من أين نَحصل على جِلد حيوان؟ من حيوان مَيْت. هل كان هناك مَوت لأي شيء حتى الآن؟ كلا. هذه الحيوانات التي استُخدِمت جلودها لإلباس آدم وحوّاء (هافا بالعبرية) لم تَتْلف بسبب انقضاء العمر، بل كان لا بد من قَتْلِها. لدينا هنا مَبدأ أساسي آخر من مبادئ الله الأساسية التي وَضَعها لكل الأزمنة والتي يجب أن نَنتبِه إليها: إنّ الدَفْع الوحيد المناسب للخَطيّة هو سَفْك الدم البريء. كان على الله أن يَترُك واحدًا من مخلوقاته البريئة يموت ليَدفَع ثمن تَمرُّد آدم وحوّاء. مخلوقات حيّة، مخلوقة من نفس تُراب الأرض مثلها مثل البشر……مَنحَها الله الحياة من نفسِه تمامًا مثل البشَر…..، كان عليها الآن أن تَخسَر حياتها من أجل التكفير عن تَمرُّد البشر، حتى يكون للبَر علاقة ما مع الله (وإن لم تكُن بمدى العلاقة التي كانت مع آدم وحوّاء في الأصل).

نَسمَع مُصطلح "التغطية" في هذا السياق: أي أنّ الدم المَسفوك كان غطاءً لخطيّة الإنسان.

من هنا تأتي فكرة أنّ الدم كان غطاءً؛ فجلود تلك الحيوانات "غَطّت" عُري آدم وحوّاء…. خطيئتهما…… والخطيئة التي غَطّتْها كانت في هذه الحالة تَمرُّدِهما بالسَرقة من شجرة معرفة الخير والشَر، والآن تعيش الخطيئة فيهما.

ومع ذلك عندما كذبت حوّاء وأخبرت الحيّة العجوز أنه لم يكن مَسموحًا لها حتى أن تلمِس تلك الشجرة، لم تكُن قد أكلت الثمرة بَعْد. لم تكُن قد اكتسبت بَعْد معرفة الخير والشر. إذًا، سواء كانت كذبة آدم أو كذبة حوّاء، فمن أين أتتهما فِكرة الكذِب إذا كان سقوط الإنسان….أي تَناوُل تلك الثَمرة……. لم يكن قد حَدَث بَعْد؟

اعتَبر الحكماء العبريون القدماء أنّ الله خَلَق الإنسان بجانب خَيِّر وجانب شرير، ويُسمّونه المَيل إلى الخير والشر. والعبارتان بالعبرية هما "يتزر هاتوف" و "يتزر هارا" الخير توف والميل الشرّير را. إذًا، وِفقًا لهذا الرأي فإنّ حوّاء أو آدم أو كلاهما كانا يَتصرّفان وفقًا لميولهما الشريرة المُتأصلة فيهما عندما أضافا (أولاً) إلى أمْر الله بتَضمين عبارة "ولا تَمَسّاها" ثم ثانيًا عندما عَصَيا أمرَه عمدًا بأكْل الثمرة التي قال الله لهما بشكلٍ لا لِبْس فيه ألا يأكلاها. نعم تُحاول حوّاء أن تُعيب اللوم وتقول إنّ الحيّة "خدعَتها "….. ولكن هل هذا هو الحال حقًا؟ كل ما فعلته الحيّة في البداية هو طرْح سؤال، ولم يكن رَدّ حوّاء صادقًا. وبمجرد أن كذبت، أصبحت البوابة مَفتوحة وأخذها الشيطان إلى الخطوة التالية…العِصيان.

هذا الأمر يَلدَغ حقًا معظم العقيدة المسيحيّة في موضوع الشر وسقوط الإنسان، لكن من الصعب ألا نرى أنّ الحكماء العبرانيين لديهم وجهة نظر على الأقل. فبَعْد كل شيء، إذا كان الله قد خَلَق كل شيء وشجرة معرفة الخير والشر هي من خَلْقِه (وَضَعها في الجَنّة التي خَلَقَها) فلا بد أنّ الشرّ قد سَبَق البشرية. هل تَولَّد الشر من تلقاء نفسه؟ هل ظَهَر الشر من العدَم؟ أم كان الشر في الواقع جزءًا من الخَلْق؟ لن نناقش اليوم هذا الموضوع المثير للصداع، ولكننا سنَنظر عن كثب في موضوع الخير والشر عندما نصِل إلى الإصحاح السادس من سِفْر التكوين. إذا كنا جِديّن بشأن ما يُخبرنا به الكتاب المقدس (وما لا يُخبرنا به)، فلا يمكن أن نأخذ مسألة وجود الشر قبل الخَلْق على أنها مسألة بسيطة ومَقطوعة وجافّة وسهلة على ضمائرنا ومُقولبة عقائديًا.

في الآية اثنان وعشرين نحصُل على قطعة أخرى من قِطَع لُغز من هو الله وما هي صِفاته. لأننا نحصل على عبارة (الكتاب المقدس النموذجي الأميركي الجديد) التكوين ثلاثة الآية اثنان وعشرين "فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ:"هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفًا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَالآنَ لِئَلاَّ يَمُدَّ يَدَهُ وَيَأْخُذَ أَيْضًا مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ وَيَأْكُلَ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ"

وهذه العبارة تَتوافق مع عبارة أخرى في (الكتاب المقدس النموذجي الأميركي الجديد) تكوين الإصحاح واحد الآية ستة وعشرين ثُمَّ قَالَ اللهُ :"لِنَصْنَعَ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا، ومثالنا وَلْيَتَسَلَّط عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ وَعَلَى كُلِّ دَابَّةٍ تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ".

إذًا، لدينا هنا مَكانان في الكتاب المقدس، يَتحدَّث الله فيهما عن نفسِه على أنه "نحن".

لاحظوا أيضًا أنّ آدم وحوّاء أُخرِجا من المكان المقدس أي جَنّة عَدَن. انفصَل الجنس البشري الآن عن الله…. جسديًا وروحيًا. وَوَضَع الله حارسًا ملائكيًا قُرب شجرة الحياة لإبعاد آدم وحوّاء عنها لأنهما أثبتا بالفعل أنهما غير جديرَين بالثقة. لم يَستِطع الله أن يَسمح لهما بالاقتراب منها؛ في الواقع بات من الغير المَسموح لهما حتى بالبقاء داخل الجَنّة. لا يمكن أن يَسمح الله بالنجاسة والخطيّة في أي مكان بالقرب من قداسته الكاملة.

لاحظوا مرة أخرى الاتجاه، أي الشَرق. لقد وَضَع الله حارسه الملائكي في الجزء الشرقي من الجَنّة…. من الواضح أنه كان هناك مَدخَل إلى الجَنّة من الشرق. إذًا لدينا الآن الجَنّة في الجزء الشرقي من أرض عَدَن، وَوَضع المَلاك في الطَرَف الشرقي من الجَنّة. سنرى المزيد عن "الشَرق" بينما نمضي قدمًا.

قراءة سِفْر التكوين. الإصحاح أربعة من الآية واحد إلى تسعة

لدينا هنا قايين وهابيل ابني آدم وهابيل. ولدينا أول جريمة قَتْل مُسجَّلة (على الرغم من أنه كان هناك على ما يبدو الآن العديد من السكّان على الأرض، لذلك قد لا تكون كذلك). ولكن قَبْل هذا الحدَث نحن شهود على قبول الله لذبيحة، حيوانية، وليس على قبول ذبيحة أخرى، طعام من الأرض…. أي النباتات. مرّة أخرى يؤكِّد الله على المَبدأ الأساسي بأنّ الدم البريء وحدُه هو المناسب للتكفير.

للأسماء العبرية أهمية كبيرة؛ فالقدماء كانوا يَميلون إلى تسمية أبنائهم بأسماء بعض الأحداث أو الِصفات أو الآمال التي كانت ذات أهمية للعائلة. لذلك، من المُفيد لنا أن نَعرِف ما كانت تَعنيه هذه الأسماء التوراتية لأنها تُعطينا نظرة ثاقبة على عقلية الأشخاص المَعنيّين وعلى الأحداث التي كانت تَتمحور حياتهم حولها. ولكن لكي نكون واضحين، لم يكُن قايين عبرانيًا لأن الأمْر سيَستغرق مئات السنين بعد الطوفان العظيم القادم قبل أن يظهر أول شخص يُسمَّى "عبرانيًا". إذًا ما نتحدَّث عنه هنا حقًا هو اللغة العبرانية السابقة (الأكادية) وليس العِرْق العبراني.

كانت كَلِمة "قايين" العبرانية تعني "المُكتسَب من الله". يبدو أنّ قايين كان على الأرجح أوّل طِفل لآدم وحوّاء، ولأنه كان طفلاً ذَكَرًا، وبسبب الاسم الذي أطلقته عليه حوّاء، يبدو أن حوّاء، قد تَوصَّلت إلى هذا الارتباط الذي قرأنا عنه قَبل قليل عن أنّ نَسْل حوّاء سيُدمي رأس نَسْل الحيّة. لا بد أنها استنتجت منطقيًا أنّ هذا هو الرَجُل الذي سيَتعامل مع الحيّة الشيطان.

قيل لنا أيضًا أنّ قايين كان مزارعًا.

والمولود التالي كان هابيل، بالعبرية "هافيل"؛ وكان هابيل راعي غَنم. هناك بعض الخِلاف حول مَدلول اسم هابيل: يقول بعض العلماء أنه لا يمكننا أن نَستنتِج منه أي معنى. لكن آخرين يقولون إنّ هابيل مأخوذ من الكَلِمة العبرية "هَبَل"، والتي تَعني "نَفَس" أو "بخار" …… أي تَحمِل صِفات العبور…مَوجود للحظة ثم يَختفي. لا نعرِف الكثير عن أي من الأخوين، ولكننا نعرف أنّ الله استدعاهما في قت مُحدِّد ليقدِّما ذبيحة أو قربانًا له. بما أنه لم يكن هناك إحساس بالمفاجأة أو عدم التوقُّع في الآية ثلاثة، فإنّ تقديم ذبيحة للرَب كان على الأرجح حَدثًا اعتياديًا؛ على الأقل لم تكُن هذه هي المرة الأولى التي تُقدَّم فيها ذبيحة للرب. على الأرجح أنّ المذبح الذي قُدِّمت فيه الذبيحة كان يَقَع عند مدخل جَنّة عدن لأنه لم يكن مَسموحًا لهما بالدخول إلى المنطقة التي يسكُنها الرَب، أي الجَنّة.

لقد قيل لنا أنّ الله يَقبَل تقدمة الخروف البِكْر المذبوح من هابيل ولكنه يرفُض النباتات التي أحضرها قايين. السؤال هنا، بالطبع، هو لماذا رَفَض الله تقدِمة قايين؟ هناك احتمالان مُحتمَلان: أولاً، كان من المُحتمَل أن يكون نوع الذبيحة التي قُدِّمت إما محروقة أو ذبيحة تطهير (بالعبرية عُلّى أو حتات) والذبيحة الوحيدة المُناسبة أمام الله لأي من هذين النوعين من الذبائح هي الحياة، الحياة الحيوانية البريئة، وهذا بالضبط ما قيل لنا أنّ هابيل قد أحضرَه كتقدِمة له. الآن من شِبْه المؤكّد أنّ كلّ الطقوس والمُتطلِّبات التي نجِدها في سِفْر اللاويين للذبيحة لم تكن مشمولة؛ لقد كان الأمْر أبسط ومباشرًا ولا يوجد ذِكْر لوسيط أو كاهن. لكن النقطة المهمة هي أنّ هذين الأخوين كانا يَعرفان جيدًا ما كان الله يَتوقَّعه منهما، لأنهما تَرَبَّيا على ذلك. قبل أن يولد هذان الاثنان بوقت طويل كان الله قد أعطى أبويهما تلك الوصية والتَعليمات من خلال جلود الحيوانات التي طُلِب من آدم وحوّاء أن يلبِساها… لسَتْرِهما. كانا يتذكران ذلك أربعة عشرين ساعة في اليوم.

وَجهٌ آخر مثير للاهتمام في مسألة الذبيحة يَتعلّق بطبيعة نِتاج الحَقل الذي أحضره قايين: كان عاديًا. في تكوين ثلاثة الآية أربعة، "…. مع مرور الزمن قَرّب قايين قربانًا لأدوناي من نتاج الحقل، وقرب هابيل أيضًا من أبكار غنمه" كانت ذبيحة هابيل هي البِكر الأكثر قيمة (حيوان ذكر)، أما بالنسبة لنِتاج قايين من الأرض، فلا يوجد أي ذِكْر على الإطلاق لكونه بِكرًا أو أفضل ما في الحَقل أو أي شيء يَجعله مُتميِّزًا عن أيٍ من المُنتجات الأخرى. لا يَتّفق الحكماء تمامًا على طبيعة العَيب في تقدِمة قايين (كاين): يقول البعض أنه لم يكن ينبغي أن يأتي بنَبات على الإطلاق، وأنه كان ينبغي أن يَكون حيوانًا. ويقول آخرون أنّ المُشكلة كانت في المَوقف المُتعجرِف غير النادم الذي أتى به قُربانه (وهو ما لم يُوصَف على الإطلاق)؛ ويَستشهِد آخرون بما ناقشناه للتو، أنه كان مجرد نِتاج عادي وليس الأفضل، وهو أمْر لا بد منه إن كان سيُقدَّم لله.

لنتَذكَّر أنّ الإنسان في هذا الوقت كان يأكُل النباتات فقط….. وليس الحيوانات. لذلك لم يكُن الغرَض من الأغنام في هذا العَصر هو اللحم، بل كان الغَرَض منها التَضحيّة واللباس. لم يكن من المُمكن أن تكون الحيوانات التي كان يُنتجها "هافيل" تَخدُم أي غَرض آخر غَير خِدمة الله ومن أجل الصوف أو الجلود للملابس وربما الخِيام. لذلك يُمكننا أيضًا أن نَجمَع بين هذين الغَرَضين للغَنَم تحت عنوان واحد: التَغطية. هل ترون؟ الخروف، أي الحَمَل، كان من أجل توفير الغِطاء (الكساء) لعُري الإنسان الجسدي، وكان أيضًا من أجل توفير الغطاء (دمه البريء) لعُري الإنسان الروحي، أي خطيّته. ولكن لم يكُن من أجل غذائه.

سنُتابع هذا الفَصْل في المرة القادمة.